اخر الاخبار

لبنان أمام استحقاقات الجمهورية الثالثة

غزوان قرنفل

لن يحظى لبنان بفرصة استثنائية لاستعادة الدولة وهيبتها ودورها كتلك التي تتهيأ له الآن، بعد كل الخراب الذي قادته إليه دويلة “حزب الله” المزنر بكثير من السلاح والترهيب والتلويح بحرب أهلية في مواجهة أي محاولات لاستعادة دور الدولة ومسؤوليتها وفاعلية مؤسساتها، ساعدته في ذلك تحالفات سياسية نفعية حسيرة النظر، وغض طرف دولي عن استئثار هذا الحزب بالقرار اللبناني والوظيفة الإقليمية، وخاصة فيما يتعلق بدوره في سوريا لدعم وحماية النظام الأقلوي الطائفي وإبقائه في السلطة غصبًا عن إرادة السوريين وخيارهم.

هل نحتاج إلى أن نستعيد بعض ما فعله “حزب الله” لمساحة ذاكرتنا حتى نتأكد من دوره التدميري للدولة اللبنانية ومؤسساتها، خصوصًا بعيد إسقاط العراق وإيكال شؤونه للمقاول الإيراني الذي أخرج مارده الطائفي من قمقمه وانطلق يعيث فسادًا وتدميرًا بالمشرق العربي كله، بدءًا من اغتيال رفيق الحريري والعديد من الرموز اللبنانية المناهضة للاحتلال السوري لبلدها ولولاية الفقيه التي يمثلها “حزب الله” ويتمثلها، ومن ثم إجهاض ثورة اللبنانيين الاستقلالية واحتلال بيروت بنفس السلاح “المقاوم” الذي ظل مشرعًا في وجه اللبنانيين؟

هل نحتاج للقول مجددًا إن “حزب الله” هو بالضرورة نقيض للدولة وسيادتها، وعلى الضد من أي دور لمؤسساتها، فكان له موانيه الخاصة ومربعاته العسكرية والأمنية الخاصة التي لا يجوز حتى للجيش وقوى الأمن اللبنانيين الوجود فيها، وكانت له شبكة اتصالاته الموازية ومؤسساته المالية التي لا تخضع لسلطان ورقابة الدولة.

هل نحتاج للتذكير بانفجار مرفأ بيروت المهول الذي دمر جزءًا من العاصمة وقتل المئات وشرد الآلاف وحال دون أي تحقيق ومساءلة في هذا الأمر؟

نحن هنا لا نروي تاريخًا بل أحداثًا لم تتقادم ولا تزال ماثلة في الذهن، ولا تزال الدولة اللبنانية وكثير من اللبنانيين يدفعون ثمن عقابيلها وآثارها، والجميع الآن يحتاج لاستحضار هذه الرواية عند الانتقال للحديث عن إعادة التأسيس للجمهورية الثالثة في لبنان الذي لم يعد يحتمل التعايش مع دور الزوج المخدوع، ولا يجوز أن يبقى كذلك.

آن للبنانيين، وقد دفعوا أثمانًا باهظة لغياب الدولة، أن تكون استعادة الدولة هي محور نقاشاتهم وجهدهم السياسي لطيّ مرحلة الدويلة المارقة على الدولة والمتمردة عليها والمعطلة لعمل مؤسساتها والحائلة دون انتخاب رئيس لها طوال سنتين، في سابقة غير مألوفة أو معروفة في العالم أجمع.

إن الالتزام بتطبيق القرارات الدولية الخاصة بلبنان، وعلى نحو خاص منها القراران “1701” و”1559″، هو وحده الكفيل بإنهاء الحرب ووقف هذا التدمير والخراب، والانتقال إلى مرحلة استعادة الدولة ودورها، أما محاولة التملص من موجبات تلك القرارات فلن تزيد الأمور إلا سوءًا، مع التنويه إلى أن تلك القرارات التزمت وقبلت بها الدولة اللبنانية أصلًا، لكن “حزب الله” حال بينها وبين تطبيقها لأنها تجرده من سلاحه الذي يفرض به حضوره وسطوته على الدولة وعلى المجتمع اللبناني.

اليوم هناك مرحلة جديدة في المنطقة، لا قبل للبنانيين بتحمل تبعات مماطلة حكومتهم ولا ممانعة دويلة فقيههم، فإما أن يتكرس لبنان مجددًا كدولة، أو ربما لن يبقى له وجود بالمطلق، وهذا يلقي على كاهل بقية اللبنانيين طرح الأمور بلا وجل ولا مواربة، والجهر بالمواقف والتمسك بها، فلم يعد التعايش والمساكنة بين الدولة والدويلة ممكنًا بعد أن جرّت الأخيرة لبنان وأكثرية شعبه إلى الكوارث والمهالك، وجعلت لبنان كله متراسًا للدفاع عن سياسات ومصالح الآخرين.

اليوم كل شيء يجب طرحه ونقاشه على الطاولة، وفي المقدمة منها رفض بقاء قطعة سلاح واحدة بيد “حزب الله” أو أي ميليشيا أخرى، وحصر حيازته واستعماله بيد الجيش اللبناني وحده وبقرار من حكومة لبنان وحدها، وكذا رفض أي تسويات أو تدوير للزوايا تجعل لفئة من اللبنانيين حقًا زائدًا على أقرانهم أو احتكارًا لتمثيل فئة منهم، أو ربعًا أو ثمنًا أو ثلثًا معطلًا تحت أي زعم أو مبرر، والنأي بلبنان عن كل المحاور الإقليمية والانكفاء على إعادة بناء الدولة والاقتصاد والمؤسسات والبنى التحتية، وإعلاء كلمة القانون وإخراس صوت كل سلاح يتنمر على الدولة، وعلى “حزب الله” ومناصريه وداعميه أن يقبلوا ويمتثلوا لصوت العقل وإعلاء المصالح الوطنية عما عداها والاستجابة لاستحقاقات وموجبات إطلاق مرحلة الجمهورية الثالثة، وإلا فالبديل مواجهة حتمية بين شرعية الدولة وحقها الحصري بامتلاك أدوات القوة، وبين السلاح المتمرد عليها، وبالتالي مهلكة جديدة لا تبقي ولا تذر، لا قدّر الله.

المصدر: عنب بلدي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *