أدى ظهور الصواريخ المتقدمة المضادة للسفن، والطيران البحري، وحتى الأنظمة الجوية غير المأهولة “المسيّرات”، إلى ترسيخ فكرة أن البوارج البحرية أصبحت “أسلحة متقادمة”، إلا أنها عادت إلى الواجهة مرة أخرى، مع إعلان الرئيس الأميركي دونالد ترمب وقيادة القوات البحرية عن خطط لإطلاق بارجة من فئة “ترمب” Trump ضمن مبادرة “الأسطول الذهبي”.
وتم تصميم هذه البارجة باعتبارها سفينة حربية ضخمة، قادرة على حمل مدافع كهرومغناطيسية (Railguns) وعشرات الصواريخ المتطورة، في خطوة يُنتظر أن تتحدى العقيدة البحرية السائدة. فالبوارج، وفق المفهوم التقليدي، ظلت خارج الخدمة الفعلية لما يقرب من 80 عاماً، وفقاً لمجلة The National Interest.
ومن المتوقع الانتهاء قريباً من بناء سفينة USS Defiant من فئة Trump، والمجهزة لحمل مجموعة مختلفة من الأسلحة، كما من المنتظر أن تكون جاهزة للعمل في غضون عامين ونصف العام، بحسب هيئة الإذاعة البريطانية BBC.
سيدة البحار
وقبيل الحرب العالمية الأولى، كانت البوارج “سيدة البحار” بلا منازع. بل إن سباق التسلح في بناء البوارج بين بريطانيا وألمانيا أسهم في اندلاع “الحرب العظمى”.
فقد أدى التنافس على إدخال أكبر عدد ممكن من البوارج من طراز “دريدنوت” Dreadnought إلى الخدمة إلى توتر العلاقات بين القوتين الأوروبيتين، وأسهم في الأحداث الكارثية التي قادت إلى الحرب العالمية الأولى.
وانتهى السباق بتفوق المملكة المتحدة، وسيطرة البحرية الملكية على البحار خلال الحرب. ورغم أن الصراع شهد مواجهة بحرية كبرى واحدة فقط، وهي معركة يوتلاند عام 1916 – حيث خسرت بريطانيا عدداً أكبر من السفن والرجال لكنها حققت نصراً استراتيجياً على أسطول أعالي البحار الألماني – فإن البوارج ظلت الوحدة البحرية الرئيسية في تلك الحرب.
لم يتغير الكثير خلال فترة ما بين الحربين العالميتين، فقد أدركت القوى الكبرى آنذاك أهمية البوارج في الحروب البحرية، ووقّعت معاهدة واشنطن عام 1922 التي حددت حمولة البوارج الجديدة عند 35 ألف طن.
ورغم تخلي الدول عن المعاهدة في السنوات التي سبقت الحرب العالمية الثانية، فإن الاتفاق الدولي أوقف تطوير وإنتاج البوارج لنحو عقد من الزمن.
وعند اندلاع الحرب العالمية الثانية، كانت البارجة لا تزال القوة البحرية الرئيسية في ساحة المعركة.
نهاية عصر البوارج
كانت قدرات القوات البحرية تُقاس بعدد البوارج القادرة على الإبحار، غير أن هيمنتها انتهت سريعاً في السنوات الأولى من الحرب، وكان ذلك على يد سلاح الجو.
وفي العديد من العمليات حول العالم، أثبتت الطائرات، التي غالباً ما كانت تُطلق من حاملات الطائرات، أن البوارج لم تعد قادرة على الحفاظ على مكانتها.
فعلى سبيل المثال، في 10 ديسمبر 1941، وبعد ثلاثة أيام فقط من الهجوم على بيرل هاربر، أغرقت الطائرات اليابانية البارجة البريطانية “إتش إم إس برنس أوف ويلز” HMS Prince of Wales والطراد القتالي “إتش إم إس ريبالس” HMS Repulse في عملية واحدة.
ومع ذلك، أصبحت القوات البحرية، ولا سيما في مسرح العمليات في المحيط الهادئ، تعتمد بشكل متزايد على حاملات الطائرات لشن العمليات الهجومية.
وجاءت النهاية الرمزية لعصر البوارج في معركة ملحمية بين البارجة اليابانية “ياماتو” Yamato، إحدى أضخم البوارج التي شُيّدت على الإطلاق، ومئات الطائرات الأميركية في 7 أبريل 1945.
وعقب انتهاء الحرب العالمية الثانية، سارعت القوات البحرية حول العالم إلى إخراج البوارج من الخدمة بأعداد كبيرة.
واحتفظت البحرية الأميركية ببعض البوارج في أسطولها النشط، ولكن لأدوار ثانوية، إلا أن ظهور الصواريخ المتطورة المضادة للسفن، والطيران البحري، وحتى أنظمة الطائرات المسيّرة، كرّس بقاء البوارج خارج الحسابات العسكرية.
فقد كانت البوارج ضخمة ومكلفة للغاية، ولم تُضف الكثير إلى ساحة المعركة لأن مدافعها لم تكن قادرة على الوصول إلى مسافات بعيدة.
ومع هذا الوضع، فإن البارجة من فئة Trump تعد بإعادة إحياء مفهوم البوارج، ولكن يجب الاستمرار في مراقبة الوضع لمعرفة ما إذا كان هذا القرار قابل للتطبيق في ساحة المعركة المستقبلية.
