اخر الاخبار

لا مركزية لبنان الجديد توزيع الموارد مخاوف التقسيم الطائفي

تصطدم مساعي حكومة رئيس الوزراء اللبناني الجديد نواف سلام لإعادة هيكلة الجهاز الإداري بتحذيرات من احتمال أن يؤدي العمل على نقل صلاحيات إضافية للإدارات المحلية إلى تعزيز “الانقسام الطائفي”.

وفي وقت يسعى فيه الرئيس الجديد جوزاف عون إلى بسط سيطرة الدولة، وقصر حق حمل السلاح على مؤسساتها الأمنية، يتولى سلام الذي نالت حكومته الثقة أخيراً الأسبوع الماضي مهمة العمل على تحسين الخدمات التي تقدم للمواطنين المنهكين جراء سنوات الحرب والخلافات الطائفية والأزمات الاقتصادية، إضافة لتقليل الفجوة بين المناطق.

وفي خطابه خلال جلسة نيل الثقة أمام مجلس النواب اللبناني، أشار سلام إلى أن الدولة ستسير نحو إقرار اللامركزية الإدارية الموسعة لتحسين أداء القطاع الإداري.

ونالت الحكومة ثقة مجلس النواب، الثلاثاء، بحصولها على تأييد 95 نائباً من بين العدد الإجمالي لأعضاء البرلمان البالغ 128 نائباً، بينما رفض 12 نائباً منح الثقة للحكومة، وامتنع 4 نواب عن التصويت.

التقسيم الإداري

وبحسب أرقام رسمية صادرة عن وزارة الداخلية والبلديات لعام 2023، فإن عدد البلدات اللبنانية في محافظات البلاد الثماني يبلغ 1436 بين مدينة وبلدة وقرية، ويبلغ عدد البلديات 1059 بلدية، ويبلغ عدد أعضاء المجالس البلدية 12 ألفاً و744 عضواً، ويبلغ عدد المخاتير 3080 مختاراً.

ولم تتغير الأرقام بسبب تأجيل الانتخابات البلدية منذ عام 2022، التي من المفترض إجراؤها العام الحالي.

وبحسب “الدولية للمعلومات”، وهي شركة دراسات وأبحاث وإحصاءات علمية مستقلة في بيروت، فإن الوظائف المصنفة من الفئة الأولى سواء في الإدارات العامة أو المؤسسات العامة وبعض المراكز الأساسية يصل عددها إلى 155 وظيفة، تتوزع مذهبياً بين المسلمين والمسيحيين.




على سبيل المثال فمحافظ بيروت من الروم الأرثوذوكس، ومحافظ النبطية من الطائفة الشيعية، ومحافظ الشمال من الروم الكاثوليك، ومحافظ البقاع من الموارنة، ومحافظ جبل لبنان من السنة، ومحافظ الجنوب من الطائفة الدرزية، ومحافظ عكار من اللاتين، ومحافظ بعلبك – الهرمل من الطائفة العلوية.

وتشير “الدولية للمعلومات” إلى أن هذا التوزيع جاء بعد توقيع اتفاق الطائف عام 1989، لأن تلك المناصب لم تكن في السابق حكراً على طائفة محددة.

المفهوم والتحديات

وقال أستاذ القانون الدستوري رالف نادر لـ”الشرق” إن “اللامركزية نظام يوزع السلطة الإدارية، ويتيح اتخاذ القرارات على المستوى المحلي بدلاً من انحسارها في أيدي السلطة المركزية”.

وقال نادر لـ”الشرق”:”في لبنان يمكن تطبيق اللامركزية بناء على دراسة شاملة للوضع السياسي والاقتصادي والاجتماعي، مع مراعاة العوامل الثقافية والدينية”.

وأضاف: “تنقسم اللامركزية إلى إدارية ومالية، تشمل تعزيز المشاركة المحلية، وتحسين الخدمات، والتقليل من التوترات السياسية، وتعزيز التنمية المستدامة، لكنها قد تؤدي إلى تفشي الفساد والمحسوبية في السلطات المحلية، واتساع الفجوة بين الأغنياء والفقراء، حيث تتركز الثروة في بعض المناطق، مما يخفض من جودة الخدمات مثل التعليم والصحة”.

وتابع: “ذكر الدستور اللبناني أهمية السير نحو اللامركزية من خلال توسيع صلاحيات المحافظين، مع الحفاظ على دولة مركزية قوية، لكن اللبنانيين انقسموا حول تفسير هذه اللامركزية، حيث يرى البعض فيها فرصة لتحسين توزيع الموارد، بينما يعتبر آخرون أن الهدف منها قد يكون الفيدرالية”.




