اخر الاخبار

كيف انتقلت المعارك السياسية مع ترمب إلى أروقة المحاكم؟

خلال شهرها الأول في الحكم، انشغلت إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترمب، وعلى رأسها وزارة العدل، بالدفاع عن سياساته وأوامره التنفيذية أمام المحاكم، إذ رفعت جهات متعددة أكثر من 50 دعوى قضائية ضده، سعياً لعرقلة تنفيذ قراراته المثيرة للجدل.

منذ توليه منصبه في 20 يناير، أصدر ترمب أكثر من 100 أمر تنفيذي، أثارت أغلبها جدلاً سياسياً وقانونياً واسعاً. ولجأ المعارضون إلى القضاء كأداة رئيسية لمواجهة هذه التحركات المتسارعة، في تحول ملحوظ عن المعارضة التي تركزت خلال ولاية ترمب الأولى في الشوارع والكونجرس.

ويرى المحامي والمرشح السابق في مجلس النواب عن الحزب الديمقراطي روبرت باتيلو أن “المحاكم الفيدرالية باتت السلاح الأكثر فاعلية في مقاومة إجراءات ترمب مقارنة بولايته الأولى”.

وذكر باتيلو لـ”الشرق” أن “أوامر ترمب التنفيذية استُخدمت لإحداث تغييرات واسعة في سياسات الحكومة الفيدرالية، شملت الهجرة، وإعادة هيكلة المؤسسات، وتقليص الإنفاق الحكومي، وغيرها من الإجراءات المثيرة للجدل”.

وفسّر المحامي الديمقراطي ألين أور زيادة الدعاوى القضائية ضد ترمب كـ”رد فعل على عدوانيته المتزايدة خلال ولايته الثانية”، وقال إن “سرعة تنفيذ سياساته، وكمّها الهائل ساهم في تحريك كل تلك القضايا”.

وأعرب أور، في حديثه مع “الشرق”، عن ثقته بأن “القضاء ليس منحازاً لأي طرف، بل يعمل وفقاً للدستور. ورغم تعيين الجمهوريين عدداً من القضاة، لن تصادق المحكمة العليا على كل قرارات ترمب غير الدستورية”. 

وتفاءل أور بـ”سجل إدارة ترمب البائس” أمام المحاكم الفيدرالية في ولايته الأولى، قائلاً إن “إدارة ترمب الأولى تكبدت سلسلة من الخسائر القضائية”، متوقعاً خسائر أكبر في ولايته الثانية “بسبب عدوانيته وتحديه للقانون، كما أن المقاومة القانونية في ولايته الثانية منظمة جيداً”.

وواجهت إدارة ترمب الأولى صعوبات كبيرة في تطبيق سياساتها التنظيمية على عكس الإدارات السابقة، إذ أن قرابة 22% فقط من الإجراءات التنظيمية التي اتخذتها الإدارة تم تأييدها في المحاكم الدنيا، بينما تم حجب أو سحب البقية، وفقاً لمعهد سلامة السياسات التابع لكلية الحقوق بجامعة نيويورك.

هل تستطيع المحاكم إيقاف ترمب؟

نجحت طعون قانونية في إبطاء بعض سياسات ترمب عبر أوامر قضائية “مؤقتة” أصدرتها المحاكم الفيدرالية، أبرزها محاولة إنهاء حق المواطنة المكتسبة تلقائياً للأطفال المولودين لمهاجرين غير موثّقين داخل الولايات المتحدة، وأبطلها 4 قضاة فيدراليين، وصف أحدهم الأمر التنفيذي بأنه “غير دستوري بشكل صارخ”.

كذلك، واجهت سياسات أخرى، مثل قرار نقل السجينات المتحولات جنسياً إلى سجون مخصصة للذكور، معارضة قانونية حادة نظراً لمخاوف تتعلق بالسلامة والحقوق المدنية.

وأوقف القضاة “مؤقتاً” الموعد النهائي الذي حدده ترمب لقبول “الاستقالة المؤجلة” للموظفين الفيدراليين، وقراره بوضع آلاف الموظفين في الوكالة الأميركية للتنمية الدولية USAID في “إجازة”.

وكانت هناك محاولة لإجبار الموظفين الفيدراليين على قبول “الاستقالة المؤجلة” خلال فترة زمنية قصيرة، وهو ما قد يكون وسيلة لتقليص عدد الموظفين الحكوميين بشكل غير مباشر. إضافة إلى ذلك، سعت الإدارة لتجميد ما يصل إلى 3 تريليون دولار من الإنفاق الحكومي المحلي، وهو إجراء قد يؤثر بشكل كبير على تمويل البرامج الاجتماعية والخدمات العامة.

ورغم نجاح الدعاوى القضائية في فرض قيود مؤقتة على بعض سياسات ترمب، فإن تأثيرها يظل غير مستقر، فقرارات المحاكم الأدنى قد تلغى أو تعدل من قبل محاكم الاستئناف أو المحكمة العليا، فقد رفض قاضٍ فيدرالي، الخميس، دعوى رفعتها النقابات العمالية لمنع إدارة الرئيس دونالد ترمب من تنفيذ عمليات تسريح جماعي للموظفين في الوكالات الفيدرالية.

وأشار قاضي المحكمة الجزئية الأميركية كريستوفر آر. كوبر في حكمه إلى تعاطفه مع نقابة موظفي الخزانة الوطنية (NTEU) و4 نقابات أخرى كانت تسعى للحصول على أمر تقييدي مؤقت لوقف عمليات التسريح، لكنه قال إن المحكمة الفيدرالية ليست المكان المناسب للنظر في هذه القضية.

ومع ذلك، يشير أستاذ القانون والسياسة العامة ومدير استطلاع كلية الحقوق في جامعة “ماركيت”، تشارلز فرانكلين، إلى “قدرة المحاكم الفيدرالية على وقف بعض إجراءات ترمب التنفيذية إذا كانت تنتهك الدستور أو القوانين الفيدرالية، مثل محاولته إنهاء حق المواطنة بالولادة المكفول بموجب التعديل الرابع عشر للدستور”.

ولفت فرانكلين، في حديثه مع “الشرق”، إلى أن “الإجراءات التي تندرج ضمن الصلاحيات التنفيذية المباشرة، مثل قرارات السياسة العامة أو التعيينات داخل إدارته، ستكون أكثر صعوبة في الطعن قانونياً”.

مواجهة بين القضاء والسلطة التنفيذية

ومنذ أيام، رفضت محكمة استئناف فيدرالية طلب إدارة ترمب بإيقاف تنفيذ حكم قضائي يمنع الرئيس من تجميد مليارات الدولارات من التمويل في شكل قروض ومنح ومساعدات مالية فيدرالية. وتعتبر هذه هي المرة الأولى التي تنظر فيها محكمة استئناف فيدرالية في طعن تقدمت به إدارة ترمب الجديدة.

وفي ظل تصاعد المواجهة القانونية، دافعت المتحدثة باسم البيت الأبيض كارولين ليفيت، عن سياسة إدارة ترمب في مواجهة قرار منع “التجميد”، قائلةً على منصة “إكس”، إن “هذا ليس إلغاء لتجميد التمويل الفيدرالي، بل هو ببساطة إلغاء لمذكرة مكتب الإدارة والميزانية.. لماذا؟ لإنهاء أي ارتباك ناجم عن أمر المحكمة.. إن أوامر الرئيس التنفيذية بشأن التمويل الفيدرالي تظل سارية المفعول بالكامل، وسيتم تنفيذها بدقة”.

وصعّد نائب الرئيس جيه دي فانس لهجته ضد القضاء في تحدٍ واضح لدور المحاكم في كبح جماح سياسات ترمب التنفيذية، وكتب على منصة “إكس”: “لا يُسمح للقضاة بالسيطرة على السلطة الشرعية للسلطة التنفيذية”.

وبينما أكد ترمب على “التزامه الدائم” بقرارات المحاكم، أعرب قضاة عن قلقهم من أن إدارة ترمب قد تفشل في الامتثال للأوامر بوقف تجميد التمويل.

وفي هذا السياق، ذكر أستاذ القانون الدستوري والسياسة في جامعة ميريلاند، مارك جريبر، أن “الأوامر القضائية الصادرة تعمل في الغالب على منع الحكومة من القيام بشيء ما، وليس إجبارها على القيام بشيء ما”.

وأوضح جريبر، في حديث مع “الشرق”، أن “قدرة المحاكم على إجبار الحكومة على تنفيذ القرار تظل محدودة، وهو ما يشكل تحدياً يتعلق بسلطتها”.

وأضاف: “حتى إذا قررت إحدى المحاكم أن سياسة معينة غير دستورية، أو أصدرت أمراً قضائياً مؤقتاً لتعليق تنفيذها، يمكن للإدارة ببساطة إعادة صياغة السياسة بطريقة جديدة تتحايل فيها على المشاكل القانونية السابقة، وهذا يعني أن قرارات المحاكم ليست دائماً نهائية أو قادرة على إيقاف السياسات التنفيذية تماماً”.

وأشار إلى أن “الأوامر القضائية لم تعد بنفس الفاعلية، لأن الإدارة يمكنها ببساطة تعديل قراراتها وتجربتها بصيغ جديدة”.

المحاكم وحدها لا تكفي

وأصدر قاضٍ فيدرالي في ولاية رود آيلاند حكماً يفيد بأن إدارة ترمب فشلت في الالتزام بأمر قضائي، ومع ذلك، لم يفرض حتى الآن أي عواقب على الرئيس الأميركي أو الإدارة أو المسؤولين الآخرين. 

ويرى جريبر أن “المحاكم وحدها لن تكون كافية، حيث تعتمد مدى فاعلية المحاكم في مقاومة سياسات ترمب على دعم الكونجرس”.

وأشار إلى أن “غياب الدعم الكاف من السلطة التشريعية، قد يترك المحاكم معزولة أو غير قادرة على فرض قراراتها بفعالية، فالمحاكم لا تعمل بمعزل عن بقية النظام السياسي، ونجاحها في كبح جماح سياسات ترمب التنفيذية يعتمد بشكل كبير على التفاعل مع الكونجرس والمؤسسات الأخرى، وهو ما قد يُعقد فرض الأحكام القضائية”.

لكن الكونجرس يضم أغلبية جمهورية تقلل من قدرة الديمقراطيين على فرض رقابة تشريعية فعالة. ومع ذلك، واجه أمر ترمب بتجميد التمويل، الذي كان قد أقره الكونجرس بالفعل، معارضة من الديمقراطيين في مجلس الشيوخ، معتبرين أنه إجراء “غير قانوني” و”غير مسبوق”، وسيؤثر على ملايين الأميركيين من مختلف الولايات.

ويرى المحامي الديمقراطي ألين أور في هذا الإجراء “محاولة من ترمب للالتفاف على الكونجرس”، متسائلاً “عن مدى قدرة الرئيس على إيقاف أو إعادة توجيه تمويل معتمد من قبل السلطة التشريعية، واتخاذ القرار حتى دون إخطار الكونجرس”.

بطء المحاكم وسرعة ترمب

بينما تتحرك إدارة ترمب بسرعة لتنفيذ سياساتها، تواجه المحاكم تحديات في مواكبة هذا الإيقاع السريع؛ نظراً لتعقيدات النظام القضائي، والفترات الطويلة للنظر في القضايا.

ويرى فرانكلين أن “هذا البطء النسبي قد يمنح ترمب مساحة أكبر لتنفيذ سياساته قبل أن تتمكن المحاكم من التدخل الفعال”.

وهو ما حدث بالفعل، من خلال محاولة إدارة ترمب إغلاق الوكالة الأميركية للتنمية الدولية، رغم أن الدستور يحدد أن الكونجرس وحده هو المخول بإغلاق أو إيقاف وكالة فيدرالية أنشأها.

وذكر فرانكلين أن “المؤسسات والوكالات التي أُنشئت من خلال قوانين الكونجرس، وكذلك التمويل الذي حدده التشريع الفيدرالي، قد تكون محمية بشكل أكبر من التغييرات الرئاسية، لأن أي تعديل على هذه الهياكل يتطلب إما موافقة الكونجرس أو قد يخضع لمراجعة قضائية صارمة”.

لكن إستراتيجية إدارة ترمب تعتمد على التحرك السريع، وفرض الأمر الواقع، بينما تعمل المحاكم ببطء بسبب طبيعتها التداولية، حيث تأخذ وقتاً طويلاً للنظر في القضايا، واستكمال الإجراءات القانونية، على حد قول جريبر.

وقال الجمهوري وايت أيريس إن “الرئيس يختبر الحدود القانونية لسلطته التنفيذية من خلال العديد من القرارات والسياسات”، مضيفاً لـ”الشرق” أن “بعض هذه السياسات، مثل محاولته إنهاء حق الجنسية بالولادة، يُعتقد بأنها ستكون صعبة على المحاكم قبولها، أو قد تُعتبر غير دستورية، لذلك من المرجح أن يتم حظرها من قبل القضاء”.

لكنه أشار إلى أن “هناك سياسات أخرى قد تكون أكثر قبولاً قانونياً أو أكثر توافقاً مع السلطة التنفيذية، وبالتالي يمكن أن ينجح فيها الرئيس خاصة أنها في حدود سلطاته وصلاحياته.. وفي النهاية، القرار النهائي يتعلق بالمحاكم الفيدرالية التي ستقوم بتقييم دستورية هذه السياسات، ومدى توافقها مع القوانين الفيدرالية”. 

المحكمة العليا

حالة الارتباك التي فرضتها ولاية ترمب الثانية فيما يتعلق بتحديد حد فاصل بين صلاحياته وبين تجاوزه القانون، تجعل من الصعب التنبؤ بما ستؤول إليه الأمور، خاصة مع الفرضية القائلة إن الإدارة الجديدة تدفع نحو تراكم القضايا من أجل الذهاب إلى المحكمة العليا المحافظة أملاً في الحكم لصالحها.

ولا يستبعد أستاذ قانون الهجرة في كلية الحقوق بجامعة كورنيل، ستيفن ييل لوهير، تلك الفرضية عند حديثه مع “الشرق”، قائلاً إن “هناك إمكانية أن يسعى ترمب لإعادة تفسير التعديل الرابع عشر لصالحه عبر المحكمة العليا، وذلك من أجل تعديل قانون الجنسية الذي يمنح الجنسية التلقائية للأطفال المولودين في الولايات المتحدة”، لكنه أضاف أن “هذه العملية قد تستغرق سنوات طويلة”.

من جانبه، يراهن أور على “قرارات المحكمة العليا، رغم كونها محافظة ووافقت على جهود سابقة لتوسيع صلاحيات الرئاسة”، مبيناً أن “المحكمة العليا لم توافق دائماً على كل ما طلبته إدارة ترمب السابقة”، كما استبعد “ما يتردد بشأن المحكمة العليا ودعمها كل قرارات ترمب غير صحيحة في هذه المرحلة، على الأقل”.

من جانبه، تطرق فرانكلين إلى اختلاف تعامل الولايات الجمهورية والديمقراطية مع سياسات ترمب، قائلاً إن “الولايات ذات الحكومات الديمقراطية، والتي تمثل أغلبية المدعين العامين فيها، قامت بالتدخل بشكل سريع لإيقاف أو تحدي بعض سياسات ترمب، بينما في المقابل، لا توجد تحركات مماثلة من الولايات ذات الحكومات الجمهورية لدعم معارضة هذه السياسات”.

وتوقع أن “يؤدي هذا الوضع إلى تصاعد النزاع القانوني بين مختلف الأطراف، وقد تزداد القضايا القانونية المرتبطة بسياسات ترمب وتعترضها المحاكم، وصولاً في بعض الحالات إلى المحكمة العليا”.

وأردف: “هي الجهة المسؤولة عن تحديد حدود السلطة التي يملكها الرئيس الأميركي، والتأكيد على ما إذا كانت سياساته تتماشى مع الدستور أم لا. لا نملك يقينا معرفة ما سيحدث، ويجب أن ننتظر ونرى”.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *