اخر الاخبار

كيف يدير البيت الأبيض معركته مع القضاء؟

وسط غياب لافت لحزب المعارضة، شهدت العلاقة بين إدارة الرئيس دونالد ترمب والسلطة القضائية تصعيداً غير مسبوق خلال الأسابيع الأخيرة، وجاءت أحدث مظاهره في شكل هجوم علني من البيت الأبيض وحلفائه على قاض أصدر حكماً بوقف ترحيل مواطنين فنزويليين اعتبرهم ترمب إرهابيين.

وبينما طالب ترمب بعزل القاضي من منصبه، وُجهت اتهامات إلى الإدارة بانتهاك أمر قضائي.

وفي وقت يعلن البيت الأبيض التزامه بقرارات المحكمة، يواصل مهاجمة القضاة الذين يصدرون أحكاماً ضد سياساته، ما يزيد من تعقيد العلاقة بين السلطتين التنفيذية والقضائية.

الأوامر القضائية الفيدرالية

طالب الرئيس الأميركي المحكمة العليا في 20 مارس الجاري بالحد من صلاحيات القضاة الفيدراليين لإصدار أوامر تعرقل قرارات إدارته.

وفي منشور على منصته للتواصل الاجتماعي “تروث سوشيال”، قال ترمب: “أوقفوا الأوامر القضائية الآن قبل فوات الأوان”.

وتأتي هذه الهجمات بعد سلسلة من الانتكاسات القضائية التي أوقفت بعضاً من أهم مبادرات ترمب، فقد أوقف القضاة مؤقتاً تقييده لحق الحصول على الجنسية بالولادة، ومحاولته طرد أعضاء المجالس الفيدرالية التي تتعامل مع مظالم العمل والنزاعات العمالية، ومحاولته تجميد قبول طلبات اللجوء والمساعدات الخارجية، وقراراته التي تنص على فصل آلاف الموظفين الحكوميين أو إيقافهم عن العمل مؤقتاً.

وفي مواجهة أوامره التنفيذية وإجراءاته، رفع المعارضون أكثر من 130 دعوى قضائية، وأصدر القضاة الفيدراليون نحو 30 أمراً قضائياً، بينما حققت الإدارة فوزاً بأحكام لصالحها في أكثر من 12 قضية.

وبسبب طريقته في إدارة فترته الثانية  القائمة على إصدار أوامر رئاسية تنفيذية تتجاوز صلاحيات الكونجرس المنقسم، استهدفت إدارة ترمب الأوامر القضائية التي تعيق مؤقتاً تنفيذ سياساته وأجندته الحكومية خلال فترته الرئاسية الثانية، وتُعرف هذه الأوامر باسم “الأوامر القضائية الوطنية” أو “الأوامر القضائية الشاملة”.

وفي حديث لـ”الشرق”، عرّف أستاذ القانون بجامعة “جورج ميسون” إيليا سومين “الأمر القضائي الوطني” أو “الإنذار القضائي الشامل”، بأنه إجراء لاحق لاتخاذ الحكومة إجراءً واسع النطاق يؤثر على الكثير من الناس في مختلف أنحاء البلاد، وفي حال كان هذا الإجراء غير قانوني، فمن المنطقي أن يصدر القاضي أمراً قضائياً وطنياً لوقفه، أما إذا كان الإجراء الحكومي يؤثر فقط على عدد محدود من الأشخاص أو قضية ضيقة النطاق، فقد يكون القرار القضائي محدوداً في تطبيقه.

وقال سومين إن “كل قضية تُثير مسائل قانونية مختلفة، لكن ما يميز إدارة ترمب هو أنها تتخذ قرارات غير قانونية في مجموعة واسعة من المجالات، أكثر من أي إدارة أخرى شهدتها في حياتي”.

وأضاف: “معظم الإدارات واجهت أوامر قضائية، حتى إدارة بايدن واجهت بعض الأحكام القضائية التي أبطلت سياساتها، لأنها تجاوزت القانون في بعض الحالات، إلا أن ما تفعله إدارة ترمب هو انتهاك القانون على نطاق أوسع بكثير”.

وكان الرئيس الأسبق باراك أوباما، واجه 12 أمراً قضائياً خلال ولايتين، بينما واجهت إدارة ترمب الأولى 64 أمراً، وواجه الرئيس السابق جو بايدن 14 أمراً قضائياً، بحسب دراسة أجرتها مجلة هارفارد للقانون.

