كيف يعيد ترمب تشكيل الجيش الأميركي؟

في اليوم الأول من ولايته الثانية، وقع الرئيس الأميركي دونالد ترمب، رقماً قياسياً من الأوامر التنفيذية بلغ 26، خمسة منها استهدفت، بشكل مباشر أو غير مباشر، مؤسسة واحدة، هي الجيش.
ومنذ دخوله البيت الأبيض، برزت ملامح تحول جذري داخل المؤسسة العسكرية الأميركية يعكس توجهات الإدارة الجديدة تجاه البنتاجون.
وتجلى هذا التحول في سلسلة من الإقالات التي طالت قيادات عليا، وإعادة هيكلة في صفوف الجيش وعقيدته القتالية، فضلاً عن تسريح عشرات الآلاف من الموظفين المدنيين وتفكيك سياسات التنوع والإنصاف والشمول.
وأقال ترمب، في أواخر فبراير الماضي، 6 من كبار القادة العسكريين، في مقدمتهم رئيس هيئة الأركان المشتركة، الجنرال تشارلز براون. كما شملت الإقالات الأدميرال ليزا فرانشيتي، أول امرأة تشغل منصب رئيس العمليات البحرية، في خطوة وصفتها وكالة “رويترز” بأنها “هزة غير مسبوقة داخل البنتاجون”.
ورغم أن البيت الأبيض لم يُبد أسباباً لهذه الإقالات، فإن تصريحات سابقة لوزير الدفاع بيت هيجسيث، قبل توليه مسؤولية الوزارة أظهرت معارضته لسياسات قادة الجيش المتعلقة بالتنوع والإنصاف والشمول. وفي كتابه الصادر عام 2024، تحت عنوان “الحرب ضد المحاربين”، تساءل عما إذا كان اختيار الجنرال تشارلز براون لرئاسة هيئة الأركان المشتركة “يعود لكونه من ذوي الأصول الأفريقية”.
“رسالة قوية”
ويرى الخبير العسكري، ديفيد دي روش، أن إقالة القادة “المنخرطين في سياسات التنوع والإنصاف والشمول كانت بمثابة “رسالة قوية” من ترمب وهيجسيث ومفادها: إذا كنت قائداً عسكرياً، فعليك إعادة النظر في طريقة عملك، وإلا ستتعرض للإطاحة”.
ويعتقد دي روش، الذي عمل لأكثر من 12 عاماً داخل البنتاجون، أن عزل كبار الضباط “عادة ما يُحدث ضجة كبيرة داخل المؤسسة العسكرية، وهذه الصدمة المؤسسية تدفع نحو التغيير الحقيقي في أسلوب الإدارة والقيادة، خاصة في بيئة معقدة مثل الجيش”.
ووقع اختيار ترمب على “دان كين”، العسكري المتقاعد، لخلافة الجنرال براون. ويرى المسؤول السابق بوزارة الدفاع، لورانس كورب، أن القرار يُعد “محاولة من ترمب وهيجسيث لتنفيذ سياساتهما داخل البنتاجون دون أن يواجها أي مقاومة”.
وفي أبريل الماضي، أقرَّ الكونجرس تعيين كين، لكن كورب يعبر عن قلقه من أن يُظهر رئيس هيئة الأركان المشتركة الجديد فعالية أقل من سلفه براون، “الذي قدّم أداءً متميزاً، وكان يحمل رتبة 4 نجوم، بينما كان كين بعيداً عن الخدمة لسنوات، ولم يصل قبل تقاعده سوى لرتبة 3 نجوم، مما قد يجعله أقل فعالية في التعامل مع ملفات مثل الحوثيين، أو إيران، أو غيرها من قضايا الأمن القومي”، بحسب كورب.
تقليص القيادة العليا
ومن أحدث الإجراءات في ولاية الرئيس ترمب الثانية، كان قرار وزير الدفاع، بيت هيجسيث، بتقليص عدد من كبار قادة الجيش، في خطوة تهدف إلى الاستغناء عن 20% من مناصب الجنرالات ذوي الأربع نجوم، وجنرالات الحرس الوطني، وفق مذكرة داخلية عمّمتها وزارة الدفاع.
