في شوارع حلب، لا يغيب مشهد الأطفال الذين يمدون أيديهم عند إشارات المرور، لكن خلف هذا المشهد، هناك من يعيش خارج الصورة تمامًا، فالمكفوفون في المدينة، كبارًا وصغارًا، يواجهون تهميشًا شبه كامل، بلا برامج رعاية فعالة.

هذه القضايا، إلى جانب ظاهرة التسول المتزايدة، وملف المعتقلين الذين خرجوا من السجون، كانت من أبرز المحاور التي طرحت خلال لقاء جمع وزيرة الشؤون الاجتماعية والعمل، هند قبوات، مع ممثلين عن منظمات المجتمع المدني والجمعيات الإغاثية، في مدينة حلب، الاثنين 14 من تموز 2025.

اللقاء جاء في وقت تتزايد فيه شكاوى السكان والمنظمات المحلية من ضعف الاستجابة الحكومية للملفات الاجتماعية الأكثر حساسية، وسط مطالبات بوضع خطط واضحة لمعالجة هذه القضايا.

دعم المعتقلين خطوات للمعالجة

في ردها على سؤالٍ حول واقع المعتقلين السابقين بسجون الأسد، وإمكانية تأمين برامج تأهيل نفسي واجتماعي لهم، خاصة بعد سنوات الاعتقال، أوضحت قبوات أن العمل جارٍ لتأسيس إدارة خاصة تعنى بملف المعتقلين وأسرهم.

وبحسب الوزيرة، فإن الدعم لا يتخذ طابعًا حقوقيًا بحتًا، كما تفعل منظمات أخرى، بل يشمل تقديم خدمات مباشرة تساعدهم على إعادة الاندماج في المجتمع، ومن بين هذه الخدمات، دعم تعليم الأبناء، وتوفير مصاريف النقل، والعمل تدريجيًا على تأمين برامج دعم متكاملة.

وأكدت أن ملف المعتقلين “من أهم الملفات المطروحة اليوم”، مشيرة إلى أن الحكومة بدأت تحقيقات بخصوص الأطفال الذين اعتقلوا أو فُقد أثرهم خلال السنوات السابقة، لا سيما في الفترة التي سبقت تغيير النظام، حين سجلت حالات اختفاء لأطفال داخل المياتم وأماكن الإيواء.

ويجري العمل على هذا الملف بالتنسيق بين وزارات العدل، الداخلية، الأوقاف، والشؤون الاجتماعية، في محاولة للوصول إلى معلومات دقيقة حول مصير الأطفال المعتقلين، وسبل دعم ذويهم.

توسيع المشاركة

خلال اللقاء، طالب ممثلو الجمعيات بضرورة توسيع دور العمل الأهلي إلى “مجموعات عمل تخصصية”، تعمل فيما بينها تحت إشراف موحد، لضمان التنسيق وتفادي تداخل الصلاحيات.

كما شدد الحضور على ضرورة أن تواكب خطط إعادة الإعمار واقع ذوي الاحتياجات الخاصة، من خلال تهيئة المرافق العامة، والمعالم الأثرية، والشوارع، لتكون قابلة للوصول، معتبرين أن هذه الخطوة باتت معيارًا عالميًا لا يمكن تجاوزه.

قبوات قالت إن الوزارة بدأت بالفعل بتطبيق آلية “مجموعات العمل” في دمشق، حيث تجتمع المنظمات كل أسبوعين للعمل على الأهداف نفسها.

وأشارت إلى أنها طلبت من مديرية الشؤون الاجتماعية في حلب تبني الآلية ذاتها لجمع المنظمات المحلية وتنسيق جهودها.

مطالبات بإنصاف المكفوفين

رئيس جمعية رعاية المكفوفين، محمود زمرلي، طرح هموم هذه الشريحة، مشيرًا إلى أن آلاف المكفوفين في سوريا، بينهم مئات من أصحاب الشهادات الجامعية، ما زالوا يواجهون صعوبات كبيرة في إيجاد فرص العمل والاندماج.

وطالب زمرلي بعقد “نقاش خاص” يركز على شؤون المكفوفين، وإصدار قوانين واضحة وثابتة تضمن حقوقهم.

في ردها على هذا الملف، أوضحت الوزيرة قبوات أن الوزارة ستعقد في أيلول المقبل، مؤتمرًا مخصصًا لبحث قضايا ذوي الإعاقة، كما سبق أن نظمت الوزارة مؤتمرًا مخصصًا لتأمين فرص عمل لهم.