جوهر الخلاف

في مواجهة هذه الأوامر القضائية التي تم استئناف العديد منها، دعا ترمب وكبار المسؤولين في البيت الأبيض الكونجرس والمحكمة العليا إلى اتخاذ إجراءات للحد من قدرة القضاة الفيدراليين على إصدار أوامر تمنع السياسات على مستوى الولايات.

ويبدو أن استخدام ترمب لقانون “الأعداء الأجانب” الذي يعود لعام 1798، بهدف إصدار أمر تنفيذي بترحيل فنزويليين دفع بالصراع بين السلطتين القضائية والتنفيذية ليصبح أزمة كبيرة، بعد أن أصدر القاضي الفيدرالي، جيمس بواسبرج، أمراً ينص على وقف عمليات الترحيل، لكن ترمب مضى قدماً، وأرسل الطائرات إلى السلفادور.

وهاجم أنصار ترمب، بمن فيهم المدعية العامة بام بوندي، القاضي واتهموه بدعم “الإرهابيين”، بينما دعا إيلون ماسك، رجل الأعمال ومستشار الرئيس الأميركي للكفاءة الحكومية، الكونجرس لعزل القضاة الذين يحكمون ضد ترمب، مدعياً أن القضاء “مخترق من اليسار”.

وأثار تجاهل الأمر القضائي الخاص بوقف ترحيل الفنزوليين، حفيظة بواسبرج، الذي وبّخ أحد محامي وزارة العدل في جلسة استماع عقدها الجمعة 21 مارس، بسبب توقيع الأمر التنفيذي سراً وعدم إعادة الطائرات التي تحمل المتهمين، قائلاً إن استخدام إدارة ترمب لقانون “الأعداء الأجانب” لإرسال أكثر من 100 فنزويلي فجأة إلى سجن في السلفادور من دون جلسة استماع أو تقييم يبدو “إشكالياً ومثيراً للقلق”.

وفي حديث لـ”الشرق”، قالت جيسيكا م. فوجان المديرة في مركز دراسات الهجرة إن “الإدارة الأميركية لم تخالف الأمر القضائي”، مفسرة ذلك بأن “الطائرات التي كانت تقل الفنزوليين تحركت قبل تقديم قرار القاضي بشكل رسمي”.

من جانبه، أشار المحامي وليد ناصر إلى أن إدارة ترمب تواجه تحديات قانونية من القضاء، بسبب قراراتها المتعلقة بالترحيل وقضايا أخرى، لافتاً في حديث لـ”الشرق”، إلى أن السلطة التنفيذية تتمتع بسلطات واسعة، لكنها تواجه صعوبة كبيرة نتيجة القوانين التي تحد من سلطتها.

وأضاف ناصر أن الإدارة التنفيذية تلجأ أحياناً إلى القضاء للمساعدة في تنفيذ قراراتها، إلا أنها تجد نفسها في صراع مع الأحكام القضائية التي قد تعيق تنفيذ السياسات، موضحاً أن جوهر الخلاف بين السلطتين القضائية والتنفيذية يتمحور حول تنفيذ القوانين وتفسيرها: “السلطة التنفيذية تسعى لفرض سياساتها، بينما تراجع السلطة القضائية مدى قانونيتها ودستوريتها. ينشأ الصدام عندما تعرقل المحاكم قرارات الإدارة، أو عندما ترى الأخيرة أن القضاء يتدخل في صلاحياتها”.

لكن أستاذ القانون في كلية الحقوق بجامعة نيويورك ومؤلف كتاب “الرئيس التنفيذي للديمقراطية” بيتر شين، رأى أن ترمب يُطبّق ما يعتقد أنه التبعات المنطقية لفكرة أن الرئيس، من الناحية الدستورية، هو السلطة التنفيذية.

وقال شين لـ “الشرق”، إن النسخة الأكثر تطرفاً من نظرية السلطة التنفيذية الموحدة تنصّ على أن الرئيس، إذا اختار ذلك، يمكنه شخصياً القيام بأي مهمة تُفوّض إلى السلطة التنفيذية، من دون الخضوع للقيود القانونية والإجرائية التي تُطبّق لو قامت وكالة بأداء المهمة، “هذا ليس سوى محاولة لإحداث تغيير دستوري جذري دون تعديل الدستور فعلياً”.

