اخر الاخبار

كوريا الجنوبية.. الغموض يكتنف انتخابات الرئاسة

رفضت محكمة في كوريا الجنوبية، الجمعة، طلب كيم مون سو، من حزب “قوة الشعب”، بتأكيد وضعه كمرشح في انتخابات الرئاسة المقررة في 3 يونيو المقبل، في اقتراعٍ يتوقع مراقبون ألا يكون سهلاً، ما ألقى بحالة من الغموض والضبابية على الانتخابات بأكملها.

وهناك علامات استفهام تسيطر على مُرشح الحزب الديمقراطي الذي يُعتبر الأوفر حظاً للفوز، ويُصنفه مراقبون بأنه أكثر قرباً من الصين وأقل تشدداً مع كوريا الشمالية، والأمر نفسه بالنسبة للتحالف الذي ينافسه ويضم مرشحيَن اثنين (أحدهما سو) من حزب “قوة الشعب” اليميني المُحافظ، المعروف بتفضيله التقارب مع اليابان والولايات المتحدة.

وتوقع خبراء سياسيون، أن تعاقب شرائح من الناخبين هذا التحالف، بسبب دعم الحزب للرئيس السابق المعزول يون سوك يول، عندما فرض الأحكام العرفية في البلاد، فضلاً عن العراقيل التي تنتظر الفائز في البرلمان الذي يشكل نواب الحزب الديمقراطي أغلبيته.

ويُواجه زعيم الحزب الديمقراطي، لي جاي ميونج، معوقات قانونية ربما تؤدي إلى تعطيل ترشحه، بعدا أمرت المحكمة العليا، الأسبوع الماضي، بإعادة محاكمته في قضية ثبت فيها أنه انتهك القوانين في الفترة التي سبقت الانتخابات الرئاسية الماضية، وربما تؤدي إعادة المحاكمة إلى الحكم عليه بعقوبة تمنعه ​​من الترشح.

ويبذل الحزب الديمقراطي كل ما في وسعه لتجنب هذا السيناريو، بدءاً من اقتراح قوانين جديدة، إلى التهديد بعزل القضاة، لضمان عدم منع لي من الترشح.

في المقابل تشكل تحالف واسع النطاق يحمل شعار “ضد لي” لمواجهة مرشح الحزب الديمقراطي؛ لكن هذا التحالف معرض للانهيار، إذ رفضت إحدى المحاكم طلب كيم بتأكيد وضعه كمرشح رئاسي، بعدما فاز بالترشيح في الانتخابات التمهيدية لحزبه.

قبل قرار المحكمة، كان موقف كيم على الجانب اليميني من حزبه، وكان من الممكن أن يصعب دعم هان للرئيس السابق المعزول يون سوك يول، عليهما جذب الناخبين المترددين، وإذا فاز تحالف “هان – كيم”، فسوف يواجه صعوبة في إيجاد التوافق داخل الجمعية الوطنية (البرلمان)، إذ يتمتع الحزب الديمقراطي بأغلبية ضخمة، ما يسمح له بعرقلة الكثير من سياسات هان أو كيم.

في هذه الأثناء، يدير كوريا الجنوبية رئيسها الموقت، وزير التعليم لي جو هو، الذي يتولى قيادة البلاد، بعد استقالة رئيس الوزراء السابق والرئيس الموقت هان دوك سو، بهدف الترشح في انتخابات الرئاسة، ثم استقال وزير المالية تشوي سانج موك، تحت تهديد المساءلة من قِبل الحزب الديمقراطي.

هذا هو التغيير الرابع في قيادة البلاد منذ ديسمبر الماضي، وليس هناك ما يضمن أن يظل لي جو هو، رئيساً بالإنابة حتى يوم الانتخابات.

كايل بوب، محلل السياسة الكورية في شركة “فيوتشر ريسك”، رأى في تصريحات لـ “الشرق”، أن “الطبيعة غير المسبوقة لكل ما حدث في السياسة الكورية جرى تجاهلها إلى حد ما”، وأن هناك إمكانية لتغيرات جذرية في كوريا.

