11 يونيو 2025Last Update :
قضية نقاش.. تحول الفصائل إلى أحزاب
صدى الإعلام – الكاتب: باسم برهوم – على ضوء النكبة التي لا نزال نعيش فصولها المأساوية، سياسيا وإنسانيا في قطاع غزة والضفة، لا بد من إجراء مراجعة نقدية شاملة لكل التجربة النضالية الفلسطينية منذ بدء الصراع، ونشأت الحركة الوطنية الفلسطينية بشكل عام، ومنذ توقيع اتفاقيات أوسلو وتأسيس السلطة الوطنية الفلسطينية بشكل خاص.
لا مجال للدخول في نقاش واسع في هذا المقال، ولكن يمكن مناقشة عنوان يتعلق بالفصائل الفلسطينية، التي لم تتحول إلى أحزاب، وبالتالي لماذا لم يفكر أحد جديا في إقرار قانون للاحزاب، ينظم عملية تأسيسها، ومواردها المالية، وبرامجها، وعلى أي أساس يتم تشكيلها.. وهل مسموح ان تشكل على أسس دينية طائفية؟ ولكن المهم الآن مناقشة ضرورة تحويل الفصائل إلى احزاب.
هناك حجة يسوقها المعارضون باستمرار، بأن الحالة الفلسطينية لا تزال تمر في مرحلة التحرر الوطني، وبالتالي لا بد من المحافظة على شكل الفصائل، لأن صيغتها مرتبطة بمسألة الكفاح المسلح، والمقاومة المسلحة، بالرغم من أن هذه الحجة ليست دقيقة في كثير من تجارب حركات التحرر. على سبيل المثال، جنوب أفريقيا كان حزب المؤتمر الوطني، حزب نيلسون مانديلا، كان يقود النضال في هذا البلد، في مواجهة النظام العنصري، وكذلك حزب المؤتمر في الهند، حزب غاندي، قاد نضال الشعب الهندي نحو الاستقلال، وكانت احزاب شيوعية في فيتنام وغيرها، احزاب وتقود نضالا وطنيا لتحقيق الاستقلال، سلميا او عبر المقاومة المسلحة.
حتى في تجربة الحركة الوطنية الفلسطينية ذاتها. تحولت في المرحلة قبل النكبة من صيغة المؤتمرات واللجنة التنفيذية في العشرينيات من القرن العشرين، إلى تجربة إنشاء الاحزاب في الثلاثينيات، ثم خلال ثورة العام 1936 – 1939 توحدت هذه الاحزاب في إطار اللجنة العربية العليا. صحيح ان تلك الاحزاب تشكلت على اسس خاطئة. فباستثناء حزب الاستقلال العربي، فإن باقي الاحزاب تأسست على أساس عائلي اكثر منها احزابا تشكلت انطلاقا من برامج اجتماعية واقتصادية، وتمثل اتجاهات وفئات اجتماعية.
وإذا نظرنا لتجربة الحركة الصهيونية ذاتها، التي كانت تعتبر نفسها حركة تحرر الشعب اليهودي، وهي في واقع الأمر حركة استعمارية، فإنها تشكلت في فلسطين على شكل احزاب، وكانت الوكالة اليهودية تضم احزابا مثل ماباي والمابام، وغيرهما من الاحزاب.
بعد توقيع اتفاقية إعلان المبادئ العام 1993. وتأسيس السلطة الوطنية عام 1994، التي كان تأسيسها لمرحلة انتقالية، الهدف منه بناء المؤسسات الوطنية، والنظام السياسي الفلسطيني، الذي سيتحول هو والمؤسسات إلى دولة فلسطينية، كان من الضروري ان تتحول الفصائل إلى احزاب، تكون جزءا من عملية ديمقراطية، وتتنافس بشكل ديمقراطي فيما بينها. ما اخّر هذه الخطوة، ومن ثم جعلها لا تنجز، هو غياب وحدة الموقف الفلسطيني في فهم اتفاقيات اوسلو، فهناك من اعتبرها محطة نضالية، وهناك من عارضها سياسيا، وهذا كان امرا مشروعا، اما من عارضها بالعمل العسكري، فكان يجب الا يسمح له بذلك.
اقرأ\ي أيضاً|مناورات حماس التفاوضية باهظة الثمن
لقد ساهم المعارضون للاتفاقيات، وخاصة المتطرفين منهم بتغذية بعضهم البعض في كلا الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي، ما قاد إلى تقويض هذه الاتفاقيات. فلسطينيا كانت حماس، وإسرائيليا كان اليمين المتطرف. كلاهما نجح في نهاية المطاف في تقويض السلام. ومع ذلك نعود إلى مسالة تحول الفصائل إلى احزاب، فإن هذه الخطوة تحتاج إلى الاتفاق بخصوص شكل النضال، فإذا كانت المقاومة الشعبية السلمية هي الشكل المعتمد، وهناك حاجة للاتفاق بأن هدف النضال الفلسطيني هو إقامة الدولة الفلسطينية، وبالتالي، فإن هناك حاجة لبناء نظام سياسي ديمقراطي فإن صيغة الأحزاب وليس الفصائل التي لا رقابة عليها وعلى تمويلها. ولا برامج اجتماعية واضحة لها.
بعد التطورات الاخيرة، والنكبة التي حلت بنا في قطاع غزة، وفي ظل الاعتراف المتزايد بالدولة الفلسطينية، فإن احد أشكال المراجعة تتعلق باشكال النضال الجديدة، والتحول لبناء نظام سياسي فلسطيني يوحد اجزاء الوطن من جديد.. نظام سياسي تكون في احزاب وليس فصائل.. احزاب لها برامجها السياسية والاجتماعية والاقتصادية، تواصل النضال لانهاء الاحتلال لأراضي الدولة الفلسطينية سلميا من جهة، وتناضل لتنفيذ برامجها من جهة اخرى، هذا التطور بحاجة إلى مجموعة تشريعات، تبدأ بإقرار دستور جديد، وإلى بعض القوانين المنظمة للحياة السياسية، من بينها قانون الاحزاب، الذي يتناول عمل هذه الاحزاب، ومصادر تمويلها، وطبيعتها اللاطائفية.. الخ.
قضية التحول من صيغة الفصائل إلى صيغة الأحزاب هي قضية يجب ان تطرح للنقاش، وهي ضرورية الآن، فلا يمكن الاستمرار بالشكل القديم، لانه كان أحد الأسباب لما وصلنا اليه من مأزق وطني صعب وعميق.