وفي حين يبدو جوهر الخلاف بين السلطتين طبيعياً وتقليدياً، فإن حدة الصراع اليوم تنذر بأزمة دستورية خطيرة، كما قال  أستاذ القانون بجامعة “جورج ميسون” إيليا سومين.

وأوضح سومين أن إدارة ترمب اتخذت قرارات عديدة أثارت جدلاً قانونياً و”إجراءات مشكوك في قانونيتها”، ما دفع معارضيها إلى رفع دعاوى قضائية للطعن في شرعيتها، وفي عدة حالات، حكمت المحاكم ضد الإدارة، وأصدرت أوامر قضائية يُفترض أن تلتزم بها “لكن يبدو أنها خالفت بعض الأوامر جزئياً على الأقل. وتحاول المحاكم اتخاذ إجراءات لفرض الامتثال، لكن إذا استمرت الإدارة في عدم الامتثال كلياً أو جزئياً، فسيؤدي ذلك إلى أزمة دستورية خطيرة”.

وأدى ما يحدث من تحدي للمحاكم إلى إرباك الجمهوريين أيضاً، وقال الخبير الاستراتيجي في الحزب الجمهوري جيم دورنان، إن “الصراع الحالي ناتج عن محاولة ترمب توسيع سلطاته إلى الحد الأقصى، متجاوزاً القيود التي يفرضها الدستور”.

وأضاف دورنان لـ”الشرق”، أن “المحاكم تدرك هذا الأمر، وتحرص على تطبيق الدستور، الذي ينص على أن الرئيس لا يملك سلطات مطلقة، وأن الفروع الثلاثة للحكومة التنفيذية، والتشريعية، والقضائية متساوية في السلطة.

 وتابع: “سلطة الرئيس محددة بوضوح في الدستور، وبالتالي لا يستطيع تجاوز تلك الحدود”.

من جانبه، اعتبر الكاتب الجمهوري جون جيزي أن الصراع بين الإدارة الأميركية والقضاء هو أمر تكرر عبر الأجيال في الولايات المتحدة، قائلاً لـ”الشرق”، إنه عندما تكون لدى الإدارة أجندة جريئة، فمن الطبيعي أن ينشأ جدل، ما يؤدي إلى تدخل المحاكم.

صراع تاريخي

برز الصراع بين السلطتين التنفيذية والقضائية خلال مراحل حرجة من تاريخ الولايات المتحدة، خاصة عندما حاولت السلطة التنفيذية تنفيذ سياسات تتعارض مع الأحكام القضائية أو مع المبادئ الدستورية كما يفسرها القضاء، لكن أستاذ العلوم السياسية وعضو الأكاديمية الفخرية في جامعة أوهايو، بول بيك، أكد لـ”الشرق”، أنه كان “صراعاً عرضيا ونادراً، وركز على قضايا فردية، ولم يكن على نطاق واسع”.

وخلال الولاية الأولى للرئيس توماس جيفرسون 1803، وقع صراع كبير بين السلطة التنفيذية والقضائية بسبب قضية “ماربوري ضد ماديسون”، إذ أرست تلك القضية مبدأ المراجعة القضائية، وأن المحكمة العليا لها الحق في مراجعة دستورية القوانين والإجراءات الحكومية.

واعتبر بيك أن هذا القرار كان بمثابة “قيد على سلطة الرئيس والكونجرس”، إذ منح المحكمة العليا صلاحية إبطال القوانين التي تعتبر غير دستورية، “رغم أن جيفرسون لم يكن راضياً عن الحكم، لكنه لم يتحد المحكمة”.

وخلال رئاسة أندرو جاكسون 1832، اندلع خلاف كبير بينه وبين المحكمة العليا حول حقوق الأميركيين الأصليين في قضية “وورسيستر ضد جورجيا”. وحكمت المحكمة بأن ولاية جورجيا ليس لها الحق في فرض قوانينها على أراضي قبائل الشيروكي، ولكن جاكسون، الذي كان داعماً لسياسة إزالة السكان الأصليين، رفض تنفيذ الحكم، وقال بيك إن ما حدث في تلك الواقعة كان يعد تجاهلاً غير رسمي للأحكام “دون مواجهة مباشرة”.