زعيم المعارضة الأوفر حظاً

وسائل الإعلام بشكل عام، وصفت لي جاي ميونج، بأنه المرشح الأوفر حظاً، ونشرت بعضها تقارير وتحليلات بدت وكأن انتخابه رئيساً أصبح أمراً واقعاً، فمثلاً اختارت مجلة “تايم” الأميركية، ميونج، واحداً من بين أكثر 100 شخصية مؤثّرة في العالم هذا العام، تناولت المجلة سيرته بالإشارة إلى أن صعوده السياسي لم يكن سهلاً، فهو الابن الخامس بين 7 أطفال لعائلة مزارعين، وكان يمشي مسافة 10 أميال ذهاباً وإياباً إلى المدرسة الابتدائية يومياً، وكسرت معصمه في آلة ضغط أثناء عمله وهو قاصر في أحد المصانع بمدينة سيونجنام الصناعية، وسبق أن اُنتخب كرئيس بلدية وحاكم، لكنه خسر الانتخابات الرئاسية في عام 2022 أمام يون سوك يول، قبل أن يُطُعن في رقبته بعد عامين على يد مختل عقلياً.

وقاد ميونج، الذي يتزعم المعارضة في البلاد، الحملة التي كانت تهدف إلى عزل يون بعد إعلانه حين كان رئيساً للبلاد الأحكام العرفية، في ديسمبر الماضي، وأطلق بثاً مباشراً لنفسه وهو يتسلق سياج الجمعية الوطنية لتجاوز حصار الشرطة للمساعدة في إلغاء الأمر.

ويتقدم ميونج في استطلاعات الرأي بفارق كبير، ويعتبر الأوفر حظاً في الفوز بالرئاسة، لكن تشكيل جبهة موحدة ضده ربما يضيق هذه الفجوة، ولكي يحظى التحالف المناهض له بفرصة، فيتعين عليه أن يدعم مرشحاً واحداً وينقل رسالته وسياساته إلى الناخبين بسرعة.

وفي الماضي كان ميونج يتبنى سياسات أكثر يسارية، لكنه يحاول الآن أن يبدو أكثر وسطية لجذب عدد كافٍ من الناخبين للفوز بعد خسارته الانتخابات الرئاسية السابقة.

يقول كايل بوب، إن ميونج “كان يتمتع دائماً بروح براجماتية” ولديه خلفية مختلفة عن العديد من أعضاء الحزب الديمقراطي الذين لهم تاريخ في نضال الطلاب في كوريا.

كان ميونج وعد في السابق بالعمل على زيادة الدخل الأساسي في البلاد، لكن يبدو أنه تراجع عن هذه السياسة لكسب تأييد الوسطيين، على الرغم من أنه أعلن عزمه تقديم مساعدات في صورة قسائم لا يمكن إنفاقها إلا في الشركات الصغيرة المحلية، كما التقى رؤساء التكتلات الكورية الكبرى المعروفة باسم “تشايبول” وحاول أن يقدم نفسه كشخص مؤيد للأعمال.

سياسة اقتصادية واحدة

ويترشح هان داك سو، على أساس وعد بإصلاح الدستور، ومن أبرز الإصلاحات المطروحة السماح للرئيس بتولي فترتين رئاسيتين كل منهما 4 سنوات، خاصة في ظل تمتع الرئيس بصلاحيات أقل حالياً.

وفي ما يتعلق بالسياسات الأخرى، فمن المرجح أن تظهر برامج انتخابية أكثر تفصيلاً بمجرد بدء الحملة الانتخابية رسمياً، وعندئذ تبدأ المنافسة الانتخابية فعلياً، وتنتشر لافتات الدعاية على المباني وفي الشوارع، وتعزف موسيقى البوب ​​الكورية ويتجول الراقصون في الأحياء لحشد الدعم للمرشحين.

أستاذ الدراسات الكورية في جامعة دانكوك، بنيامين إنجل، يرى أنه عندما يتعلق الأمر بالاقتصاد، فلن يكون هناك فرق كبير بين سياسات المرشحين.