وأكدت أن هناك مساعٍ لتعديل القانون الحالي الذي يحدد نسبة توظيف هذه الشريحة في القطاع الحكومي بـ2%، مشيرة إلى أن “الشؤن الاجتماعية” تعمل على رفع هذه النسبة إلى 5% في القطاع الحكومي، و4% في القطاع الخاص كون هذه الشريحة “الركيزة الأساسية لعمل الوزارة”، على حد تعبيرها.

خلافات حول التراخيص

من جهة أخرى، أبدى بعض ممثلي الجمعيات استياءهم من “تعقيدات العمل الإداري”، خصوصًا فيما يتعلق بالحصول على التراخيص اللازمة لتنفيذ الدورات أو برامج التعليم غير النظامي.

وأشار الحضور إلى أن بعض جمعيات التنمية والإسكان اصطدمت بشروط إضافية عند محاولة القيام بأنشطة تعليمية أو مشاريع إعادة إعمار، حيث طُلب منها الحصول على موافقات من وزارة التربية أو دفع رسوم تصنيفية.

الوزيرة قبوات أوضحت أن “إعادة الإعمار ليست من اختصاص منظمات المجتمع المدني” حسب التصنيف الحالي.

وأشارت إلى أن الجمعيات المعنية بالتعليم أو التمكين يمكنها ترميم المقرات أو فتح معاهد تدريبية، لكنها ليست مخولة بتنفيذ مشاريع إعمار واسعة.

وأقرت بوجود صعوبات بسبب القوانين القديمة التي لا تزال تنظم عمل الجمعيات، ما يفرض “بيروقراطية العمل الورقي”، على حد وصفها.

وأوضحت أن الوزارة تسعى للوصول إلى منصة إلكترونية موحدة، وأتمتة الإجراءات، لكنها بحاجة إلى وقت لاستكمال هذه الخطوات.

التسول.. ظاهرة متفاقمة

ناقش الحضور اتساع ظاهرة التسول في مدينة حلب، والتي لم تعد تقتصر على الأطفال، بل تشمل اليافعين وكبار السن، وسط غياب حلول جذرية تضمن معالجتها.

وأكد ممثلو المجتمع المدني أن الحل لا يقتصر على تشديد العقوبات فقط، بل يتطلب توفير مراكز إيواء مناسبة، تقدم الرعاية الكاملة والدعم النفسي والاجتماعي لمن يتم انتشالهم من الشوارع.

المطالبة بإنشاء هذه المراكز “مستمرة منذ سنوات”، دون أن تتحقق على أرض الواقع.

معالجة التسول تحتاج إلى تفعيل دور الضابطة العدلية بشكل أكبر، بحسب عدد من مداخلات الحضور، خاصة مع إطلاق مكتب لمكافحة التسول، معتبرين أن المكتب لن يكون فعالًا إلا بتضافر الجهود مع المجتمع المحلي.

الشعلة.. خطر آخر

لم يقتصر النقاش على التسول فقط، بل تطرق إلى ظاهرة انتشار مادة “شم الشعلة” بين الأطفال الذين يعملون في التسول، إلى جانب تفشي ظاهرة التدخين المبكر في أوساطهم.

وطالب المداخلون بضرورة تدخل الضابطة الأمنية، وتفعيل الرقابة على بيع هذه المواد، بالتوازي مع حملات التوعية.

وفي سياق مناقشة ظاهرة التسول، أوضحت الوزيرة أن العمل جارٍ على تشكيل لجنة مشتركة، من مهامها التحضير لمراكز إيواء مخصصة للأطفال والنساء ممن يعملون في التسول، مع تقديم برامج تأهيلية تمكنهم من العودة إلى الحياة الطبيعية.

ووجهت الدعوة لمنظمات المجتمع المدني في حلب للمشاركة الفاعلة في هذا الملف، مشددة على أن الوزارة مستعدة لتقديم التسهيلات المطلوبة.

وبحسب التصور الحكومي المطروح، من المفترض أن يتم إيواء الأطفال المتسولين ممن هم دون سن 18 عامًا في مراكز تحفظ كرامتهم، وتوفر لهم تعليمًا مهنيًا أوليًا يؤمن لهم فرصة عمل مستقبلية.

وترى الوزيرة أن التسول من الظواهر التي تتفاقم عادة في فترات ما بعد الحروب، ما يجعل معالجتها أولوية لا تحتمل التأجيل.

واعتبرت أن الهدف هو الوصول إلى مرحلة “لا يكون فيها أي متسول في الشوارع”، وذلك على حد تعبيرها.

أكثر من ثلاثة آلاف مكفوف يبحثون عن أنفسهم في إدلب

المصدر: عنب بلدي

شاركها.