يشكّل الشباب أكثر من 60% من سكان العراق، ما يجعلهم القوة الأكبر عدداً في المجتمع، غير أن هذه القوة ما تزال الأقل تأثيراً في المشهد السياسي العام، إذ تقتصر مشاركتهم غالباً على دور المتفرج أو الناقد من خلف الشاشات.

ومع اقتراب موعد الانتخابات البرلمانية المقبلة، يعود الجدل بشأن مدى قدرة الجيل الجديد على كسر حاجز العزوف، وإحداث تغيير حقيقي في موازين القوى داخل البرلمان، أو ما إذا كان الإحباط واليأس من الطبقة السياسية سيقودانهم مجدداً نحو المقاطعة.

فجوة الثقة

يرى كثير من الشباب أن مشكلتهم الأساسية لا تكمن في ضعف الوعي الانتخابي، بل في غياب الثقة بالنظام السياسي ككل، إذ يقول مواطنون إن السنوات الماضية كانت كفيلة بتكريس قناعة واسعة لدى الجيل الجديد بأن الانتخابات لا تغيّر شيئاً، وأن الوجوه تتبدل، لكن الأداء يبقى كما هو، مع استمرار تردي الخدمات وارتفاع معدلات البطالة وتراجع فرص التعليم والعمل.

وقال جابر جمال، وهو خريج جامعي عاطل عن العمل لـ “الشرق”: “لم نعد نصدق الوعود التي نسمعها كل دورة انتخابية إذ أن المرشحين يتحدثون عن فرص عمل وإصلاحات، لكن بعد الفوز لا نراهم إلا في الصور. نحن نريد أفعالاً لا شعارات، ولهذا كثير من أصدقائي قرروا عدم المشاركة نهائياً”.

أما هيفاء محمد، وهي ناشطة مدنية من بغداد، فتؤكد أن المقاطعة بحد ذاتها أصبحت “رسالة احتجاج” تعبّر عن الغضب الشعبي.

وأضافت: “نحن نعرف أن المقاطعة قد تُضعف فرص التغيير، لكنها أيضاً موقف واضح ضد الفساد وسوء الإدارة. ما لم تتغير القوانين الانتخابية، وتُضمن نزاهة العملية، فإن المشاركة لن تكون مجدية”.

جيل جديد.. بلا ارتباط حزبي

واعتبر الكاتب والباحث الإعلامي مجاشع التميمي، أن الأجيال الجديدة التي تدخل العملية الانتخابية اليوم تختلف عن سابقاتها، فهي لم تعاصر مرحلة النظام السابق، ولا ترتبط بأيديولوجيا حزبية واضحة، بل تشكّل وعيها في ظل الفوضى السياسية التي أعقبت عام 2003.

ويؤكد التميمي لـ”الشرق”، أن “هؤلاء الشباب نشأوا على الوعود التي لم تتحقق، وعلى مشهد سياسي مضطرب تغلب عليه المصالح الضيقة للأحزاب. لذلك لا يرون في الانتخابات وسيلة للتغيير، بل لعبة سياسية متكررة. معظمهم يشعر أن صوته لا قيمة له في ظل تحالفات كبرى تُبرم فوق الطاولة، وتُحسم قبل يوم التصويت”.

ويضيف التميمي أن “الشباب بحاجة إلى خطاب سياسي جديد يخاطب عقولهم لا عواطفهم، وإلى رموز حقيقية من داخل بيئتهم تمثلهم في البرلمان، لا مرشحين مفروضين من الأحزاب”، مشيراً إلى أن “نسبة كبيرة منهم قد تتجه للمقاطعة ما لم تظهر قوى جديدة تقدم حلولاً واقعية لمشكلاتهم، خصوصاً البطالة وتدهور التعليم”.

الانتخابات تحت مجهر التحليل السياسي

من جانبه، يرى المحلل السياسي حمزة مصطفى، أن مشاركة الشباب في الانتخابات “لا تزال محدودة وغير مؤثرة في النتائج النهائية”، موضحاً أن نسب المشاركة العامة منذ عام 2005 وحتى اليوم تتراوح بين 25 و30%، وهي أرقام لم تتغير رغم دخول ملايين الناخبين الجدد كل دورة انتخابية.

وقال مصطفى لـ”الشرق”: “إذا قارنا عدد من يحق لهم التصويت بعدد من يشاركون فعلياً، سنجد أن نحو ثلثي الناخبين يختارون المقاطعة، وهذه النسبة العالية من العزوف تعكس أزمة ثقة حقيقية. فالشباب اليوم أكثر وعياً بما يجري، لكنهم لا يثقون بقدرة النظام على التغيير. حتى من يشارك، يفعل ذلك بدافع الانتماء العشائري أو المذهبي، وليس قناعة ببرنامج المرشح”.

وأشار إلى أن الشباب العراقي يعيش مفارقة واضحة، فهم “الأكثر حضوراً وتأثيراً في الفضاء الرقمي، والأكثر غياباً عن صناديق الاقتراع”، لافتاً إلى أن الحملات الانتخابية لم تنجح بعد في كسب اهتمامهم؛ لأنها ما زالت تعتمد الأساليب التقليدية في الخطاب والدعاية، بدل التركيز على قضاياهم الحقيقية”.

وأضاف: “لو قرر الشباب المشاركة بوعي وتنظيم، لكانوا قادرين على قلب المعادلة السياسية بالكامل، لكن المشكلة أنهم لا يمتلكون مظلة سياسية جامعة أو كياناً يعبر عنهم بصدق. حتى القوى المدنية التي ظهرت بعد احتجاجات 2019 لم تستطع أن تتحول إلى قوة انتخابية مؤثرة، ما جعل الطموح بالتغيير يتراجع أمام الواقع السياسي الصلب”.

ورغم تباين المواقف، يتفق كثير من الشباب على أن الحل لا يكون في المقاطعة المطلقة ولا في المشاركة العشوائية، بل في تنظيم الجهود وبناء وعي انتخابي جديد يفرز ممثلين حقيقيين للجيل الشاب داخل البرلمان.

ويرى بعضهم أن المشاركة يجب أن تكون مشروطة ببرامج واضحة ومتابعة مستمرة للمرشحين بعد فوزهم، لا أن تنتهي العلاقة بمجرد انتهاء يوم الاقتراع.

ورغم إدراك الجميع لأهمية دورهم، ما تزال الوعود غير المنجزة وانعدام الثقة بالطبقة السياسية أبرز الأسباب التي تدفعهم إلى العزوف أو التصويت بدافع الولاء لا القناعة، لتبقى الانتخابات المقبلة اختباراً جديداً لمدى قدرة الجيل الشاب على كسر حلقة الإحباط المستمرة منذ أكثر من عقدين.

شاركها.