اخر الاخبار

قبة ترمب الحديدية.. مشروع طموح يصطدم بعقبات تقنية ومالية

تناولت صحيفة “فاينانشيال تايمز” البريطانية التحديات التي يواجهها الرئيس الأميركي دونالد ترمب، بعد أن وقع أمراً تنفيذياً الأسبوع الماضي، يتضمن خططاً لتطوير الدرع الصاروخي الأكثر طموحاً في تاريخ الولايات المتحدة “القبة الحديدية الأميركية”، حيث يهدف إلى تدمير الصواريخ الفرط صوتية، والأسلحة النووية.

وتشبه رؤية ترمب لهذا الجيل الجديد المُقترح من أنظمة الدفاع الصاروخية ويشمل استخدام الليزر الفضائي، برنامج “حرب النجوم” الذي أطلقه الرئيس الأميركي السابق رونالد ريجان في عام 1983 في ذروة الحرب الباردة. 

واستعرضت الصحيفة التحديات التقنية والمالية الضخمة التي يواجهها هذا المشروع، ما قد يجعل تنفيذه أمراً غير واقعي في الأمد القريب، إذ أشارت إلى أن كلفة تطوير نسخة ثانية من “حرب النجوم” ستصل إلى مئات المليارات من الدولارات.

كما أن الخبراء النوويين يحذرون من أن هذه المبادرة قد تستفز الصين وروسيا، لاتخاذ تدابير مضادة، ما قد يُبطِل تأثيرها، وهذا سبب قيام العلماء الذريين بتحريك “ساعة يوم القيامة” ثانية واحدة أقرب إلى منتصف الليل الأسبوع الماضي. 

ما خطة ترمب لتطوير قبة حديدية أميركية؟ 

ويمنح الأمر التنفيذي الذي وقَّعه ترمب، الاثنين الماضي، وزير الدفاع الجديد بيت هيجسيث، 60 يوماً لوضع خطة للدفاع عن الولايات المتحدة ضد هجمات الصواريخ الباليستية والصواريخ فرط الصوتية، وصواريخ كروز المتقدمة. 

ووفقاً للصحيفة، فإن النظام الذي يقترحه ترمب يبدو “شاملاً ومُكلفاً بشكل غير عادي”، كما أنه مختلف عن القبة الحديدية الإسرائيلية من حيث مستوى التعقيد التقني، فالأخيرة تدافع فقط عن مناطق صغيرة ضد الصواريخ قصيرة المدى، وغير النووية، وتلك التي تحلق على ارتفاعات منخفضة، فيما تسعى مبادرة ترمب إلى اعتراض الصواريخ الباليستية العابرة للقارات التي تسافر لمسافة أبعد 100 مرة وتتحرك بسرعة أكبر بـ 7 مرات. 

ويطلب أمر ترمب التنفيذي نشر “معترضات فضائية”، وهي عبارة عن شبكة من الأقمار الاصطناعية، بعضها مُزوَّد بأشعة ليزر، كما ينُص على تطوير طبقة أخرى من المعترضات التي تعمل على ارتفاعات أقل في حال فشل الليزر في القيام بدوره، وبالإضافة إلى ذلك، يطلب البرنامج تطوير “القدرات اللازمة لتدمير الهجمات الصاروخية قبل إطلاقها”. 

ويرى المحللون أن تطوير درع صاروخي فضائي غير قابل للاختراق هو “أمر مستحيل”، إذ قال توم كاراكو، وهو خبير في مجال الصواريخ في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية في واشنطن: “لا يوجد غطاء أمني سحري”. 

كيف يعمل هذا النظام وما كلفته؟ 

يتطلب اكتشاف الصواريخ الباليستية النووية واعتراضها وتدميرها خلال ما يسمى بـ”مرحلة التعزيز”، وهي الفترة التي تتراوح من 3 إلى 5 دقائق قبل دخولها المدار، أشعة ليزر فعَّالة على مدى مئات الكيلومترات، وهي تكنولوجيا غير مُتاحة في الوقت الحالي. 

