قانون “قيصر” على بعد خطوة من التمديد
– هاني كرزي
تسارع المنظمات السورية في أمريكا العمل بغية تمديد قانون “قيصر”، مع بقاء شهرين فقط على انتهاء صلاحيته، بالتزامن مع محاولات لتمرير قانون “مناهضة التطبيع مع الأسد”، وهو ما سيكون إن تحقق بمنزلة ضربة قوية للنظام السوري.
في 17 من كانون الأول 2019، وافق مجلسا النواب والشيوخ في “الكونجرس” الأمريكي على تمرير قانون “قيصر”، وفي 21 من الشهر ذاته، أصبح قانونًا نافذًا بعدما وقع عليه الرئيس الأمريكي السابق، دونالد ترامب، وبالتالي أصبح القانون جزءًا من قانون موازنة الدفاع الوطني الأمريكية للسنة المالية 2020.
جاء قانون “قيصر” لزيادة العزلة المالية والاقتصادية والسياسية للنظام السوري ومعاقبة حلفائه، وإجباره على القبول بالحل السياسي على أساس قرار مجلس الأمن “2254”.
ضغوط للتمديد أربع سنوات
قانون “قيصر” ساري المفعول لخمس سنوات، وبالتالي فإنه ينتهي في 19 من كانون الأول 2024، وسط مساعٍ حثيثة من المنظمات السورية في أمريكا لتمديد هذا القانون.
في 12 من أيلول الماضي، قال “التحالف الأمريكي من أجل سوريا” عبر حسابه على “إكس“، إن السيناتور الديمقراطي بن كاردن، رئيس لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ، قدّم تعديلًا على مشروع قانون تفويض الدفاع الوطني للعام المالي 2025، يتيح تمديد قانون “قيصر” لمدة أربع سنوات.
وقال “التحالف”، إنه التقى بمستشارين رئيسين في حملتي كامالا هاريس ودونالد ترامب، ومجلس الأمن القومي، ووزارة الخارجية، و”الكونجرس”، بغية الضغط لمنع التطبيع مع الأسد ومحاسبته، وتمديد قانون “قيصر”، ومكافحة تجارة المخدرات.
وفي هذا السياق، قال الإعلامي والسياسي السوري- الأمريكي أيمن عبد النور، ل، إن السيناتور بن كاردن أدرج فقرة ضمن قانون “مناهضة التطبيع”، تنص على تمديد قانون “قيصر” حتى عام 2028، مشيرًا إلى أن نوابًا من الحزب “الجمهوري” اقترحوا تمديد القانون لخمس سنوات، بينما اقترح نواب “ديمقراطيون” تمديده لثلاث سنوات فقط، ما دفع كاردن لاقتراح تمديده لأربع سنوات كحل وسطي بين الحزبين.
وأضاف عبد النور، أحد الذين عملوا على قانون “قيصر”، أنه لم يتم إدراجه بشكل مستقل للتصويت عليه، بل أُرفق كبند ضمن قانون “مناهضة التطبيع”، لافتًا إلى أنه كان من الأفضل طرح قانون “قيصر” للتصويت عليه في “الكونجرس” بشكل مستقل لضمان الموافقة عليه بنسبة 100%، بدلًا من إرفاقه مع قوانين أخرى قد تؤثر على فرص تمديده.
بدوره، قال المدير التنفيذي لـ”المنظمة السورية للطوارئ”، معاذ مصطفى، إن “اللوبي” السوري في أمريكا يواصل المفاوضات مع “الكونجرس”، عبر لقاءات عديدة مع نواب “ديمقراطيين” و”جمهوريين”، إضافة إلى التواصل مع مكتب بن كاردن الذي عرقل قانون “مناهضة التطبيع مع الأسد”، من أجل تمرير أكبر عدد ممكن من القوانين لسوريا وعلى رأسها قانون “قيصر”، الذي أصبح على بعد خطوة من التمديد.
وأضاف مصطفى ل، “كنا نسعى هذا العام لإدراج موضوع سحب الاعتراف الأمريكي بالنظام السوري ضمن حزمة القوانين التي سيصوّت عليها الكونجرس، لكننا فشلنا في ذلك بسبب قيام السيناتور كاردن بإدخال تعديلات على قانون مناهضة التطبيع مع الأسد، وحذف مواد أخرى أدت لإضعافه”، مشيرًا إلى أن “اللوبي” السوري في أمريكا، سيضغط مجددًا العام المقبل، لتمرير بند سحب الاعتراف الأمريكي بالنظام، الذي ستكون له تبعات كبيرة على الأسد.
