تراجعت السندات الدولارية الكولومبية بعد أن قررت الولايات المتحدة “إلغاء اعتماد” كولومبيا كشريك في الحرب على المخدرات، في ظل ما يوصف بأكبر طفرة لإنتاج الكوكايين في التاريخ.
وبحسب “بلومبرغ” يتوقع أن تؤثر الخطوة التي اتخذتها إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترمب، سلباً على الاستثمارات الأجنبية والتمويل من المؤسسات الدولية والسياحة، إذ تجد كولومبيا، الحليف التقليدي لواشنطن، نفسها الآن في الفئة نفسها مع فنزويلا، وبوليفيا، وأفغانستان، وميانمار.
وتراجعت السندات الدولارية الكولومبية عبر المنحنى الائتماني، وكانت من بين الأسوأ أداءً في أسواق المال الناشئة، الثلاثاء.
وانخفضت السندات المستحقة في 2053 بأكثر من نصف سنت، وهو أكبر تراجع منذ أوائل أغسطس، لتتداول عند أقل من 113 سنتاً للدولار، وفقاً لبيانات تسعير استرشادية جمعتها “بلومبرغ”، أما البيزو الكولومبي فبقي مستقراً في التداولات المبكرة.
وقال الرئيس الكولومبي جوستافو بيترو، مساء الاثنين، خلال اجتماع وزاري: “الولايات المتحدة تلغي اعتمادنا بعد عشرات القتلى من الشرطة، والجنود، والمواطنين الذين ضحوا في محاولة لمنع وصول الكوكايين إليهم”.
وكانت كولومبيا من بين أكبر المستفيدين من المساعدات الأميركية خلال هذا القرن، إذ تلقت نحو 14 مليار دولار، بما في ذلك مساعدات عسكرية لمحاربة كارتلات المخدرات، والمتمردين، غير أن العلاقات بين ترمب والرئيس الكولومبي اليساري سرعان ما تدهورت، بسبب اختلاف رؤيتيهما حول الحرب على المخدرات والهجرة والعلاقات مع فنزويلا.
وألقى ترمب، في قرار رئاسي، باللوم على بيترو، محملاً حكومة كولومبيا مسؤولية عدم وقف زيادة الإنتاج، وكذلك “محاولاته الفاشلة للتوصل إلى تفاهمات مع الجماعات الإرهابية المرتبطة بالمخدرات”.
وقال إن “فشل كولومبيا في الوفاء بالتزاماتها في مكافحة المخدرات خلال العام الماضي، يقع بالكامل على عاتق قيادتها السياسية”.
ومع ذلك، لم تصل الإدارة الأميركية إلى حد المطالبة بوقف المساعدات، إذ تضمن القرار استثناءً ينص على أن المساعدات الأميركية ما تزال تمثل مصلحة وطنية حيوية.
وقال الخبير الاقتصادي في بنك باركليز أليخاندرو أرياثا: “نظراً للقيمة الاستراتيجية للعلاقات الثنائية، وإمكانية حدوث تغيير في الانتخابات المقبلة، ستتجنب الولايات المتحدة تصعيد التوتر مع كولومبيا في هذه المرحلة”، وأضاف أن هذا يفسر لماذا كان رد فعل السوق محدوداً حتى الآن.
كولومبيا والأضرار الاقتصادية
ومع ذلك، قد تؤدي هذه الخطوة إلى خسائر تصل إلى مليار دولار سنوياً في عائدات السياحة إذا شددت الولايات المتحدة تحذيرات السفر إلى كولومبيا، بحسب دراسة لغرفة التجارة الكولومبية الأميركية نُشرت في أغسطس.
كما قد يؤدي القرار إلى تقليص التعاون الثنائي، وانخفاض يصل إلى 60% في فرص الحصول على قروض من المؤسسات المالية الدولية، فضلاً عن تخويف المستثمرين الأجانب، وفقاً للدراسة ذاتها.
ورغم ذلك، فإن حجم الضرر يبقى محدوداً نظراً لأن المساعدات الأميركية لم تعد ذات أهمية كبيرة للبلاد كما كانت في مطلع القرن، بحسب آدم إيساكسون، الباحث في مكتب واشنطن لأميركا اللاتينية والمتخصص في شؤون السياسة الأميركية الكولومبية.
ومنذ توليه منصبه في 2022، تبنى بيترو استراتيجية “السلام الشامل” عبر التفاوض مع الجماعات المتمردة والجيوش الخاصة لتجار المخدرات، ولكن هذه الاستراتيجية لم تحقق حتى الآن نتائج ملموسة في نزع سلاح المجموعات، رغم تقدم المفاوضات مع بعضها.
وتنتج كولومبيا الآن أكثر من ستة أضعاف كمية الكوكايين التي كانت تنتجها عام 1993، وارتفعت زراعة نبات الكوكا في كولومبيا بنسبة 10% العام الماضي لتصل إلى 253 ألف هكتار، وهي مساحة تكفي لإنتاج أكثر من 2600 طن من الكوكايين النقي، أي أكثر بكثير من إنتاج بيرو، وبوليفيا مجتمعين.
وقالت السفارة الكولومبية في واشنطن في بيان عبر منصة “إكس” إن الولايات المتحدة وكولومبيا ستواصلان العمل المشترك لمحاربة تهريب المخدرات، وأضافت: “لقد منح القرار الأميركي استثناءً يسمح باستمرار التعاون الثنائي.. هذا القرار يؤكد أهمية عملنا المشترك”.
تكتيكات أكثر صرامة
تنتهي ولاية بيترو الرئاسية بعد أقل من عام، وهو غير مؤهل للترشح مجدداً، وسيتيح الضغط الأميركي فرصة للمرشحين الذين ينتقدون نهجه في مكافحة المخدرات، ويدعون إلى اعتماد أساليب أكثر تشدداً.
وقال ترمب إنه سيكون مستعداً لإعادة النظر في القرار إذا غيرت كولومبيا موقفها إلى “نهج أكثر عدوانية” ضد مهربي المخدرات، بما في ذلك التعاون مع الولايات المتحدة لـ”تقديم قادة المنظمات الإجرامية الكولومبية إلى العدالة”.
من جهته، قال وزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو، خلال حديثه إلى صحافيين في إسرائيل، الثلاثاء، إن كولومبيا قد تُعاد المصادقة عليها إذا زادت تعاونها مع واشنطن.
وأضاف: “كولومبيا كانت شريكاً عظيماً تاريخياً، وللأسف لديهم الآن رئيس، إلى جانب كونه متقلباً، لم يكن شريكاً جيداً عندما يتعلق الأمر بالقضاء على المخدرات”.