لورانس كورب، المسؤول السابق في البنتاجون، عبّر في حديثه مع “الشرق” عن قلقه من تبعات هذا الإجراء، قائلاً إن “الضباط الكبار يلعبون دوراً جوهرياً في تقديم المشورة للإدارة السياسية، بناءً على خبراتهم الواسعة، التي غالباً ما تتجاوز معرفة حتى أكثر السياسيين إلماماً بالشؤون العسكرية”.
ويحذر كورب من أن تقليص هذه المناصب قد تكون له آثار بعيدة المدى، تتمثل في عزوف الضباط من الرتب المتوسطة عن مواصلة الخدمة، بعدما يتضح لهم أن فرص الترقي إلى الرتب العليا باتت محدودة، “فالدافع الأساسي لهؤلاء هو الطموح المهني، إلى جانب خدمة الوطن، وإذا شعروا أن سقف الترقّي قد انخفض، فقد يقررون المغادرة”، يضيف كورب.
على الجانب الآخر، يرى ديفيد دي روش، الخبير العسكري والأستاذ في مركز الشرق الأدنى للدراسات الأمنية، أن القرار مبرر ومطلوب منذ وقت طويل. “فعدد المناصب القيادية في الجيش الأميركي اليوم يتجاوز ما كان عليه خلال الحرب العالمية الثانية، رغم أن التحديات في تلك المرحلة كانت أكبر بكثير”، حسب وصفه.
ويقلل دي روش من مخاوف تأثير القرار على الروح المعنوية داخل الجيش، قائلاً: “فرص الترقية لطالما كانت محدودة، وهذه الحقيقة ليست جديدة على الضباط”. كما أشار إلى دراسة حديثة تظهر أن “الاستجابة لأوامر إطلاق النار أو نداء المدفعية أصبحت تستغرق وقتاً أطول اليوم، مقارنة بما كانت عليه في فترات الحروب الكبرى، بسبب التضخم في التسلسل القيادي”، ما يعزز برأيه الحاجة إلى تخفيف الهيكل العسكري.
أما مايك ميلروي، نائب مساعد وزير الدفاع السابق، فقال في حديثه إلى “الشرق”، إن “الجنرالات من ذوي 4 نجوم، يُعّدون قلة عددية، وعندما نتحدث عن الاستغناء عن 20% منهم، فإننا نتحدث في الواقع عن حوالي 9 قادة”.
لكن ميلروي يشير إلى أن الإشكالية الحقيقية تكمن في أن “نسبة عدد الجنرالات إلى عدد الجنود باتت مرتفعة بشكل لافت مقارنة بالسابق”، وهو ما يستدعي “مراجعة هيكل القيادة” برأي ميلروي.
وينبه ميلروي لخطورة “إجراء تخفيضات مفاجئة”، لأن ذلك قد يربك المؤسسة العسكرية، مشدداً على أهمية اتباع “مسار تدريجي لتصحيح ذلك الوضع بمرور الوقت”.
تسريح عشرات الآلاف
ومع ذلك، دأبت إدارة ترمب، منذ دخولها البيت الأبيض، على تأكيد عزمها المضي في إجراءات جذرية وسريعة، من بينها فصل مئات الآلاف من الموظفين الفيدراليين، في مسعى لتقليص الإنفاق الحكومي بمقدار تريليوني دولار، وهو ما يعادل حوالي 30% من الموازنة العامة، بحسب وعود كررها إيلون ماسك، مستشار ترمب المكلف بإدارة “وزارة الكفاءة الحكومية”.
وفي شهر مارس، أعلنت وزارة الدفاع الأميركية عن خطتها لإلغاء 50 إلى 60 ألف وظيفة مدنية في الوزارة، عبر الإقالات أو الاستقالات أو تجميد التوظيف، ويشكل هذا ما نسبته 5 إلى 8% من القوة العاملة، التي يسعى وزير الدفاع، بيت هيجسيث، للتخلص منها.
