شنت روسيا هجمات صاروخية وبالمسيرات على كييف ومناطق أخرى من أوكرانيا، السبت، وذلك قبل اجتماع وصفه الرئيس فولوديمير زيلينسكي بأنه “هام” مع نظيره الأميركي دونالد ترمب، مقرر الأحد، لبحث آخر تطورات مفاوضات إنهاء الحرب التي تقترب من دخول عامها الرابع، إذ يناقش الجانبان بنود مقترح السلام، الذي سيُقدّم في نهاية المطاف إلى روسيا، ويتوج أسابيع من الجهود الدبلوماسية المكثفة التي بدأت في نوفمبر الماضي بنشر خطة من 28 بنداً أعدتها الولايات المتحدة بمشاركة مسؤولين روس.

وأعلن الجيش الأوكراني، تليجرام، وقوع انفجارات في كييف مع الإعلان عن نشر صواريخ، فيما قال سلاح الجو الأوكراني، إن “الطائرات المسيرة الروسية استهدفت العاصمة كييف ومناطق في الشمال الشرقي والجنوب”.

من جهته، أفاد جهاز الأمن الروسي في تصريحات لوكالة “سبوتنيك”، بأن منشأة لإنتاج الصواريخ تابعة للقوات المسلحة الأوكرانية في مقاطعة خاركيف، تم استهدافها، وتعرضت لأضرار كبيرة.

وقال جهاز الأمن في بيانه: “منشأة لإنتاج الصواريخ تابعة للقوات المسلحة الأوكرانية في خاركيف، تعرضت لاستهدافات بأسلحة موجّهة بدقة”، مشيراً  إلى أن المنشأة تعرضت لأضرار كبيرة نتيجة الاستهداف.

يأتي ذلك قبيل اجتماع مرتقب بين زيلينسكي وترمب، الأحد، في فلوريدا، إذ أعلن البيت الأبيض، أن المحادثات ستُعقد في منتجع مارالاجو، حيث ستكون الضمانات الأمنية لأوكرانيا على رأس جدول الأعمال، إذ يهدف اللقاء إلى وضع اللمسات الأخيرة على أكبر قدر ممكن من بنود الاتفاق الأميركي، كما سيناقش الرئيسان “اتفاقية اقتصادية” لإعادة إعمار أوكرانيا بمساعدة أميركية بعد الحرب.

في الإطار، ​قال متحدث ​باسم المفوضية الأوروبية ‌لـ”رويترز”، إن ‍رئيسة المفوضية، أورسولا فون دير لاين، ⁠ستنضم ‌إلى ​مكالمة هاتفية، السبت، مع ⁠الرئيسين ترمب وزيلينسكي وزعماء أوروبيين آخرين.

جدول أعمال زيلينسكي وترمب

وسيركّز اجتماع زيلينسكي وترمب، بالإضافة إلى الضمانات الأمنية، على إدارة محطة زابوروجيا النووية، والسيطرة على إقليم دونباس، والأراضي الشرقية التي تُطالب بها موسكو.

وسينضم إلى الرئيس الأوكراني في فلوريدا، فريق من المفاوضين، بينهم سيرجي كيسليتسيا، الذي قال إن المواقف الأميركية والأوكرانية “تقاربت بشكل كبير”. 

وأضاف في تصريحات لصحيفة “فاينانشيال تايمز”: “حان الوقت الآن للزعيمين للموافقة على الاتفاق، وتعديله أو مراجعته إذا لزم الأمر”.

وكان زيلينسكي، قال للصحافيين في محادثة عبر تطبيق “واتساب”، الجمعة، إن “جدول الأعمال” في اجتماعه المرتقب مع ترمب، يشمل مراجعة بعض التفاصيل الدقيقة للتعهدات التي قطعتها الولايات المتحدة والترتيبات مع الدول الأوروبية.

وقد ساهمت أسابيع من المفاوضات المكثفة التي جرت بين فلوريدا وبرلين وأبوظبي في تقريب الخطة من التوقعات الأوكرانية، ومع ذلك، أقر كسيليتسيا بأن خطة السلام المكونة من 20 بنداً “لا تزال تتضمن بنوداً لا توافق عليها أوكرانيا”.

وكانت المسودة الأميركية الأصلية، قد طالبت أوكرانيا بالتنازل عن أجزاء من منطقة دونباس شرقي أوكرانيا، والتي لا تزال تحت سيطرة كييف، ما دفع المفاوضين الأوكرانيين والأوروبيين إلى مراجعة ما وصفته كييف بـ”التنازلات غير المقبولة”.

وقال زيلينسكي في منشورات عبر منصة “إكس”، الجمعة: “لا أستطيع الجزم الآن ما إذا كان أي شيء سيكون جاهزاً بحلول نهاية العام”، مضيفاً أنه وترمب “سيعملان على وضع اللمسات الأخيرة قدر الإمكان”.

وأضاف: “يمكن حسم الكثير من القضايا قبل حلول العام الجديد”، لافتاً إلى أن هذه الخطة “جاهزة بنسبة 90%، لكن المناقشات حول “القضايا الحساسة، بما في ذلك التنازلات الإقليمية المحتملة، لا تزال بحاجة إلى عقد اجتماع ثنائي مع ترمب”.

مشاورات أوروبية مرتقبة

في السياق، قال مسؤول فرنسي مقرب من قصر الإليزيه، الجمعة، إن القادة الأوروبيين يخططون لعقد جولة جديدة من المحادثات في يناير المقبل مع “تحالف الراغبين”، الذي يضم دولاً تعهدت بدعم أوكرانيا ومحادثات السلام.

وأضاف المسؤول في تصريحات أوردتها “فاينانشيال تايمز”، أنه “لا يوجد حل سوى مواصلة المحاولة لإقناع روسيا بخطة قابلة للتطبيق”، مشيراً إلى أنه سيتعين على الأوروبيين في مرحلة ما إجراء حوار مباشر مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، حسبما اقترح الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون.

وفي وقت سابق الجمعة، قال الرئيس الأوكراني، إنه يأمل التوصل إلى إطار اتفاق مع نظيره الأميركي لإنهاء الحرب في أوكرانيا عندما يلتقيان، الأحد، مبدياً استعداده لإجراء استفتاء على خطة السلام.

وأضاف خلال مكالمة هاتفية مع موقع “أكسيوس”، أنه “مستعد لطرح هذه الخطة في استفتاء، إذا وافقت روسيا على وقف إطلاق نار لمدة لا تقل عن 60 يوماً”.

وشدد زيلينسكي على أن إجراء مثل هذا الاستفتاء سيحمل تعقيدات سياسية ولوجستية وأمنية كبيرة، لذلك يرى أن وقف إطلاق النار لمدة 60 يوماً لتنظيم التصويت “هو الحد الأدنى”.

قضايا خلافية

وتشمل القضايا العالقة، الشروط التي ستوافق بموجبها كييف على سحب القوات القتالية من بعض أجزاء خط المواجهة، ومصير محطة زابوروجيا النووية، والتفاصيل الدقيقة للضمانات الأمنية التي ستكون الولايات المتحدة مستعدة لتقديمها لكييف.

ولم يلقَ عرض زيلينسكي، الذي وصفه مسؤولون أوكرانيون، بأنه “محاولة لإظهار المرونة دون التنازل عن الأراضي”، ردود فعل تُذكر من واشنطن، إذ جاء عرض زيلينسكي لمنطقة منزوعة السلاح بشرط أساسي هو أن تسحب روسيا قواتها من رقعة أرض مماثلة في جمهورية دونيتسك.

ولم تُبدِ روسيا أي مؤشر على استعدادها لقبول أي شيء أقل من السيطرة الكاملة على المنطقة، ما يُبرز الهوة العميقة التي لا تزال قائمة بين الجانبين.ولا تزال موسكو تُصرّ على أن مطالبها القصوى يجب أن تُشكّل أساس أي محادثات سلام، لأن بوتين لا يزال واثقاً من قدرة جيشه على هزيمة أوكرانيا في ساحة المعركة.

وأبدى زيلينسكي استعداده لإصدار أوامر بسحب القوات الأوكرانية من المناطق التي يُحتمل أن تصبح منزوعة السلاح، إذا ما حذت القوات الروسية حذوها في الانسحاب.

وبذلك، ستحتفظ كييف بسيادتها على حزام كراماتورسك وسلوفيانسك الحصين، الذي يُعد جزءاً من مركز الصناعة القديم في شرق أوكرانيا، والذي تسعى موسكو إلى الاستيلاء عليه منذ اندلاع الحرب في فبراير 2022.

وفي حوار حصري مع مجلة “بوليتيكو”، قدّم ترمب نفسه بصفته الحكم النهائي في أي اتفاق سلام بين أوكرانيا وروسيا، وبدا فاتراً تجاه آخر مبادرة من زيلينسكي، ولم يكن متعجلاً في تأييد اقتراح الرئيس الأوكراني.

وقال ترمب: “ليس لديه أي شيء حتى أوافق عليه. لذا سنرى ما لديه”، مضيفاً: “أعتقد أن الأمور ستسير على ما يرام مع فلاديمير بوتين”، متوقعاً التحدث مع الزعيم الروسي “قريباً”. 

وكانت “بلومبرغ” نقلت عن مصدر مقرب من الكرملين قوله، إن روسيا تعتبر الخطة المكونة من 20 بنداً التي تم وضعها بين أوكرانيا والولايات المتحدة نقطة انطلاق لمزيد من المفاوضات، حيث تفتقر إلى بنود تراها موسكو في غاية الأهمية.

وتسعى روسيا إلى إجراء “تغييرات جوهرية” على خطة السلام الأميركية لإنهاء الحرب مع أوكرانيا، بما في ذلك فرض المزيد من القيود على القدرات العسكرية لكييف، إذ تتخوف من الحصول على ضمانات بعدم التوسع شرقاً لحلف شمال الأطلسي، وضمان حياد أوكرانيا في حال انضمامها إلى الاتحاد الأوروبي.

شاركها.