أما خلال فترة حكم فرانكلين روزفلت 1930، أبطلت المحكمة العليا المحافظة بعض إصلاحاته الاقتصادية التي اقترحها بعد فترة الكساد الكبير، فحاول روزفلت تغيير توازنها عبر خطة تكديس المحكمة، وذلك من خلال توسيع المحكمة العليا بإضافة قضاة جدد مؤيدين لسياساته، لكن خطته فشلت، ومع ذلك، بدأت المحكمة لاحقاً بتأييد إصلاحاته.

وأشار بيك إلى أن ما يحدث اليوم من تجاهل متعمد للأوامر القضائية لم يحدث من قبل، وأضاف: “إنهم يتجاهلون عمداً في بعض الحالات وينكرون ذلك. وستواصل إدارة ترمب تجاهلها للقضاء من دون الاعتراف بذلك”.

لكن جيزي رأى أن “ترمب يمر بنفس الموقف الذي مر به جاكسون، وجيفرسون، وروزفلت، فجميعهم واجهوا صداماً مع المحكمة وتحدياً قضائياً، لكن في النهاية، السلطة التنفيذية والرؤساء دائماً يمتثلون لأحكام المحكمة”.

وأكد جيزي أن ترمب سيمتثل لقرارات المحكمة “أي أن الرئيس ملزم بتنفيذ قرارات المحكمة”، لافتاً إلى أنه عندما سُئل دوايت أيزنهاور عن رأيه في قرار المحكمة بإنهاء الفصل العنصري، قال “ليس المهم ما أعتقده، بل ما يجب أن أفعله”.

إلا أن الوضع الحالي بين ترمب والقضاء، تصاعد إلى الحد الذي دعا فيه الرئيس الأميركي عبر منصة “تروث سوشيال” إلى عزل القاضي بواسبيرج من دون ذكر اسمه: “هذا القاضي، كغيره من القضاة الفاسدين الذين أُجبر على المثول أمامهم، يجب عزله”.

ووصف أستاذ العلوم السياسية بول بيك دعوة ترمب بأنها نوع من الترهيب للقضاة بسبب أحكامهم القضائية، نافياً أن يمتلك الرئيس أو السلطة التنفيذية سلطة إقالة القضاة، مشيراً إلى أن الكونجرس وحده يملك سلطة عزل القاضي الفيدرالي، ويتطلب ذلك تصويت أغلبية مجلس النواب على العزل، وتصويت أغلبية مجلس الشيوخ على الإدانة، وتتطلب الإدانة ثلثي أصوات مجلس الشيوخ لإقرارها، حيث “أُقيل عدد قليل من القضاة بهذه الطريقة في الماضي”، وفق قوله.

وعلى مدار 250 عاماً، عزل الكونجرس 15 قاضياً فيدرالياً، لكن مجلس الشيوخ أدان 8 منهم فقط، بحسب إحصاء المكتب الإداري للمحاكم الأميركية.

“تصريحات غير رسمية

“مع تصاعد الخلاف بين السلطتين، أطلق بعض المسؤولين في إدارة ترمب ادعاءات مفادها أن الرئيس غير ملزم بأوامر المحكمة، وشككوا في سلطة المحاكم وقدرة قاضٍ واحد على تعطيل سلطة الرئيس، ما أثار تساؤلات جدية بشأن حدود السلطة التنفيذية وقدرات السلطة القضائية.

وكان من أبرز المنتقدين لهذا التدخل نائب الرئيس جيه دي فانس والملياردير إيلون ماسك، اللذان اتهما القضاة الفيدراليين بالتدخل في قرارات الرئيس، بل دعا إيلون ماسك علناً إلى عزل هؤلاء القضاة.

وانضم ترمب إلى هذه الدعوات، ما دفع رئيس المحكمة العليا جون روبرتس إلى إصدار بيان نادر يُعارض هذه الفكرة، أكد خلاله أن العزل ليس ردة فعل مناسبة على الاختلافات في القرارات القضائية، وأنه توجد عملية استئناف معتادة للتعامل مع مثل هذه الخلافات.

في المقابل، وصف دورنان تلك الادعاءات بأنها “سخيفة”، قائلاً إن الرئيس، مثل أي مواطن أميركي، يجب أن يلتزم بالقوانين وقرارات المحاكم، و”لا يمكن أن يتصرف كدكتاتور دون قيود قانونية”.