وفي بيان رسمي، قدّرت وزارة الدفاع الأميركية، عدد موظفيها المدنيين بنحو 900 ألف شخص، وهو ما يشير إلى زيادة ملحوظة مقارنة بآخر إحصاء صادر عن مكتب المحاسبة الحكومية الأميركي، الذي أحصى القوة العاملة في وزارة الدفاع، خلال السنة المالية 2022، بنحو 2.1 مليون شخص، من بينهم قرابة 770 ألف موظف مدني.
ويقول ديفيد دي روش، الضابط الأميركي المتقاعد، إن “التضخم في أعداد الموظفين المدنيين هو نتاج عقود من التوسع البيروقراطي”، موضحاً أن “القادة يميلون إلى استحداث وظائف جديدة، لمجرد إبراز أهمية قطاعاتهم، وتبرير مناصبهم”.
يتفق لورانس كورب، المسؤول السابق في وزارة الدفاع، مع أن “البيروقراطية تضخمت على نحو غير مسبوق، خلال العقود الماضية”، ويقول مستشهداً بتجربته الشخصية: “في فترة خدمتي، كنت مسؤولاً عن شؤون الأفراد، وشؤون الاحتياط، والمؤسسات، وعن اللوجستيات، في وظيفة واحدة”، وهو ما لم يعد قائماً اليوم.
ويضيف دي روش، أن هذا التضخم الإداري أصبح سبب امتعاض، حتى داخل أروقة البنتاجون نفسه، قائلاً: “في مقر البنتاجون، يعمل نحو 25 ألف شخص، وعندما كان يسألني أحدهم متندراً، إن كان كل هؤلاء يقومون بمهام حقيقية، كنت أجيب بأن نسبة كبيرة منهم يقضون وقتهم في كتابة مذكرات داخلية لبعضهم البعض”.
تتماهى هذه الرؤية مع توجهات فريق ترمب، وعلى رأسهم الملياردير إيلون ماسك، الذي يقود “وزارة الكفاءة الحكومية” المستحدثة، والمعروفة اختصاراً بـ DOGE. ففي فبراير الماضي، أرسل ماسك وفريقه بريداً إلكترونياً إلى الموظفين المدنيين في وزارة الدفاع، يطلب منهم بموافاته بأبرز ما أنتجوه خلال الأسبوع الأخير، لكن البنتاجون، وبدعوى حساسية الأعمال التي يتولاها هؤلاء الموظفين، طالب العاملين بعدم الرد على رسائل ماسك وفريقه.
ورغم إصرار ترمب وماسك على المضي قدماً في خفض أعداد الموظفين الفيدراليين بمختلف الوكالات والوزارات، بما في ذلك الدفاع، إلا أن هذا التوجه لا يبدو أنه يحظى بإجماع داخل الحزب الجمهوري.
ففي تصريح لشبكة NBC الأميركية، انتقدت النائبة الجمهورية عن ولاية ماين، سوزان كولينز، وتيرة التسريح التي وصفتها بأنها “متسارعة بشكل مفرط”، ودعت إلى التمهل في تنفيذ هذه الخطط، لمنح الوزارات والوكالات وقتاً كافياً “لاتخاذ قرارات أكثر دقة وبأسلوب جراحي”، بما يضمن عدم المساس بكفاءة العمل الحكومي أو الإضرار بالكفاءات الضرورية.
تفكيك سياسات التنوع
عاصفة الإقالات والتسريح داخل البنتاجون صاحبها أيضاً تفكيك سياسات التنوع والإنصاف والشمول (DEI) في وزارة الدفاع، والتي كانت من بين أول الإجراءات التي نفذها هيجسيث بموجب قرار تنفيذي وقّعه ترمب أواخر يناير.