حظوظ تمديد “قيصر”
المساعي لتمديد قانون “قيصر” تأتي مع اقتراب الانتخابات الأمريكية التي تجري في 5 من تشرين الثاني المقبل، والتي ستسفر عن وصول رئيس جديد لأمريكا بعد انسحاب جو بايدن من السباق الرئاسي، حيث تتنافس نائبته كامالا هاريس والرئيس السابق ترامب على كرسي الرئاسة.
ومع اقتراب وصول إدارة أمريكية جديدة، تسود مخاوف من أن يؤثر ذلك على حظوظ تمديد قانون “قيصر”، لا سيما أن التصويت على القانون في “الكونجرس” سيكون بعد انتهاء الانتخابات الأمريكية.
ما زاد المخاوف أكثر حول قانون “قيصر”، أن الرئيس بايدن قام، في نيسان الماضي، بعرقلة قانون “مناهضة التطبيع مع الأسد”، رغم إقراره من قبل “الكونجرس” الأمريكي، وبالتالي يُخشى أن يؤثر ذلك على حظوظ تمديد القانون، لا سيما أنه سيجري التصويت عليه من قبل “الكونجرس” كجزء من قانون “مناهضة التطبيع” وليس كقانون مستقل.
لكن رئيس منظمة “مواطنون من أجل أمريكا آمنة”، بكر غبيس، أكد ل أن حظوظ تمديد “قيصر” عالية جدًا، لأن هناك شبه إجماع عليه من قبل الحزبين “الجمهوري” و”الديمقراطي” والبيت الأبيض، ولجنتي العلاقات الخارجية والقوات المسلحة، ومجلسي النواب والشيوخ.
وشدد غبيس على أنه ليست هناك أي عراقيل تمنع تمديد قانون “قيصر”، ولن تؤثر الإدارة الجديدة بشكل مباشر بإقرار القانون في “الكونجرس”، مشيرًا إلى أنه “سيتم تمديد قانون (قيصر) سواء تم تمرير قانون مناهضة التطبيع أم لا”.
من جهته، أكد أيمن عبد النور أن هناك تفاؤلًا كبيرًا بتمديد القانون، لكن الأنظار تتركز على النجاح كذلك في تمرير قانون “مناهضة التطبيع مع الأسد”، الذي تقف ضده الإدارة “الديمقراطية” في البيت الأبيض، وبالتالي في حال فوز “الجمهوريين” بالرئاسة بزعامة ترامب، سيمر قانون “مناهضة التطبيع” بصيغته السابقة، لأنهم هم من صاغوه وأقروه في مجلس النواب، أما في حال فوز “الديمقراطيين” بزعامة هاريس، فإنه قد لا يمر هذا القانون، أو يتم إقراره بصيغته المعدلة التي أضعفت مفاعيله.
ولفت عبد النور إلى أنه في حال تصويت مجلس النواب ضد قانون “مناهضة التطبيع”، فإنه سيتم حينها صياغة فقرة واحدة تتيح تمديد قانون “قيصر”، حيث سيصوّت حينها “الكونجرس” عليه ويقوم بإقراره كملحق لموازنة الدفاع، وبالتالي سيذهب إلى الرئيس الأمريكي الجديد الذي سيصدّق عليه رسميًا.
وحول أسباب عدم تمرير قانون “مناهضة التطبيع مع الأسد” سابقًا، قال عبد النور، إن هذا القانون يضيّق صلاحيات الخارجية الأمريكية، ومرونة عملها في منطقة الشرق الأوسط، ويعرقل مفاوضاتها مع الأسد من أجل إطلاق سراح المعتقلين الأمريكيين، لذلك قام كاردن بعرقلته بإيعاز من بايدن.
بدوره، أكد معاذ مصطفى أن هناك عدة عوامل تجعل هناك شبه تأكيد حول تمديد قانون “قيصر”، أبرزها أن “الكونجرس” الأمريكي عبر التاريخ كان دائمًا يعمل على تمديد القوانين التي يقوم بإقرارها، بمعنى أن القانون الذي لا يريده “الكونجرس” لا يقره أصلًا، أما إذا وافق عليه، فإنه يميل لتمديده باستمرار.
