تخوض دول عربية سباقاً طموحاً نحو تبني الذكاء الاصطناعي التوليدي، من خلال إطلاق نماذج باللغة العربية تعكس تطلعاتها التكنولوجية والسيادية.

من الرياض إلى أبوظبي فالدوحة، تتبلور ملامح تحوّل تقوده مؤسسات وطنية كبرى بالتعاون مع شركاء دوليين، لتطوير حلول ذكاء اصطناعي تستند إلى اللغة والثقافة العربية، وتستهدف بناء منظومات معرفية قد يتسنى لها منافسة النماذج العالمية مثل ChatGPT الأميركي وDeepSeek الصيني، وغيرهما من نماذج الذكاء الاصطناعي الأخرى.

في هذا السياق، تقف عدة مؤسسات خليجية كبرى وراء هذه المبادرات، مثل “أرامكو” السعودية و”جي 42″ الإماراتية وجامعة حمد بن خليفة في قطر، ما يعكس إدراكاً عربياً متزايداً بأهمية الريادة في اقتصاد البيانات والذكاء الاصطناعي. 

أبرز نماذج الذكاء الاصطناعي التي تطورها الدول العربية

أطلقت شركة “أرامكو” السعودية نموذج الذكاء الاصطناعي التوليدي “أرامكو ميتابرين” (METABRAIN) خلال مشاركتها في مؤتمر “ليب 2024” بالرياض، وهو نموذج لغوي ضخم مخصص لاستخدام موظفي الشركة في مجال الذكاء الاصطناعي، والذي يستخدم 7 مليارات مَعْلمة، إذ جمعت الشركة هذه البيانات على مدى 90 عاماً من عملياتها. 

كما أطلقت السعودية شركة “هيوماين” (Humain) تحت مظلة صندوق الاستثمارات العامة، ضمن مشروع “ترانسيندنس”. وتستهدف الشركة تطوير أحد أفضل النماذج اللغوية الكبيرة (LLM) باللغة العربية، إلى جانب الجيل الجديد من مراكز البيانات، والبنية التحتية للحوسبة السحابية.

في مايو، أطلقت الإمارات “فالكون أرابيك” الذي تم تدريبه على بيانات عربية عالية الجودة تشمل الفصحى واللهجات المحلية. أما نموذج “جيس” فقد سحبت شركة الذكاء الاصطناعي “جي 42” الإماراتية، مالكة المشروع، مواردها منه، وركزت بدلاً من ذلك على تطوير ميزات مخصصة تُبنى على نماذج طورتها شركات أخرى، مثل OpenAI.

طور معهد قطر لبحوث الحوسبة في جامعة حمد بن خليفة “فنار” وهو نموذج ذكاء اصطناعي توليدي مرتبط باللغة والثقافة العربية.

أهداف إطلاق نماذج الذكاء الاصطناعي العربية

تسهم نماذج الذكاء الاصطناعي اللغوية في تعزيز مسيرة اقتصاد المعرفة التي بدأتها عدة دول عربية منذ سنوات؛ إذ توفر تقنيات متقدمة تعزز عمل قطاعات مرتبطة بصناعة المحتوى والإعلام والتعليم والتدريب، لا سيما في ما يتعلق بالمهام المتكررة.

كما تلبي هذه النماذج متطلبات الخصوصية الثقافية والتقنية للمنطقة، وتعزز المحتوى الرقمي وتوطين التقنيات والمنافسة، وتساهم في توفير بنية تحتية رقمية متقدمة.

حجم الاستثمارات العربية في الذكاء الاصطناعي

تحتل السعودية الصدارة كأكبر مستثمر في الذكاء الاصطناعي بالمنطقة العربية. ففي نوفمبر 2024، أعلنت الرياض عن مشروع جديد يستهدف ضخ استثمارات تصل إلى 100 مليار دولار في قطاعات التكنولوجيا المتقدمة.

ما المجالات التي يُتوقع أن تستفيد من النماذج اللغوية؟

أبرز هذه المجالات هي الخدمات الحكومية التي تعتمد على روبوتات المحادثة الذكية، والترجمة التلقائية للقرارات أو الخطابات الرسمية، والتعليم والتدريب. كما يُتوقع أن تساعد هذه النماذج المرضى ومتخصصي الرعاية الصحية في كتابة التقارير وتحليلها، ودعم العملاء على مدار الساعة في التعامل مع العملاء بمجال التجارة الإلكترونية.

بدأت بعض المؤسسات الإعلامية بالمنطقة الاعتماد على نماذج الذكاء الاصطناعي اللغوية في أعمال صناعة المحتوى، من خلال توليد مقالات أو نصوص إخبارية. وفي القطاع المالي والمصرفي من خلال شرح المنتجات المالية المعقدة للعملاء بلغة مبسطة.

أبرز الشراكات العربية والعالمية

في العام الماضي، أعلنت السعودية عن عزمها تأسيس صندوق استثماري بقيمة 40 مليار دولار بالشراكة مع شركة “أندريسن هورويتز” (Andreessen Horowitz)، في خطوة من شأنها أن تجعل المملكة أكبر مستثمر في العالم بمجال الذكاء الاصطناعي.

ومن أبرز الشراكات التعاون بين جامعتي “الملك عبد الله للعلوم والتقنية” و”الملك عبد العزيز” السعوديتين، ومعهد أبحاث البيانات الكبيرة في شنتشن بالصين وجامعة الصين في هونج كونج، وذلك لتطوير نموذج “AceGPT” الذي يهدف إلى معالجة اللغة الطبيعية، من خلال التعامل مع أكثر من 12 لغة.

هل تنافس التطبيقات العربية نماذج الذكاء الاصطناعي الشهيرة؟

نماذج الذكاء الاصطناعي العربية لا تزال في طور النشأة من حيث تاريخ إطلاقها وإصداراتها الحديثة، ويجري تطويرها. فقد أُطلق نموذج “فالكون” الإماراتي في مايو، فيما أُطلق نموذج “ميتابرين” السعودي في العام الماضي.

في المقابل أُطلق “ChatGPT” في نوفمبر 2022، وتطور حتى أصبح الإصدار الرابع “4o” يعمل حالياً من خلال أكثر من 500 مليار معامل، فيما تأسست شركة “DeepSeek” في 2023 ويعمل نموذجها حالياً بالإصدار الثالث “V3” من خلال 67 مليار معامل.

أما من حيث الإقبال، فقد جرى تحميل النسخة الأولى من “فالكون” أكثر من 43 مليون مرة حتى الربع الأول من العام الماضي. في المقابل، ذكرت شركة “ميتا” أن نموذج “لاما” الأحدث لديها حصل على 170 مليون عملية تحميل خلال تلك الفترة.

هذا المحتوى من “اقتصاد الشرق مع بلومبرغ”

شاركها.