ومبادرات “التنوع والإنصاف والشمول” تمثل جهوداً لإرساء تمثيل عادل للنساء، والأقليات، وذوي الإعاقة، ومجتمع المثليين في بيئات العمل، وقد حظيت بدعم واسع من إدارة الرئيس السابق جو بايدن. ووفقاً لتقرير نشرته شبكة “دايلي واير”، ذات التوجه المحافظ، سعت إدارة بايدن إلى استحداث نحو 1200 وظيفة مرتبطة بهذه المبادرات، خلال الأسابيع التي أعقبت فوز ترمب في الانتخابات الأخيرة قبل تنصيبه.
“تُعتبر تكلفة هذه البرامج بالنسبة للبنتاجون أقل من ثمن طائرتين مقاتلتين من طراز F-35″، كما يوضح ديفيد دي روش، الأستاذ المساعد بمركز الشرق الأدنى للدراسات الأمنية، في حديثه مع “الشرق”. ورغم ذلك، يشير دي روش أن قرار ترمب بإلغاء هذه البرامج “يهدف إلى تقديم المؤسسة العسكرية لمعيار الكفاءة القتالية، على أي اعتبارات أخرى”.
على صعيد آخر، يوضح لورانس كورب، مساعد نائب وزير الدفاع السابق في عهد الرئيس الجمهوري الراحل رونالد ريجان، أن هناك تاريخاً من التوافق بين الإدارات الديمقراطية والجمهورية فيما يتعلق بتعيين النساء في وزارة الدفاع. ويضيف كورب أن هذا التوافق “أدى مع مرور الوقت إلى تمثيل النساء بنسبة 16% من قوة البنتاجون”.
ومع ذلك، كان الخلاف الحقيقي، يدور حول مسألة السماح للمثليين والمتحولين جنسياً، بالالتحاق بالجيش الأميركي. وبحكم منصبه السابق، أشرف كورب شخصياً على تطبيق الحظر الذي فرضته إدارة ريجان على انضمام المثليين إلى القوات المسلحة، إلا أن كورب غيّر موقفه لاحقاً، نظراً لصعوبة تجنيد أعداد كافية من الأفراد، ولإيمانه بأن الجيش “يجب أن يكون انعكاساً للمجتمع ككل”، على حد قوله.
تعرض كورب وقتها لانتقادات حادة من عدد من جمهوريين بارزين، منهم السيناتور الراحل جون ماكين، ويسترجع كورب حديثه مع ماكين، قائلاً: “كان ماكين قَلِقاً، من أن الآباء والأمهات قد يرفضون السماح لأبنائهم بالانضمام للجيش إذا علموا بوجود مثليين بين صفوفه”.
لكن لم يتشارك جميع الجمهوريين في هذا الموقف، فكما يتذكر كورب ضاحكاً: “السيناتور الجمهوري والعسكري البارز، باري جولدووتر، قال له ذات يوم: لا يهمني إن كان هؤلاء المقاتلون مثليين أو مستقيمين، طالما يمكنهم التصويب بدقة واستقامة”.
إلا أن ترمب وأنصاره يتبنون حالياً موقفاً أكثر صرامة تجاه هذه القضية. حيث يشدد مساعد نائب وزير الدفاع السابق في إدارة ترمب الأولى، مايك ميلروي، أن “معيار الجدارة يجب أن يكون أساساً لتعيين وترقية الأفراد في القوات المسلحة، بما يضمن أمن الولايات المتحدة”.
وفي حديثه مع “الشرق”، تابع ميلروي قائلاً إن ذلك “لا يعني عدم حصول المؤهلين على فرص متساوية، ولا يتجاهل أهمية أن تمثل قواتنا الشعب بكافة أطيافه وأقلياته، كما لا يقلل من أهمية مساهمات الأقليات والنساء عبر التاريخ الأميركي”.
من جهته، يرى ديفيد دي روش، العسكري الأميركي السابق، في تصريحاته لـ”الشرق”، أن “ترمب ومؤيديه ينظرون إلى المثليين والمتحولين جنسياً في الجيش باعتبارهم فئة محصنة تحظى بمعاملة تفضيلية، ويعتبرونهم عبئاً مالياً على ميزانية وزارة الدفاع، خاصة مع تكاليف العلاجات الباهظة، التي تشمل إجراءات تجميلية مثيرة للجدل، مثل عمليات شفط الدهون”.
وبحسب تقرير لشبكة PBS الأميركية، أنفق البنتاجون نحو 52 مليون دولار، بين عامي 2015 و2024، على العلاج النفسي، والهرموني، وعمليات تأكيد وتصحيح الجنس للعاملين في القوات المسلحة.
وبعد عودة ترمب إلى البيت الأبيض، أعلنت وزارة الدفاع، في بيان، وقف أي إنفاق من مخصصات البنتاجون “لتغطية الإجراءات الطبية أو الجراحات التي تهدف إلى إعادة تحديد الجنس، أو بناء الأعضاء التناسلية، أو العلاج الهرموني”.
ومع ذلك، لم تتوقف إجراءات ترمب ووزير دفاعه، عند تعطيل برامج التنوع والإنصاف والشمول، بل امتدت للإطاحة بعدد من قادة البنتاجون العسكريين.
قبة أميركا الذهبية
وتمثلت واحدة من أبرز خطط ترمب وزارة الدفاع، في توقيعه أمراً تنفيذياً لإطلاق مشروع طموح لتطوير منظومة دفاع جوي حديثة، حملت في بداية الأمر اسم “القبة الحديدية”، على غرار المنظومة الإسرائيلية ذائعة الصيت. لكن سرعان ما تبنت الإدارة اسماً جديداً للمشروع. ففي نهايات شهر فبراير، أشار وزير الدفاع الأميركي للمنظومة الدفاعية بوصفها “القبة الذهبية”.
الطُموح الأميركي لتدشين درع دفاعي مضاد للصواريخ البالستية والصواريخ الفرط صوتية، يعود لحقبة الرئيس الراحل رونالد ريجان، الذي أطلق في ثمانينات القرن الماضي مشروع “حرب النجوم”. لكن كما يقول لورانس كورب، المسؤول السابق في البنتاجون، فإن مستشاري ريجان “أقنعوه آنذاك بالتراجع، بسبب غياب التكنولوجيا اللازمة لتنفيذ مثل هذا المشروع الطموح”.
اليوم، وبعد أربعة عقود، يرى خبراء أن تلك التكنولوجيا لم تعد بعيدة المنال. يقول ديفيد دي روش، الأستاذ المساعد بمعهد الشرق الأدنى للدراسات الأمنية، إن “اعتراض الصواريخ من الفضاء قد يبدو وكأنه مشهد من أفلام الخيال العلمي، لكن مقومات هذا المشروع باتت قريبة، وقد يساهم تنفيذه في ردع دول مثل روسيا وكوريا الشمالية”، ويضيف دي روش: “حتى إن لم تنجح القبة الذهبية في تحقيق كل أهدافها، فإنها ستدفع باتجاه تحسينات في مجالات الاستشعار المبكر والتكنولوجيا الفضائية”.
يأتي هذا المشروع، رغم وعود إدارة ترمب بتقليص الإنفاق الحكومي بواقع 30%. وأظهر مشروع الموازنة للعام المالي 2026، زيادة في الإنفاق الدفاعي بلغت 13%، لترتفع موازنة وزارة الدفاع إلى تريليون دولار أميركي، مع تصدّر مشروع “القبة الذهبية” قائمة أولويات التمويل.
هذا الزخم شجع شركات عملاقة، أبرزها “سبايس إكس” المملوكة لإيلون ماسك، على التقدم للفوز بجزء من عقود تطوير المنظومة الفضائية.
لكن التقارب الحالي بين ترمب وماسك، أثار انتقادات داخل الكونجرس، حيث وجه 42 مشرعاً ديمقراطياً، بقيادة عضوة مجلس الشيوخ، إليزابيث وارن، رسالة إلى القائم بأعمال المفتش العام في وزارة الدفاع، طالبوا فيها بمراجعة دور إيلون ماسك في عملية تقديم العطاءات، والتأكد من التزام الشفافية.
