اخر الاخبار

قضية طازجة.. وتنفيذ "منتهي الصلاحية"!

النوايا الطيبة لا تكفي في الفن.

ينطلق مسلسل “منتهي الصلاحية” من أفضل النوايا كما يقولون، ولكن النتيجة تأتي- غالباً- عكس النوايا.

موضوع المسلسل خطير: ظاهرة المراهنات على الإنترنت التي باتت هواية ومهنة وإدمان الكثيرين خلال السنوات السابقة، والتي تناقلت وسائل الإعلام حوادثها ورأي الشرع والقانون فيها، وهي إحدى ظواهر السعي المحموم إلى المكسب السريع السهل التي باتت من سمات مجتمعاتنا.

من البورصة إلى الرهانات

منذ خمسة عشر عاما تقريباً اكتشفت أن معظم أصدقاء المقهى التي أرتادها يضاربون في البورصة، حتى الفقراء منهم، وقد حاول بعضهم كثيرا إقناعي بالانضمام إليهم، لولا أنني لا أجيد عملا سوى الكتابة والقراءة ومشاهدة الأفلام!

يبدو أن الزمن راح على البورصة التي ظلت لسنين حلم الملايين بالثراء السريع دون عمل، وحلت محلها مشاريع أضمن وأكثر عراقة مثل تجارة المخدرات والسلاح والبغاء وأخرى أحدث مثل التنقيب عن الآثار وغسيل الأموال وتجارة العملة والمراهنات على الإنترنت.

كل المهن السابقة موجودة بكثرة في دراما رمضان، ما يعكس حضورها بقوة في الواقع، وفي خيال المؤلفين، ولكن “منتهي الصلاحية” هو أول عمل يخصص بالكامل لرصد ظاهرة المراهنات، وهذا في حد ذاته طموح نبيل ومحمود.

معالجة صحفية!

الفكرة، كما تنص عناوين المسلسل لتامر نادي وهو مخرج العمل أيضاً، أما السيناريو فلمحمد هشام عبية، الذي نشط خلال السنوات القليلة الماضية كسيناريست من خلال أعمال تتراوح في أنواعها وموضوعاتها ومستواها، ولكن معظمها نابع من خلفيته كصحفي.

اقرأ أيضاً
اقرأ أيضاً

“قلبي ومفتاحه”.. صدام العوالم والرهانات الصعبة لتامر محسن

“قلبي ومفتاحه” سوف يظل، رغم الرهانات الصعبة والهنات السردية، واحداً من أهم الأعمال التي عُرضت خلال النصف الأول من موسم رمضان 2025،

هذه “الصبغة الصحفية” تغلب على “منتهي الصلاحية”، فالقصص والشخصيات مستمدة من الواقع، تخلو من جهل الخيال وشططه اللذين يضمان الكثير من الأعمال الأخرى التي تزعم مقاربة الواقع دون معايشة له أو معرفة به.

ولكن الصبغة الصحفية تصبح عيباً حين تميل بصاحبها إلى “الإعلام” أكثر من الدراما، وإلى المباشرة والتعليمية عوضاً عن التعمق في دراسة الظروف الاجتماعية للقضية والدوافع النفسية للشخصيات.

يدور “منتهي الصلاحية” حول موظف بنك شريف (اسمه صالح!) يؤدي دوره محمد فراج، يتم سجنه ظلماً بسبب رفضه للتورط في الفساد.

وبعد خروجه من السجن يحاول تعويض ما فاته بالانخراط في عالم المراهنات، حيث يصعد إلى القمة قبل أن يسقط منها.

ينتمي العمل لما يعرف برحلة السقوط، التي تدور حول بطل مضاد anti- hero يبدأ بريئاً وطيباً، ولكنه يقع في غواية عالم الشر تدريجياً وصولاً إلى الدمار (وفي بعض الأحيان يفيق لنفسه، ويتدارك أخطاءه في اللحظة الأخيرة).

من الجميل أن يحصل محمد فراج، أخيراً، على بطولة مطلقة، فهو ممثل موهوب، ويتمتع بإمكانيات النجومية، غير أن شيئاً ما يحول دون ذلك، قد يكون التوتر الدائم الذي يبدو على ملامح وجهه ولغة جسده.

وأعتقد أنه يحتاج إلى فترة تدريب وتأمل روحي يكتسب خلالها نوعا من الاسترخاء واستخدام مهاراته في التعبير بطرق مختلفة.

خالي من التعاطف

فراج اختيار مناسب لشخصية صالح الملتبسة، التي تتحول من البراءة والمثالية إلى الخروج على القانون، ولكن نتيجة الصخب الناتج عن الحوار والأحداث التي لا تتوقف، يخلو المسلسل من المشاهد التي تسبر غور الشخصيات، وتجعلنا نتعاطف معها أو نفهمها، والأمر لا يقتصر بالطبع على البطل.

في “منتهي الصلاحية” يحاط هذا البطل بمجموعة من الشخصيات ينطبق عليهم جميعا التعبير الفرنسي antipathique الذي يعني سمج أو ثقيل الظل، أو على أفضل تقدير غير مثيرة للتعاطف، لا يستطيع المشاهد أن يتماهى معها، ومن الغريب والنادر أن عملاً يضم عشرات الشخصيات لا يكاد يحتوي على شخصية واحدة يمكن أن يحبها المشاهد!

يعود ذلك إلى سببين في تصوري: الأول هو السيناريو الذي يلقي بحمولته كلها على الشخصيات التي تنجرف في طريق الشر، بينما يخفق في رسم الشخصيات الإيجابية، والثاني هو المخرج الذي اختار ممثلين معظمهم غير موفقين بالمرة، ثم فاقم من الأمر بإدارتهم بطريقة تعطي الانطباع بالنفور منهم أو على الأقل البرود تجاههم! 