وأضاف مصطفى أن هناك إجماعًا كاملًا من قبل “الجمهوريين” و”الديمقراطيين” في مجلسي النواب والشيوخ لتمديد قانون “قيصر”، وبالتالي يعتبر عدم إقراره من قبل “الكونجرس” أو الإدارة الأمريكية بمنزلة انتحار سياسي.
قانون ذو مفاعيل قوية
معهد “واشنطن لسياسات الشرق الأدنى” نشر، في حزيران 2023، بحثًا مطولًا حول التأثيرات التي حققها قانون “قيصر”، مؤكدًا أن القانون وسّع العقوبات التي وُضعت في عهد الرئيس الأمريكي الأسبق، باراك أوباما، من خلال تطبيق عقوبات معززة تستهدف وسطاء النظام لمنعه من الاستفادة من الجهود المبذولة للاستحواذ على ممتلكات السوريين المقيمين أو المغتربين بحجة إعادة الإعمار.
وذكر المعهد أن قانون “قيصر” يشرّع عقوبات ثانوية أو مشتقة ضد وسطاء نظام الأسد، ما يعني أنه لا يقيد قدرة الأشخاص والكيانات الأمريكية وحدها على الانخراط في إعادة إعمار سوريا بعهد الأسد، بل الأشخاص والكيانات غير الأمريكية أيضًا، وبذلك سيواجه جميع المستثمرين معضلة إذا استثمروا في إعادة إعمار سوريا في عهد الأسد، حيث سيخاطرون بقطع علاقاتهم التجارية وتعاملاتهم ليس مع الولايات المتحدة فحسب، ولكن مع المؤسسات المالية العالمية أيضًا.
وفي تأكيد على أهمية القانون على الأرض، فرضت إدارة ترامب عقوبات على 113 وسيطًا للنظام في الأشهر الستة التي تلت دخول قانون “قيصر” حيز التنفيذ في حزيران 2020.
في السياق ذاته، قال أيمن عبد النور، إن قانون “قيصر” حقق أهدافًا كثيرة، فلو افترضنا عدم وجود القانون، لكانت دول الخليج تضع إيداعات مالية في المصرف المركزي السوري بقيمة خمسة مليارات دولار على سبيل المثال، كما فعلوا مع تركيا ومصر، ما يسهم في إعادة إنعاش اقتصاد النظام المنهار، ولوجدنا الدول الأوروبية تعيد افتتاح سفاراتها مع النظام وتفتح أبواب التبادل التجاري معه.
وأضاف عبد النور أن وجود قانون “قيصر” منع النظام من تقوية قدراته العسكرية بالذخائر والأسلحة، وبالتالي بقي جيشه ضعيفًا وعاجزًا عن فتح أي معركة في شمال شرقي أو شمال غربي سوريا، مشيرًا إلى أنه رغم المفاعيل القوية للقانون، فإنه كان بحاجة لتطوير، لذلك طُرح قانون “مناهضة التطبيع مع الأسد”.
في المقابل، لفت المدير التنفيذي لـ”المنظمة السورية للطوارئ”، إلى أن إدارة بايدن لم تطبق الكثير من بنود “قيصر”، حيث تراجعت كثافة العقوبات المفروضة ضد النظام السوري وحلفائه، والتي يُفترض أن تصدر أسبوعيًا أو شهريًا على الأقل، وبنفس الوقت، فإن قانون “قيصر” يؤكد على الوقوف ضد أي تطبيع مع النظام، لكن بايدن تغافل عن ذلك، “لذلك نعمل مع وزارات الدفاع والخزانة والخارجية الأمريكية على ضمان تطبيق قانون (قيصر) وليس الاكتفاء بتمديده فقط”.
يتيح قانون “قيصر” تحميل النظام السوري مسؤولية جرائم الحرب التي ارتكبها، ويجيز فرض عقوبات إضافية وقيود مالية على المؤسسات والأفراد الذين يتعاملون تجاريًا مع النظام.
ويفسح القانون المجال أمام فرض عقوبات على المرتزقة الأجانب من روسيا وإيران، وعلى شخصيات عسكرية ومدنية رفيعة لدى النظام، بمن في ذلك رئيسه بشار الأسد.
وأطلق على القانون اسم “قيصر” نسبة لمصور عسكري سوري سابق ملقب بـ”قيصر”، انشق عن النظام، واستطاع تهريب آلاف الصور لجثث ضحايا تعرضوا للتعذيب في سجون الأسد.
مرتبط
المصدر: عنب بلدي