مراجعات بشأن دعم أوكرانيا
ومن أبرز القرارات العسكرية، التي اتخذتها إدارة ترمب خلال الفترة الماضية، كان إيقاف 11 شحنة من المساعدات العسكرية لأوكرانيا، بأوامر من وزير الدفاع، بيت هيجسيث، في مطلع فبراير 2025.
ورغم أن قاعدة ترمب الشعبية، التي ترفع شعار “أميركا أولاً”، أيدت ذلك القرار باعتباره خطوة لوقف تدفق أموال دافعي الضرائب نحو تمويل حرب اندلعت بين أوكرانيا وروسيا منذ أوائل عام 2022، فإن واشنطن استخدمت مساعداتها العسكرية كورقة للضغط على الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، لدفعه نحو التفاوض مع روسيا لإنهاء الحرب، تحقيقاً لأحد وعود دونالد ترمب الانتخابية.
ويقول مايك ميلروي، المسؤول السابق في وزارة الدفاع، إن مصلحة الأمن القومي الأميركي “تكمن بشكل مطلق في دعم حكومة أوكرانيا، ليس فقط للدفاع عن مناطق سيطرتها الحالية، ولكن أيضاً للنجاح في استعادة الأراضي التي انتزعتها روسيا”.
ويتفق لورانس كورب، المسؤول السابق بوزارة الدفاع، مع ذلك الطرح، مشيراً إلى أن “تقديم الدعم الكافي لأوكرانيا هو السبيل الوحيد للتوصل إلى معاهدة سلام، لأن روسيا لن توقف الحرب ما لم تدرك أن تكلفة مواصلتها باتت باهظة للغاية، ولأن موسكو لن تتراجع إن فقدت كييف دعم واشنطن، وهي المزود الرئيسي بالمساعدات”.
لكن وقف الحرب لم يكن الهدف الوحيد وراء ضغوط ترمب على زيلينسكي، إذ طمحت واشنطن في إبرام اتفاق للتنقيب عن المعادن النادرة في أوكرانيا، والتي تقدر احتياطياتها بحوالي 350 مليار دولار.
وكان الاتفاق وشيكاً، حين زار زيلينسكي واشنطن بدايات مارس 2025، غير أن اللقاء مع ترمب لم يجر كما كان مخططاً، فانتهت الزيارة بنقاش محتدم بين الرئيسين، ومغادرة زيلينسكي البيت الأبيض دون توقيع.
وفي غضون أسبوعين من ذلك اللقاء، استضافت المملكة العربية السعودية اجتماعاً أسفر عن موافقة الجانب الأوكراني، على وقف إطلاق النار، أعقبه إعلان من البيت الأبيض عن استئناف المساعدات العسكرية ومشاركة المعلومات الاستخباراتية مع كييف.
كان قبول كييف وقف إطلاق النار مرهوناً بموافقة موسكو، التي صعّدت من عملياتها لاحقاً. ويقول ديفيد دي روش، العسكري الأميركي السابق، إن واشنطن “أدركت بعد اجتماع جدة أن بوتين مصرّ على استكمال الحرب، لأنه لم يقدم أي تنازلات جدية حتى الآن”.
تُوّج التقارب بين واشنطن وكييف في نهاية أبريل 2025، بتوقيع اتفاق المعادن بين الحكومة الأوكرانية ونظيرتها الأميركية. ويرى مايك ميلروي أن هذا الاتفاق “يخدم الاقتصاد الأميركي من جهة، كما يعزز موقف أوكرانيا من جهة أخرى، خاصة أن نحو 60% من تلك الموارد، محل الاتفاقية، تقع في أراضٍ تسيطر عليها روسيا”، ما قد يشجع واشنطن على تقديم مزيد من الدعم العسكري لأوكرانيا.
وفي أعقاب اتفاق المعادن، وافق البيت الأبيض على صفقة بيع أسلحة نقدية لأوكرانيا بقيمة 50 مليون دولار، في خطوة هي الأولى من نوعها منذ بداية الولاية الثانية للرئيس ترمب.