اختار الكاتب والمخرج السعودي عبد العزيز آل سلطان، السرديات التاريخية بالعربية الفصحى، موضوعاً لاشتغاله الروائي والسينمائي، في الوقت الذي تتشكل فيه هوية السينما السعودية، ويغلب عليها الطابع الكوميدي.
بدأ المخرج الشاب مشروعه في الكتابة والسينما، بفيلم قصير عنوانه “عز لمولانا السلطان”، ثم كرر التجربة بفيلم آخر بعنوان “زرقاء اليمامة”، وهو يخوض حالياً تجربته الجديدة بفيلمه الطويل “النار الخابية”، الذي يتناول سيرة الصعاليك في الجاهلية من منظور مختلف.
في حوار خاص مع “الشرق”، تحدث عبد العزيز آل سلطان، عن رهاناته الفنية، وواقعية السوق وتحدياته، وتجربته مع المؤسسات الثقافية الداعمة، ومدى تقبل الجمهور لهذا النوع من السينما.
لماذا اخترت السينما التاريخية ألا ترى أنها مخاطرة؟
ما أقدّمه هو مشروع لإعادة بعث التاريخ من الكتب إلى صالات العرض، فهذا النوع من الأفلام، يعيد وصلنا بتاريخنا من زاوية سردية بصرية حديثة.
أما عن كلمة “مخاطرة”، فهي كلمة تنتمي لعالم التجارة، لا إلى عالم الفن، على الأقل من وجهه نظر شخص مهتم بالثقافة، فالهدف ليس جني المال، بل أسمى من ذلك.
كما أن سوق السينما السعودي لا يزال في بداياته، فلا يوجد أي فيلم سعودي حتى الآن، حقّق مليون تذكرة مثلاً، لذلك لا توجد قاعدة جماهيرية واضحة نستند إليها، وهذا ما يمنحنا فرصة التجريب والبحث.
البعض يعتبر أن السينما التاريخية نخبوية وخصوصاً أن المؤسسات الداعمة تميل غالباً لتلبية الذائقة الجماهيرية؟
الرهان على الجرأة والتجريب، وليس على النخبوية بمعناها الضيق. الجمهور السعودي لا يزال غامضاً، ولا توجد وصفة جاهزة للنجاح، وهذا ليس خاصاً بنا فقط، بل حتى في الأسواق العالمية الكبرى، تحدث مفاجآت ونجاح وفشل، من يحدد حاجة الجمهور هو من يعرف إنتاجه، لكن للأسف لا أحد يعرف ذلك بدقة حتى الآن.
تخيّل أنك في بلد يبلغ عدد سكانه 36 مليون نسمة، ومع ذلك لم يتجاوز أي فيلم سعودي حاجز المليون تذكرة، كما أن غياب “مختبر التجربة” السينمائية، الذي يسمح بالتجريب والتقييم بعيداً عن الأحكام المسبقة، يجعل من الضروري أن نخوض مغامرات فنية قد تبدو نخبوية، لكنها في الحقيقة محاولة لفهم الجمهور.
خضت تجربتين سابقتين في إخراج وكتابة الأفلام القصيرةكيف تصف ذلك؟
الفيلم الأول كان بعنوان “عز لمولانا السلطان” وهو من كتابتي وإخراجي، وتدور أحداثه حول الساعات الأخيرة لآخر ملوك الأندلس أبي عبد الله الصغير. تمّ إنتاج الفيلم عام 2021، ووجدت دعماً كبيراً من الأصدقاء المهتمين بالسينما، كما تمّ عرضه في مهرجان أفلام السعودية، وكذلك عُرض ضمن فعاليات اليوم الوطني 2022 في مركز إثراء.
أما الفيلم الثاني فكان بعنوان ” جناحا زرقاء اليمامة “، وهو من كتابتي وإخراجي أيضاً، وحاولت فيه أن أقدم قراءة معاصرة لشخصية زرقاء اليمامة من زاوية جديدة، كذلك شارك الفيلم في مهرجان أفلام السعودية، وفي مهرجان الإسكندرية للفيلم القصير، وعروض أخرى في الرياض.
تعمل حالياً على فيلم روائي طويل بعنوان “النار الخابية” من كتابتك وإخراجك، ماذا عن هذا الفيلم؟
فيلم “النار الخابية” هو امتداد للتجربتين السابقتين في الفيلمين القصيرين، ويمكن القول إنه المشروع الفني الطويل الذي كنت أطمح إليه منذ البداية.
يتناول الفيلم سيرة الشنفري، أحد أهم الأسماء في صعاليك العرب، ولكن من منظور غير تقليدي، إذ أحاول إعادة قراءة بعض الشخصيات التاريخية البارزة في التراث العربي، التي ترسّخت في الذاكرة الجمعية.
أما عن تفاصيل الأحداث، فأفضّل أن تبقى مفاجأة للمشاهد، ليخوض التجربة بكامل دهشتها.
ماذا تريد أن تقول من خلال طرحك المخالف للسرديات التاريخية، وماذا عن المصادر في أعمالك؟
أصبح معظمنا يدرك أن ما هو موجود في كتب التاريخ لا يؤخذ دائماً كحقائق مطلقة، الكثير من القصص التي وصلتنا بدأت كنوع من الترفيه، وكان العرب يتداولونها في مجالس السمر، لا كما يتعاملون مع النصوص المقدسة.
أنا لا أقدم أعمالاً وثائقية، بل أعمالاً درامية تتعامل مع التاريخ كمصدر للحكاية، لا كمرجع للحقيقة. أما عن مصادر كتابتي، فأنا أعتمد على مراجع كلاسيكية مثل تاريخ الطبري، و”نفح الطيب” للمقري، و”دولة الإسلام في الأندلس” لمحمد عبد الله عنان؛ أحاول أن أختار منها الروايات التي تصلح درامياً، من دون الوقوع في فخ التوثيق.
هل هناك قابلية لدى الجمهور لهذا النوع من الأفلام، وهل ستبقى كاتباً ومخرجاً لكل أعمالك؟
في العروض التي قدّمتها كان الإقبال أكبر من التوقعات، وكانت اللغة العربية الفصحى أحد عوامل الجذب؛ لغتنا العربية الفصحى تعدّ وسيطاً راقياً وقيمة فنية عالية، وتوظيفها في الفيلم كان إضافة حقيقية.
أما فيما يخص الكتابة والإخراج، فأنا حالياً أكتب وأمارس الإخراج، لكن لا أستبعد الاستعانة بكُتّاب مستقبلاً، بحسب متطلبات كل مشروع وطبيعته، وما زلت في بداية الطريق.
ماذا عن دعم الجهات الثقافية لمشروعك؟
وجدت دعماً كبيراً واهتماماً بالغاً من هيئة الأفلام السعودية، سواء على المستوى المادي أو اللوجستي، إنهم شركاء حقيقيين في هذا المشروع، أشكر تعاونعهم وعلى رأسهم المهندس عبدالله عياف.