قال باحثون إن شبكة غير مُعلن عنها تضم مئات الحسابات على منصة “إكس”، تستخدم الذكاء الاصطناعي للرد تلقائياً برسائل إيجابية حول شخصيات في إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترمب، بحسب ما أفادت به شبكة NBC News.
ومع الانقسام داخل حركة MAGA (اجعلوا أميركا عظيمة مجدداً) بشأن تعامل الإدارة مع ملفات رجل الأعمال الراحل جيفري إبستين، المتهم بجرائم جنسية، بدأت هذه الحسابات تُظهر رسائل متناقضة حول القضية، وهو ما قالت الشبكة إنه “كشف عن طبيعة هذه الحسابات المدعومة بالذكاء الاصطناعي”.
وبحسب تقرير نشرته NBC News، الأحد، فإن هذه الشبكة تضم أكثر من 400 حساب آلي تم التعرف عليها من قبل شركة Alethea المختصة بتحليل بيانات وسائل التواصل الاجتماعي، وباحثين في جامعة Clemson الأميركية. ورغم أن الرقم قد يبدو محدوداً، فإن الباحثين يرجّحون أن العدد الحقيقي قد يكون أكبر بكثير.
وتركّز هذه الحسابات على مدح شخصيات بارزة في إدارة ترمب، لا سيّما وزير الصحة روبرت إف. كينيدي جونيور، والسكرتيرة الصحافية للبيت الأبيض كارولاين ليفيت.
وكما هو الحال غالباً مع حسابات الروبوتات، فإن الحسابات التي تم رصدها لديها بضع عشرات فقط من المتابعين، ونادراً ما تحظى منشوراتها بمشاهدات كثيرة.
كيفية عمل الحسابات
ونقلت الشبكة عن دارين لينفيل، مدير مركز “تحقيقات الإعلام الرقمي” التابع لجامعة Clemson، والمتخصص في دراسة حملات التضليل عبر الإنترنت، قوله إن “الغرض من هذه الحسابات ليس تحقيق تفاعل واسع، بل الظهور بين الردود بشكل متكرر، للمساهمة في خلق غرفة صدى”.
وأوضح: “أي تعزيز الرسائل المؤيدة لترمب أو لحركة MAGA من خلال تكرارها وتضخيمها داخل دائرة من المستخدمين الذين يتشاركون التوجهات السياسية نفسها، بهدف التأثير على تصورات المستخدمين.. وهي لا تهدف فعلياً لجذب التفاعل، بل لتُرى بين الحين والآخر ضمن التعليقات”.
ورفض الباحثون الإفصاح عن التفاصيل التقنية التي استخدموها لتحديد هذه الحسابات، لكنهم أشاروا إلى عدة أنماط مميزة، من بينها أن جميع الحسابات أُنشئت، خلال ثلاثة أيام في العام الماضي، وأنها تُكثر من استخدام الوسوم (الهاشتاجات)، وغالباً ما تكون غير مرتبطة بالسياق، وتركز في منشوراتها على الردود بدلاً من التغريدات الأصلية.
كما تستهدف بالدرجة الأولى المستخدمين الذين يدفعون مقابل التوثيق على “إكس”، إذ تكرر عبارات متشابهة في فترات زمنية قصيرة، وفي بعض الأحيان، تقوم بنسخ منشورات المستخدمين حرفياً والرد بها عليهم.
هوية مجهولة
ولا تزال هوية الجهة التي تقف وراء هذه الشبكة مجهولة، كما لم يتضح بعد أي من روبوتات المحادثة المدعومة بالذكاء الاصطناعي، والمتاحة على نطاق واسع، قد تم استخدامه لتشغيل هذه الحسابات.
وبحسب الباحثين، فقد بدأت هذه الحسابات بنشر دعم لشخصيات محافظة منذ عام 2024، بما في ذلك تأييد ترمب وجمهوريين آخرين خلال الانتخابات التمهيدية، ثم أظهرت حماساً لتوليه ترمب المنصب مجدداً.
ورغم أن بعض الرسائل بدت متناقضة أحياناً، إذ أعربت بعض الحسابات، على سبيل المثال، عن إعجابها بالمذيعة الليبرالية رايتشل مادو من قناة MSNBC، فإن الرسائل ظلت في مجملها، مؤيدة لشخصيات حركة MAGA حتى اندلاع الجدل الأخير بشأن ملفات إبستين.
