تمكن وزير الخزانة الأميركي سكوت بيسنت، في حديث خاص مع الرئيس الأميركي دونالد ترمب، من إقناعه بوجوب عدم إقالة رئيس مجلس الاحتياطي الفيدرالي جيروم باول، وفق ما قاله أشخاص مطلعون لصحيفة “وول ستريت جورنال”. 

وأوضح الأشخاص المطلعون، وفق الصحيفة، أن بيسنت ركز في شرح أسبابه لتجنب خلاف علني بشأن الأشهر الـ10 الأخيرة من ولاية باول في رئاسة الاحتياطي الفيدرالي الأميركي على عدة محاور، من بينها التأثيرات المحتملة على الاقتصاد والأسواق، واحتمال أن يكون المجلس في طريقه بالفعل إلى خفض أسعار الفائدة في وقت لاحق من العام الجاري، إضافة إلى العقبات السياسية والقانونية المحتملة لمثل هذه الخطوة. 

وقال أحد الأشخاص المطلعين، إن بيسنت اعتبر إقالة باول “غير ضرورية”، نظراً للأداء الجيد للاقتصاد وتفاعل الأسواق الإيجابي مع سياسات الرئيس. وأضاف أن بيسنت ذكّر ترمب بأن مسؤولي الاحتياطي الفيدرالي، ألمحوا إلى إمكانية خفض أسعار الفائدة مرتين قبل نهاية العام. 

وظل احتمال أن يُقدم الرئيس على إقالة باول مطروحاً منذ عدة أشهر، لكنه عاد ليتصدر المشهد العلني مجدداً خلال الأسبوع الماضي. 

شكاوى متكررة 

وكان ترمب قد اشتكي مراراً من أن مجلس الاحتياطي الفيدرالي بحاجة إلى خفض أسعار الفائدة لتقليل أعباء الدين الفيدرالي. فيما قال مسؤول كبير في البيت الأبيض، الأربعاء الماضي، إن الرئيس أبلغ نواباً جمهوريين خلال اجتماع عقد مؤخراً أنه قد يُقدم قريباً على إقالة باول. ولكن في وقت لاحق من نفس اليوم، قال ترمب للصحافيين، إنه لا يعتزم اتخاذ هذه الخطوة. 

وأثار هذا الجدل اضطرابات مؤقتة في الأسواق المالية الأميركية، إذ يرى كثير من المستثمرين أن محاولة تغيير مسؤولي الاحتياطي الفيدرالي (البنك المركزي) بسبب خلافات على السياسات، قد تُقوض تدريجياً استقلالية الاحتياطي الفيدرالي، أو قدرته على اتخاذ قرارات لا تحظى بتأييد شعبي عند الضرورة للحفاظ على معدلات تضخم منخفضة. 

وفي أبريل الماضي، ذكرت “وول ستريت جورنال”، أن بيسنت ووزير التجارة، هوارد لوتنيك، نصحا ترمب بعدم محاولة إقالة باول عندما تحدث الرئيس علناً عن “إقالة” رئيس الاحتياطي الفيدرالي. 

وفي هذا التطور الأخير، أبلغ بيسنت ترمب، بأنه إذا أقال باول قبل انتهاء ولايته، فقد يرفع الأخير دعوى قضائية قد تستمر حتى فصل الربيع، أي بالتزامن مع موعد انتهاء ولايته في جميع الأحوال. 

وكتب ترمب على منصته “تروث سوشيال”، الأحد، أنه لم يكن بحاجة إلى بيسنت ليشرح له أن إقالة باول ستكون سيئة للأسواق. 

وقال ترمب: “لم يكن أحد بحاجة إلى أن يشرح لي ذلك. فأنا أعرف أكثر من أي شخص آخر ما هو جيد للأسواق، وما هو جيد للولايات المتحدة. الناس لا يشرحون لي، بل أنا من أشرح لهم!”. 

فراغ قيادي 

وأقر بعض المستشارين المقربين من الرئيس الأميركي، بأن أي محاولة لإقالة باول، حتى في حال عدم رفعه دعوى قضائية متوقعة، قد تؤدي إلى فراغ قيادي مطول، نظراً لعدم وجود ما يضمن أن يصادق مجلس الشيوخ الذي يكون عادة خارج واشنطن في أغسطس، على مرشح بديل بسرعة. 

كما أن إقالة باول رغم اعتراض عدد من أعضاء مجلس الشيوخ الجمهوريين، قد تؤدي إلى عرقلة عملية التصديق على تعيين أي خليفة له. 

وبموجب القانون الحالي، يتولى نائب رئيس الاحتياطي الفيدرالي، مهام الرئيس في حال غيابه. ويشغل هذا المنصب فيليب جيفرسون، وهو مقرب من باول ومُعين من قبل الرئيس السابق جو بايدن. 

كما أقر المستشارون المقربون من ترمب، بأن العقبات المرتبطة بالأسواق المالية والجوانب العملية لإقالة باول، قد تضع ترمب أمام معادلة خاسرة، إذ ستتحمل إدارته تبعات أي ردود فعل سلبية في الأسواق دون أن تحصد مكاسب فورية على صعيد التأثير في السياسة النقدية. 

وعلاوة على العقبات المباشرة، أبلغ بيسنت الرئيس ترمب، أن بإمكانه بالفعل ترك بصمته على مجلس الاحتياطي الفيدرالي، إذ تنتهي ولاية أدريانا كوجلار، وهي أحد أعضاء مجلس محافظي الاحتياطي الفيدرالي، في يناير المقبل، كما تنتهي فترة رئاسة باول في مايو، ما يمنح ترمب فرصة لشغل مقعد أو مقعدين في المجلس مطلع العام المقبل. 

وقال متحدث باسم البيت الأبيض، إن ترمب “سيرشح أفضل مرشح ممكن لإعادة الكفاءة والثقة والمساءلة إلى الاحتياطي الفيدرالي”. 

خطة لمواجهة باول

وتزامنت إعادة ترمب النظر في إقالة باول، مع شروع عدد من مسؤولي الإدارة في طرح “خطة جديد لمهاجمة باول”، عبر التشكيك في إشرافه على مشروع ترميم مبنيين تاريخيين سيصبحان المقر الرئيسي للاحتياطي الفيدرالي في واشنطن. 

وقد شهد المشروع، تجاوزات كبيرة في التكاليف، عزاها الاحتياطي الفيدرالي إلى ارتفاع أسعار المواد وتحديات إنشائية غير متوقعة. 

ويدعو عدد محدود من منتقدي باول في مجلس الشيوخ الأميركي، إلى استقالته، لكن ثلاثة جمهوريين على الأقل في لجنة الشؤون المصرفية بمجلس الشيوخ قالوا إنهم لا يعتقدون أن رئيس الاحتياطي الفيدرالي يمكن أو ينبغي أن يُقال من منصبه. 

وأعرب زعيم الأغلبية في مجلس الشيوخ، جون ثيون، عن مخاوف مماثلة، الأربعاء، إذ قال لشبكة Fox News: “أعتقد أن الأسواق تريد احتياطي فدرالي مستقل”. 

ويتناقض النهج الحذر الذي يتبعه بيسنت مع بعض مسؤولي الإدارة الآخرين الذين طرحوا أساليب أكثر عدوانية. وكان ترمب قد قال للصحافيين، الثلاثاء الماضي، إنه يعتبر بيسنت شخصية “مُطمئنة”. 

ويقود مدير مكتب الموازنة في البيت الأبيض، راسل فوت، حملة للضغط على باول بسبب تجاوزات التكاليف في مشروع إنشاءات الاحتياطي الفيدرالي، في محاولة محتملة لتمهيد الطريق لإقالته “لأسباب وجيهة” قد تتيح تجاوز الحماية القانونية التي يتمتع بها. 

وفي إطار هذه الجهود، عين ترمب مؤخراً ثلاثة مستشارين، أحدهم يعمل مباشرةً مع فوت، في لجنة تخطيط محلية كانت قد وافقت على التصاميم المعمارية لمقر الاحتياطي الفيدرالي في عام 2021. وقد هدد هؤلاء المستشارون، إلى جانب فوت، بالسعي لإجراء تدقيق شامل في قرارات الاحتياطي الفيدرالي المتعلقة بالبناء والشؤون المالية. 

كما طلب هؤلاء المستشارون زيارة موقع إنشاءات الاحتياطي الفيدرالي، ووافق المجلس على تنظيم جولة ميدانية مساء الجمعة، بحسب ما قاله جيمس بلير، نائب رئيس الموظفين، للصحافيين بعد ظهر الجمعة. وأوضح أن التوقيت لم يكن مناسباً، وطلب إعادة تحديد الموعد للأسبوع التالي. 

وقال بيسنت، الأسبوع الماضي، إن عملية اختيار خليفة لرئيس الاحتياطي الفيدرالي بدأت بالفعل، فيما يُنظر إلى المستشار الاقتصادي البارز، كيفن هاسيت، داخل الدائرة المقربة من ترمب، على أنه المرشح الأوفر حظاً حالياً. 

شاركها.