أصدر قاضٍ فيدرالي في الولايات المتحدة حكماً يمنع إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترمب من إنهاء الحماية القانونية المؤقتة التي منحت أكثر من مليون شخص من هايتي وفنزويلا الحق في الإقامة والعمل داخل الأراضي الأميركية، بحسب وكالة “أسوشيتد برس”.

وجاء قرار قاضي المحكمة الجزئية بمدينة سان فرانسيسكو، إدوارد تشين، لصالح المدعين، ما يعني أن نحو 600 ألف فنزويلي، ممن انتهت مدة حمايتهم القانونية المؤقتة في أبريل الماضي أو كانت ستنتهي في 10 سبتمبر الجاري، سيواصلون التمتع بوضع قانوني يسمح لهم بالبقاء والعمل في الولايات المتحدة. ويشمل القرار أيضاً نحو 500 ألف شخص من هايتي.

وانتقد القاضي تشين وزيرة الأمن الداخلي الأميركية كريستي نويم بـ”شدة”؛ بسبب قرارها إلغاء هذه الحماية، قائلاً إن هذه الخطوة “ستُعيدهم إلى أوضاع بالغة الخطورة، لدرجة أن وزارة الخارجية نفسها تحذر من السفر إلى بلدانهم الأصلية”، وفق ما ورد في نَص الحكم.

وأضاف أن تصرُّف نويم كان “تعسفياً ومتقلباً”، وأنها تجاوزت صلاحياتها القانونية بإلغاء هذه الحماية، التي سبق تمديدها من قِبَل إدارة الرئيس الأميركي السابق جو بايدن.

وتابع تشين: “طوال 35 عاماً، كانت الإدارات الأميركية تطبّق هذا القانون استناداً إلى أفضل المعلومات المتاحة، وبالتشاور مع الوكالات الحكومية الأخرى، وهي عملية تتضمن دراسة وتحليلاً دقيقاً.. إلى أن حدث ذلك”.

ورحّب المدّعون ومحاموهم بالحكم القضائي، رغم أنه لم يتضح بعد ما إذا كان سيساعد الأشخاص الذين تم ترحيلهم بالفعل.

وقالت كبيرة المحامين في مؤسسة “الاتحاد الأميركي للحريات المدنية” في شمال كاليفورنيا إيمي ماكلين: “في الأشهر الأخيرة، عانى الناس من أضرار لا تُوصف، من بينها الترحيل وتفكيك الأسر، بسبب سماح المحكمة العليا لوزيرة الأمن الداخلي بتمرير أجندة تمييزية وضارة.. لكن يجب أن يتوقف ذلك الآن”.

في المقابل، قال متحدث باسم وزارة الأمن الداخلي، في بيان عبر البريد الإلكتروني، إن برنامج الحماية المؤقتة “أسيء استخدامه واستغلاله وتسييسه ليصبح بمثابة برنامج عفو فعلي”، مضيفاً أن “القضاة النشطاء غير المنتخبين لا يمكنهم الوقوف في وجه رغبة الشعب الأميركي في بلد آمن”.

وجاء في البيان أيضاً: “بينما يؤخر هذا القرار تحقيق العدالة، ستستخدم الوزيرة نويم كل الخيارات القانونية المتاحة لها لإنهاء هذه الفوضى، وإعطاء الأولوية لسلامة الأميركيين”.

“الحماية المؤقتة”

وبحسب وثائق المحكمة، أنهت إدارة ترمب برنامج “الحماية المؤقتة”، وكذلك برنامج “القبول الإنساني المشروط” لما يقرب من 1.5 مليون شخص، ما دفع منظمات حقوق المهاجرين إلى رفع دعاوى قضائية في مختلف أنحاء البلاد.

ويُمنح وضع “الحماية المؤقتة” من قِبَل وزير الأمن الداخلي للأشخاص المقيمين في الولايات المتحدة، إذا اعتُبرت الأوضاع في بلدانهم الأصلية غير آمنة للعودة، بسبب كوارث طبيعية أو عدم الاستقرار السياسي أو ظروف أخرى بالغة الخطورة.

