قنبلة موقوتة” تركها فلول النظام البائد في اللاذقية تهدد الفقراء.. والأهالي يوجهون “رسالة” للحكومة

“لم يخبرني أحد أن الموت قد يكون موجوداً بهذا المكان وأنا أبحث عن لقمة عيشي، ووحده القدر أنقذني من موت محتّم”، بهذه الكلمات يصف “محمد خنيسة”، أحد المواطنين من محافظة اللاذقية، تفاصيل خطر “محدق” يلاحق يومياً عشرات المواطنين الذين اضطرهم الفقر للتنقيب في مكبات النفايات.
يضيف “خنيسة” في حديث خاص لوكالة “ستيب الإخبارية”: “إن الحرب لا تنتهي بانتهاء أزيز الرصاص”، ويشير إلى أن آثارها اليوم تهدد أكثر من أي وقت مضى، أرواح البسطاء الذين أصبحوا في مواجهة مباشرة مع أدوات القتل التي خلفها النزاع.
من جمع الخردة إلى مواجهة الموت
بدأت قصة “محمد” كما العديد من المواطنين، مع سقوط نظام الأسد وتسريح آلاف الموظفين، ما أفقدهم مصدر رزقهم.
اضطروا للبحث في مكبات القمامة عن معادن وبلاستيك لبيعها، غير مدركين أنهم دخلوا منطقة صراع جديدة. ففي مارس/آذار الماضي، تحوّل هذا النشاط إلى كارثة بعد حوادث أمنية شهدها الساحل السوري.
مارس الدامي.. نقطة تحول
شهد شهر مارس 2025 هجوماً نفذه فلول النظام البائد على مواقع أمنية في محافظة اللاذقية، تبعته حملة عسكرية حكومية واسعة، خلّفت حسب مصادر حقوقية العديد من القتلى والانتهاكات، إلى جانب مواجهات دامية بين المسلحين الفارين والقوات الحكومية.
لكن أخطر ما خلفته هذه الحملة كان “الكمائن المؤجلة” إذ عمد الفارون إلى التخلص من أسلحتهم وذخائرهم عبر رميها في مكبات النفايات أو المناطق السكنية القريبة.
أرقام مخيفة ومشاهد مأساوية
في 23 مارس أصيب محمد خنيسة أثناء عمله في مكب نفايات بانفجار جسم غريب أدى إلى بتر ثلاثة أصابع وفقدان البصر جزئياً، بالإضافة لإصابة بالغة في الرأس.
وفي حي الرمل الجنوبي تم توثيق وفاة 10 أشخاص وإصابة 14 آخرين بسبب انفجارات ناجمة عن مخلفات حربية، من بينها حادثة سقوط مبنى بالكامل نتيجة محاولة تفكيك قنبلة داخل ورشة خردة.
في حي الدعتور يؤكد الأهالي أنهم عثروا على أكثر من 300 قطعة سلاح مختلفة، سلموها إلى الأمن العام، بينما يقدّر عدد العاملين بمكبات النفايات هناك بأكثر من 70 شخصاً، معظمهم من ذوي الدخل المحدود.
المعيشة تحت الصفر.. والفقر يدفع للتهلكة
تفاقمت الأوضاع المعيشية في سوريا عموماً، والساحل السوري خصوصاً، بعد موجة تسريحات وظيفية طالت عشرات الآلاف من العاملين بالقطاعين المدني والعسكري. وبحسب تقرير لمركز “رؤية اقتصادية سورية”، فإن نسبة البطالة في الساحل بلغت 52%، وسط انهيار القدرة الشرائية وغياب البدائل.
يقول محمد: “ما دفعني للعمل في هذا المجال هو الحاجة. ليس هناك فرص عمل، ولا دعم من الدولة، ولا حتى جمعيات خيرية تهتم بحالتنا”.
تحركات أهلية في وجه الخطر
في ظل غياب التحرك الرسمي، نشطت مبادرات أهلية في مناطق اللاذقية لجمع ما أمكن من الأسلحة والقنابل غير المنفجرة.
وفي حديث مع أحد سكان حي الدعتور، قال: “نعمل على تنظيف محيطنا بأنفسنا. تسليم الأسلحة هو واجبنا، لكن لا يمكننا ضمان سلامة كل شيء. نحن بحاجة لفريق مختص”.
غياب التوعية والتقصير الدولي
ورغم خطورة الموقف، تغيب برامج التوعية من قبل المنظمات الإنسانية، ويقول مدير إحدى الجمعيات الأهلية، فضل عدم الكشف عن اسمه: “التمويل الدولي موجه فقط للإغاثة، ولا أحد يدعم مبادرات التوعية أو إزالة مخلفات الحرب، رغم أنها تقتل الناس بصمت كل يوم”.
ويحذر المدير من أن استمرار هذا الإهمال قد يتسبب بـ”كارثة مدنية”، خصوصاً أن المواد المتفجرة التي جرى التخلص منها حديثاً تعتبر أكثر حساسية من تلك المدفونة منذ أعوام.
البلديات.. عجز تام وخطر بيئي
البلديات المحلية بدورها تعاني من ضعف في الإمكانيات، ومصادر رسمية في محافظة اللاذقية أكدت أن 50% من أسطول النقل البلدي معطّل بسبب نقص المحروقات وقطع الغيار، وأدى ذلك إلى تراكم القمامة في الأحياء، مسببة انتشار الروائح الكريهة وتهديداً بيئياً إضافياً.
ويطالب سكان أحياء الرمل والدعتور والمناطق المجاورة بخطة حكومية عاجلة تتضمن: إرسال فرق إزالة ألغام ونزع مخلفات الحرب من مكبات النفايات. دعم البلديات بوسائل النقل والوقود لتنظيف الأحياء. إطلاق حملات توعية واسعة تشمل الأطفال والعاملين في مواقع النفايات. تقديم دعم مباشر للعائلات المتضررة من إصابات المخلفات.
في بلد لا تزال ترتجف من تبعات عقد من الحرب، يجد الفقراء أنفسهم بين سندان الفقر ومطرقة الموت المؤجل، قصص مثل محمد خنيسة ليست استثناءً بل باتت القاعدة في مشهد سوري مأساوي يفرض تساؤلاً وجودياً: من يزيل عن الفقراء هذه القنابل التي تركتها الحروب خلفها؟

المصدر: وكالة ستيب الاخبارية