وقال إنجل لـ “الشرق”، إن “السياسة الاقتصادية برمتها.. كوريا المحدودة”، كانت مستقرة إلى حد كبير طوال انتقال السلطة من المحافظين إلى التقدميين ثم العودة مرة أخرى.

وبالنسبة لمصطلح “كوريا المحدودة”، فهو تفسير للانطباع السائد بأن كوريا الجنوبية تتعامل مع نفسها وكأنها شركة في الأساس، بغض النظر عن المسؤول، لأن الجميع يفعل كل ما يلزم لنجاح الشركات العملاقة مثل سامسونج و”إل جي” وغيرها من المؤسسات التي تُشكِّل عصَب الاقتصاد الكوري، لأن هذا هو ما حوّل البلاد إلى عملاق اقتصادي.

اختلافات في السياسة الخارجية

وعندما يتعلق الأمر بالسياسة الخارجية، يُنظر إلى الحزب الديمقراطي عموماً على أنه أكثر تأييداً للصين وكوريا الشمالية، ويُنظر إلى حزب “قوة الشعب” على أنه أكثر تأييدًا للولايات المتحدة واليابان، لكن كايل بوب يقول إن لي جاي ميونج، شخصية مختلفة تماماً عن رئيس الحزب الديمقراطي السابق مون جاي إن، الذي دفع بقوة لتحسين العلاقات مع بيونج يانج، والتقى كيم جونج أون مرات عدة.

الزميل البارز في مركز الشرق والغرب، ديني روي، قال لـ “الشرق”، إنه في حين أن العديد من أنصار ميونج “غير راضين عن استمرار العمل كالمعتاد تجاه اليابان”، فإن لي نفسه تحدث بشكل أكثر اعتدالاً تجاه اليابان مؤخراً، وقال أيضاً إنه بغض النظر عمن سيكون رئيساً لكوريا الجنوبية، فمن غير المرجح أن تتورط البلاد في أي توتر في مضيق تايوان.

القضية الملحة التي تواجه كوريا الجنوبية في العلاقات الخارجية في الوقت الراهن، هي الرسوم الجمركية التي فرضها الرئيس الأميركي دونالد ترمب، ومؤخراً قاد وزير المالية آنذاك تشوي سانج موك، وفداً إلى الولايات المتحدة، لكنه أبلغ واشنطن أن سول لا تنوي التوصل إلى أي اتفاق حتى بعد الانتخابات.

ويعتقد إنجل، أن هان ربما يكون أكثر استعداداً للتوصل إلى تسوية مع ترمب، في حين ربما يكون ميونج أكثر استعداداً للوقوف في وجهه، وربما يكون أكثر استعداداً للتعاون مع الصين، إذا تصرفت إدارة ترمب بشكل أكثر عدائية تجاه سول.

وعلى الرغم من أن الانتخابات لم يتبق على إجرائها سوى أقل من شهر، إلا أن العديد من العوامل الأساسية الكفيلة بتغيير مسار الانتخابات، لا تزال مجهولة، خاصة ما يتعلق بالدعاوى القضائية التي يواجهها ميونج، وما إذا كان حزب “قوة الشعب” يستطيع دعم مرشح واحد والنأي بنفسه عن إرث يون سوك يول من الأحكام العرفية.

ولم تتسبب الدعاوى القضائية التي يواجهها ميونج، في انخفاض دعمه وفقاً لأحدث استطلاعات الرأي، لكن إنجل يقول إنه إذا ضغط الحزب الديمقراطي لعزل القضاة الذين أصدرواً أحكاماً ضد ميونج، فإن هذا ربما يجعل الناس يعتقدون أن ميونج مستعد لإلقاء النظام وسلطة القانون “من النافذة” حتى يصبح رئيساً، وربما يتساءلون عما إذا كانت تصرفاته مختلفة كثيراً عن إعلان الأحكام العرفية الذي أصدره يون سوك يول.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *