اخر الاخبار

كيف أثرت جمارك ترمب على شعبيته؟

خلال أقل من شهر تعرضت واحدة من أهم وعود الرئيس الأميركي دونالد ترمب لاختبار قاس، إذ تراجعت شعبيته ودب الخلاف بين معسكره على خلفية التعريفات الجمركية التي فرضها على دول العالم.  

عندما أطلق ترمب حربه التجارية في 2 أبريل، أحدث تقلبات حادة في أسواق الأسهم العالمية، وامتدت إلى سوق السندات الأميركية، الذي عادة ما يُعتبر ملاذاً آمناً للأميركيين. وبدلاً من الاحتفاظ بها أقدم المستثمرون على بيعها، مما أدى إلى انخفاض أسعارها.

ورغم تراجع ترمب في 9 أبريل، وإعلانه تعليق الرسوم الجمركية التي فرضها على أكثر من 75 دولة لمدة 90 يوماً، فيما رفع التعريفات المفروضة على الصين إلى 125%، إلّا أن الأسهم الأميركية استمرت في الهبوط، ما عزز المخاوف الداخلية من ارتفاع الأسعار وعدم استقرار الاقتصاد، وهو ما أثر تدريجياً على ثقة الأميركيين في ترمب، وبدأ التأييد الشعبي يتآكل مع اتساع الفجوة بين وعوده الانتخابية والواقع الاقتصادي المقلق.

وعود ترمب.. أين ذهبت؟

خلال حملته الانتخابية، وعد ترمب بخفض تكاليف المعيشة وتحسين أوضاع الأميركيين الاقتصادية، ما جذب ناخبين غير تقليديين مثل الشباب والمستقلين. لكن، بعد عودته إلى البيت الأبيض، فرض ترمب رسوماً جمركية أثارت قلقاً كبيراً.

ومع عدم اليقين المصاحب لتعليق الرسوم لمدة 90 يوماً وزياداتها على الصين، تراجعت شعبية ترمب وانخفضت نسبة تأييده لأدنى مستوى، ما يهدد بتفكك التحالف الانتخابي الذي أعاده إلى السلطة في 2024، منذراً بخسارة الجمهوريين في الكونجرس.  

وأظهر استطلاع للرأي أجرته “رويترز/ إبسوس” تراجع شعبية ترمب إلى أدنى مستوى لها منذ عودته إلى البيت الأبيض، إذ أبدى الأميركيون علامات قلق حيال جهوده الرامية لتوسيع سلطاته. 

وفي حين كشف الاستطلاع، الذي نشر في 21 أبريل، عن انخفاض معدلات تأييد ترمب ومعارضته في الكثير من القضايا بشكل عام التي تشمل معاقبة الجامعات، وتنصيب نفسه رئيساً لمجلس إدارة مركز كنيدي، والضرائب وسيادة القانون، فإن استطلاع رأي آخر أجرته “cbs/ يوجوف” في 11 أبريل، أظهر أن الناخبين الأميركيين يتوقعون ارتفاع أسعار السلع نتيجة للتعريفات الجمركية.

وتوقع 75% من المشاركين في الاستطلاع ارتفاع الأسعار على المدى القصير، و48% على المدى الطويل، وبينما يؤيد 51% أهداف ترمب التجارية، فإن 37% فقط يوافقون على نهجه. 

وأدّت الحرب التجارية إلى انخفاض شعبية ترمب بين الناخبين المستقلين، حيث أظهر  استطلاع رأي أجرته مجلة “الإيكونوميست” بالتعاون مع “يوجوف” في 8 أبريل، تغيراً ملحوظاً في آراء الناخبين المستقلين، فقد انخفضت نسبة الموافقة على أداء ترمب بين الناخبين المستقلين بنسبة 5% لتصل إلى 32%، مقارنة باستطلاع سابق أجرته نفس المجلة مع “يوجوف” في 18 مارس، وكشف أن 37% من المستقلين، راضون عن أدائه آنذك. 

ويعد انقلاب الناخبين المستقلين ضد ترمب بسبب الرسوم الجمركية، تحولا كبيراً قد يؤثر على انتخابات التجديد النصفي 2026، باعتبارهم أكبر مجموعة سياسية في الولايات المتحدة.  

المحامي الحقوقي الديمقراطي ألين أور، قال إن المتعارف عليه أن الحزب الحاكم يخسر مقاعد في الانتخابات النصفية، وأن تلك الانتخابات تكون بمثابة استفتاء على الرئيس ومع انخفاض شعبية ترمب تصبح الخسارة أكثر احتمالية. 

وأضاف أور في حديثه مع “الشرق”، أنه إذا استمر هذا التحول في المزاج العام، وبدأ الناخبون المستقلون، الذين يُعتبرون عاملاً حاسماً في الانتخابات الأميركية، بدعم مرشحي الحزب الديمقراطي في انتخابات التجديد النصفي لعام 2026، فإن ذلك سيزيد من فرص الديمقراطيين في استعادة السيطرة على الكونجرس، سواء في مجلس النواب أو مجلس الشيوخ أو كليهما.

الجمهوريون تحت تهديد الخسارة

فيما قال خبير استطلاعات الرأي في الحزب الجمهوري وايت آيرس: “انتخب الأميركيون ترمب جزئياً لخفض التضخم وزيادة النمو الاقتصادي، أما ارتفاع الأسعار وتباطؤ النمو، فهما عكس ما صوّت له الأميركيون تماماً”. 

وأضاف أيريس في حديثه مع “الشرق” أنه إذا استمر هذا الوضع فسيخسر الجمهوريون مجلس النواب، “وسيخسرون الشيوخ بالتأكيد”.

وأظهر استطلاع رأي أجرته “رويترز” و”إبسوس” أن ما يقرب من 25% من الجمهوريين يعارضون خطط التعريفات الجمركية التي وضعها ترمب.

وكشف الاستطلاع الذي أُجري في الفترة ما بين 4 إلى 6 أبريل الجاري، أن 73% من الأميركيين يتوقعون ارتفاع الأسعار في ظل خطة ترمب للرسوم الجمركية، بينما توقع 4% انخفاضها. 

وبينما عارض 57% من الأميركيين، الرسوم الجمركية، أيدها 39%، وأدان 24% من الجمهوريين الخطوة الاقتصادية التي اتخذها الرئيس، بينما أيدها 73%، وعارض المستقلون الرسوم الجمركية بنسبة 57% إلى 41%.

ومع ذلك، فإن الكاتب الجمهوري جون جيزي، يرى أن تأثير التعريفات الجمركية يحتاج وقتاً حتى يمكن الحكم عليه، مؤكداً أن سياسة الرئيس في هذا الشأن تجاه الصين، تحديداً، يعد أمراً مرحباً به وطال انتظاره. 

وقال جيزي في حديثه مع “الشرق” إن تأثير الرسوم الجمركية يختلف بحسب الفئة المتضررة، فبينما قد يقلق أفراد من الطبقة المتوسطة بسبب اضطرابات سوق الأسهم وتراجع قيمة مدخراتهم التقاعدية 401k، فإن هناك آخرين، خصوصاً، العاملين في قطاع التصنيع قد يرون في هذه السياسة انتقاماً طال انتظاره من الأضرار التي لحقت بهم بعد انضمام الصين إلى منظمة التجارة العالمية، “حيث فُقِدت نحو 23 مليون وظيفة من 2001 إلى 2020، وغالباً ما كانت في المجتمعات الصناعية. هؤلاء الناخبون، قد يمنحون ترمب فرصة إضافية، باعتباره يدافع عن مصالحهم”.  

“أي عضو يعارض ترمب يخسر” 

تمسُّك ترمب بالتعريفات الجمركية، قبل تعليقها مؤقتاً، أثار حالة من الذعر داخل صفوف الحزب الجمهوري. إذ شعر المسؤولون بالقلق من أن هذه السياسة قد تؤدي إلى تباطؤ اقتصادي أو حتى ركود، وهو ما قد يضر بفرص الحزب في انتخابات التجديد النصفي عام 2026. 

وسعى عدد متزايد من الجمهوريين في الكونجرس إلى إيجاد سبل لإحباط سياسة ترمب الجمركية رداً على الحرب التجارية الناشئة. ووقّع 7 أعضاء جمهوريين في مجلس الشيوخ على مشروع قانون ثنائي الحزبية قدمه السيناتور الجمهوري عن ولاية أيوا، تشاك جراسلي، لمنح الكونجرس رأياً في الرسوم الجمركية الجديدة.

وكان مشروع قانون مُصاحب في مجلس النواب قادماً من النائب دون بيكون، الجمهوري عن ولاية نبراسكا. ولكن بعد أيام من الدعم المتزايد من الجمهوريين، نجح البيت الأبيض في إحباط ذلك.  

وقلّل جيزي من أهمية تحركات الجمهوريين ضد قرار ترمب، مشيراً إلى فوزه المريح وتحالفه الانتخابي الواسع الذي أوصله إلى البيت الأبيض. وقال إن بعض المشرعين الجمهوريين الذين قادوا التحركات ضد قرار الرئيس “كان معظمهم  أصلاً على خلاف معه من قبل”.

في المقابل، اعتبر الديمقراطي أور أن تحركات الجمهوريين كشفت عن خوفهم خسارة مقاعدهم في التجديد النصفي نتيجة زيادة الأسعار والتضخم الذي يرفضه الناخبين.

وقال أور إن الناخبين الأميركيين سيكونون أمام فرصة في الانتخابات المقبلة للتعبير عن رأيهم في أداء الرئيس، وهو ما قد يؤدي إلى نتائج كارثية لحزبه إذا لم تُعالج المخاوف الاقتصادية المتزايدة.

وأدت عدم الموافقة على أداء ترمب، في انتخابات التجديد النصفي لعام 2018، إلى خسارة الجمهوريين 40 مقعداً في مجلس النواب، رغم أن معدل تأييد ترمب وقتها كان يبلغ 41%. 

لكن المحلل السياسي الجمهوري سكوت أولنجر، رجح أن خسارة بعض مقاعد الجمهوريين في الكونجرس ستأتي نتيجة خلافهم مع الرئيس.

وقال أولنجر في حديثه مع “الشرق” إن الشعب الأميركي في هذه المرحلة يبدو أنه يدعم ترمب بشكل كبير، “وأي نائب لا يسير مع سياسات ترمب سيواجه معارضة شديدة عندما يترشح مرة أخرى، لأن ترمب لا يخشى من انتقادهم علناً، والشعب يدعم ترمب وسياساته بأغلبية كبيرة”. 

واعتبر أولنجر أن أي عضو في الكونجرس يعارض ترمب سيواجه عواقب، “وأعتقد أن من يعارض ترمب من الجمهوريين سيواجه تحديات داخل حزبه في الانتخابات التمهيدية عندما يترشح لإعادة انتخابه”. 

تصحيح مسار “مؤقت” 

قبل تعليق ترمب الرسوم الجمركية التي فرضها، عانت سوق الأسهم من خسائر استمرت لأيام، وأثارت القلق بين المسؤليين التنفيذيين في وول ستريت، الداعمين لترمب، الذي عبروا علناً عن قلقهم الكبير.  

كتب مدير صندوق التحوط المؤيد لترمب، ويليام أ. آكمان، في منشور له، الاثنين، على منصة إكس: “الاقتصاد العالمي يُدمّر بسبب حسابات خاطئة”، مضيفاً: “يجب على مستشاري الرئيس الاعتراف بخطأهم قبل 9 أبريل وإجراء تصحيح في المسار قبل أن يرتكب الرئيس خطأ كبيراً”.

وصحح ترمب المسار، مؤقتاً، وأمر بوقف مؤقت لمدة 90 يوماً للتعريفات الجمركية على كل الدول باستثناء الصين، وقال إن الناس “أصبحوا خائفين بعض الشيء”. وأضاف “اعتقدتُ أن الناس قد تجاوزوا الحدود. سوق السندات حساس للغاية، كنتُ أراقبه، كان الناس يشعرون ببعض القلق”. 

ومع ذلك، يرى جيزي أن السوق المالية بالغت في ردة فعلها تجاه سياسة ترمب، بينما الناس في “الشارع الحقيقي” لم يتأثروا بالقدر نفسه.  

وقال إنه لا توجد مؤشرات على فقدان جماعي للوظائف، ونسبة التوظيف ما زالت مرتفعة، مضيفاً أن البيت الأبيض يركز على خلق فرص عمل طويلة الأجل في قطاعات، مثل التصنيع، التي انتقلت إلى الخارج، وأن اضطراب السوق “قد يكون اضطراباً مؤقتاً ضرورياً لإتاحة المجال أمام تغيير طويل الأجل”.  

من جانبه، اعتبر أولنجر تراجع ترمب “فطنة سياسية”، لافتاً إلى أن الرئيس ترمب عندما ترشح للرئاسة، تحدث كثيراً عن الطبقة العاملة الأميركية، وهي ليست لديها استثمارات كبيرة في سوق الأسهم. وأضاف أولنجر أن ترمب ليس قلقاً على الأغنياء الذين يمثلون  10% فقط من السكان الأميركيين ويمتلكون حوالي 50% من الأسهم، “لكنه حذر بشكل أكبر لصالح الطبقة  المتوسطة”. 

وأضاف أولنجر أن وول ستريت كانت تعمل بشكل جيد جداً لمدة 30 عاماً، لكن الأميركيين العاديين لم يكونوا يعيشون بشكل جيد، “وهذا يعني أن الرئيس ترمب، رغم تعليقه التعريفات مؤقتاً، مستعد للبقاء في هذا المسار طالما لزم الأمر، وهو لا يعتقد أن هناك انخفاض كبير في دعمه، لأن الناس بشكل عام يدعمون ما يحدث”. 

تأثير البقالة 

ويخشى الكثير من الأميركيين ارتفاع أسعار السلع والخدمات بما في ذلك أسعار البقالة. وتشير توقعات أسعار الغذاء الصادرة عن وزارة الزراعة الأميركية إلى أنه من المتوقع أن ترتفع أسعار المواد الغذائية بوتيرة أسرع قليلاً من متوسط ​​معدل النمو هذا العام. 

حالة التوتر المتصاعدة، دفعت الرئيس ترمب إلى التحدث عن البقالة تحديداً. وخلال خطابه بمناسبة “يوم التحرير” في 2 أبريل، الذي أعلن فيه فرض تعريفات جمركية جديدة شاملة على السلع في جميع أنحاء العالم، ركز ترمب على كلمة “البقالة”، وقال “إنه مصطلح قديم الطراز ولكنه مصطلح جميل”. 

لم يتحدث ترمب عن ارتفاع أسعار البقالة، ولا تأثير التعريفات الجمركية عليها، بدلاً من ذلك زعم أنه خفّض أسعار المواد الغذائية، قائلاً: “لقد ارتفعت أسعار المواد الغذائية بشكل كبير، وهذا ما اعتمدته في حملتي الانتخابية. تحدثتُ عن كلمة (بقالة) كثيراً، والآن انخفضت تكاليف الطاقة. وأسعار المواد الغذائية انخفضت”. 

لكن التوقعات بأن تؤدي التعريفات الجمركية إلى تفاقم التضخم من خلال نقل عبء الضرائب الجديدة إلى المستهلكين ساهم في انقسام كبير بين قاعدته الأساسية من الناخبين، لاسيما عند التحدث عن الأسعار والتضخم. 

وفي حين أقر الجمهوري آيريس أن الرسوم الجمركية أصبحت قضية مثيرة للانقسام بين الناخبين الذين كان ترمب في أمسّ الحاجة إليهم لتعزيز فرصه في الانتخابات، فإن الجمهوري جيزي استنكر أن يتم الحكم على سياسة ما منذ البداية.

وقال إن الرئيس ترمب فاز بسهولة في الانتخابات الأخيرة، وحصل على الأغلبية في مجلسي النواب والشيوخ، وتمكّن من بناء تحالف انتخابي جديد يضم الفقراء، والعاملين، ونسبة تاريخية من أصوات الناخبين اللاتينيين، الأعلى لأي جمهوري في التاريخ، كما حصل على أعلى نسبة من أصوات السود لأي جمهوري منذ 64 عاماً، “هذا إنجاز كبير. شيء مثل هذا لا ينهار بين ليلة وضحاها”. 

لكن الناخبين السود واللاتينيين من أكثر الفئات التي تشعر بالقلق من سياسة التعريفات الجمركية، وأظهر استطلاع “إيكونوميست/ يوجوف”، أن 51% من الأميركيين يعارضون سياسة الرسوم الجمركية، بينما فقط 34% يؤيدونها. وتوقع العديد من هؤلاء المستطلعين أن تزيد أسعار السلع اليومية نتيجة لهذه السياسة، بما في ذلك 47% من الجمهوريين. 

وكشف الاستطلاع، الذي أجري بين 30 مارس حتى 1 أبريل، أن 30% من الناخبين اللاتينيين و23% من الناخبين السود يعارضون هذه السياسة.  

لكن أولنجر حذّر من استطلاعات الرأي، لافتاً إلى أنها قد تكون مضللة في بعض الأحيان. 

وقال إنه غالباً ما يتم تمثيل الأسئلة بشكل خاطئ، “عندما كانت كامالا هاريس تترشح للرئاسة، جرى سؤال 60% من الديمقراطيين الذين لا يحبون ترمب، وبالتالي كانت إجاباتهم ضد ترمب. لذا، من الممكن أن تكون الاستطلاعات مضللة في بعض الأحيان”.

وتوقع أولنجر أن الأسعار ستكون أعلى قليلاً ولكنها لن ترتفع بشكل كبير، “وأعتقد أن الأميركيين صبورون وسينتظرون ويرون ما سيحدث. قد يكون هناك رأي مختلف لاحقاً، لكن في الوقت الحالي، أعتقد أن الناس مستعدون لمنح ترمب فرصة ووقتاً لمعرفة ما سيحدث”. 

لكن الرئيس ترمب نفسه لم ينتظر كثيراً من الوقت، وأعلن في 22 أبريل، إمكانية التوصل إلى اتفاق تجاري مع الصين.

وقال ترمب خلال حديثه في البيت الأبيض، إنه “سيكون لطيفاً للغاية في المفاوضات مع بكين”، وإن الرسوم الجمركية على الواردات الصينية لن تتجاوز نسبة 145%، و”ستنخفض بشدة بعد التوصل إلى اتفاق، ولكن ليس إلى الصفر”. 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *