– كريستينا الشماس

بعد مرور عام على سقوط نظام بشار الأسد، يعيش السوريون مرحلة انتقالية تتداخل فيها مؤشرات التعافي مع تحديات معيشية يومية، بين تغيرات طالت قطاعات الخدمات الأساسية، ومحاولات حكومية لإعادة ترتيب المؤسسات.

يرى بعض السوريين ممن سألتهم، أن عجلة الإصلاح بدأت تتحرك أخيرًا، بينما يرى آخرون أن التغييرات لا تزال شكلية وغير قادرة على ملامسة عمق الأزمة المعيشية التي خلفتها سنوات الحرب على مدار 14 عامًا، والانهيار الاقتصادي الذي شهدته سوريا.

وأظهر استطلاع رأي أجرته عبر موقعها الرسمي، شارك فيه 2486 شخصًا خلال أسبوع، عن مدى تغير الأوضاع في سوريا بعد مرور عام على سقوط النظام السابق، أن 42% من السوريين يعتقدون أن الوضع تحسن “بشكل كبير”، فيما رأى 33% أنه تحسن “بشكل عام”، إذ وصلت نسبة من رأوا أن هناك تحسنًا بدرجات متفاوتة إلى %75، مقابل 9% قالوا إن الوضع “لم يتغير”، و6% يرون أنه “تدهور”، و9% قالوا إنه تدهور “بشكل كبير”.

ترصد في هذا التقرير، أبرز ملامح التغيير التي لمسها السوريون وتباين آرائهم في تقييم طبيعة المرحلة الانتقالية التي تتحرك بين مسارين، تحسن خدماتي تدريجي، وتراجع معيشي وأمني يضغط على تفاصيل الحياة اليومية.

تحسن ملحوظ لكنه “غير مستقر”

يشكل قطاع الطاقة أحد أبرز الملفات التي طرأ عليها تغير بعد سقوط النظام السابق، فأخذ قرار ارتفاع أسعار الكهرباء الحيّز الأكبر من اهتمام السوريين على مختلف مستوياتهم.

فراس حسين، موظف في القطاع الحكومي، قال ل، إنه رغم ارتفاع أسعار الكهرباء، أصبح جدول التقنين “أكثر انتظامًا” مقارنة بالسنوات الماضية.

ويعتقد فراس أن معظم السوريين يفضّلون الاعتماد على الكهرباء أكثر من البدائل الأخرى، كـ”الأمبيرات” التي قد تضاهي تكلفتها فاتورة الكهرباء المحتملة.

التحسن المحدود في ساعات التغذية الكهربائية لا يبدو شاملًا، بحسب ما أفاد به نزار المصري، أحد سكان بلدة صحنايا بريف دمشق، فالأعطال الطارئة لا تزال متكررة إضافة إلى غياب ساعات وصل منتظمة للكهرباء.

واعتبر نزار أن تحسن التغذية في مركز المدينة “لا يعني بالضرورة وصول التحسن إلى الأحياء البعيدة”.

وقوبل قرار رفع التعرفة الكهربائية بانخفاض أسعار المشتقات النفطية، ما أدى ذلك إلى تحسن حركة النقل، وتوفر عدد أكبر من المركبات، وانخفاض في سعر تعرفة الركاب بمعظم الخطوط في دمشق وريفها.

لاحظت نور مهنا، وهي طالبة جامعية من سكان مشروع دمر، خلال الأشهر الأخيرة تحسنًا واضحًا في حركة المواصلات داخل دمشق وريفها، مشيرة إلى أن توفر كميات أكبر من الوقود أدى إلى تشغيل عدد أوسع من المركبات على الخطوط الرئيسة، ما انعكس مباشرة على تقليل وقت الانتظار في مواقف الحافلات.

وترى نور أن انخفاض تعرفة الركاب في معظم الخطوط، خفف عبئًا عن الطلاب الذين يعتمدون على النقل العام يوميًا.

ولمست نور انتظامًا بحركة النقل خلال فترات الذروة، فأصبحت أفضل مما كانت عليه خلال السنوات الماضية، رغم بقاء بعض المشكلات المتعلقة بالازدحام في محيط الجامعات بدمشق.

زيادة الرواتب لا تغطي تكاليف المعيشة

يشكل ضعف القدرة الشرائية واحدًا من أبرز التحديات التي لا تزال ترسم المشهد المعيشي في سوريا بعد عام على سقوط النظام السابق، إذ لم تحدث زيادة الرواتب الحكومية بنسبة 200% أثرًا فعليًا في ميزانيات الأسر.

فبحسب بيانات “مؤشر قاسيون لتكاليف المعيشة” الصادر في حزيران الماضي، لا يغطي الحد الأدنى للأجور، البالغ 750 ألف ليرة سورية، سوى يومين ونصف من احتياجات أسرة مكوّنة من خمسة أفراد، بينما تجاوز متوسط تكاليف المعيشة حاجز 14 مليونًا و400 ألف ليرة سورية، فيما وصل الحد الأدنى إلى نحو تسعة ملايين و100 ألف ليرة سورية.

الهوة المتسعة بين الدخل ونفقات الاستهلاك، تجعل أي تحسن نسبي في الخدمات أو انخفاض محدود في الأسعار غير قادر على تخفيف العبء المعيشي.

فادي حنا، موظف حكومي، يرى أن زيادة الرواتب الأخيرة “لم تتجاوز حدود الرمزية”، إذ لا يكفي دخله سوى لتغطية بضعة أيام من الشهر، معتبرًا أن التكاليف ترتفع بوتيرة أسرع من أي تعديل رسمي في الأجور.

ومع غياب أدوات فعالة لضبط الأسعار أو تحسين القدرة الشرائية، يبقى معظم السوريين أمام معادلة معيشية صعبة، رغم التحسن النسبي في بعض القطاعات الخدمية.

 التسول.. إجراءات حكومية والفقر يعرقل النتائج

عملت وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل على حملات لمكافحة ظاهرة التسول، عبر إعادة تأهيل مراكز إيواء جديدة وتعزيز الدوريات الرقابية، في محاولة للحد من انتشارها الواسع خلال السنوات الماضية.

بحسب تقييم سامي رستم، من سكان القصاع بدمشق، للمشهد في بعض الأسواق، فإن هناك تغيرًا بشكل واضح خلال الأشهر الأخيرة، معتبرًا أن هذا التحسن يعطي انطباعًا بأن هناك متابعة جدية لملف ظل طويلًا خارج دائرة الاهتمام، بحسب تعبيره.

بالمقابل، ترى دلال عبدو، مقيمة في منطقة الدويلعة، أن الظاهرة لا تزال حاضرة بقوة، خصوصًا في الأحياء الشعبية، معتبرة أن التسول “انعكاس مباشر للأزمة الاقتصادية” وليس سلوكًا يمكن القضاء عليه بالمتابعة الأمنية فقط.

واعتبرت دلال أن استمرار الفقر وارتفاع تكاليف المعيشة، يجعل الكثير من الأسر عرضة للانزلاق نحو هذه الممارسات رغم الجهود الحكومية.

وأجمع عدد من الأهالي الذين تواصلت معهم على أن الحد من التسول خطوة ضرورية، لكنها لن تحقق نتائج “مستقرة” ما لم تعالج جذور الأزمة المعيشية التي تقف وراء توسعها.

 الأمن.. تحسن في التعامل يقابله تصاعد بمعدلات الجريمة

يحتل الملف الأمني موقعًا حساسًا في تقييم السوريين للتغيرات التي شهدتها سوريا بعد سقوط النظام، فشهدت عدة مناطق سورية جرائم مختلفة، بدوافع السرقة والمشاجرات العائلية والثأر وتجارة المخدرات، وأخرى سُجلت ضد مجهول.

وتحتل سوريا المركز الأول على مستوى الدول العربية في مستوى الجريمة، بمعدل 68.1، وفق أحدث معطيات مؤشر قياس الجريمة في قاعدة بيانات “Numbeo”.

ورغم ذلك، أجمع عدد من الأهالي، الذين تحدثوا ل، على تغير طبيعة تعامل عناصر الأمن مع المواطنين، مقارنة بما كان عليه الوضع قبل سقوط النظام.

قال فراس حسين، إن التعامل اليومي مع عناصر الشرطة بات أقل توترًا، مشيرًا إلى أن كثيرًا من المواطنين “لم يعودوا يشعرون بالخوف ذاته من مجرد التحدث إلى عنصر أمن”، كما كان الحال في ظل النظام السابق الذي ارتبط حضوره برهبة أمنية وخوف من الاعتقال.

ويرى فراس أن هذا التغيير أسهم في شعور نسبي بالراحة خلال مراجعة الدوائر الحكومية أو التعامل مع عناصر الأمن العام.

هذا التحسن لا يلغي التحديات الأخرى، فبحسب دلال عبدو، فإن حوادث السرقة في حيها ازدادت بشكل ملحوظ، وترى أن انتشار الدوريات “لا يزال غير كافٍ لإيقاف هذه الجرائم”، خاصة خلال ساعات الليل التي تشهد أقل مستويات الرقابة.

واعتبر سامي رستم أن تزايد الجرائم يعد انعكاسًا مباشرًا للضغوط المعيشية، موضحًا أن معالجة الملف الأمني لا ينفصل عن تحسين مستوى المعيشة، وتوفير فرص العمل، وإلا ستبقى تدابير الضبط “محدودة التأثير”، بحسب وصفه

وقيّم سامي الوضع الأمني بأنه أحد أكثر الملفات “تأخرًا” في مسار التعافي العام، رغم التحسن الملحوظ في سلوك بعض عناصر الشرطة وتعاملهم اليومي مع المواطنين.

تطلعات السوريين

عند سؤال الأهالي الذين تحدثوا ل عن أبرز ما ينتظرونه من الحكومة الحالية خلال المرحلة المقبلة، أجمعوا على عدة نقاط، شملت:

  • رفع القدرة الشرائية: يبقى تحسين الدخل “العامل الحاسم” في تقييم أي تقدم، والإصلاحات الخدمية لن تكون كافية دون معالجة الفجوة بين الرواتب والأسعار.
  • تعزيز الأمن والاستقرار: عبر خطة أمنية واضحة تعتمد على حضور شرطي “فعال”، وضبط السلاح غير المنظم، وتحسين الاستجابة للحوادث.
  • تحسين الخدمات بضمان استدامتها، يرى الأهالي أن ما تحقق خلال عام واحد يعطي “أملًا أوليًا”، لكنهم يطالبون بتحسينات مستدامة في الكهرباء والمواصلات والصحة، وليس تحسنًا يعتمد على حلول مؤقتة أو “موسمية”.

المصدر: عنب بلدي

شاركها.