كيف سيطر الـ”FoMO” علينا
علي عيد
هل تصطحب معك هاتفك الجوال إلى الحمّام؟ أو تشعر بالقلق من أن يفوتك شيء على “سوشيال ميديا”؟ لا تخجل من ذلك فأنت مثل نحو 75% من الأمريكيين، وفق دراسة أجرتها شركة “11Mark”، سألت خلالها 1000 شخص عن عاداتهم في الحمّام.
ليس الهدف من الأسئلة والمثال فيما سبق تحليل عادات البشر في الحمّام، لكن المسألة مرتبطة بمتلازمة “الخوف من الضياع” أو الخوف من فقدان شيء ما (Fear of Missing Out)، أو ما يعرف بـ”FoMO”.
ظهر مصطلح (FoMO) عام 2004 من قبل طالب في كلية “هارفارد” للأعمال يدعى باتريك جيه. ماكغينيس (Patrick J. McGinnis)، خلال بحث حول السلوك الاجتماعي لطلاب السنة الأولى من الجامعات.
بدأ علماء النفس منذ عام 2010 تناول مفهوم “FoMO” لوصف حالة لوحظت في الأفراد الذين يستخدمون الشبكات الاجتماعية بشكل دائم، ويقضون الكثير من الوقت في مراقبة حياة الآخرين، ليجدوا أنفسهم مهووسين بمقارنة تجاربهم بتجارب الآخرين، وهم يشعرون بالحرمان والخداع وحتى التخلف في جوانب معينة من حياتهم.
ويخلص علماء النفس في توصيفهم إلى أن هذه الظاهرة تمثل خوف الأشخاص المستمر من أن الآخرين يمكنهم أن يعيشوا تجارب يتم استبعادهم منها شخصيًا.
لقد استثمرت شركات التكنولوجيا والتسويق الرقمي في تحليل سلوكيات المستهلكين، وابتكرت كل ما يمكن أن يحقق الربح، دون النظر إلى الآثار المترتبة عن ذلك.
إذا اعتبرنا أن “FoMO” مرتبط أساسًا بمنصات التواصل الاجتماعي مثل “فيس بوك”، و”تويتر”، و”سناب شات”، و”إنستجرام”، و”تيك توك”، فنحن نتحدث عن تأثير الدائرة المشتركة التي تقع بين الإعلام والتسويق والترفيه.
تعتبر وسائل التواصل أداة إعلامية بخصائصها، وأداة تسويق تجاري وسياسي وثقافي، وهذا بالضبط ما ينطبق على الدور الذي لعبه التلفزيون قبل ظهور هذه المنصات، وقبل التكنولوجيا الرقمية التي بدّلت العالم رأسًا على عقب.
المختلف هو العادات الجديدة والأثر النفسي الذي خلفته هذه التكنولوجيا مع منصاتها الاجتماعية بشكل مرعب، ما اضطر وسائل الإعلام التقليدية إلى الانخراط الكامل لحجز مكان لدى الجمهور، والتخلي في كثير من الأحيان عن أخلاقيات العمل المهني، طالما أنه لا يمكن اللحاق دون الانخراط، لذلك فإن النقاش المحتدم حول شروط استخدام منصات التواصل ومحتواها، جاء لاحقًا للآثار الكارثية المترتبة على البشر وخصوصًا على جمهور الألفية الجديدة.
لقد فرضت التكنولوجيا الرقمية نوعًا في العزلة الاجتماعية بين الناس، في حين أنها تسمى “وسائل التواصل الاجتماعي” (Social Media)، ما يعني أنها جاءت بنتائج معكوسة، وهذا ما يفسره إحساس مئات الملايين من البشر بالفقد (FoMO) عند ابتعادهم عن الهاتف المحمول ومنصات التواصل ولو لساعات قليلة، بينما يمكن لمعظمهم أن يقضي أيامًا دون اتصال فيزيائي مع أقرب الناس لهم.
وهؤلاء الذين يعانون من ارتفاع في “”FoMO، يشعرون بأنهم أقل كفاءة وأقل استقلالية وارتباطًا بالآخرين من الأشخاص الذين لا يقعون تحت تأثير الإحساس بالفقد، وفقا لدراسة أندرو برزبيلسكي (Andrew Przybylski)، عالم النفس في جامعة “إسيكس” بإنجلترا، عن طريقة لقياس “”FoMO، التي نشرت في مجلة Computers in Human Behavior””.
معظم ضحايا “FoMO” هم من جيل الألفية الجديدة، وهو ما يفسر الفجوة الكبيرة بينه وبين الجيل الذي سبقه، وسبب إحساسه بأنه مختلف، وأن جميع النظريات الاجتماعية والتربوية لم تعد صالحة.
هل يتحمل الإعلام مسؤولية في هذا الصراع النفسي، ربما لا، ولكن المؤكد أن عليه ألا يستسلم ويسلّم بزوال أهميته، وبالتالي التخلي عن مهمته في إيصال الحقيقة، أو المزاحمة من أجلها في عالم تكتسحه الأكاذيب، وتختلط فيها المشاعر الكاذبة بالحقائق على الأرض.
يمكن لمنصات التواصل الاجتماعي أن تسهم في تغذية الحروب وتراجع الإحساس بالمسؤولية لدى الجمهور، وهو ما يفسر دور “الذباب الإلكتروني” أو المقاطع المصورة في “تيك توك” في تغيير اتجاهات الرأي العام بصورة غير رشيدة، وهنا يأتي دور وسائل الإعلام المستقلة التي يجب أن تحظى بدعم المنظمات الحكومية دون استغلال.
يتحدث الدارسون والمتخصصون عن ظاهرة “الاستمتاع بالضياع” (Joy of Missing Out) أو ما يسمى “JoMO”، ويمكن تعريفه بأنه متعة الاستمتاع بالاهتمامات والعواطف دون القلق بشأن حقيقة أن الآخرين يتابعون أنشطة أكثر إرضاء.
وترى بعض الآراء بأن كلتا الظاهرتين “FoMO” و”JoMO” خيار متطرف، وأن على البشر أن يوازنوا بين استهلاكهم على وسائل التواصل وحياتهم الطبيعية وتواصلهم الحقيقي.
ينصح مقال في منصة الصحافة الثقافية المستقلة (The Skinny) بترك الهواتف والتواصل الافتراضي وتخصيص وقت خارج تأثير “السوشيال ميديا”، واعتبار أن حياة الناس الذين يعرضون طعامهم ولحظات في حياتهم مثل قص الأظافر أو خلال وجودهم عند طبيب الأسنان هي مجرد كذبة للتخلص من “FoMO”.
يقول المقال، “إذا فشل ذلك، ما عليك سوى رمي جميع أجهزتك في المحيط والجري عاريًا على الشاطئ”.. وللحديث بقية.
المصدر: عنب بلدي