ويرجع السبب في هذا، جزئياً، إلى التأثير الحراري لليزر، حيث تعمل طاقة أشعة الليزر على تسخين الجو المحيط بها ما يقلل من فعالية الشعاع، وفي حين أن هذا التأثير يكون ضئيلاً في الفراغ القريب من الفضاء الخارجي، فإنه يصبح أكبر بكثير عندما يصطدم الشعاع بالغلاف الجوي للأرض. 

كما أن تزويد الأقمار الاصطناعية التي تُطلِق الليزر بالطاقة، يتطلب أن يكون لديها مفاعلات نووية صغيرة، أو ربما نظام متقدم من الألواح الشمسية.

ويرى فابيان هوفمان، خبير الصواريخ في مشروع “أوسلو” النووي، أنه “ليس مستحيلاً، لكنه سيتطلب جهداً كبيراً في البحث والاستثمار ولا يمكن إتمامه على المدى القصير”.  

أما بالنسبة للكلفة، فسيحتاج ترمب إلى إقناع الكونجرس بتمويلها، إذ وجد تقرير صادر عن الأكاديمية الوطنية الأميركية للعلوم في عام 2012، أن تطوير نظام دفاع فضائي بسيط بقدرات محدودة يتطلب 650 قمراً اصطناعياً بكلفة 300 مليار دولار.

وحذر التقرير من أن مثل هذا النظام سيكون عرضة للأسلحة المضادة للأقمار الاصطناعية، مثل الأسلحة النووية الفضائية التي طورتها روسيا مؤخراً، وفقاً للاستخبارات الأميركية. 

بدورها، قالت لورا جريجو، مديرة الأبحاث في برنامج الأمن العالمي: “لقد تم التخلي عن تطوير أنظمة الدفاع الصاروخية الفضائية مراراً لأنها مكلفة للغاية، وتشكل تحدياً كبيراً على المستوى التقني”. 

هل أنظمة الدفاع التقليدية أكثر عملية؟ 

وأشارت الصحيفة إلى أن هناك بعض التقنيات الفعَّالة المتاحة بالفعل، فقد استخدمت أوكرانيا بنجاح أنظمة غربية، مثل صواريخ Patriots، أميركية الصُنع، وصواريخ IRIS-T، ألمانية الصُنع، لتدمير الصواريخ الباليستية والصواريخ الفرط صوتية الروسية. 

لكن المشكلة تكمن مجدداً في الكلفة، فالولايات المتحدة لديها بالفعل برنامج دفاع صاروخي متوسط المدى بقيمة 60 مليار دولار، ويتكون هذا البرنامج من 44 صاروخاً اعتراضياً، منتشرة في ألاسكا وكاليفورنيا، وهي مُصمَمة للتصدي للصواريخ بعيدة المدى من خصوم مثل كوريا الشمالية. 

وذكرت “فاينانشيال تايمز”، أنه بالنظر إلى أن كلفة كل معترض تتجاوز 50 مليون دولار، فإن توسيع هذا النظام ليغطي كل الولايات المتحدة سيكون مكلفاً للغاية. 

وقالت ستايسي بيتيجون، من مركز الأمن الأميركي الجديد: “لا يمكن نشر الدفاعات النشطة في كل مكان للدفاع عن المدن والبنية التحتية الحيوية والمواقع العسكرية”.

لكن تشاو تونج، من مؤسسة كارنيجي للسلام الدولي، قال إن أنظمة الدفاع الصاروخي الحالية “قد لا تكون قادرة على التصدي لتهديدات الدول المارقة بشكل موثوق، رغم خضوعها للتطوير على مدى عقود”. 

وأضاف: “تحقيق الدفاع الشامل ضد ترسانات الصواريخ الأكبر الموجودة لدى روسيا والصين يتطلب إنفاقاً فلكياً دون تحقيق اختراقات تكنولوجية غير مسبوقة”.

ما رد خصوم أميركا النوويين؟ 

وحتى إذا باتت هناك نسخة ثانية ناجحة بشكل متواضع فقط من برنامج “حرب النجوم”، فإن ذلك سيحرم روسيا والصين من قدرتهما على الرد، ما قد يدفعهما إلى بدء سباق تسلح متسارع من أجل الحفاظ على التكافؤ النووي، بحسب الصحيفة. 

وقال إريك هيجينبوثام، الخبير في القضايا النووية الصينية في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا MIT إن “التهديد الهجومي لا يمكن أن تتجاهله القوى العظمى المتنافسة، ولن تفعل ذلك، فقد تكون نيتنا دفاعية، لكن مهما كانت النية، إذا باتت هذه القدرات حقيقية، فسيتم النظر إليها باعتبارها تهديداً حاسماً بالهجوم”. 

وحينها يمكن لخصوم الولايات المتحدة اتخاذ التدابير المضادة المتاحة، فعلى سبيل المثال، يمكن لروسيا تحميل المزيد من الرؤوس الحربية النووية على الصواريخ الباليستية الموجودة، أو استهداف مناطق ذات دفاعات أضعف. 

بدوره، قال تشاو: “يمكن للخصوم ببساطة إعادة توجيه الهجمات إلى العديد من المراكز السكانية غير المحمية، ما يجعل الدفاع عن مواقع محددة غير ذي جدوى استراتيجية”. 

ويرى المحللون أن النهج الأكثر عقلانية يتمثل في أن تعمل الولايات المتحدة على الحد من الترسانات النووية الاستراتيجية للدول، وهو ما أيَّده ترمب في خطاب ألقاه مؤخراً في منتدى دافوس الاقتصادي. 

ومن الممكن معالجة تهديدات الصواريخ التقليدية من خلال تعزيز أنظمة الدفاع التي تعمل على ارتفاعات منخفضة، سواء على الأرض أو على سفن البحرية الأميركية، وصحيح أن الكلفة ستكون ضخمة أيضاً، لكن مثل هذا النهج سيكون قابلاً للتنفيذ من الناحية التقنية، ومن المحتمل أن يساعد على تجنب الدخول في سباق تسلح آخر، بحسب الصحيفة. 

هل يحقق المشروع أرباحاً لشركة “سبيس إكس”؟ 

سيتطلب الجزء الفضائي من البرنامج المُقتَرح، إطلاق مئات الأقمار الاصطناعية الحاملة، وهو سوق تهيمن عليها حالياً شركة “سبيس إكس” المملوكة للملياردير إيلون ماسك. 

وعلى الرغم من أن الحكومة الأميركية تعمل مع شركات فضاء أخرى لديها القدرة على إرسال مثل هذه الأقمار إلى الفضاء، فإن صواريخ ماسك تتمتع بقدرة حمل أعلى، وحجم حمولة أكبر، كما أن كلفتها أرخص بكثير من معظم المنافسين، ويتم إطلاقها بتواتر أكبر بكثير، مع إطلاق صاروخ ​​كل ثلاثة أيام في المتوسط. 

ومع ذلك، ربما تكون هناك بعض المقايضات، بالنظر إلى أن “سبيس إكس” لديها بالفعل عقود حكومية بقيمة 20 مليار دولار، ولذا فإنها ربما تضطر إلى التضحية بسعة كانت مُخصَصة لملء كوكبة “ستارلينك”، التي تحقق أكبر إيرادات للشركة. 

وختمت الصحيفة تقريرها قائلة، إن “كل هذا على افتراض أن البرنامج الفضائي المُقترَح، والذي يصفه بعض الخبراء بأنه (خيالي)، ستتم الموافقة عليه من قبل الكونجرس ويتم تنفيذه في النهاية”.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *