لبنان الرسمي يشيطن اللاجئين السوريين
حسام المحمود | خالد الجرعتلي | حسن إبراهيم
فتح مقتل المنسق في حزب “القوات اللبنانية، باسكال سليمان، في 8 من نيسان الماضي، الباب أمام معاناة لم تكن غائبة عن السوريين كليًا، لكنها تفاقمت بشدة بعد جريمة القتل التي اتهمت السلطات اللبنانية سوريين بالتورط بها.
الرواية القائمة على بيان للجيش اللبناني اتهم سوريين بالمشاركة في عملية الخطف بحجة سرقة سيارة باسكال سليمان، شكك بها لبنانيون، مشيرين إلى أطراف أخرى مؤثرة على الأرض، على صلة مباشرة بالقضية.
هذه القضية أعادت الوجود السوري في لبنان إلى الواجهة مجددًا، مع اختلاف في سياق الاستعمال هذه المرة، فإذا كان وجود السوريين في لبنان قضية متاحة يمكن استعادتها وتحويلها إلى شماعة أمام مشكلات داخلية عالقة متى دعت الحاجة، فالاستعمال هذه المرة جاء بوتيرة أعنف، وعلى أكثر من مستوى، مهددًا استقرار اللاجئين وبقاءهم في منازلهم، رافعًا أصواتًا تطالب بترحيلهم وإعادتهم من حيث جاؤوا.
تناقش في هذا الملف وضع اللاجئين السوريين وشيطنتهم من قبل المؤسسات الرسمية والدوائر السياسية في لبنان، تارة بتحميلهم مسؤولية الجرائم، وأخرى بالمسؤولية عن تردي الظروف الاقتصادية، بينما يبدو لبنان أساسًا غارقًا في صراعات بينية وإقليمية لا دخل ولا قِبل بها للاجئين.
ويناقش الملف الظروف المستجدة التي تحيط بأوضاع السوريين، والخيارات المتاحة، في ظل عدم وجود جهة مسؤولة تولي أهمية معقولة لحاجات وهواجس الهاربين من الموت في بلادهم.
كما يجد السوري في لبنان نفسه محاصرًا بتسمية “نازح” التي يطلقها لبنان، و”لاجئ” التي يطلقها العالم والقانون على الهارب خارج حدود وطنه، فهو محاصر أيضًا بخطاب سياسي محرّض، وحوادث كراهية وعنصرية على الأرض تهدد وجوده.
ملامح هذا الحصار والتصعيد غير المسبوق على مستوى الكثافة، تجلت بدعوة وزير الداخلية في حكومة تصريف الأعمال اللبنانية، بسام مولوي، إلى الحد من الوجود السوري في لبنان، مؤكدًا ضرورة التشدد في تطبيق القوانين اللبنانية على اللاجئين السوريين.
تصريحات مولوي لم تقف عند هذا الحد، وسلكت مسارًا تصعيديًا أكبر، فخلال اجتماع استثنائي لمجلس الأمن المركزي اللبناني، قال مولوي، إن نسبة الموقوفين السوريين في السجون اللبنانية بلغت 35% تقريبًا، وفق ما نقلته وسائل إعلام لبنانية، منها قناة “MTV“.
وأكد أن موضوع الوجود السوري بهذه الطريقة “غير مقبول” ولا يتحمله لبنان، وينبغي الحد منه بطريقة واضحة، وأن لبنان لن يقبل ببقاء السوريين على أراضيه مقابل مكاسب مالية.
وكان وزير المهجرين اللبناني، عصام شرف الدين، أدلى بتصريحات تحدث فيها عن وجود 20 ألف مسلح داخل مخيمات السوريين، ليرد وزير الداخلية بالقول، “لا أعلم إذا قام بعدّهم (في إشارة إلى شرف الدين)، ولدى القوى الأمنية جميع المعلومات فيما يخص المخيمات”.
وسبقت هذه التصريحات وترافقت معها وتبعتها حوادث عنصرية وكراهية ضد اللاجئين في لبنان، إذ تداول ناشطون عبر وسائل التواصل الاجتماعي تسجيلًا مصورًا لمجموعة مواطنين لبنانيين يطالبون اللاجئين السوريين بإخلاء إحدى المناطق التي يقيمون بها في لبنان.
ويظهر في التسجيل لبنانيون يستقلون دراجات نارية طالبوا عبر مكبرات الصوت اللاجئين السوريين في منطقة برج حمود بإخلاء المحال التجارية والمنازل خلال أيام، كما جرى تداول منشورات ورقية ملصقة على الجدران، تدعو كل سوري في منطقة الأشرفية، في بيروت، والرميل والصيفي، لمغادرة المنطقة، وعدم العودة نهائيًا، “تفاديًا لما ستؤول إليه الأمور من غضب وعنف وتفلّت أمني، في ظل غياب الدولة التام، وعدم ممارسة الأجهزة الأمنية والبلديات مهامها وواجباتها بحماية المواطنين اللبنانيين”.
في الوقت نفسه، جرى تداول تسجيلات مصورة تظهر حالات اعتداء على لاجئين سوريين في لبنان، منها ضرب عامل سوري في منطقة طبرجا.
أصابع اتهام للنظام
رئيس المركز اللبناني لحقوق الإنسان، وديع الأسمر، أوضح ل أن خطاب السلطات اللبنانية يعرّض اللاجئ السوري للعنف والاعتداء لأنه يمنح بعض المواطنين شعورًا بأنهم خارج دائرة المحاسبة، وبإمكانهم الاعتداء على لاجئين سوريين أو سوريين مقيمين في لبنان، أو من يظنون أنهم سوريون ربما لملامحهم، وهذا يحصل في الواقع، فالدول لا تلاحق في كثير من الأحيان من يرتكب جرائم كراهية وعنصرية بحق السوريين.
الأسمر اتهم المخابرات السورية بتحريك الحملة المعادية للسوريين من خلف الحدود أو عبر العملاء في لبنان، والدليل تناغم ذلك مع محاولة ضغط النظام السوري على المجتمع الدولي لتحصيل أموال ولإدخال عملة صعبة إلى سوريا، وتحديدًا الدولار الأمريكي.
ومنذ أكثر من عام تقريبًا، يضغط النظام على حلفائه في لبنان للدفع باتجاه إعادة السوريين إلى سوريا لتقدم الأمم المتحدة والمنظمات الدولية المساعدات لهم في لبنان، ما يجعل هذه الحملة موجهة لخدمة النظام السوري، في الوقت الذي تتناغم معها أطياف سياسية تعارضه وفق المعلن، كحزب “القوات اللبنانية”.
وبرأيه، فرغم وجود أدوات لدى مفوضية الأمم المتحدة للاجئين، يمكنها استخدامها للضغط على الدولة اللبنانية، لكنها لا تستعملها، فيما يوحي بوجود أجندة مختلفة لدى المنظمة الأممية عن حماية اللاجئين.
وردًا على سؤال حول الجهات المنوط بها حماية اللاجئ السوري، قال وديع الأسمر، “بالمبدأ، القضاء، لكن القضاء يتقاعس في هذه النقطة”، مشيرًا إلى ضرورة قيام السوريين في أوروبا بحملة واسعة للضغط على الحكومة اللبنانية لتأمين الحماية الجدية ومحاسبة الأمم المتحدة والمفوضية بسبب تهاونهما بحماية اللاجئين السوريين في لبنان.
نفي التحريض بالتحريض
التصعيد السياسي، والتصعيد عبر حوادث الكراهية، تبعته مرة أخرى تصريحات لوزير الداخلية اللبناني، بسام مولوي، نفى فيها تحريض الحكومة على السوريين، معتبرًا أن “اللبناني أبعد ما يكون عن العنصرية”، لكنه ربط حماية اللاجئين بوجودهم بشكل غير شرعي في بلاده.
وأضاف مولوي في حديثه إلى قناة “الحدث“، أن السلطات اللبنانية تدعو إلى تطبيق القانون، وأنه يوجد في لبنان نحو مليوني سوري، ولبنان عدد مواطنيه نحو أربعة ملايين فقط، كما أشار إلى أن أكثرية السوريين في لبنان إقاماتهم غير شرعية، ولا يملكون إقامات صادرة عن الأمن العام، وعملهم متفلت عن القوانين التي تسمح لهم بالعمل بمهن معينة في لبنان.
مولوي دعا أيضًا لتطبيق القوانين اللبنانية على جميع المقيمين في لبنان، دون اعتبار ذلك تحريضًا أو إثارة للفتن، معتبرًا أن اللبنانيين يريدون تطبيق القانون على الأرض اللبنانية، ولا يريدون الاعتداء على المواطنين السوريين، فلبنان ملتزم بحقوق الإنسان، والسلطات اللبنانية تحمي كل الموجودين على الأراضي اللبنانية بطريقة شرعية، موضحًا أن الحماية تنطلق من شرعية الإقامة على الأراضي اللبنانية، داعيًا كل اللبنانيين إلى التهدئة الجدية وعدم الانجرار خلف الفتن.
وبعد أيام، بقي الوجود السوري في لبنان متصدرًا الخطاب السياسي، إذ قال رئيس حزب “القوات اللبنانية”، سمير جعجع، إن 40% من السوريين في لبنان “لاجئون غير شرعيين”، وبيّن أن العلاقة مع الشعب السوري لطالما كانت جدية، لكن العلاقة مع النظام السوري كانت ولا تزال سيئة، مشددًا على التضامن مع ثورة الشعب السوري الذي يعتبر من أكثر الشعوب التي عانت في القرن الـ21.
وافترض جعجع استمرار “الأزمة السورية” 13 سنة إضافية، ووصول عدد السوريين في لبنان إلى أربعة ملايين، أي ما يوازي عدد المواطنين اللبنانيين، معتبرًا أن مسألة لجوء السوريين في لبنان “خطر وجودي فعلي يهدد لبنان”.
وأوضح أن لبنان بحسب القانون الدولي بلد عبور وليس بلد لجوء، وأن لبنان صرف 70 أو 80 مليار دولار جراء النزوح السوري، وسبب ذلك الفساد الدائر في الدولة، إذ يرى جعجع أن جميع السوريين في لبنان حاليًا وجودهم “غير شرعي”، باستثناء 300 ألف سوري لديهم إقامة.
وبرأيه، فإن الترحيل بحاجة إلى تحرك الدولة، مشيرًا إلى أن قانون الأمن العام ينص على ترحيل من لا يحمل إقامة، وهذا القرار الصحيح لا يحتاج إلى قرار قضائي، وأن الحل لبناني، وليس في الاتحاد الأوروبي، وفق تعبيره.
كما حمّل الأمن العام اللبناني، وقوى الأمن الداخلي، والجيش اللبناني، المسؤولية الأولى المركزية في مسألة اللجوء السوري، ورئيس الحكومة ووزيري الداخلية والدفاع، من الناحية السياسية، داعيًا وزير الداخلية لتطبيق التعاميم التي أصدرها.
أبدى جعجع الاستعداد لتقديم متطوعين لمعالجة مشكلة اللاجئين والعمل على هذا الملف، مشددًا على أنه إذا كان الاتحاد الأوروبي يعتبر ملف اللاجئين في لبنان مسألة إنسانية فليوزعهم على جميع الدول الأوروبية.
وفي 27 من نيسان الماضي، دعا “القوات اللبنانية” إلى “لقاء وطني” جرى بمشاركة أحزاب وكتل ونواب وشخصيات مستقلة وقادة رأي لبنانيين، وتضمن بيانه الختامي مجموعة “ثوابت”، منها تعزيز الرقابة على كامل الحدود مع سوريا، والعمل على ضبط المعابر غير الشرعية، وإقفال جميع المعابر غير الشرعية، التي يستمر عبرها تهريب السلاح والأشخاص والأموال والبضائع والمجرمين.
كما شدد البيان على ضرورة تنفيذ خطة مستعجلة وحاسمة لإعادة السوريين المقيمين في لبنان بطريقة “غير شرعية” إلى ديارهم، إنفاذًا للاتفاقية الموقعة في 2003 بين لبنان ومفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، والتي لا تعتبر لبنان بلد لجوء، معتبرًا أن بقاء السوريين في لبنان بطريقة “غير شرعية” ينسف أسس الكيان ويشكل قنبلة موقوتة باتت على شفير الانفجار.
وخلال مقابلة أجراها مع وكالة “أسوشيتد برس“، قال سمير جعجع، إن مليونًا و700 ألف سوري يعيشون في لبنان بشكل “غير شرعي”، وفي القانون الدولي لا يعد لبنان بلد لجوء بل مرور.
وأضاف جعجع خلال المقابلة، أنه ما من دولة في العالم بلغت نسبة اللاجئين فيها نحو 50% من نسبة مواطنيها، كما دعا إلى تصحيح هذا “الوضع الشاذ” من خلال إعادة “المؤيدين للنظام” إلى المناطق التي يحكمها، وإعادة المعارضين إلى مناطق المعارضة.
حالة التوتر وغياب الاستقرار في لبنان بالمجمل، إلى جانب الخطاب المعادي للاجئين، انعكست على شكل تصاعد في تدفق اللاجئين من لبنان إلى قبرص، بعد استقبالها منذ بداية العام 3000 سوري، مقابل 4500 سوري في 2023.
على خلفية ذلك، زار الرئيس القبرصي ورئيسة المفوضية الأوروبية لبنان، في 2 من أيار الحالي، والتقيا رئيس الحكومة، نجيب ميقاتي، الذي طالب بإقرار أوروبي ودولي بأن أغلبية المناطق السورية باتت آمنة، ما يسهل عملية إعادة “النازحين”.
وتستهدف الخطة اللبنانية الرسمية لإعادة اللاجئين، في أولى مراحلها، السوريين الذين دخلوا إلى لبنان لأسباب اقتصادية بحتة، ولا تنطبق عليهم صفة النزوح، وفق ما نقلته الوكالة اللبنانية “الوطنية للإعلام“.
وقبل الزيارة، صعّد مسؤولون لبنانيون حدة خطابهم ضد الاتحاد الأوروبي، فهناك من طالبه بتوزيع اللاجئين على دوله، ومن لوّح بنقل السوريين بالسفن إلى أوروبا.
خلال زيارة الرئيس القبرصي ورئيسة المفوضية الأوروبية إلى لبنان، خصص الاتحاد الأوروبي مبلغ مليار دولار أمريكي للبنان، ضمن حزمة مالية تشمل:
- تعزيز الخدمات الأساسية والاستثمارات في مجالات مثل التعليم والحماية الاجتماعية والصحة لشعب لبنان.
- إصلاحات اقتصادية ومالية ومصرفية، إذ تعتبر هذه الإصلاحات أساسية لتحسين الوضع الاقتصادي العام للبلاد على المدى الطويل. وهذا من شأنه أن يسمح لبيئة الأعمال والقطاع المصرفي باستعادة ثقة المجتمع الدولي وبالتالي تمكين القطاع الخاص من الاستثمار. يحتاج لبنان ويستحق زخمًا اقتصاديًا إيجابيًا لإعطاء الفرص لأعماله ومواطنيه.
- دعم القوات المسلحة اللبنانية وقوى الأمن العام والداخلي، ويركز ذلك بشكل أساسي على توفير المعدات والتدريب والبنية التحتية اللازمة لإدارة الحدود. وبالإضافة إلى ذلك، سيكون من المفيد جدًا للبنان أن يبرم ترتيبات عمل مع وكالة “فرونتكس”، وخاصة فيما يتعلق بتبادل المعلومات والوعي بالوضع.
الحديث عن مليار يورو للبنان لم يكبح الخطاب الرسمي اللبناني، إذ طالب رئيس الحكومة، نجيب ميقاتي، خلال اللقاء نفسه، بإقرار أوروبي ودولي بأن أغلبية المناطق السورية باتت آمنة، ما يسهل عملية إعادة “النازحين”.
من جانبه، تساءل رئيس “التيار الوطني الحر”، جبران باسيل، في 3 من نيسان الماضي، خلال مؤتمر صحفي، حول آلية توزيع الأموال، وما إذا كانت ستوزع على سوريين وفلسطينيين قادمين من سوريا لاحقًا.
رئيس حزب “القوات اللبنانية”، سمير جعجع، قال في سلسلة منشورات عبر “إكس“، إن موقفه “ثابت ومبدئي وسيادي ولا يتبدل مع مليار يورو، أو عشرات المليارات”، وأضاف، “نحن مستمرون في كل ما نقوم به حتى إخراج آخر مهاجر غير شرعي من لبنان”.
لطالما شكلت المنابر السياسية في لبنان الدافع الرئيس للخطاب العنصري الموجه ضد اللاجئين السوريين في البلاد، إذ ارتبطت هذه التصريحات بحملات عنصرية، وصلت إلى ذروتها في نيسان الماضي، وانعكست على حياة اللاجئين حتى في الشوارع.
قال مركز “وصول” لحقوق الإنسان، في 26 من نيسان، إن بلديات لبنانية شهدت، في 19 من الشهر نفسه، حملة لتشديد الإجراءات ضد اللاجئين السوريين، إذ أصدرت بلديات في محافظات جبل لبنان والشمال والبقاع قرارات تمييزية وإنذارات، وصولًا إلى طرد اللاجئين وإغلاق محالهم التجارية، تنفيذًا لتوجيهات وزير الداخلية، كما شهدت مخيمات اللاجئين خلال الفترة ذاتها تهديدات بالهدم.
وبحسب شهادات من لاجئات سوريات في لبنان، ل، تعرض، في 17 من نيسان، مخيما “سعد نايل” (عرب عيسى) و”هلالة” للمداهمة، مع تعليمات للاجئين بعدم استقبال أي شخص من مخيم “رجب” في بر إلياس والمرج، ما دفع ببعض اللاجئين لمحاولة نقل أمتعتهم إلى مكان آخر.
كما طالت بلاغات الإخلاء مخيمات في بر إلياس، ومخيمي “رجب المرج” و”دير زنون”، بذريعة وجود متورطين بجرائم في هذه المخيمات، كما جرى إيقاف قرار هدم مخيم في المرج بعد تدخل وجهاء ورجال دين، بينما أزيل مخيم كامل في بر إلياس، وفق ما نقلته وسائل إعلام لبنانية.
أكثر من لجوء.. أكثر من خطة
ترجع جذور مشكلة اللاجئين السوريين في لبنان إلى سنوات سابقة، قبل اتخاذها شكلها الحالي على وقع تصريحات المسؤولين اللبنانيين، رغم طرح خطط حكومية لحل المشكلة، دون تطبيقها، وصولًا إلى التسليم بعدم إمكانية الترحيل.
في تشرين الأول 2023، قال وزير الخارجية اللبناني، عبد الله بوحبيب، إن القرار الدولي تلخص بأن “لا عودة للنازحين”، إذ يبقى “النازح” حيث هو، ولن تدفع لهم الدول في حال عادوا، كما أن الأمم المتحدة ما زالت تعتبر سوريا دولة غير آمنة.
وأوضح الوزير أن رئيس النظام السوري، بشار الأسد، أبلغ الجانب اللبناني في وقت سابق باستعداده لاستقبال النازحين.
لكن الأسد أشار خلال لقائه وفدًا لبنانيًا، في شباط الماضي، إلى صعوبة عودتهم في ظل حصولهم على مساعدات خارجية، كما أن قراهم مدمرة ولا يمكن إعادة إعمارها دون توفر دعم عربي ودولي، وفق ما نقله بوحبيب.
قاد إلى هذه النتيجة موجة لجوء جديدة من سوريا نحو لبنان، بدأت منذ آب 2023، في ظل استمرار الظروف الطاردة للسوريين من بلدهم.
ووفق تصنيفات دولية، وأممية، وأخرى صادرة عن منظمات حقوقية دولية، لا تعتبر سوريا بلدًا آمنًا لإعادة اللاجئين إليها، والوضع الاقتصادي والمعيشي يضع منذ سنوات أكثر من 90% من السوريين تحت خط الفقر.
السياسي والنائب السابق في البرلمان اللبناني مصطفى علوش، قال ل، إن مبدأ طول مدة البقاء في لبنان وانسداد أفق العودة وتراجع الوضع الاقتصادي لعب دورًا بتنامي العنصرية ضد اللاجئين، رغم تعاطف الكثير من اللبنانيين مع السوريين ضد الظلم.
وأضاف أن بعض “الجرائم الفردية” بمختلف أنواعها والمرتبطة منها بسوريين، لا تحتاج إلى استخدام سياسي لتظهر، لكن الاستخدام السياسي لملف اللاجئين حاضر أيضًا، وتشكل العوامل السابقة جميعها سببًا رئيسًا لتنامي هذا الخطاب.
يعتبر عجز القوى السياسية في لبنان عن حل المشكلات الأساسية في ملف اللجوء والاستخدام السياسي للملف سببًا رئيسًا في تصاعد حدة الأحداث، وأعمال العنف ضد اللاجئين.
مصطفى علوش
سياسي لبناني ونائب سابق في البرلمان
لفت علوش إلى أن استغلال ملف اللاجئين السوريين لم يحصل فقط في لبنان، إنما حصل في تركيا أيضًا، ودفع نحو بعض الإجراءات التي ضيّقت على اللاجئين أيضًا هناك.
الباحث المتخصص بشؤون لبنان في منظمة “هيومن رايتس ووتش” رمزي قيس، قال ل، إن خطاب الكراهية الموجه من قبل مسؤولين لبنانيين نحو اللاجئين، تُرجم على الأرض من خلال اعتداءات وقرارات اتخذت مؤخرًا بحق السوريين، والخطاب لم يتحول لاعتداءات من قبل أفراد عاديين في الشوارع، إنما اتخذ شكل قوانين، إذ أقرت بعض البلديات منع اللاجئين السوريين من التحرك خلال أوقات محددة، أو إخلاء منازلهم وأماكن عملهم في بعض المناطق.
كما اعتقل الجيش اللبناني لاجئين سوريين، ثم رحّلهم إلى سوريا دون حتى النظر إلى المخاطر المحيطة بعملية الترحيل على اللاجئين أنفسهم، ومنهم منشقون عن جيش النظام، وآخرون معارضون للنظام.
وبحسب قيس، يفرض المسؤولون اللبنانيون منذ سنوات ممارسات تمييزية ضد السوريين كوسيلة لإجبارهم على العودة إلى سوريا، التي لا تزال غير آمنة.
وفي حزيران 2023، طفت على السطح مسألة دفع فواتير الكهرباء للاجئين السوريين والفلسطينيين في لبنان.
وقال وزير الطاقة اللبناني، وليد فياض، إنه يجب دفع ثمن الكهرباء لأن لها تكلفة إنتاج وتوزيع وصيانة ورواتب، ويجب تغطيتها من خلال تعرفة الكهرباء.
وأضاف أنه ليس مطلوبًا من اللبنانيين أن يغطوا تكلفة استهلاك السوريين والفلسطينيين، وعلى كل طرف أن يغطي تكلفة استهلاكه، وفق ما نقلته الوكالة “اللبنانية” الوطنية للإعلام.
وجرى الاتفاق حينها على تشكيل لجنتين فنيتين، تعنى الأولى بالمخيمات السورية، لدفع المستحقات المتوجبة عليها، والثانية باللاجئين الفلسطينيين، وأول اجتماع سيحصل في مؤسسة كهرباء لبنان سيخصص لموضوع المخيمات الفلسطينية والثاني للمخيمات السورية.
في 30 من أيار 2023، فرضت بلدية بنت جبيل، في محافظة النبطية اللبنانية، حظر تجول على اللاجئين السوريين، يوميًا من الساعة الثامنة مساء وحتى الخامسة صباحًا.
كان الخوف يخيم على لاجئين سوريين يقيمون في لبنان، تواصلت معهم للاطلاع على قصصهم، إذ رفض معظمهم الحديث، خوفًا من التعرض للاعتداء أو الترحيل.
أحد الناشطين السوريين المقيمين في لبنان، فضل عدم ذكر اسمه لمخاوفه الأمنية، قال ل، إنه وثق حالات اعتداء على لاجئين سوريين في لبنان، وتمكن من معرفة هوية الأفراد المعتدين، لكنه عاجز عن إيصال هذه المعلومات إلى منافذ قانونية، كونه يعلم يقينًا أن خطوة من هذا النوع ستنعكس عليه سلبًا لا على المعتدين.
وأضاف أن مفوضية اللاجئين غائبة عن هذه الأحداث، خصوصًا أنها لا تملك “خطة طوارئ” لمثل هذا النوع من الأحداث.
الناشط الحقوقي صهيب عبدو (يقيم في لبنان)، قال ل، إنه وثق خلال عمله مؤخرًا قصصًا لشباب سوريين تعرضوا لاعتداءات في الشوارع، ووجد أن أفرادًا لبنانيين تكررت أسماؤهم في حوادث متفرقة من هذا النوع.
وأضاف أن الشبان الذين تعرضوا للاعتداء يرفضون باستمرار التوجه لمؤسسات إنفاذ القانون لاسترداد حقوقهم.
وأشار عبدو إلى أن من بين المعتدى عليهم شابًا سوريًا مسجلًا لدى المفوضية السامية لشؤون اللاجئين، يرفض أيضًا إبلاغ المفوضية بتعرضه لاعتداء، نظرًا لوجود انطباع لديه أن بعض العاملين لدى المفوضية يدينون بالولاء لأحزاب لبنانية، ما قد ينعكس على اللاجئ سلبًا في حال أبلغ عن حالته، موضحًا أن حالة عدم الثقة بموظفي المفوضية مبررة جزئيًا، لكن لا يمكن تعميم هذا الوصف على جميع العاملين فيها.
ولم تجب المفوضية السامية لحقوق اللاجئين عن أسئلة طرحتها حول التصعيد الحاصل في لبنان تجاه اللاجئين.
أحدث ما نشره الموقع الرسمي للمفوضية في لبنان حول أعمال العنف ضد اللاجئين كان في 11 من نيسان الماضي، إذ قالت إنها نبهت اللاجئين عبر تطبيق “واتساب” لضرورة البقاء متيقظين خلال المظاهرات، وإغلاق الطرقات، أو أي تدابير تقييدية أخرى في مناطق إقامتهم، وتجنّب التجمعات الكبيرة.
وأضافت أن اللاجئين أنفسهم هم “الأنسب في اتخاذ القرار” حول سلامتهم الشخصية ومحيطهم، مشيرة إلى أن خدماتها تبقى متاحة خلال ساعات العمل الرسمية، ما لم يُعلن خلاف ذلك.
أين النظام من التصعيد
تجاهل النظام السوري ما يحدث من انتهاكات ضد السوريين في لبنان، كالعادة، واكتفى بتعليق من السفارة السورية في بيروت، أدانت عبره مقتل باسكال سليمان وبعض ردود الفعل التي أدت إلى اعتداءات طالت بعض السوريين.
وذكرت، في 12 من نيسان، أنها تتابع أمور السوريين في لبنان بالتنسيق مع الجهات اللبنانية المختصة بما يصون “العلاقة الأخوية بين الشعبين”، دون أن يخلو منشور السفارة من الرسائل، بأن الحكومة السورية كانت ولا تزال مع عودة السوريين إلى بلادهم، لكن ما يعوق العودة تسييس الملف من الدول المانحة وبعض المنظمات الدولية المعنية بالملف، والإجراءات القسرية الأحادية المفروضة على الشعب السوري، حسب قولها.
كما غاب الحديث حول الانتهاكات بحق اللاجئين السوريين في لبنان عن وسائل الإعلام السورية الرسمية والمقربة من النظام، فكانت تغطية الوكالة السورية الرسمية للأنباء (سانا) عن لبنان منحصرة بالتصعيد الإسرائيلي المتبادل مع “حزب الله”.
صحيفة “الوطن” المحلية واكبت تصريحات مسؤولين وشخصيات ورجال دين لبنانيين بما يتماشى مع رواية النظام السوري، حول العمل على عودة السوريين إلى بلدهم عودة “كريمة”، كما نقلت في تصريح خاص عن وزير المهجرين في حكومة تصريف الأعمال اللبنانية، عصام شرف الدين، قوله إن الحراك اللبناني الحاصل حاليًا يركز على الخارج على اعتبار أن المعرقل الأساسي لعودة النازحين هم أمريكا والغرب، لأنهم يستثمرون في هذا الملف.
المحلل السياسي سامر خليوي قال ل، إن النظام السوري لا يعترض على ما تقوم به الحكومة اللبنانية ضد اللاجئين السوريين على الحكومة اللبنانية ضد اللاجئين السوريين أراضيها، لأن اللاجئين يرفضون العودة إلى سوريا رغم ظروفهم الصعبة في لبنان، لذلك فالنظام وعلى رأسه بشار الأسد مرتاح لتلك الملاحقات.
وذكر خليوي أن موقف النظام لم يتغير تجاه ما يحدث مع السوريين في لبنان، كونه مطمئنًا بأن من يحكم لبنان هو “حزب الله” ومن يواليه، وهناك تواصل وتنسيق وتقاطع مصالح بين الأطراف، لافتًا إلى أن ما يهم بشار الأسد في لبنان هو أنه دولة عبور وتجارة للمخدرات التي يتشاركها مع “حزب الله”، والالتفاف على العقوبات المفروضة عليه.
ويرى خليوي أن السبب الرئيس لصمت النظام هو أن بشار الأسد لا يكترث بالمطلق بحال السوريين سواء داخل سوريا أو خارجها، وهذا أدى إلى تساؤل بعض مؤيديه عن عدم قيامه بأي إجراءات للاعتداءات العنصرية في لبنان، والتي لا تميز عادة ما بين مؤيد ومعارض للأسد.
يعد أبسط مبرر لوجود أي دولة أو حكومة في أي بقعة جغرافية هو تأمين الحماية لمواطنيها، وبموجب القوانين والمعاهدات الدولية، تتحمل الدولة مسؤولية حماية مواطنيها في الخارج وضمان سلامتهم وحقوقهم، كما يحدد مسؤوليتها في ذلك القانون والدستور.
وتعد وزارة الخارجية والمغتربين السورية مسؤولة عن حماية حقوق السوريين في الخارج، بحسب مهامها وبناء على أحكام الدستور، وتشمل العناية بشؤون السوريين في الخارج ورعايتهم والعمل على توثيق الروابط بينهم وبين الوطن الأم، وإبداء الرأي في التشريعات والأنظمة المتعلقة بالمغتربين.
ومن مهامها رعاية السوريين في علاقاتهم بالدول الأخرى وحماية مصالحهم الاقتصادية والثقافية وغيرها، والتدخل عند الاقتضاء من أجل هذه الغاية لدى السفارات والممثليات أو لدى الجهات الرسمية في الدول المعنية، وممارسة جميع الاختصاصات القنصلية، ورعاية أحوال السوريين المدنية والشخصية في الخارج.
الباحث في مركز “عمران للدراسات” نادر الخليل، قال ل، إن النظام لا يريد عودة اللاجئين لعدة أسباب، في مقدمتها عدم قدرته على الوفاء بالأعباء والمتطلبات الاقتصادية والخدمية الأساسية التي لا يستطيع تقديمها للموجودين أساسًا في مناطق سيطرته.
ورغم ذلك، لا يفوت النظام أي فرصة لاستغلال وجود اللاجئين في دول الجوار وما يترتب على ذلك من مشكلات، عبر مناورات ومحاولات ابتزاز لتحقيق مكاسب له، وفق الباحث.
ويعتقد الخليل أن للنظام مصلحة في تعقيد أوضاع السوريين في لبنان، بغية التسبب بضغط على المجتمع الدولي، والدول الغربية تحديدًا، لإيجاد حلول باتجاه إعادتهم إلى سوريا، ما يعني التفاوض مع النظام، لخلق بيئة آمنة لعودتهم، وتمويل عمليات إعادة الإعمار، تحت عنوان “التعافي المبكر”، بهدف خلق بيئة تسمح بعودة نسبة كبيرة من اللاجئين، بما يخدم مصالح النظام باستجلاب أموال دولية لتمويل إعادة تأهيله اقتصاديًا وسياسيًا.
مرتبط
المصدر: عنب بلدي