قرار ترامب إلغاء حق الجنسية بالولادة.. انقسام المحكمة العليا

تواجه المحكمة العليا الأميركية صعوبة في التوصل إلى توافق بالآراء خلال المرافعات الشفوية المتعلقة بجهود الرئيس دونالد ترمب لإنهاء حق الحصول على الجنسية الأميركية بالولادة، في قضية قد تُشكك على نطاق أوسع بصلاحيات المحاكم الأدنى في عرقلة إجراءات السلطة التنفيذية، إذ ليس من الواضح متى سيصدر القضاة حكمهم، بحسب شبكة Fox News.
وبدا أن القضاة من مختلف التوجهات الأيديولوجية متفقون على أن استخدام الأوامر القضائية الشاملة قد ازداد بشكل كبير في السنوات الأخيرة في عهد الرؤساء الديمقراطيين والجمهوريين على حد سواء، لكن بعد أكثر من ساعتين من المرافعات الشفوية، بدا أنهم منقسمون حول كيفية المضي قدماً في الأمر.
ومنذ الساعات الأولى من ولايته الثانية كرئيس، وقع ترمب على أمر يعلن أن الأطفال المستقبليين المولودين لمهاجرين غير شرعيين لن يتم التعامل معهم كمواطنين أميركيين، ويمتد الأمر ليشمل حتى أبناء بعض الأمهات المقيمات في البلاد بشكل قانوني لكن مؤقت، مثل الطلاب الأجانب أو السائحين.
ويؤكد أمر ترمب التنفيذي أن أطفال هؤلاء غير الأميركيين ليسوا “خاضعين لولاية” الولايات المتحدة، وبالتالي لا يشملهم الضمان الدستوري القديم الذي يوفره التعديل الـ14.
وإثر ذلك، أصدرت محاكم فيدرالية أميركية أحكاماً موحدة بوقف أمر ترمب لإنهاء حق الجنسية المكتسبة بالولادة للأطفال المولودين في الولايات المتحدة من أشخاص يتواجدون في البلاد بشكل غير قانوني.
وأصدر القضاة 40 أمراً قضائياً على مستوى البلاد، منذ أن بدأ ترمب ولايته الثانية في يناير، إذ تعد قضية منح الجنسية الأميركية بالولادة من بين قضايا عدة، يرتبط العديد منها بالهجرة، طلبت الإدارة من المحكمة معالجتها على وجه السرعة، بحسب “أسوشيتد برس”.
مخاوف وأحكام موحدة
ولم يكن واضحاً كيف سيبدو القرار، لكن أغلبية أعضاء المحكمة أعربوا عن مخاوفهم مما سيحدث إذا سُمح لإدارة ترمب، ولو مؤقتاً، برفض منح الجنسية للأطفال المولودين لأشخاص موجودين في الولايات المتحدة بشكل غير قانوني.
واستمع القضاة إلى الحجج في الطعون الطارئة التي قدمتها إدارة ترمب بشأن أوامر المحكمة الأدنى التي أبقت قيود الجنسية معلقة في جميع أنحاء البلاد.
واستمعت المحكمة العليا، الخميس، إلى مرافعات في الطعون المقدمة ضد 3 من الأحكام القضائية التي منعت قيود إدارة ترمب على منح الجنسية من أن تدخل حيّز التنفيذ في أي مكان داخل الولايات المتحدة.
وتدور القضية حول تفسير بند المواطنة في التعديل الـ14، وحول سلطة القضاة الأفراد في إصدار أوامر قضائية عامة تشمل كل البلاد، بدلاً من تطبيقها على الأطراف التي رفعت الدعوى فقط.
وفي عشرات الصفحات من الأحكام، شرح 4 قضاة فيدراليين لماذا يرون أن الأمر التنفيذي الذي أصدره ترمب بشأن المواطنة “غير دستوري”، كما عبّر 9 قضاة استئناف عن آرائهم فيما إذا كان ينبغي تضييق نطاق تلك الأوامر القضائية أو تعليقها مؤقتاً أثناء نظر الاستئناف من قبل الإدارة.