اقرأ أيضاًarticle image
اقرأ أيضاً

“ولاد الشمس”.. لماذا تتعثر صحوة مسلسلات الـ15 حلقة؟

كان لدى “ولاد الشمس” فرصة كبيرة أن يكون علامة مميزة في موسم متواضع وغير متزن.

أول هذه الشخصيات هي زوجة البطل رانيا، والتي تكره زوجها منذ المشهد الأول دون سبب واضح، بجانب أن الممثلة هبة مجدي التي تؤدي الدور تحمل وجها وصوت يخلوان من الإقناع أو الدعوة للتعاطف، فهي جامدة التعبير طوال الوقت، وقد كان هذا دأبها في معظم، إن لم يكن كل، الأعمال السابقة التي شاركت فيها مثل سلسلة “المداح”.

ثاني الشخصيات هو والد البطل التي يؤديها سامي مغاوري، وهو ممثل كبير يمكنه أداء معظم الشخصيات، والمفروض هنا أنه أب نبيل مثالي، لكنه يتعامل مع صالح بجفاء وعدوانية شديدين، غير مبررين.

الشخصية الثالثة هي البنت المكافحة الفقيرة منى التي تؤديها ياسمين رئيس، وبغض النظر عن أن سنها وملامحها غير مناسبين، فإن أداءها للشخصية سطحي، ورغم أنها تقدم كفتاة نبيلة لمعظم العمل، إلا أنها فجأة، ودون مقدمات تذكر، تقرر الانضمام لـ”عصابة المراهنات” التي يشكلها صالح، ما يفقدها التعاطف الذي كان يشعر به المشاهد (نظرياً) تجاه الشخصية.

الشخصية الرابعة هي أخت البطل المحامية صفاء (بأداء دنيا ماهر)، طيبة القلب، الرؤوفة بأخيها وأبيها وزوجها، التي تكره اللعبة من منطلق ديني وأخلاقي، ورغم أن دنيا ممثلة جيدة، ولكن أداءها يحمل حدة وعصبية زائدة تحول دون تماهي المشاهد معها.

وعلى العكس قد يتعاطف أكثر مع شخصية زوجها التي يؤديها محمود الليثي، العنصر الخفيف الوحيد في العمل، رغم أنه لا يمنح الفرصة كثيراً لبث بعض الفكاهة التي يجيدها.

وينطبق ذلك أيضا على الممثل خالد سرحان، الذي يلعب شخصية صاحب محل سيارات تعمل لديه منى، والذي يبدو طيباً لنصف المسلسل، ثم فجأة يكشر عن أنيابه، ويصف مع الأشرار، ولا يمنح الفرصة لإبراز جانبه الكوميدي، سواء كطيب أو شرير!

ربما تكون الشخصية الأفضل كتابة وأداءً وجلبا للتعاطف هي شخصية الشاب الصغير شرقاوي (بأداء الموهوب حسن مالك)، شقيق منى، الذي فقد حلمه بأن يكون لاعب كرة فتحول إلى عالم المراهنات وهو الذي جذب صالح إلى هذا العالم، رغم أنه يحاول من حين لآخر تحذيره من الانجراف أكثر من اللازم.

اقرأ أيضاًarticle image
اقرأ أيضاً

“80 باكو”.. في مديح بنات وسط البلد

بيد إخصائية تجميل بارعة، ناعمة الملمس، قوية العصب، تنحت صانعات مسلسل “80 باكو”، المعروض ضمن موسم رمضان الحالي، عملاً جميل المظهر، متماسك الجوهر.

أغرب شخصية

أما الشخصية الأغرب بين كل الشخصيات الغريبة التي يحفل بها “منتهي الصلاحية” فهو زميل وصديق البطل ماهر (تامر نبيل)، الذي يبدو في أول المسلسل طيباً، ولكن سرعان ما يتبين أنه يكره صالح، ويطمع في الزواج من مطلقته رانيا، ويوحي العمل أحياناً بأنه قد يكون المسؤول عن المؤامرة التي أودت بصالح إلى السجن، خاصة عندما يبين أنه موظف فاسد، كما أنه يتآمر على صالح بوضوح في نهاية العمل، ولكن بحلول النهاية المفاجئة يترك خط ماهر، مثل خطوط أخرى بالمسلسل، مبتوراً، ولا يلقى عقاب من أي نوع، ولو حتى بانكشاف أمره فقط.

حتى شخصيتي ابنة البطل وصديقتها (ابنة ماهر) المراهقتين تبدوان، من دون قوام  واضح، وتتحركان طوال الوقت جيئة وذهاباً دون وظيفة درامية محددة.

يدور “منتهي الصلاحية” حول عالم المراهنات كما ذكرنا، ولذلك ينبغي أن نشاهد بعض النماذج التي ضاعت بسبب ذلك، خاصة أن زوجة البطل تعمل مذيعة تحقق في عالم المراهنات وأخته محامية تعمل في عدة قضايا مرتبطة بالعالم نفسه! ولكن ذلك يشيع إحساساً بالتلفيق وعدم الطبيعية. ويضاعف من هذا الشعور التنفيذ المتعجل المتواضع لكثير من المشاهد.

في النهاية يبدو وكأن صناع العمل يصبون كل العواقب فوق رأس البطل وحده، مع إن غالبية الشخصيات لا تقل، إن لم تزد، عنه شراً، ومع ذلك تلومه منى وشرقاوي وزوجته وأخته وابنته، وكأنه المخطئ الوحيد في هذا العالم الذي يمتلئ أخطاءً!

* ناقد فني

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *