لبنان يراهن على الدعم الدولي لجذب الاستثمارات والمساعدات

يواجه لبنان تحديات اقتصادية وسياسية ضخمة منذ فترة ليست بالقصيرة، ولذلك تسعى الحكومة التي تشكلت أخيراً بعد فراغ دستوري استمر أكثر من عامين، للحصول على دعم دولي لتحسين الوضع المالي والإنساني.
وأقر مجلس الوزراء اللبناني، الخميس، آلية السير في الإصلاحات من خلال مطالبة كل وزارة بشكل منفرد بتحديد الأولويات والمدة اللازمة لتنفيذها، على أن يبدأ هذا المسار “فوراً”، من خلال عقد لقاءات بين رئيس الحكومة نواف سلام، والوزراء للتباحث بشأن إقرار الإصلاحات المطلوبة.
وفي لقاء مع الرئيس اللبناني، جوزاف عون، الأربعاء، شدد وكيل الأمين العام للأمم المتحدة والمدير المعاون لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي، هاوليانج شيو، على أهمية إجراء الإصلاحات والحوكمة الرشيدة ومكافحة الفساد، معتبراً أن توافر هذه العناصر “يؤمن تمويلاً للاستثمار”.
وأفادت الرئاسة اللبنانية، في بيان، بأن المسؤول الأممي أكد “جاهزية برنامج الأمم المتحدة للعمل مع رئاسة الجمهورية، والحكومة على تنفيذ الإصلاحات المنشودة ومضمون خطاب القسم والبيان الوزاري للحكومة”.
وشدد الرئيس اللبناني في اللقاء مع المسؤول الأممي على أن إجراء الإصلاحات هو “توجه العهد الذي حدده في خطاب القسم بهدف إعادة الثقة في الدولة اللبنانية ومؤسساتها في الداخل والخارج”.
ويعاني لبنان من أزمة اقتصادية منذ عام 2019، إذ انهارت قيمة العملة المحلية، ما أدى إلى تصدع القطاع المصرفي، وتخلف البلاد عن سداد 30 مليار دولار من السندات الدولية.
وأفاد تقرير لمكتب الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية في 2024، بأن لبنان بحاجة إلى مساعدات بقيمة 3.1 مليار دولار في عدة مجالات منها الأمن الغذائي، والتعليم، والصحة، وسبل العيش، لكن جرى تأمين 1.4 مليار دولار منها فقط.
وأفاد موقع “أكسيوس”، الثلاثاء، بأن وزارة الخارجية الأميركية رفعت التجميد الذي فرضته في وقت سابق، عن 95 مليون دولار من المساعدات للجيش اللبناني، كما اعتمد المجلس الأوروبي في يناير الماضي، مساعدات بقيمة 60 مليون يورو لصالح المؤسسة العسكرية اللبنانية.
الاعتماد على المساعدات
وجمع مؤتمر دعم لبنان الذي استضافته باريس في أكتوبر 2024، نحو مليار دولار من المساعدات، توجه منها نحو 800 مليون دولار للتخفيف من الأزمة الإنسانية والنازحين، بالإضافة إلى دعم الجيش اللبناني بقيمة 200 مليون دولار.
واعتبر المستشار المالي، مارون الحايك، أنه “بالنظر إلى تاريخ المساعدات التي حصل عليها لبنان، نجد أن المقارنة بين مؤتمر باريس 2024 والمؤتمرات السابقة تكشف عن تراجع ملحوظ، إذ حصل لبنان بعد حرب يوليو 2006 على تعهدات مالية بقيمة 2.1 مليار دولار لإعادة الإعمار، و280 مليون دولار للمساعدات الإنسانية”.
وقال الحايك، لـ”الشرق”: “على الرغم من المساعدات المستمرة من المجتمع الدولي، والتي بدأت بعد نهاية الحرب الأهلية في عام 1990، إلا أن السبب الأساسي وراء استمرارها هو عدم وجود رؤية سياسية أو مشروعات اقتصادية طويلة الأمد يمكن أن تساهم في بناء اقتصاد قوي ومستدام، في ظل الأزمات السياسية المستمرة”.
وأضاف: “لبنان يواجه اليوم تحديات كبيرة على مختلف الأصعدة، مع اقتصاد متداعٍ، وارتفاع معدلات الفقر والبطالة، وانهيار العملة المحلية، وارتفاع الدين العام، هذه العوامل أدت إلى استمرار تراجع المستوى المعيشي، الأمر الذي يتطلب مساعدات مستمرة من الخارج”.
وتابع الحايك: “في عام 2024 لم يحصل لبنان سوى على 45% من المساعدات التي كان يحتاجها، وبشكل رئيسي موجهة إلى مجالات حيوية مثل الأمن الغذائي والتعليم والصحة”.
وأوضح أن أغلب المساعدات التي حصل عليها لبنان تأتي من 3 جهات رئيسية، هي الولايات المتحدة (22%)، والاتحاد الأوروبي (21%)، وألمانيا (18%).
ديون لبنان
الخبيرة الاقتصادية كلوديت سمعان، اعتبرت أن ديون لبنان من العوامل الرئيسية التي تؤثر بشكل كبير على استقراره المالي والاقتصادي، موضحة أن الأزمة المالية المستمرة منذ 6 سنوات ترتبط بمستوى الديون المرتفعة، ما أدى إلى تراجع قدرة الحكومة على دفع مستحقات الديون وتعزيز الاستقرار المالي للبلاد.
وقالت كلوديت، لـ”الشرق”: “بحسب آخر التقارير الاقتصادية لعام 2024 يُقدّر حجم الدين العام بنحو 98 مليار دولار، أي ما يعادل أكثر من 170% من الناتج المحلي الإجمالي، ويعد من أعلى مستويات الديون في العالم بالنسبة إلى الناتج المحلي الإجمالي”.
وأضافت: “تنقسم الديون إلى قسمين، الديون المحلية وتشكل نسبة كبيرة من الدين العام وهي عادةً مملوكة للمصارف اللبنانية، والديون الخارجية المستحقة للجهات الدولية مثل البنك الدولي وصندوق النقد الدولي”.
وتابعت كلوديت: “في عام 2020، أعلن لبنان إفلاسه لأول مرة في تاريخه، بسبب عدم قدرته على سداد بعض مستحقات ديونه الخارجية، وكان هذا الإفلاس نتيجة تراكم الديون من ناحية، وغياب السياسات المالية السليمة من ناحية أخرى. بعد ذلك، بدأت الحكومة إجراء مفاوضات مع الدائنين لإعادة هيكلة الدين، لكن لم يتم الوصول إلى اتفاق نهائي حتى الآن، بسبب التباينات السياسية والمشكلات الداخلية”.
وأشارت إلى أن زيادة الديون أدت إلى تفاقم التضخم وانخفاض قيمة الليرة اللبنانية، إذ تراجعت بشكل كبير مقابل الدولار، ما أدى إلى زيادة الأسعار بشكل غير مسبوق وأثر بشكل كبير على القدرة الشرائية.
واعتبرت كلوديت أن ارتفاع مستوى الديون وعدم القدرة على سدادها “أثر بشكل سلبي على ثقة المستثمرين والدول والمنظمات المانحة، كما أن تفشي الفساد في المؤسسات الحكومية أدى إلى عدم القدرة على إدارة الموارد بشكل صحيح”.
وأكدت أن الحكومة مع إقرارها الموازنة العامة ووضعها الخطوات الأساسية للإصلاحات في جلسة مجلس الوزراء، الخميس “يمكنها البناء لإعادة تفعيل الاتفاق مع صندوق النقد الدولي، الذي أبدى استعداده لتقديم دعم مالي للبنان بشرط إجراء إصلاحات اقتصادية عاجلة، بما في ذلك تحسين إدارة الدين العام، وتفعيل الشفافية في القطاع المالي”.
دور الصناعة
أستاذ الاقتصاد، عماد عبد الله، يرى أن الصناعة المحلية من القطاعات الحيوية التي يمكن أن تساهم في دعم الاقتصاد اللبناني “كون الإنتاج هو العامل الأساسي في مساعدة الدولة عبر تخفيف الاعتماد على المساعدات الخارجية”.
وقال لـ”الشرق”، إن البيانات الاقتصادية لعام 2023، تشير إلى أن الصناعة في لبنان “تساهم بما بين 10و 12% من الناتج المحلي الإجمالي، على الرغم من انخفاض هذه النسبة مقارنة مع القطاعات الأخرى مثل العقارات، كون الاقتصاد اللبناني يعتمد بشكل أساسي على قطاع الخدمات.
وأضاف: “في عام 2023، بلغت قيمة الصادرات الصناعية اللبنانية نحو 4.5 مليار دولار، وهو ما يمثل نحو 40% من إجمالي الصادرات التي تشمل منتجات متنوعة مثل المواد الغذائية، والملابس، والمواد الكيميائية”.
وأشار عبد الله، إلى أن الصناعات الغذائية تعد من أكثر القطاعات التي تشهد نشاطاً في لبنان، إذ بلغت قيمة صادرات المواد الغذائية نحو 1.1 مليار دولار في 2023، كما تقدّر قيمة صادرات الأدوية والصناعات الكيميائية بين 500 و 600 مليون دولار سنوياً، أما حجم صادرات منتجات صناعة الملابس والنسيج فيبلغ نحو 300 مليون دولار سنوياً، لافتاً إلى أن التقديرات تشير إلى أن نحو 20% من القوى العاملة اللبنانية تعمل في القطاع الصناعي، ما يعني أن نحو 500 ألف شخص يعتمدون بشكل مباشر على هذا القطاع.
ولفت إلى أن القطاع الصناعي يواجه العديد من المعوقات التي تحد من قدرته على النمو والتوسع، ومن أبرزها “ارتفاع تكاليف الإنتاج، ومشكلات إدارية مرتبطة بالفساد والضرائب المرتفعة، وضعف البنية التحتية، بما في ذلك الكهرباء والنقل”.
واعتبر عبد الله، أن الإصلاحات المطلوبة من الحكومة تنطلق من الاستثمار في البنية التحتية، مثل تحسين شبكة الكهرباء، والطرق، والمرافق الصناعية، ودعم تصدير المنتجات وفتح أسواق جديدة، إضافة إلى توفير بيئة تشريعية تشجع الاستثمار، ومحاربة الفساد.