“الولايات المتحدة ضد وونج كيم آرك”
وأصدرت المحكمة العليا الأميركية في العام 1898 حكماً تاريخياً لصالح طفل يُدعى وونج كيم آرك، وُلد في سان فرانسيسكو لأبوين صينيين مهاجرين، معتبرةً أنه مواطن أميركي بحكم ولادته على الأراضي الأميركية، وهو ما عرف بقضية United States v. Wong Kim Ark (الولايات المتحدة ضد وونج كيم آرك) التي اعتبرها القضاة المرجع الأوضح في هذا الشأن.
وكتب القاضي هوراس جراي رأي الأغلبية في هذا القرار الذي صدر بأغلبية 6 أصوات مقابل صوتين.
وجاء في قرار المحكمة أن الهدف الحقيقي من صياغة التعديل الـ14 للدستور، الذي ينص على أن “جميع الأشخاص المولودين في الولايات المتحدة والخاضعين لولايتها القضائية هم مواطنون، هو استبعاد فئات محددة فقط بأقل عدد من الكلمات وأكثرها دقة”.
وتشمل هذه الفئات، إلى جانب أبناء قبائل السكان الأصليين الذين تربطهم علاقة خاصة بالحكومة الفيدرالية، كلًّا من الأطفال المولودين لأعداء أجانب في ظل احتلال معاد، والأطفال المولودين لممثلين دبلوماسيين لدولة أجنبية.
وأكدت المحكمة أن التعديل يكرّس القاعدة التاريخية والأساسية التي تمنح الجنسية لكل من يُولد داخل أراضي الولايات المتحدة، تحت الولاء والحماية القانونية للدولة، بما في ذلك الأطفال المولودين لأجانب مقيمين إقامة دائمة، مع بعض الاستثناءات القديمة كأبناء الملوك أو المبعوثين الرسميين، أو من وُلدوا على سفن أجنبية عامة، أو في مناطق محتلة عسكرياً خلال الحرب، وأبناء القبائل الأصلية الذين يدينون بالولاء لقبائلهم.
وأضاف القرار أن التعديل، بعبارات واضحة ونية صريحة، يشمل جميع الأطفال المولودين داخل أراضي الولايات المتحدة لأي أشخاص آخرين، مهما كانت أعراقهم أو ألوانهم، طالما أنهم مقيمون داخل البلاد.
في المقابل، كتب رئيس المحكمة آنذاك، القاضي ميلفيل فولر، رأياً معارضاً، قائلاً إن “وونج لا يمكن اعتباره مواطناً أميركياً لأن والديه كانا لا يزالان يدينان بالولاء للإمبراطور الصيني، وبالتالي لا يخضعان بالكامل لولاية القضاء الأميركي”، وانضم إليه في هذا الرأي المعارض القاضي جون مارشال هارلان.
انتهاك الدستور وحظر أمر ترمب
بدوره، قال القاضي الفيدرالي جون كوجنور خلال جلسة استماع في محكمته بسياتل: “لقد كنت على منصة القضاء لأكثر من 4 عقود.. لا أذكر قضية كانت المسألة القانونية المطروحة فيها واضحة بهذا الشكل. هذا أمر تنفيذي ينتهك الدستور بشكل صارخ”.
وفي أمره القضائي المكتوب، أضاف كوجنور: “من المرجح أن ينجح المدّعون في إثبات أن الأمر التنفيذي ينتهك بند المواطنة في التعديل الـ14، فالنص واضح وهو أن جميع الأشخاص المولودين أو المتجنسين في الولايات المتحدة، والخاضعين لولايتها القضائية، هم مواطنون للولايات المتحدة وللولاية التي يقيمون فيها.. أي أن أي شخص يولد داخل الأراضي الأميركية أو يتجنس وفقاً للإجراءات الفدرالية هو مواطن أميركي”.