واتفق سومين مع دورنان في ذلك الوصف، معتبراً أن الإدارة لم تطرح تلك الادعاءات في المحاكم “لأنها تعلم أنها غير قانونية، بل تطرحها فقط في تصريحات إعلامية علنية غير رسمية”.

وأضاف أنهم يصرحوا رسمياً بأنهم يلتزمون بأوامر المحكمة، لكنهم يواجهون صعوبات في تنفيذ بعضها، أو يفسرون الأوامر بشكل ضيق بحيث لا يلتزمون بكل ما يبدو أنه مطلوب منهم، موضحاً أنه في النظام القانوني الأميركي، تنظر المحاكم الفيدرالية الابتدائية عادةً في القضايا بوجود قاضٍ واحد، وإذا لم يرضَ أحد الأطراف بالحكم، يمكنه الاستئناف أمام محكمة أعلى، بحيث تنظر في القضية هيئة من 3 قضاة، على أن يصدر القرار الأولي عن قاضٍ واحد، وهذا هو النظام القائم منذ عقود.

وتابع سومين: “لذلك عندما تقول الإدارة إن هناك أمراً غير طبيعي في أن يقوم قاضٍ واحد بعرقلة سياسة الرئيس، فإنها ببساطة لا تقول الحقيقة”.

لكن من جانبه، أكد أستاذ القانون بيتر شين أن أوامر المحكمة، عادةً، لا تُلزم الرئيس مباشرةً بفعل أي شيء، بل تُلزم أعضاء السلطة التنفيذية المرؤوسين، الذين يُملى عليهم ما يجب عليهم فعله أو الامتناع عنه، قائلاً إن “الرئيس لا يملك سلطة توجيه أي شخص في السلطة التنفيذية لانتهاك أمر قضائي، وإذا رأى ترمب أن الأوامر تتجاوز السلطة القضائية المختصة، فإن الرد القانوني هو الطعن فيها أمام محكمة أعلى”.

وعن حدود السلطة التنفيذية وقدرة المحاكم، قال أستاذ القانون والسياسة العامة ومدير استطلاع كلية الحقوق في جامعة ماركيت، تشارلز فرانكلين لـ”الشرق”، إن الإجراءات التي تندرج ضمن الصلاحيات التنفيذية المباشرة، مثل قرارات السياسة العامة أو التعيينات داخل الإدارة، والتي ستكون أكثر صعوبة في الطعن قانونياً، موضحاً أن “سلطة المحاكم الفيدرالية تقتصر على وقف بعض إجراءات ترمب التنفيذية إذا كانت تنتهك الدستور أو القوانين الفيدرالية، مثل محاولته إنهاء حق المواطنة بالولادة المكفول بموجب التعديل الرابع عشر للدستور”.

ويدعم هذا الرأي أستاذ القانون الدستوري والسياسة في جامعة ميريلاند، مارك جريبر، الذي أوضح لـ”الشرق”، أن الأوامر القضائية تعمل على “منع الحكومة من القيام بشيء ما، وليس إجبارها على القيام بشيء ما”.

وقال جريبر إن قدرة المحاكم على إلزام الحكومة بتنفيذ القرارات تظل محدودة، ما يشكل تحدياً لسلطتها، مضيفاً أنه حتى لو قررت المحكمة أن سياسة معينة غير دستورية، أو أصدرت أمراً قضائياً مؤقتاً لوقف تنفيذها، فإن الإدارة قد تُعيد صياغة السياسة بطريقة تلتف على المشاكل القانونية السابقة.

وتابع: “هذا يعني أن قرارات المحاكم لا تكون دائماً نهائية أو قادرة على إيقاف السياسات التنفيذية بشكل كامل، لأن الإدارة يمكنها ببساطة تعديل قراراتها وتجربتها بصيغ جديدة”.

بدوره، يُفسّر المحامي وليد ناصر، القدرة المحدودة للمحاكم بأن “القضاء يمكنه إصدار عقوبات مدنية وأخرى جنائية تتعلق بازدراء المحكمة إذا رفضت أو تجاهلت الإدارة تنفيذ قراراتها، لكنه في الوقت نفسه لا يمتلك أدوات تنفيذية مثل الشرطة أو الجيش لتنفيذ القرارات.

وأضاف: “بالتالي يعتمد الأمر على تعاون الفروع الأخرى مثل الكونجرس والرئاسة لتنفيذ قراراته، لكن غياب هذا الدعم، خاصة مع الأغلبية الجمهورية في الكونجرس، يحد من قدرة الديمقراطيين على تقديم رقابة فعالة، وقد ترفض السلطة التنفيذية تنفيذ القرارات، وحينها قد نواجه أزمة خطيرة”.

“الولاء” معيار اختيار القضاة

في خضم الصراع الدائر حالياً، يستعد ترمب لإعادة تشكيل القضاء الأميركي خلال السنوات الأربع المقبلة من خلال مئات التعيينات المحتملة للقضاة المحافظين، في الأسابيع المقبلة.

وأظهرت بيانات منظمة Demand Justice للحقوق المدنية، أن لدى ترمب أكثر من 300 فرصة لتعيين قضاة جدد خلال الفترة المقبلة، ما سيساعده في توجيه النظام القضائي لصالح الأجندة اليمينية.

واعتبرت المنظمة أن هذا التدفق من التعيينات سيكون له تأثير كبير على الأجندة السياسية الأميركية، إذ سيتعين على القضاة الجدد اتخاذ قرارات تؤثر على قضايا مثل الخصخصة، وحقوق الرعاية الصحية، وحماية البيئة. وفي الوقت ذاته، فإن هؤلاء القضاة سيكونون “مؤهلين” بناءً على استعدادهم لتنفيذ سياسات ترمب وأجندته الرئاسية.

لكن بول بيك يتوقع أن يختلف اختيار ترمب للقضاة في ولايته الثانية عن اختياراته في ولايته الأولى، مشيراً إلى أن ترمب هذه المرة سيُركز بشكل أكبر على “الولاء الشخصي والالتزام بأجندته السياسية”، لكن في فترته الأولى، التي شهدت تعيين أكثر من 200 قاض كان ترمب “يميل إلى اختيار قضاة من المرشحين الذين يعكسون توجهات المؤسسة الجمهورية التقليدية، أي أولئك الذين يمتلكون خلفية قانونية قوية وأسس مهنية أكاديمية وتقليدية ضمن النظام القضائي”.

وأضاف أن “الرئيس ترمب في فترته الثانية، سيكون أكثر حذراً في اختيار قضاة يتسمون بالولاء له شخصياً ولأيديولوجيته اليمينية، وقد يبحث عن مرشحين يظهرون استعداداً لتنفيذ سياسات تنسجم مع رؤيته، بغض النظر عن تجربتهم القانونية أو خلفيتهم الأكاديمية المتخصصة لتعزيز سلطته، وتأكيد نفوذه على المؤسسات القضائية، لضمان الحصول على أحكام قضائية تتماشى مع رؤيته السياسية، ما قد يشكل تغييراً كبيراً في موازين القوى داخل النظام القضائي الأميركي”.

واتفق الجمهوري دورنان مع بيك في أن ترمب قد لا يكون قادراً على تكرار نهجه السابق في التعيينات بنفس الطريقة السابقة، قائلاً: “سيحاول تعيين قضاة يدينون له بالولاء الشخصي”.

وشدد دورنان على أن القضاة يجب أن “يحكموا وفقاً للقوانين والدستور، وليس بناءً على رغبات الرئيس”.

وباختلاف عن سابقيه، قال الجمهوري جيزي إن ترمب يعتمد في تعييناته القضائية على الفلسفة القانونية للمرشحين، مفضلاً القضاة الذين يفسرون الدستور نصاً صارماً من دون تعديله وفق التطورات الزمنية، وهو ما يُعرف بالنزعة النصية.

وأضاف جيزي أن الرؤساء لا يناقشون القضايا المحددة مع القضاة مثل الإجهاض، بل يركزون على مدى التزامهم بتفسير القانون.

ولفت إلى أن ترمب مثل جورج بوش الأب وجون ماكين اللذين تبنيا نهجاً مشابهاً، مشيراً إلى أن القضاة يجب أن يفسروا القانون دون تحيز سياسي.

وقال: “رغم أن ترمب عيّن 3 قضاة في المحكمة العليا، إلا أنهم لم يكونوا دائماً متوافقين مع سياساته، بينما دعم بعض القضاة المعينين من قبل رؤساء جمهوريين سابقين مواقفه بشكل أكبر، ما يعكس استقلالية القضاء”.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *