تتجه الأنظار إلى القمة المرتقبة بين الرئيسين الصيني شي جين بينج والأميركي دونالد ترمب في سول، الخميس، على هامش الاجتماع الثاني والثلاثين لمنتدى التعاون الاقتصادي لآسيا والمحيط الهادئ “أبيك” (APEC)، وسط ترقّب لما ستسفر عنه من نتائج في ظل محاولات البلدين تجاوز “الخلافات العالقة”.
ويرى خبراء صينيون وأميركيون تحدثوا لـ”الشرق”، أن القمة ستركّز على 3 ملفات رئيسية تشكّل جوهر التباين بين واشنطن وبكين؛ وهي مكافحة مخدر الفنتانيل، واستيراد فول الصويا الأميركي، وضمان تدفق المعادن النادرة إلى السوق الأميركية من الصين، التي تُعدّ المورد الأبرز عالمياً في هذا المجال.
وتشهد العلاقات الصينية الأميركية تطوراً إيجابياً بفضل “دبلوماسية المحادثات الهاتفية”، واللقاءات رفيعة المستوى.
وفي هذا السياق، جاء الاتصال الهاتفي بين وزير الخارجية الصيني وانج يي ونظيره الأميركي ماركو روبيو، ليؤكد استمرار الزخم الدبلوماسي بين بكين وواشنطن، إذ شدد وانج يي على ضرورة “اللقاء في منتصف الطريق” استعداداً لتفاعلات رفيعة المستوى”.
وأضاف وانج يي، في بيان نقلته وكالة “شينخوا”، أن الرئيسين شي وترمب تربطهما “علاقات طويلة الأمد، ويكن كل منهما الاحترام للآخر”، واصفاً العلاقة بينهما بأنها “أثمن رصيد استراتيجي في العلاقات الصينية الأميركية”.
وجاءت المكالمة الهاتفية قبل 3 أيام من زيارة الدولة التي سيقوم بها الرئيس الصيني شي جين بينج إلى كوريا الجنوبية لحضور الاجتماع الـ32 لقادة منتدى التعاون الاقتصادي لآسيا والمحيط الهادئ “أبيك”، في وقت يقوم الرئيس الأميركي دونالد ترمب بجولة آسيوية تشمل كوريا الجنوبية لحضور القمة نفسها.
ومنذ تولي ترمب منصبه هذا العام، أجرى الرئيس الصيني 3 محادثات هاتفية معه، في يناير ويونيو وسبتمبر.
“دبلوماسية القادة”
قالت المديرة السابقة للشؤون الصينية في مجلس الأمن القومي الأميركي سارة م. بيران، لـ”الشرق”، إن “دبلوماسية القادة حاسمة. فهي تُعطي إشارة مهمة لاتجاه العلاقة. وتوجه كلا النظامين نحو الوجهة التي ينبغي أن يسلكها”.
وواقف البروفيسور دا وي، مدير مركز الأمن والاستراتيجية الدولية بجامعة تسينغهوا، على تقييم بيران، مؤكداً أن التواصل المباشر بين قادة البلدين ضروري لدفع العلاقات قدماً.
وأضاف دا وي لـ”الشرق”: “يجب على الزعيمين أن يلتقيا، وأن يقدما توجيهات واضحة لكبار المسؤولين من كلا الجانبين لدفع العلاقات بين أكبر اقتصادين في العالم”.
وخلال المكالمة الأخيرة بين وزير الخارجية الصيني، ونظيره الأميركي، شدد وانج يي على ضرورة التوافق المتبادل، قائلاً إن البلدين “يجب أن يلتقيا في منتصف الطريق للتحضير الجيد للتبادلات رفيعة المستوى وتهيئة الظروف لتطوير العلاقات الثنائية”، بينما أكد روبيو، على أهمية العلاقات الثنائية، واصفاً إياها بأنها “أهم علاقة ثنائية في العالم”، معرباً عن أمله في أن “ترسل اللقاءات رفيعة المستوى إشارة إيجابية للمجتمع الدولي”.
وأشار وانج يي إلى ما واجهته العلاقات الاقتصادية والتجارية الصينية الأميركية من “انتكاسات مؤخراً”، لكن البلدين أوضحا مواقفهما، وعمقا التفاهم المتبادل، وتوصلا إلى توافق إطاري لمعالجة القضايا الاقتصادية والتجارية الملحة على قدم المساواة خلال محادثات كوالالمبور الاقتصادية والتجارية.
وفي هذا السياق، قال لي تشنج قانج، الممثل التجاري الدولي الصيني لدى وزارة التجارة ونائب وزير التجارة، في مؤتمر صحافي الأحد، إن الجانب الأميركي “أعرب عن موقفه الحازم، بينما ظل الجانب الصيني ثابتاً على موقفه في حماية مصالحه”، مضيفاً أن الطرفين توصلا “إلى تفاهمات أساسية بشأن عدد من القضايا التجارية ذات الاهتمام المشترك، على أن يخضع الاتفاق لاحقاً لإجراءات الموافقة المحلية في كلا البلدين.
ووصف وزير الخزانة الأميركي سكوت بيسنت تلك التفاهمات بأنها تشكل “إطاراً جوهرياً” للمحدثات التجارية بين البلدين.
محادثات ماليزيا
وكانت الفرق الاقتصادية والتجارية من الصين والولايات المتحدة ناقشت خلال المحادثات، التي استمرت يومين، قضايا تشمل إجراءات المادة 301 الأميركية المتعلقة بقطاعات النقل البحري واللوجستيات وبناء السفن في الصين، وتمديد تعليق التعريفات الجمركية المتبادلة، والتعاون في مكافحة تهريب الفنتانيل، وتوسيع التجارة وضوابط التصدير.
وفي هذا السياق، قال البروفيسور دا وي إن البلدين أثبتا قدرتهما على الحوار، لكن عليهما الآن أن يثبتا قدرتهما على تنفيذ ما اتفقا عليها.
وأضاف أن التفاعلات رفيعة المستوى هي “الخطوة التالية”، في إشارة إلى اللقاء المرتقب بين شي وترمب، “شريطة أن تستند إلى مبادئ المساواة والاحترام المتبادل، والتركيز على المصالح المشتركة”، مؤكداً أن هذه هي الطريقة لبناء الثقة واستقرار العلاقة الحيوية بين البلدين.
وجاءت محادثات ماليزيا في وقت تقترب فيه هدنة الرسوم الجمركية الممتدة لـ90 يوماً، من نهايتها في 10 نوفمبر المقبل، في ظل اضطرابات وتقلبات شهدتها العلاقات التجارية بين بكين وواشنطن خلال الشهر الماضي.
ومنذ مايو الماضي، عقدت الفرق الاقتصادية من البلدين 5 جولات من المحادثات، شملت مدريد وستوكهولم ولندن وجنيف.
المعادن النادرة والصويا
قال شون شتاين، رئيس مجلس الأعمال الأميركي الصيني، لـ”الشرق”، إن الرئيس ترمب سيركز خلال لقائه المرتقب مع نظيره الصيني على 3 ملفات أساسية هي الفنتانيل، واستئناف مشتريات فول الصويا الأميركي، وضمان تدفق المعادن النادرة.
وأضاف شتاين أنه من الأفضل عدم رفع سقف التوقعات بشأن الحوار على المدى القصير، لكنه قد “يمهد لعلاقات تجارية أفضل وأكثر استقراراً على المدى الطويل”.
وكان وزير الخزانة الأميركي سكوت بيسنت ألمح إلى احتمال التوصل إلى اتفاق بشأن فول الصويا بعد أن أوقفت الصين شراءه من الولايات المتحدة في خضم الحرب التجارية.
ووفقاً لجمعية فول الصويا الأميركية، تعد الصين أكبر مشتر للمنتج، إذ تستورد أكثر من 50% من الصادرات الأميركية لعامي 2023 و2024.
ومع ذلك، من غير المرجح أن يستعيد فول الصويا الأميركي حصته السوقية المفقودة مع استمرار الصين في تنويع مشترياتها من دول أخرى، وفقاً لتقرير دراسة أجرته شركة أكسفورد إيكونوميكس، وهي شركة استشارية اقتصادية عالمية.
وأظهرت بيانات الجمارك الصينية أن واردات فول الصويا في سبتمبر بلغت مستوى قياسياً عند 12.9 مليون طن، فيما ارتفع الإنتاج المحلي إلى 20.65 مليون طن عام 2024، بزيادة 4 نقاط مئوية في معدل الاكتفاء الذاتي مقارنة بعام 2020.
وأكدت تشن فنج يينج، الخبيرة في معاهد الصين للعلاقات الدولية المعاصرة، لـ”الشرق”، أن الصين “لن ترضخ لضغوط الولايات المتحدة بعد سنوات من تعزيز قدراتها الذاتية”، مشددة على أن بكين “أرست أسساً قوية تمكّنها من مواجهة الضغوط الأميركية”.
