كيف وسعت روسيا من تصنيع الطائرات المسيرة رغم العقوبات؟
أعلنت روسيا عن خطط لإنشاء 48 مركزاً لإنتاج الطائرات بدون طيار خلال العقد المقبل، وانطلق العمل في 15 من هذه المرافق بالفعل، وتهدف المبادرة، التي حددها الرئيس فلاديمير بوتين خلال اجتماع حول تطوير الطيران بدون طيار، إلى زيادة القدرة الإنتاجية، وذلك وفقاً لموقع Army Recognition.
وأشارت تقارير إلى أن روسيا وسعت جهودها في تصنيع الطائرات بدون طيار، مع التركيز على الطائرات بدون طيار الهجومية، ونماذج الاستطلاع بهدف أن تصبح رائدة عالمية في قطاع الطائرات بدون طيار بحلول عام 2030.
وتقع المراكز القائمة في مناطق مختلفة، بما في ذلك موسكو وسانت بطرسبرج ونوفجورود وريازان وسخالين وتومسك وإقليم بيرم وأودمورتيا وتتارستان، مع التخطيط للتوسع في سامارا.
وتشارك أكثر من 400 شركة محلية في جهود البحث والإنتاج، مع تطوير البنية التحتية الداعمة لتسهيل الانتقال من المفهوم إلى الإنتاج الضخم.
ويتوقع أن يتوسع مركز سامارا للأبحاث والإنتاج لأنظمة الطائرات بدون طيار، والذي تم تحديده كمركز رئيسي لتطوير الطائرات بدون طيار، ليشكل مجموعة بحثية وتعليمية وإنتاجية أوسع تركز على الطيران المدني بدون طيار.
وفي الوقت الحالي، ينظر المسؤولون الروس إلى إنتاج الطائرات بدون طيار باعتباره “عنصراً أساسياً” في جهودهم العسكرية الجارية ضد أوكرانيا.
وأكد بوتين على دور الأنظمة الجوية غير المأهولة في الحرب الحديثة، لافتاً إلى أن زيادة الإنتاج ضرورية للحفاظ على القدرة التشغيلية.
وذكر مسؤولون دفاعيون روس أن الطائرات بدون طيار تخدم وظيفتي الاستطلاع والضرب، وتستهدف المواقع الأوكرانية مع تقليل الاعتماد على القوة الجوية التقليدية.
وأكد المسؤولون الروس على فعالية الطائرات بدون طيار من حيث التكلفة مقارنة بالطائرات المأهولة والصواريخ المجنحة.
قصف مكثف
ويتزامن الإعلان الجديد مع زيادة استخدام روسيا لجميع أنواع الطائرات بدون طيار ضد أوكرانيا.
وتشير البيانات الواردة من مصادر عسكرية أوكرانية إلى أن الضربات الروسية بالطائرات بدون طيار ارتفعت من حوالي 400 في مايو إلى أكثر من 2400 في نوفمبر 2024، مع تسجيل ما لا يقل عن 1700 هجمة إضافية في ديسمبر.
وتنشر روسيا عدداً متزايداً من “الذخائر المتسكعة” وطائرات المراقبة بدون طيار في استراتيجيتها العسكرية، مع تقديرات تشير إلى إنتاج شهري يبلغ حوالي 600 طائرة بدون طيار انتحارية من نوع “شاهد”.
وتتكون البنية التحتية لتصنيع الطائرات بدون طيار في روسيا من مرافق متعددة.
وتصنف المنطقة الاقتصادية الخاصة ألابوجا في تتارستان على أنها “مركز إنتاج رئيسي”، ويتم تصنيع “الذخائر المتسكعة” من طراز “شاهد” وطائرات الاستطلاع بدون طيار في إطار مشروع القوارب.
وتشير معلومات مسربة إلى أن المصنع يشتمل على مواد وتكنولوجيا من إيران، مع إنشاء طرق نقل عبر بحر قزوين، فضلاً عن استخدام مكونات صينية وقوة عاملة تضم عمالاً شباباً وقليلي المهارة.
وتدير الشركة الروسية Albatross هذا المصنع، كجزء من الجهود المبذولة لزيادة إنتاج الطائرات بدون طيار محلياً مع الاستمرار في الاعتماد على المكونات المستوردة، وقام المصنع في البداية بتجميع الطائرات المسيرة باستخدام مجموعات تفكيك من إيران قبل الانتقال إلى الإنتاج المحلي الكامل.
رفع القدرة الإنتاجية
وبحلول أبريل الماضي، قدرت التقارير أن المنشأة أنتجت 4500 طائرة بدون طيار من طراز “شاهد”، مع هدف إنتاج 6000 بحلول منتصف عام 2025 بمعدل 310 وحدات شهرياً تقريباً.
وتلقى أفراد عسكريون روس تدريبات في سوريا تحت إشراف الحرس الثوري الإيراني والمجموعات التابعة له، وذلك وفقاً لـ Army Recognition.
ومع ذلك، تشير تقارير إلى أن منشأة ألابوجا واجهت صعوبات في التوظيف. وكانت خطة القوى العاملة الأصلية تتطلب 810 موظفاً يعملون في نوبات عمل لدعم العمليات المستمرة.
وجندت روسيا موظفين من إيران ودول أخرى، حيث تلقى بعض العمال تدريباً في مصانع الطائرات بدون طيار الإيرانية.
كما سعت المنشأة إلى جذب العمال من إفريقيا، حيث ورد أن التوظيف استهدف الشابات بموجب وعود بالأجور والسكن.
ووسعت روسيا نطاق إنتاجها للطائرات بدون طيار إلى ما هو أبعد من ألابوجا. وتم إنشاء منشأة جديدة في ريازان، وتحويل مركز تسوق إلى موقع لتصنيع الطائرات بدون طيار.
وتنتج المنشأة، التي تديرها مجموعة Bespilotnye Sistemy، طائرات استطلاع بدون طيار مع خطط لإنتاج طائرات بدون طيار هجومية.
ويتماشى هذا التوسع مع اتجاه أوسع نطاقاً لإعادة استخدام البنية التحتية التجارية للتصنيع العسكري، مع تحويلات مماثلة لمراكز التسوق في إيجيفسك، ما يشير إلى أن السلطات الروسية أعطت الأولوية للتوسع السريع لمثل هذه المواقع.
طائرات وهمية
بالإضافة إلى الطائرات بدون طيار التي تستخدم في الهجوم في اتجاه واحد، بدأت روسيا في إنتاج طائرات بدون طيار وهمية منخفضة التكلفة تهدف إلى استنزاف موارد الدفاع الجوي الأوكرانية.
وتُصنع هذه الطائرات بدون طيار، المعروفة باسم Gerbera، من مواد خفيفة الوزن وتشبه الطائرة “شاهد-136” في مظهرها ولكنها تفتقر إلى الحمولة المتفجرة.
وتقدر الاستخبارات الأوكرانية أن روسيا تهدف إلى إنتاج ما يقرب من 10 آلاف من هذه الطائرات بدون طيار الوهمية بحلول نهاية عام 2024.
ويتم نشر هذه الطائرات بدون طيار بأعداد كبيرة لاستنزاف مشغلي الدفاع الجوي الأوكراني وإجبارهم على الاشتباك مع أهداف غير قاتلة.
وعلى الرغم من التوسع في الإنتاج، لا تزال التحديات الداخلية قائمة.
وخلال تفقده لمنشأة سامارا، تم إبلاغ بوتين بتأخيرات في المشاريع المتعلقة بالأنظمة غير المأهولة، والتي تُعزى إلى خفض التمويل.
ووجه بوتين الحكومة الروسية بتقديم الدعم المالي اللازم لتسريع التنمية الصناعية، حتى تصبح روسيا رائدة عالمية في قطاع الطائرات بدون طيار بحلول عام 2030.
قيود خارجية
كما تم الإبلاغ عن نقص في المواد. إذ حدّت العقوبات الغربية من قدرة روسيا على الوصول إلى المكونات الإلكترونية الحيوية، بما في ذلك الرقائق الدقيقة وأجهزة الاستشعار المتقدمة.
ونتيجة لهذا، استخدم المصنعون الروس مكونات محلية أو بديلة ذات جودة أقل، ما أدى إلى انخفاض أداء الطائرات بدون طيار.
وتشير التقييمات العسكرية الأوكرانية إلى أن الطائرات بدون طيار من طراز شاهد الأخيرة تظهر علامات انخفاض الموثوقية، حيث عانت بعضها من أعطال فنية قبل الوصول إلى أهدافها.
كما أثرت القيود الخارجية على الإنتاج، بعدما فرضت الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي عقوبات على مصنعي الطائرات بدون طيار الروس، مستهدفة بذلك سلاسل التوريد والشبكات المالية.
واتخذت اليابان والمملكة المتحدة تدابير مماثلة لتقييد قدرة روسيا على استيراد المكونات الرئيسية. ومع ذلك، وتواصل روسيا شراء أجزاء الطائرات بدون طيار من خلال وسطاء في العديد من البلدان في آسيا والشرق الأوسط.
وتُستخدم المكونات الإلكترونية المصنوعة في الصين بشكل متزايد في الطائرات بدون طيار الروسية على الرغم من القيود التجارية الدولية.
وتشكل اضطرابات سلسلة التوريد مخاطر إضافية لجهود إنتاج الطائرات بدون طيار في روسيا.
رد أوكراني
ونفذت أوكرانيا ضربات مستهدفة البنية التحتية لتصنيع الطائرات بدون طيار في روسيا، بما في ذلك هجوم في أبريل الماضي على منشأة ألابوجا.
وبينما زعم المسؤولون الروس وقوع أضرار طفيفة، أكدت مصادر استخباراتية أوكرانية أن قدرات الإنتاج تأثرت بشكل كبير.
وفي ديسمبر الماضي، نُسب حريق في مستودع لتخزين مكونات طائرة بدون طيار “شاهد” إلى عمليات التخريب.
كما عدلت أوكرانيا استراتيجيتها الدفاعية الجوية رداً على زيادة نشر الطائرات بدون طيار من جانب روسيا. وتم نشر وحدات دفاع جوي متنقلة مجهزة بطائرات بدون طيار اعتراضية وأنظمة حرب إلكترونية لمواجهة تهديدات الطائرات بدون طيار.
وعملت القوات الأوكرانية على تحسين بروتوكولات الكشف والاشتباك الخاصة بها للتمييز بين الطائرات بدون طيار الوهمية والطائرات بدون طيار الهجومية، ما أدى إلى زيادة كفاءة عمليات الدفاع الجوي. وبالإضافة إلى ذلك، وسعت أوكرانيا من قدراتها في إنتاج الطائرات بدون طيار.
وبدأت القوات الأوكرانية في استخدام طائرات بدون طيار بعيدة المدى لتنفيذ ضربات على المنشآت العسكرية الروسية وخطوط الإمداد.
واستُخدمت الطائرات بدون طيار الأوكرانية لاستهداف مراكز لوجستية داخل الأراضي الروسية، وهو ما يعكس التكتيكات التي تستخدمها القوات الروسية.
ويعكس الاعتماد المتزايد من قِبَل الجانبين على الطائرات بدون طيار في كل من العمليات الهجومية والدفاعية الأهمية المتزايدة للأنظمة غير المأهولة في التخطيط الاستراتيجي.