كيف خسر “حزب الله” و”أمل” معركة رئاسة الحكومة اللبنانية؟
لا يزال “حزب الله” و”حركة أمل” في لبنان تحت آثار صدمة سياسية إثر تكليف نواف سلام بتشكيل الحكومة، بعدما اعتقدت الجماعتان أن لديهما ما يكفي من التفاهمات والاتفاقات لضمان فوز مرشحهما رئيس حكومة تصريف الأعمال، نجيب ميقاتي.
فما الذي جرى في كواليس الاستشارات النيابية التي عقدها الرئيس الجديد جوزاف عون، وكيف نجحت قوى أخرى في قلب الطاولة على “الثنائي الشيعي”؟
بعد لقائه عون، أطلّ رئيس كُتلة “حزب الله” النيابية محمد رعد في تصريحات لوسائل الإعلام، الاثنين، قائلاً إن “البعض يعمل على التفكيك والتقسيم والشرذمة والإلغاء والإقصاء والكيدية والتربص”، مضيفاً: “من حقنا أن نطالب بحكومة ميثاقية، وأي حكومة تناقض العيش المشترك لا شرعية لها على الإطلاق”.
وأثارت تصريحات رعد تساؤلات بشأن ما إذا كانت هناك ترتيبات تم الاتفاق عليها ولم تُنفذ، فيما ذكرت مصادر نيابية في حديث لـ”الشرق”، أن هناك شعور بـ”الخديعة” داخل صفوف “حزب الله” و”حركة أمل”.
وكلّف الرئيس اللبناني جوزاف عون، الاثنين، القاضي سلام، الذي كان يشغل منصب رئيس محكمة العدل الدولية، بتشكيل الحكومة المقبلة بعد أن نال تأييد أغلبية نواب البرلمان، فيما لم تسم كتلة “حزب الله” أحداً لرئاسة الحكومة.
وعقب تصريحات كتلة “حزب الله”، قال رئيس الوزراء المكلف نواف سلام، الثلاثاء، إن يديه “ممدودتان للجميع”، وأكد أنه “ليس من أهل الإقصاء بل من أهل الوحدة، ولا من أهل الاستبعاد، بل من أهل الشراكة الوطنيّة”.
“خديعة”
ووصفت مصادر نيابية مقربة من “حركة أمل” التي يرأسها رئيس مجلس النواب نبيه بري، تسمية سلام لرئاسة الحكومة بدلاً من ميقاتي بأنها “خديعة”، وقالت لـ”الشرق” إن تكليف سلام “سبقه اتفاق مع عدد من النواب السُنة ومن النواب المسيحيين لكي يعطوا أصواتهم في الاستشارات لميقاتي”.
وأضافت أن “ضغوطاً أدت لسحب مرشح المعارضة النائب فؤاد مخزومي، لصالح نواف سلام، الذي طرح اسمه عدد من نواب تحالف التغيير في البرلمان بإيحاء خارجي عربي وأميركي”.
وزعمت المصادر، أن “هذه الضغوط مُورست أيضاً على كتلة اللقاء الديمقراطي التي يترأسها النائب تيمور جنبلاط (نجل الزعيم الدرزي وليد جنبلاط) مما دفعها إلى التصويت لنواف سلام، وبالتالي نتج عن هذا كله اكتمال مشهد الانقلاب”، على حد وصفه.
واعتبرت المصادر، أن ذلك “محاولة لإقصاء المكون الشيعي عن الحكومة”، في إشارة إلى تمثيل “أمل” و”حزب الله” في مجلس الوزراء.
واتهمت المصادر، كتلة “التيار الوطني الحر” التي يرأسها النائب جبران باسيل، بـ”إكمال الانقلاب” لصالح سلام، لا سيما وأنها “أعطته 13 صوتاً”.
بينما نقلت وكالة “رويترز” عن مصادر في “حزب الله” قولها، إن الحزب كان يرغب في بقاء رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي في منصبه، وأنها كانت تعتقد أن هذا مضمون بموجب شروط “تفاهم سياسي”، ولذلك أيد نواب “حزب الله” انتخاب عون لمنصب رئيس الجمهورية في جلسة البرلمان التي خُصصت لانتخاب رئيس، في التاسع من يناير الحالي.
“صدمة الثنائي”
وما بين الكلام عن “خديعة” و”محاولات الإلغاء” و”الإقصاء”، يرى مصدر نيابي معارض لـ”الشرق”، أن “كل هذا الكلام لامعنى له، وهو ناتج عن صدمة لحقت بالثنائي (أمل وحزب الله) نتيجة حصول نواف سلام على هذه الأكثرية”.
وتابع: “ميقاتي هو من صفوف الطبقة السياسية، التي أدت سياساتها إلى سلسلة من الانهيارات التي طالت البلاد على المستويات المالية والاقتصادية، وأدت إلى هجرة مئات الآلاف من اللبنانيين”.
واتهم النائب في المعارضة، هذه “الطبقة السياسية”، بأنها كانت “تغطي ممارسات (حزب الله) وقراراته والتي كان آخرها فتح جبهة المساندة (من قِبل حزب الله، ابتداء من 8 أكتوبر 2023) مع قطاع غزة، والتي نتج عنها شن إسرائيل حرباً على لبنان أدت إلى سقوط وجرح الآلاف، فيما قُدرت الخسائر بمليارات الدولارات، إضافة إلى تدمير مناطق وقرى في الجنوب والبقاع والضاحية الجنوبية لبيروت، وإلى نزوح أكثر من مليون ومئتي ألف لبناني”.
وكانت إسرائيل أطلقت حرباً على لبنان ابتداءً من 23 سبتمبر الماضي، في تصعيد جاء بعد القصف المتبادل بينها وبين “حزب الله” في جنوب لبنان، والذي أسماه بـ”جبهة المُساندة” في مسعى منه “لتخفيف الضغط عن غزة”.
“معركة ديمقراطية”
وبشأن ما جرى في مجلس النواب يوم انتخاب عون رئيساً، اعتبر النائب من قوى التغيير المُعارضة للطبقة السياسية، وضاح الصادق، أن “ما حصل ليس بخديعة”، واصفاً إياه بأنه “معركة ديمقراطية بكل ما للكلمة من معنى”.
وأشار الصادق لـ”الشرق”، إلى أن المعارضة النيابية “سبق وأن رشحت نواف سلام لرئاسة الحكومة، ولكن هذه المرة، كان الترشيح يأخذ أبعاداً جدية أكثر وليس اسمياً، بعدما تبنى تحالف نواب التغيير (وعددهم 16 نائباً) ترشيح سلام، وليبدأ اتصالاته مع كل القوى المعارضة لسحب المرشح فؤاد مخزومي، كي لا تتوزع الأصوات بين مخزومي وسلام مما يؤدي إلى فوز ميقاتي”.
وتضم المعارضة النيابية كل من “القوات اللبنانية”، بزعامة سمير جعجع، وحزب الكتائب، بزعامة سامي الجُميّل، وعدد من النواب، بينهم فؤاد مخزومي.
وكانت المفاجأة قرار مخزومي بالانسحاب من ترشيحه لمنصب رئيس الحكومة، صباح الاثنين، المُحدد لعقد الاستشارات النيابية، التي تقتضي أن يستقبل رئيس الجمهورية نواب البرلمان والكُتل النيابية على انفراد، من أجل إبلاغه باسم مرشحها لمنصب رئيس مجلس الوزراء.
وأثار الدعم الذي حظي به سلام مفاجأة كبيرة، حيث حصل على تأييد 84 نائباً في البرلمان من أصل 128.
وفي حين تنطلق استشارات سلام لتشكيل الحكومة في البرلمان اللبناني، الأربعاء، وتمتد على مدى يومين، للاستماع إلى آراء النواب والكتل النيابية في آلية تشكيل الحكومة وبرنامج عملها، تترقب الأوساط السياسية ما إذا كان “حزب الله” و”أمل” سيطويان صفحة ما وُصِف بـ”الخديعة”، ليفتحا صفحة التعاون مع رئيس الحكومة المُكلّف.