قطار “أبو عمشة” –
غزوان قرنفل
عندما يقلع قطار الحل في سوريا، لن يجد السوريون المناهضون لنظام العصابة لأنفسهم مقعدًا فيه، ذلك أن المقاعد على طاولة الحلول تخصص عادة للفاعلين المالكين لزمام خطة عمل ورؤية يسعون لتحقيقها، بوصفها جزءًا من مستقبل يسعون إليه ويملكون مع القوة والسيطرة وزمام أمورهم ما يجعل لهم وزنًا نوعيًا مؤثرًا، يصعب تجاهله أو تجاهل مطالبه عند تدبيج الاتفاقيات، وهذا ما لا يملكه المعارضون.
الرهان والارتهان هي عدة المعارضة السورية ولا شيء غيرها، راهنوا على مواقف ودعم عربي وإقليمي وكان رهانهم خائبًا خرجوا منه ملومين محسورين، ويراهنون الآن فقط على الموقف الغربي، الذي لا يزال، حتى الآن فحسب، يشكل جدار صد لمسار إعادة تأهيل الأسد ومنظومته، لكن لا يمكن أبدًا الركون لمثل هذا الرهان، لأن التجربة علمتنا، أو يفترض أنها فعلت، أن مثل تلك المواقف ليست شيئًا ثابتًا أو جدارًا صلدًا يمكنك أن تسند ظهرك إليه بطمأنينة ودون خوف من انهياره فوق رأسك.
والحقيقة الأكثر مأساوية أن هؤلاء السوريين أو ممثليهم الذين لم يختاروهم قط لن تتم دعوتهم لمناقشة أي شكل من الحلول التي سيتم إخراجها من قبعة الساحر في لحظة الحقيقة، بل سيتم شحنهم كالدواب التي تحمّل لوحدها في عربة منفصلة في ذيل القطار تكون مخصصة عادة لهذا النوع من المخلوقات، وسيذهب هؤلاء جميعًا صاغرين ليبصموا على وثيقة الحل التي يصوغها غير السوريين، والتي ستكون بالضرورة تعبيرًا عن الأحجام والأدوار ومواقع القوة والسيطرة على الأرض، وانعكاسًا لمصالح كل القوى الدولية والإقليمية المنخرطة في الصراع السوري، ما عدا السوريين أنفسهم.
لقد دأبت كل القوى “الداعمة” للسوريين المناهضين للنظام طوال سنوات الصراع على إنهاك أدواتها وإخضاعها، والحد من إمكانياتها وقدرتها على الفعل، وفرضت عليها سياسات ومسارات لم تكن الغاية منها قط تفكيك بنية النظام وإيجاد البديل المناسب عنه، حتى في أوج انتصاراتها وتقدمها ضمن مساحات سيطرة النظام كان الحلفاء يكبحون هذا التقدم ويحولون وجهة ونطاق المواجهات بطريقة لا تسمح بالمساس بقدرة النظام على الصمود والبقاء. ولأجل ضمان عدم التكرار، قرر الداعمون إسقاط درعا والغوطة وحلب، فكان أن قصم ظهر السوريين ودمر حلمهم بنفس القدر الذي دمرت فيه مدنهم.
كل ذلك بطبيعة الحال لا يعفي السوريين من المسؤولية عن جعل أنفسهم مجرد أدوات رخيصة مرتهنة لتحقيق مشاريع ومصالح الآخرين، وإهمال مصالحهم الوطنية التي يفترض أنهم ثاروا لأجلها، وبالتالي فنحن أولًا وآخرًا من يتحمل مسؤولية هزيمة ثورتنا وانكسارها، فقد هزمنا ابتداء أمام القوى الإسلاموية التي وضعت الديمقراطية التي نسعى إليها تحت أقدامها، وبدلًا من تحرير دمشق، التي هي على مرمى حجر، من دنس العصابة الحاكمة، أعلنت تلك القوى أنها ستحرر روما أيضًا! ثم هزمنا مرة أخرى من كل الفصائل التي حملت السلاح لتحريرنا وإذا بها تعيد استعبادنا به، فتغصب بيوتنا وتغتصب نساءنا وتهتك حرماتنا وتنهب ثرواتنا وتعتدي على حقوقنا. وسنهزم في كل مرة أخرى طالما أن وعينا لا يزال عالقًا بين السرة والركبة.
تثار أحاديث اليوم عن خطة عمل لحل عربي مع توافق إقليمي لا أدري مدى صحته أو دقة تفاصيله، لكن يمكنني الجزم بأن كل الحلول التي لم يكن ممكنًا تصورها ستصبح ممكنة خلال سنين قليلة جدًا، يتخللها مزيد من العوز وتركيع لقمة العيش ليكون السوريون في المناطق الخارجة عن سيطرة النظام أكثر جاهزية ومطواعية لتقبل أي نوع من الحلول، ولو كان مكسبهم الوحيد فيه انتشالهم من المستنقع العالقين فيه لا أكثر. وأزعم أن الإرهاصات الأولى لمثل هذا الحل توجب إعادة السوريين في دول الإقليم إلى بيت الطاعة أولًا وهذا ما تقوم به بوتيرة أو أخرى كل حكومات دول المنطقة بلا استثناء.
حقًا لقد تم تدجين وترويض السوريين إلى أبعد حد ممكن، وهو ما يجعل من قادة مثل “الجولاني” و”أبو عمشة” وما يشبههما من مسوخ وأقزام رموزًا لثورة موؤودة، وأدوات لدفنها قبيل انطلاق قطار الحل، قطار “أبو عمشة”!
مرتبط
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
المصدر: عنب بلدي