وأشار كوجنور إلى أن الحكومة تعتمد في دفاعها على عبارة “الخاضعين لولايتها القضائية” لتزعم أن “الأطفال المولودين في الولايات المتحدة لأشخاص دخلوا البلاد بطريقة غير قانونية أو زوار مؤقتين” لا ينطبق عليهم هذا الشرط، وبالتالي لا يستحقون الجنسية بالولادة.
لكنه أكد أن الحكومة تعطي لهذا المصطلح معنى يتجاوز ما تسمح به اللغة القانونية أو السوابق القضائية.
وفي بوسطن، قال القاضي الفيدرالي ليو سوروكين إن حكم المحكمة العليا في قضية “وونج كيم آرك” عام 1898 يحسم المسألة قانونياً.
وأضاف: “القاعدة والمنطق من ذلك الحكم أعيد تأكيدهما وتطبيقهما في قرارات لاحقة، وتم اعتمادهما في القانون الفيدرالي منذ عام 1940، كما اتبعتها السلطة التنفيذية بثبات خلال القرن الماضي على الأقل. حتى إن لم يقتنع القاضي نفسه بهذا التفسير التاريخي، فهو ملزم بتطبيقه طالما لم تُقدَّم حجج قانونية قوية لتغييره، وهذا لم يحصل في هذه القضية”.
وأكد سوروكين أن فقدان الجنسية بالولادة ولو حتى مؤقتاً، قد يُحدث ضرراً دائماً، ويؤثر سلباً في حياة الطفل وأسرته.
وأضاف: “الأطفال المولودون بلا وضع قانوني معترف به يواجهون صعوبات كبيرة في الحصول على خدمات أساسية كالرعاية الصحية، ويعيشون تحت تهديد الترحيل إلى دول لم يعيشوا فيها قط، ما يعني خطر تفكك الأسرة. وهذا يُعد ضرراً لا يمكن إصلاحه”.
وفي جرينبيلت بولاية ماريلاند، كتبت القاضية ديبورا بوردمان أن تفسير ترمب لبند المواطنة “رُفض بشكل قاطع من المحكمة العليا، ولم تؤيده أي محكمة في البلاد”.
وأكدت أن الأطفال المستهدفين بالأمر التنفيذي لا يندرجون ضمن أي من الاستثناءات المعترف بها قانوناً، مثل أطفال القبائل الأصلية، أو أبناء الدبلوماسيين، أو الأطفال المولودين في ظل احتلال أجنبي.
وأضافت بوردمان: “هؤلاء أطفال تم الاعتراف بمواطنتهم منذ إقرار التعديل الـ14، وعندما يولدون، فإنهم سيكونون مواطنين أميركيين بموجب الدستور وسوابق المحكمة العليا الراسخة. والرئيس لا يملك الصلاحية لسلبهم حقهم الدستوري في الجنسية بالولادة”.
وقالت: “من أجل ضمان حصولهم على حماية كاملة، فإن أمراً قضائياً وطنياً هو السبيل الوحيد. كما أن الأمر يتعلق بالجنسية، وهي مسألة وطنية تتطلب سياسة موحدة”.
أما في نيو هامبشر، فقد أصدر القاضي الفيدرالي جوزيف لا بلانت، أمراً بحظر تطبيق قرار ترمب داخل حدود الولاية فقط، مشيراً إلى أن الأوامر التنفيذية “لا تتمتع بقرينة الدستورية ذاتها التي تُمنح عادة للتشريعات الصادرة عن الكونجرس”.
وقال لا بلانت: “لا يُفترض أن يكون الأمر التنفيذي دستورياً بشكل تلقائي. فرغم أن القوانين التشريعية تحمل افتراضاً بالدستورية، إلا أن الدفاع لم يقدم أي حجة أو سابقة قانونية تُلزم بأن تحظى الأوامر التنفيذية بالافتراض ذاته، ولا توجد في علم المحكمة أي قاعدة تؤيد ذلك”.
رفض تفعيل القرار خلال الاستئناف
بدورها، رفضت 3 محاكم استئناف فيدرالية السماح بتنفيذ قرار ترمب بشأن تقييد حق المواطنة بالولادة، وذلك إلى حين الفصل في الطعون المقدمة ضده.
وفي الدائرة التاسعة لمحكمة الاستئناف الفيدرالية، أوضحت القاضية دانييل فورست، وهي معينة من قبل ترمب، أسباب تصويتها ضد منح الحكومة وقفاً طارئاً لحكم القاضي جون كوجنور.
وقالت: “لكي يُعتبر الموقف طارئاً وفق قواعدنا، يجب على الحكومة أن تُظهر أن عدم قدرتها على تنفيذ السياسة المطروحة يشكل خطراً جسيماً لا يمكن إصلاحه خلال 21 يوماً. ولم تقدم الحكومة مثل هذا الإثبات هنا”.
وأضافت أن الظروف المحيطة “لا تُظهر وجود حالة طارئة واضحة”، خصوصاً أن الاستثناء من حق المواطنة بالولادة الذي تدعيه الحكومة لم تعترف به أي سلطة قضائية في السابق، وأن تفسيرات السلطة التنفيذية نفسها كانت مخالفة قبل صدور الأمر التنفيذي المطعون فيه.
وفي الدائرة الأولى لمحكمة الاستئناف، كتب القاضي ديفيد بارون، نيابة عن هيئة المحكمة بالإجماع: “الحكومة رفضت صراحة تقديم أي حجة متماسكة تفيد بأنها من المرجح أن تنجح في إثبات دستورية الأمر التنفيذي، أو توافقه مع القانون الفيدرالي خلال الاستئناف”.
أما في الدائرة الرابعة، فقد انقسمت هيئة المحكمة المؤلفة من 3 قضاة بواقع صوتين مقابل صوت واحد، حيث قررت الأغلبية رفض الاستئناف العاجل الذي تقدمت به الإدارة، والذي كان يركز على وقف تنفيذ الأمر على مستوى البلاد.
وكتب القاضيان بام هاريس وروجر جريجوري: “نحن على دراية بآراء بعض قضاة المحكمة العليا الذين أعربوا عن تحفظات بشأن أوامر المنع الشاملة، وأبدوا اهتماماً بإعادة النظر فيها. ومع ذلك، سمحت المحكمة العليا لغالبية تلك الأوامر بالبقاء سارية خلال فترة التقاضي، حتى في القضايا التي ألغت فيها لاحقاً الحكم في الجوهر”.
وأشار القاضيان إلى أن السماح بتنفيذ القيود “سيسبب ارتباكاً واضطرابات واسعة”، وأضافا:”حتى الأطفال المولودين لأبوين مواطنين لن يُعتد بشهادات ميلادهم العادية كدليل على المواطنة. أنظمة الإدارة القائمة ستفشل، وستتحمل الولايات والحكومات المحلية تكاليف تطوير أنظمة جديدة لإصدار الشهادات والتحقق من الجنسية، وسيجد الآباء المنتظرون أنفسهم عالقين في حالة من القلق وعدم اليقين”.
في المقابل، كتب القاضي بول نيماير، المعارض للقرار، أن الحكومة “تسعى فقط إلى وقف تنفيذ الحكم الصادر من المحكمة الابتدائية على مستوى البلاد، بحيث يقتصر أثره على الأطراف المعنيين ضمن اختصاص محكمة ماريلاند فقط”.
وأوضح أن “قانونية الأمر التنفيذي لم تكن محل نظر المحكمة في هذه المرحلة، بل السؤال هو: هل كانت المحكمة تملك الحق، في ظل هذه الظروف، في تمديد قرار المنع ليشمل جميع أنحاء الولايات المتحدة، ويطبق على أشخاص غير مذكورين في القضية؟”