ويُشار إلى أن ملايين الفنزويليين كانوا قد فرّوا من بلادهم بسبب الاضطرابات السياسية، والبطالة، ونقص الغذاء، في ظل أزمة ممتدة منذ سنوات بفعل التضخم المفرط، والفساد السياسي، وسوء الإدارة الاقتصادية، والحكومة غير الفعَّالة، بحسب وكالة “أسوشيتد برس”.

أما هايتي، فكانت قد أُدرجت ضمن برنامج الحماية المؤقتة لأول مرة عام 2010، بعد زلزال مدمّر بلغت شدته 7 درجات، أسفر عن وفاة وإصابة مئات الآلاف، وتسبب في تشريد أكثر من مليون شخص. ولا يزال الهايتيون يعانون الجوع على نطاق واسع، إلى جانب تفشي العنف المسلح من قِبَل العصابات.

وكان من المقرر أن تنتهي مدة هذه الحماية للفنزويليين والهايتيين في سبتمبر الجاري، لكن تم تمديدها حتى فبراير، بموجب قرار قضائي منفصل صادر عن محكمة في نيويورك.

من جانبها، قالت نويم إن الأوضاع في كل من هايتي وفنزويلا قد تحسّنت، وإنه لم يعد من “المصلحة الوطنية” السماح للمهاجرين من هذه الدول بالبقاء ضمن إطار هذا البرنامج المؤقت. كما أكد محامو الحكومة أن للوزيرة صلاحيات واسعة وواضحة لاتخاذ قرارات تتعلق بـ”الحماية المؤقتة”، وأن هذه الصلاحيات لا تخضع للمراجعة القضائية.

ويُمنح برنامج “الحماية المؤقتة” لفترات تتراوح بين 6 و12 و18 شهراً، ويمكن تمديده طالما استمرت الظروف الخطيرة. ويمنع هذا الوضع القانوني ترحيل حامليه، كما يُتيح لهم العمل بشكل قانوني داخل الولايات المتحدة.

“تطورات قانونية”

وكتب القاضي تشين في حُكمه أن قرار الوزيرة كريستي نويم إلغاء البرنامج “لم يكن غير مسبوق في طريقته وسرعته فحسب، بل كان أيضاً مخالفاً للقانون”.

تجدر الإشارة إلى أن القضية شهدت تطورات قانونية متعددة، شملت استئنافاً أمام المحكمة العليا الأميركية. ففي مارس، علّق القاضي تشين مؤقتاً خطط الإدارة لإنهاء برنامج الحماية المؤقتة للفنزويليين، وكان من المتوقع أن يفقد نحو 350 ألف شخص وضعهم القانوني في الشهر التالي.

إلا أن المحكمة العليا الأميركية ألغت ذلك القرار في مايو، خلال استمرار نظر القضية، من دون أن تُقدّم مبررات، وهو ما يُعد أمراً شائعاً في الاستئنافات العاجلة، كما لم تبت المحكمة في جوهر الدعوى.

وقدّم المدعون مذكرة للمحكمة، سلّطوا فيها الضوء على حالة الفوضى التي تسببت بها إدارة ترمب، والقرار الصادر عن المحكمة العليا الذي أعاد تفعيل خطط الترحيل. لكن قرار المحكمة العليا لا ينطبق على الحكم الجديد الصادر، الجمعة، ومن المنتظر أن تستأنف الحكومة الحكم خلال الأيام المقبلة.

وكانت محكمة استئناف مكوّنة من 3 قضاة قد أصدرت، الأسبوع الماضي، حكماً لصالح المدعين، أكدت فيه أن إدارة ترمب لم تكن تملك الصلاحية القانونية لإلغاء تمديدات الحماية التي أقرتها الإدارة السابقة.

شاركها.