وذكر نادر أن وزير الداخلية السابق زياد بارود ترأس اللجنة الخاصة باللامركزية عام 2014، حيث أعدت مشروعاً يتضمن نقل صلاحيات واسعة إلى مجالس البلدية على مستوى الأقضية، وتوفير موارد مالية لتنفيذ هذه المهام، لكن المشروع واجه عقبات سياسية تتعلق بمخاوف من الأهداف الحقيقية وراء المطالبة باللامركزية.

ومضى نادر قائلاً: “في عام 2021، طرح الرئيس السابق ميشال عون ضرورة تطبيق اللامركزية الإدارية والمالية الموسعة، ما أثار جدلاً حول هدفه، حيث اعتبره البعض تمهيداً للفيدرالية، بينما رأى آخرون أنه يعزز العدالة في توزيع الثروة”.

سبل التطبيق

واعتبر نادر أن الوصول إلى اللامركزية يتطلب من الحكومة العمل على إعداد مشروع يحدد النقاط الأساسية، منها عدد الأقضية وصلاحيات مجالس الإدارة وآلية تحصيل الضرائب، وتوضيح معايير التقسيم الإداري مثل عدد السكان لكل قضاء ومساحة الأراضي.

وأردف قائلاً: “أولى المهام المطلوبة هي إحصاء عدد السكان، لتتكون لدينا قراءة ديموغرافية من حيث الأعمار والكثافة السكانية والموارد المالية، فهناك مناطق ومنها محافظة جبل لبنان تتسم بانخفاض أعداد الفئات الشابة نتيجة الهجرة المرتفعة، فيما يزداد أعداد المتقدمين في السن، ليكون مجتمعاً مستهلكاً، وبحاجة لمزيد من الخدمات الصحية؛ مما يعني ارتفاعاً في التكاليف وانخفاضاً في المداخيل”.

وتابع: “في المقابل، هناك مناطق لا تتمتع بالمؤسسات الخدمية كالموجودة في محافظات أخرى، وهو ما نشهده الآن في جنوب لبنان، حيث تراجعت أعداد المستشفيات نتيجة الحرب الإسرائيلية الأخيرة، كما أن منطقة جبل لبنان تتمتع بهيكلية القطاع السياحي القائم بذاته، ويمكنه تجاوز كل الأزمات الاقتصادية، أما منطقة البقاع (شرق لبنان) فهي تتميز بالسهول الزراعية التي تؤمن له سلة غذائية تفتقر لها المناطق الجبلية”.

وأضاف: “تشكل البلديات بنظامها الحالي نموذجاً للانطلاق نحو اللامركزية لتجاوز العقبات، فقد بلغ عددها في لبنان أكثر من ألف بلدية، لكن جزءاً منها لا يستطيع تأمين موارده المالية، نتيجة انخفاض عدد سكان المنطقة أو انعدام المشاريع الإنمائية”.

وتعتمد البلديات اللبنانية في دخلها على الصندوق البلدي المستقل الذي يجمع الأموال من خلال رسوم تحصلها الدولة لحساب جميع البلديات، وهي إيرادات لا تكفي لمنحها استقلالاً كافياً لتحقيق اللامركزية.

الخوف من التقسيم

وأوضحت الباحثة في التخطيط المدني المحامية كارلا زرق الله الفرق بين “اللامركزية الإدارية والسياسية”، فقالت إن الأولى هي “توزيع المهام والصلاحيات بين البلديات والمجالس الإدارية، مع الحفاظ على الدولة المركزية في قضايا مثل السياسة الخارجية والدفاع”.

أما اللامركزية السياسية فربما تكون “خطوة نحو الفيدرالية، إذ يمكن أن تكون بداية لتحويل المناطق اللبنانية إلى كيانات شبه مستقلة لها مواردها المالية الخاصة بها، وتشير إلى أن هذا قد يؤدي إلى تقوية الهويات الطائفية والمناطقية على حساب الهوية الوطنية الجامعة”.

وذكرت كارلا رزق الله، المستشارة في العمل البلدي، في حديث لـ”الشرق” أن “الفيدرالية تعني تقسيم البلاد إلى مناطق مستقلة تتمتع بسلطة تشريعية وتنفيذية خاصة بها، ولها قدرة أكبر على إدارة شؤونها الداخلية بشكل مستقل عن المركز، وهو ما يختلف عن اللامركزية التي تظل فيها السلطة العليا بيد الدولة المركزية”.

 اللامركزية وموارد الدولة

وأشارت الباحثة إلى أنه “في النظام اللامركزي الإداري، تُوزع الثروات والموارد المالية بطريقة تهدف إلى تعزيز التنمية المحلية وتحقيق العدالة، لكن توزيع الثروات قد يواجه تحديات كبيرة، ويعتمد على عدة عوامل تشمل السياسات المالية، وموارد كل منطقة، وآلية الجباية وأسس التوزيع”.

وقالت: “توزيع الثروات في اللامركزية الإدارية يعد من العوامل الأساسية لضمان العدالة الاقتصادية والتنموية بين المناطق المختلفة، ويعتمد على عدة آليات تهدف إلى تحسين الوضع الاقتصادي والاجتماعي للمناطق المحلية، ومنها مسألة جباية فواتير الكهرباء بأن تشمل كافة الأراضي اللبنانية، فيما يشهد القطاع هدراً نتيجة تخلف عدد كبير من المواطنين عن الدفع”.

وتابعت: “السلطة المركزية مطالبة بتخصيص جزء من الإيرادات العامة للمناطق المحلية، بهدف دعم المشاريع المحلية والتنموية، خاصة في المناطق التي تعاني من نقص الموارد، فالعاصمة بيروت تشكل المركز الذي تجتمع فيه المصارف والشركات الخاصة والخدمات، فيما مناطق الأطراف مثل الحدود مع سوريا تفتقر لأبسط أنواع الخدمات مثل الجامعات”.

كما أشارت كارلا رزق الله إلى أنه يمكن إنشاء صندوق يتم تمويله من ضرائب ورسوم تجمعها السلطة المركزية، ثم يوزع على المناطق المحلية وفقاً لاحتياجاتها، حيث يتم تحديد توزيع هذه الأموال بناء على معايير متعلقة بمستوى التنمية أو الفقر في كل منطقة.

واعتبرت الباحثة أنه في حال كانت المنطقة غنية بالموارد، يتم الاتفاق على كيفية تقاسم عائدات هذه الموارد بين الحكومة المركزية والمناطق المحلية، حيث تُخصص عادة نسبة من عائدات هذه الموارد لصالح المناطق المنتجة لها.

الموارد المتعددة 

وقالت كارلا رزق الله: “يعتمد النظام المالي الحالي على موارد متعددة للبلديات واتحادات البلديات، تشمل الرسوم والمساعدات، والقروض، والغرامات وغيرها، فالعامل المالي يبقى حاسماً في تحديد شكل اللامركزية ونجاحها.

كما يُفترض أن يكون الإصلاح المالي ضماناً لاستقلالية السلطات اللامركزية، ولكن هذا الاستقلال لا يتحقق إلا إذا استطاعت تلبية احتياجاتها المالية دون الاعتماد على “المساعدات المركزية”.




وتابعت: “يعتمد النظام الحالي على الصندوق البلدي المستقل، حيث تجمع السلطة المركزية بعض الرسوم لصالح البلديات، ويتم إيداعها في هذا الصندوق لمساعدتها في تنفيذ مهامها، ويتم توزيع الأموال على البلديات وفق معايير محددة، لكنها لفتت إلى أن آلية الصندوق تواجه عدة مشكلات، مثل تحويل وارداته إلى الخزينة العامة واستخدامها في غير محلها، والتأخير في دفع الأموال المستحقة للبلديات، وغياب الشفافية في توزيع الأموال”.

العقبات

وأشارت الباحثة السياسية إلى أن سوء تطبيق اللامركزية قد يؤدي إلى تعزيز الفجوات الاقتصادية بين المناطق، فقد تحصل المناطق الغنية على تمويل أكبر، بينما قد تظل المناطق الأقل حظاً تعاني من نقص الموارد”.

وأردفت قائلة: “إن فشل تطبيق معايير عادلة أو شفافة في توزيع الثروات قد يعزز الفساد والمحسوبية، كما أن الاعتماد بشكل كبير على التحويلات من الحكومة المركزية، قد يؤدي إلى ضعف قدرتها على تحقيق الاستقلالية الاقتصادية”.

وتابعت: “قد تشكل اللامركزية فرصة أمام الأحزاب المناطقية لتعزيز نفوذها على حساب توسيع عملها، أو قد تشكل فرصة أمام الأحزاب الجديدة لتكون متواجدة في مختلف المناطق بتنوعها الطائفي والسياسي لتكون حاضر في كافة المجالس الإدارية.. وهنا يكون دور آلية اختيار ممثلي الشعب في المجالس اللامركزية للحفاظ على الديمقراطية والمحاسبة”.

وكان نواف سلام قد أعلن إتمام تشكيل الحكومة في الثامن من فبراير، بعد مرور أقل من شهر على تكليفه بتشكيلها من قبل الرئيس جوزاف عون الذي تولى رئاسة لبنان في التاسع من يناير، بعدما انتخبه البرلمان، منهياً بذلك أكثر من عامين من شغور منصب الرئيس منذ انتهاء ولاية الرئيس السابق ميشال عون في نهاية أكتوبر عام 2022.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *