د. أكرم خولاني
يُعرّف التلوث الإشعاعي (Radioactive Contamination) بأنه أحد أشكال التلوث الناتجة عن انبعاث مواد مشعة في البيئة عن طريق الصدفة أو بفعل الطبيعة أو نتيجة الحروب التي تستخدم فيها الأسلحة النووية أو تتسبب بتسرب المواد المشعة من المفاعلات النووية، وهذا يلوث بيئة المنطقة وكل شيء موجود فيها سواء كان إنسانًا أو حيوانًا أو نباتًا أو جمادًا، مما يعرض الناس للخطر، إذ يمكن أن يؤثر الإشعاع النووي على مختلف أعضاء الجسم وأنظمته، بما في ذلك الجلد والرئتان والقلب والكلى والجهاز الهضمي والجهاز التناسلي وحتى الحمض النووي للخلايا، مما قد يؤدي إلى تشوهات ومشكلات صحية للأجيال القادمة.
ويمكن أن يحدث تعرض الإنسان للتلوث الإشعاعي بطريقتين هما:
التلوث الداخلي، الذي يحدث عندما تدخل المواد المشعة إلى داخل الجسم من خلال بلع أو تنفس المواد المشعة، أو عن طريق دخولها عبر جرح مفتوح، أو امتصاصها من خلال الجلد، ويمكن أن تستقر بعض هذه المواد في أعضاء الجسم المختلفة بشكل دائم، أو يمكن التخلص منها عبر الدم، والتعرق، والبول، والبراز.
التلوث الخارجي، وهو ما يحدث عند استقرار المواد المشعة الموجودة على شكل غبار، أو مسحوق، أو سائل على السطح الخارجي للجلد أو الشعر أو الملابس.
ومن الممكن أن يصبح التلوث الخارجي داخليًا إذا ما تم دخول المواد المشعة إلى داخل أجسادهم.
ما إجراءات الوقاية من التعرض للتلوث الإشعاعي
بداية نؤكد أن الإجراءات الشخصية التي تعتمد هي ليست كفيلة بتوفير الحماية الكافية، ما لم تتبع خطة حكومية جدية لتوفير الحماية للمواطنين واتخاذ القرارات المناسبة وإطلاق حملات توعية للأهالي حول السلامة الشعاعية وكيفية التصرف بشكل سليم في حال حدوث طارئ.
ولأن الإشعاع لا يمكن رؤيته أو شمّه أو لمسه أو تذوقه، لن يعلم الموجودون في موقع الحادث ما إذا كانت المواد المشعة قد انتقلت إليهم، ولذلك في حال الإعلان عن حدوث تسرب إشعاعي أو أي حادث نووي يتعين أن تكون هناك خطة فورية وسريعة للتعامل مع الوضع:
- الاحتماء داخل المباني: من أهم الخطوات التي يجب اتخاذها هي دخول المباني بأسرع وقت ممكن، مع إغلاق جميع النوافذ والأبواب بإحكام، وتهدف هذه الخطوة إلى الحد من دخول الهواء الملوث بالإشعاع إلى المكان المغلق، وإذا كان من الممكن الوصول إلى مبنى متعدد الطوابق أو قبو بأمان في غضون بضع دقائق من الانفجار فيفضل الانتقال إلى هناك على الفور، ويجب إدخال الحيوانات الأليفة وحيوانات الخدمة أيضًا.
- إيقاف أجهزة التكييف والتهوية: يجب إيقاف جميع أجهزة التكييف والتهوية التي قد تدخل هواء من الخارج، إذ إن هذا الهواء قد يكون ملوثًا بالمواد المشعة.
- متابعة الجهات الرسمية: يجب متابعة المعلومات الصادرة فقط عن الجهات الرسمية مثل الدفاع المدني، ومن الضروري عدم الاعتماد على الشائعات أو وسائل التواصل غير الرسمية التي قد تزيد من الفوضى.
- تجنب ملامسة المواد الخارجية: يجب الحرص على تجنب ملامسة أي مواد خارجية مثل الغبار أو الرماد أو الأسطح المكشوفة التي قد تحتوي على مواد مشعة.
في حال الوجود خارج المنزل وقت حدوث الحادث، يتعين اتباع الخطوات التالية:
- تبديل الملابس: فور الدخول إلى مكان مغلق، يجب نزع الملابس الخارجية ووضعها في كيس بلاستيكي مغلق بإحكام بعيدًا عن متناول اليد وعن الأشخاص الآخرين، إذ يمكن أن يزيل خلع الطبقة الخارجية من الملابس ما يصل إلى 90% من المواد المشعة، مع الحذر عند خلع الملابس لمنع الغبار المشع من التطاير، وتجنب لمس العينين والأنف والفم ما أمكن.
- الاستحمام بشكل صحيح: من الضروري الاستحمام بماء دافئ وصابون عادي لإزالة أي غبار إشعاعي عالق على الجسم، وفي حال عدم توفر مياه الصنبور للاستحمام ينصح بتنظيف الأنف برفق، ومسح الجفون والرموش والأذنين بمنديل مبلل، أو قطعة قماش نظيفة مبللة أو منشفة ورقية مبللة، ومسح أي جلد أو شعر كان مكشوفًا، ثم وضع المناديل أو قطعة القماش أو المنشفة المستخدمة في كيس بلاستيكي أو أي حاوية أخرى قابلة للإغلاق في مكان بعيد عن الآخرين والحيوانات الأليفة.
ويجب تغطية الجروح والخدوش عند التعامل مع الأشياء الملوثة لتجنب دخول المواد المشعة إليها.
ويجب تنظيف أي حيوانات أليفة كانت بالخارج بعد وصول الغبار المشع، وغسلها بالماء والصابون إذا كان ذلك متاحًا.
- استخدام الكمامات الواقية: في حال الاضطرار إلى الخروج يجب ارتداء كمامة واقية أو قطعة قماش مبللة على الأنف والفم لتقليل استنشاق المواد المشعة.
خلال الساعات والأيام التالية للتسرب الإشعاعي يجب المتابعة بالإجراءات الوقائية لضمان السلامة:
- الطعام وماء الشرب: من الآمن تناول الطعام الموجود في أوعية محكمة الغلق كانت بالخارج على أن يتم مسح الحاوية بمنشفة أو قطعة قماش مبللة قبل الاستخدام، وتوضع هذه المناشف أو أقمشة التنظيف في كيس بلاستيكي بعيدًا عن الأشخاص والحيوانات الأليفة.
وبما أن التلوث الإشعاعي يؤثر على البيئة والمياه والنباتات والتربة، يُفضل تجنب شرب المياه المحلية أو الفواكه والخضار المزروعة في المناطق المحيطة إلى حين التأكد من خلوها من التلوث الإشعاعي، وينصح بشرب المياه المعبأة فقط أو المغلية، وتجنب الحليب والمنتجات الحيوانية الطازجة، وتناول الطعام المعلب.
- الأدوية الوقائية: تتوفر بعض العلاجات الطبية للحد من التلوث الداخلي أو إزالته، وذلك حسب نوع المادة المشعة المعنية، وتشمل هذه العلاجات أقراص اليود (Potassium Iodide) لحماية الغدة الدرقية، ومضادات الأكسدة (فيتامين C، E، والسيلينيوم) التي تساهم في حماية الخلايا، والفحم الطبي أو الملينات التي قد تُقلل امتصاص بعض المواد المشعة من الجهاز الهضمي، وأدوية الغثيان (مثل Ondansetron).
- البقاء في أماكن مغلقة: يجب البقاء في المأوى المغلق حتى صدور تعليمات إضافية من السلطات المختصة، وعادة ما يستمر أمر الإيواء لمدة 24 ساعة على الأقل، وعادة ما تنخفض مستويات الإشعاع بسرعة، وتصبح أقل خطورة بشكل ملحوظ خلال الـ24 ساعة الأولى بعد الحادث.
كيف يتم التعامل مع المناطق المعرضة للتلوث الإشعاعي
في حال كانت المنطقة الملوَثة كبيرة وكانت مستويات التلوث فيها عالية، يجب إجراء بعض التدابير للتعامل مع المنطقة وإزالة التلوث، كما يجب فحص التربة للتأكد من أنها تصلح للعيش، أو أنها مناسبة للقيام ببعض الأنشطة البشرية عليها أم لا، ومن الطرق المتبعة للتعامل مع المنطقة الملوثة بالإشعاع:
- فرض قيود على الأشخاص الذين يرغبون في الوصول إلى المنطقة الملوثة.
- استخدام المعالجة الكيماوية لمنع انتقال الملوِثات من التربة إلى الحيوانات من خلال استخدام مادة أزرق بروسياPrussian Blue))، وهي مادة كيماوية يتم إضافتها إلى التربة الملوثة بالإشعاع، حيث تمنع من اختلاط عنصر السيزيوم في حليب ولحوم الأبقار، وتزيد من إفرازه خارج الجسم، وكذلك إضافة عنصر البوتاسيوم في التربة الملوثة بالإشعاع لمنع التربة من امتصاص عنصر السيزيوم.
مرتبط
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
المصدر: عنب بلدي