تجبر تكتيكات الهجوم الروسية المتغيرة، أوكرانيا على التكيّف عبر تقصير خطوط الدفاع، وبناء نقاط حصينة منخفضة، يصعب على الطائرات المُسيرة التي تملأ السماء رصدها، بحسب مجلة “بوليتيكو”.

وقالت المجلة الأميركية، الأحد، إن هذه التعديلات تواجه عراقيل بسبب “نهج عشوائي” في تحصين الخطوط الأمامية، حيث تختلف الأساليب المتبعة باختلاف القادة المحليين. وإلى جانب ذلك، النقص المزمن في القوات الأوكرانية، يحد إلى حد كبير من فعالية المواقع الدفاعية الأكثر صلابة.

وحذر قائد الجيش الأوكراني أولكسندر سيرسكي، السبت، من احتمال شن هجوم روسي جديد على منطقة خاركيف الواقعة في شمال شرق البلاد، الذي يشهد قتالاً عنيفا منذ بداية الغزو الروسي لأوكرانيا في فبراير 2022.

وتشق موسكو طريقها ببطء عبر جبهات أوكرانية على طول عدة أجزاء من خط المواجهة هذا الصيف، حيث أرسلت موسكو بإرسال موجات متواصلة من المشاة في إطار سعيها لتعزيز أفضليتها في الرجال والعتاد.

وكثفت روسيا هجماتها الجوية على كييف ومدن أخرى خلال الأسابيع القليلة الماضية. وشنت القوات الروسية أكبر هجوم بطائرات مسيرة في الحرب المستمرة منذ 40 شهراً على العاصمة الأوكرانية بعد ساعات من محادثة الرئيس دونالد ترمب مع نظره الروسي فلاديمير بوتين، الخميس.

هجمات المُسيرات

وقال وزير الدفاع الأوكراني رستم عمروف، الأسبوع الماضي، إن التحول في استراتيجية التحصينات جاء نتيجة لتخلي روسيا عن الهجمات واسعة النطاق المدعومة بآليات مدرعة، واعتمادها بدلاً من ذلك على وحدات أصغر بكثير مدعومة بطائرات مُسيرة.

وترد أوكرانيا على ذلك ببناء تحصينات مخصصة لوحدات قتالية أصغر فأصغر، بدءاً من الكتائب التي تضم نحو 500 جندي، مروراً بالسرايا التي يبلغ عدد أفرادها نحو 100، وصولاً إلى الفصائل التي تتراوح بين 20 و50 جندياً فقط.

وقال القائد العام للجيش الأوكراني، أولكسندر سيرسكي، للصحافيين في كييف، أواخر يونيو الماضي: “نرى الآن أن الموقع الدفاعي الأكثر فعالية هو الذي لا يتجاوز وحدة واحدة. وغالباً ما تكون هذه المواقع عبارة عن مجموعات من الخنادق، أو ما يُعرف بـ(جحور الثعالب)، وهي تجعل من المستحيل على العدو استخدام الطائرات المُسيرة الهجومية. فاليوم، يمكن للطائرة المُسيرة، خصوصاً تلك التي تعمل بالألياف الضوئية، أن تخترق أي ثغرة”.

ومع مرور أكثر من 3 سنوات على بدء الحرب، زادت أوكرانيا من استخدامها للطائرات المسيرة لتنفيذ هجمات على أهداف داخل روسيا.

“أسنان التنين”

وفي السابق، كانت النقاط الحصينة تعتمد على شبكات خنادق واسعة يتراوح طولها بين كيلومترين وخمسة كيلومترات. أما النظام الجديد، فيعتمد على نقاط حصينة أصغر مزودة بشبكات خنادق لا يتجاوز طولها 60 إلى 70 متراً، مع تزويدها بأغطية إلزامية مضادة للطائرات المُسيرة.

وقال عمروف: “هذه المواقع يصعب رصدها وفعالة في تنفيذ مهام الدفاع والردع وإطلاق النيران، بما في ذلك ضد طائرات FPV المُسيرة”.

وخلف تلك الخطوط الدفاعية الأمامية، تواصل أوكرانيا بناء خطين دفاعيين إضافيين يحتويان على هياكل خرسانية على شكل هرم تُعرف بـ”أسنان التنين” لصد الآليات المدرعة، إلى جانب حقول ألغام وجحور وخنادق خشبية وخرسانية وأغطية وشبكات مضادة للطائرات المُسيرة.

وأضاف عمروف: “التحصينات لا تقتصر على الخرسانة والخنادق، بل هي منظومة هندسية متكيفة تأخذ في الحسبان تكتيكات العدو وتهدف دائماً إلى غاية واحدة، وهي حماية محاربينا. نحن نتابع هذه العملية يومياً وندعم المناطق التي تحتاج الأكثر حاجةً إليها”.

وفي السابق، كانت التحصينات تُشيد غالباً في أراضٍ مفتوحة لصد الهجمات الروسية التي تستخدم أعداداً كبيرة من الآليات المدرعة. أما اليوم، فباتت تُبنى حول أحزمة الغابات التي توفر “تمويهاً أفضل”، بحسب “بوليتيكو”.

ويؤكد القادة العسكريون، أن الجيش يؤدي عملاً جيداً في بناء التحصينات، مع تنفيذ غالبية الخطط المقررة العام الماضي، كما اكتمل تنفيذ أكثر من نصف الخطط المقررة لهذا العام، وفقاً لما صرح به عمروف.

لكن الصورة على الخطوط الأمامية تبدو أكثر تعقيداً، بحسب محللين وجنود تحدثوا إلى “بوليتيكو”. ففي مدينة دنيبرو بوسط البلاد، حيث يتعاون الجيش مع السلطات المحلية وجهات أخرى لتوفير التمويل والأدوات والموارد، أُنشئت ثلاثة خطوط دفاع “متينة وسريعة” لإيقاف التقدم الروسي من إقليم دونيتسك. أما في شمال شرق البلاد، حيث تشن روسيا هجوماً واسع النطاق حالياً، فالوضع أكثر هشاشة.

“نهج عشوائي”

من جانبه، قال رومان بوهوريلي، الشريك المؤسس لفريق “ديب ستيت” الأوكراني، المعني بجمع المعلومات الاستخبارية المفتوحة، الذي أنشأ خريطة إلكترونية للحرب الروسية على أوكرانيا: “ما يحدث في منطقتي سومي وخاركيف فوضوي. بالكاد يعرف أحد من المسؤول عن ماذا، ومن المفترض أن يسيطر على العملية”.

وأضاف بوهوريلي، أن الهجوم الروسي الأخير دفع السلطات الأوكرانية أخيراً، إلى تسريع أعمال البناء. وتابع: “دائماً ننتظر حتى اللحظة الأخيرة”.

كما وجه انتقاداً اما وصفه بـ”النهج العشوائي”، الذي تتبعه البلاد في تحصين الخطوط الأمامية ضمن المنطقة الحيوية المحيطة بإقليم سومي في شمال شرق البلاد.

وقال بوهوريلي: “في قرية يوناكيفكا بمنطقة سومي، على سبيل المثال، رأينا جبالاً من أسنان التنين تُركت هناك. في بعض المواقع توجد خنادق، ثم لا شيء في منطقة غابات يُفترض أن تحتوي على تحصينات، ثم تعود الخنادق للظهور. كنت سأصفع أيدي المسؤولين عن هذا النهج”.

وتشرف وزارة الدفاع الأوكرانية، على جميع أعمال التحصين، لكن تنفيذها وصيانتها تتوزع على جهات متعددة بحسب موقع خط الدفاع، وتشمل القوات المسلحة الأوكرانية، وهيئة النقل الخاصة التابعة لوزارة الدفاع، والإدارات العسكرية والمدنية المحلية.

وفي يناير الماضي، قال رئيس الوزراء الأوكراني، دينيس شميهال، إن الحكومة أنفقت العام الماضي-، 46.2 مليار هريفنا (930 مليون يورو) لبناء 3 آلاف نقطة دفاعية “في الاتجاهات المهددة وفي المناطق التي لا تشهد حالياً أعمالاً قتالية نشطة”.

وتُلقى أخطر المهام على عاتق القوات القتالية، إذ قال قائد الجيش أولكسندر سيرسكي: “لا يزال الجنود الأوكرانيون مضطرين إلى حفر الخط الأول من الخنادق باستخدام مجارف خلال القتال الدائر”.

نقص القوات الأوكرانية

وشدد سيرسكي، على أن أي نوع من التحصينات لا يكون فعالاً إلا إذا كان مأهولاً بعدد كافٍ من الجنود. وعلى الرغم من جهود التعبئة، لا تزال كييف تعاني من تفوق عددي روسي على امتداد جبهة بطول 1200 كيلومتر.

وقال سيرسكي: “إذا لم يكن هناك جنود في التحصين، أو كان عددهم غير كافٍ، كأن يُبنى موقع دفاعي طبيعي، لكن لا يبقى فيه سوى جنديين أو ثلاثة، فمن الطبيعي أن هذا التحصين لن يؤدي دوره”.

ويبحث الجنود الروس باستمرار، عن نقاط الضعف في دفاعات أوكرانيا، بحسب ما أفاد به جنديان تحدثا إلى “بوليتيكو” بشرط عدم كشف هويتيهما.

ويشكو جنود أوكرانيون أيضاً، من أن الجيش لا يستغل مكاسب المعارك بشكل صحيح لبناء خنادق وحواجز إضافية لصد الهجمات الروسية المضادة.

وأمضى الجنود الأوكرانيون 6 أشهر داخل منطقة كورسك الروسية في التصدي لأكثر من 60 ألف جندي روسي، مانعين تقدمهم نحو منطقة سومي. ويؤكدون أنهم وفروا وقتاً كافياً للسلطات من أجل بناء تحصينات مناسبة في منطقة الحدود.

شاركها.