وكانت شريحة أساسية من مؤيدي ترمب قد صوّتت له اعتقاداً منهم بأن الرئيس، الذي كان صديقاً سابقاً لإبستين، سيكشف عن قائمة تضم أسماء عملاء يُعتقد أنهم أثرياء وأصحاب نفوذ، وسيسعى لتحقيق العدالة لضحايا رجل الأعمال الراحل، غير أن هذا الأمل تبدّد مطلع الشهر الحالي، عندما أعلنت المدعية العامة بام بوندي أنها “لن تُفرج عن ملفات إضافية تتعلق بإبستين”، ما أدى إلى انقسام واضح في رسائل الحسابات الآلية على “إكس”.
على سبيل المثال، وخلال الدقيقة نفسها من صباح السبت الماضي، حذر أحد الحسابات في الشبكة مستخدماً من مؤيدي MAGA من الحكم بقسوة على بوندي، بينما طالب حساب آخر، في الوقت ذاته، باستقالتها ومدير مكتب التحقيقات الفيدرالي كاش باتيل، ونائبه دان بونجينو..
وعندما أعلنت بوندي للمرة الأولى أنها لن تكشف ملفات إضافية، كتب أحد الحسابات في الشبكة أن بوندي: “أعلنت براءة ذمتها بعدما أكدت وزارة العدل عدم العثور على قائمة عملاء لإبستين، وأعادت التأكيد على وفاته انتحاراً”، لكن الحساب نفسه عاد لاحقاً ودعا مستخدمين على “إكس” إلى التمرّد الكامل ضد إدارة ترمب.
وجاء في منشور آخر، الجمعة: “أعيدوا التغريد إذا كنتم تعتقدون أن ترمب وأتباعه يكذبون علينا، ويتعاملون معنا وكأننا حمقى.. لن ننخدع بألاعيبهم”.
نمط الحسابات
وبحسب سي. شون إيب، رئيس قسم التحقيقات في Alethea، فإن نمط هذه الحسابات يُظهر أنها مُستوحاة من منشورات حقيقية لحسابات مؤيدة لحركة MAGA، التي عادةً ما تتسم برسائل موحدة ومنسجمة.
وأضاف: “هذا الانقسام في التفاعل يُحاكي رد الفعل الطبيعي بين مؤيدي إدارة ترمب الثانية، ومن الممكن أن يكون سلوك هذه الحسابات الآلية متأثراً بالمحتوى المنشور من قبل مؤثرين بارزين، ويعكس التغيّر العام في نبرة الخطاب بين العديد من مؤيدي ترمب”.
وأشارت NBC News إلى أن وسائل التواصل الاجتماعي تعاني منذ سنوات من انتشار الحسابات المزيفة المُصمَمة للتأثير على الرأي العام، سواء من قبل شركات تسويق تروّج لمنتجات، أو جهات حكومية وجماعات محلية تنشر دعاية سياسية، لكن المشكلة تفاقمت مع الانتشار السريع لتقنيات الذكاء الاصطناعي القادرة على كتابة رسائل مقنعة ونشرها دون تدخل بشري، إلى جانب تقليص منصات التواصل لدورها في الرقابة والمراجعة.
صعوبة التدقيق
من جانبه، رفض البيت الأبيض الرد على طلب الشبكة الحصول على تعليق، كما لم ترد وزارة الصحة والخدمات الإنسانية ولا منصة “إكس” على طلبات مماثلة.
ويعتقد الباحثون أن منصة “إكس” مليئة بالحسابات المزيفة، لكن من المستحيل تحديد نطاقها الحقيقي بدقة، ففي العام الماضي، اكتشف باحثون شبكة أخرى من الحسابات المؤيدة لترمب والمدعومة بالذكاء الاصطناعي على المنصة.
ومع ذلك، لا توجد طريقة دقيقة لمعرفة مدى الانتشار الفعلي لهذه الحسابات، خصوصاً بعد أن قامت “إكس” بتفكيك قسم “الثقة والأمان” لديها عقب استحواذ الملياردير إيلون ماسك على المنصة عام 2022، وهو ما جعل الوصول إلى بيانات المنصة وتحليلها أكثر صعوبة أمام الباحثين.