تعد روسيا المورّد الرئيسي للأسلحة إلى فيتنام، بما في ذلك المقاتلات والدبابات والسفن، غير أن الحرب الدائرة بين موسكو وكييف، والعقوبات الدولية التي تفرضها الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي ودول أخرى، أدت إلى تضييق الخناق على الصادرات الروسية.

وقالت وكالة “أسوشيتد برس” إنها اطلعت على وثائق فيتنامية داخلية تظهر أن فيتنام وروسيا استعدّتا لاحتمال أن تعرقل العقوبات الغربية صفقات الأسلحة بينهما، حيث أنشأ الطرفان نظاماً معقداً يتيح لهانوي إخفاء مدفوعاتها لموسكو مقابل الأسلحة، وذلك عبر تجنب أي تحويلات مالية مفتوحة تمر عبر النظام المصرفي العالمي.

وأوضحت الوثائق أن هذه المعاملات تُعد “غير تقليدية” في الأسواق المالية العالمية، وصُممت خصيصاً لضمان استمرار تدفّق الأموال بهدوء، حتى في حال تشديد العقوبات المفروضة على روسيا بسبب حربها على أوكرانيا.

وتسعى الولايات المتحدة منذ سنوات إلى تعزيز علاقاتها مع فيتنام لمواجهة تنامي النفوذ الصيني في جنوب شرق آسيا، فيما تتفاوض معها تجارياً بعد أن فرض البيت الأبيض رسوماً جمركية بنسبة 20% على صادرات هانوي.

ولكن أعمال عائلة الرئيس الأميركي دونالد ترمب تزدهر في فيتام، إذ أفاد “أسوشيتد برس” بأن “مجموعة ترمب” بدأت مطلع هذا العام تشييد مجمع فاخر لرياضة الجولف بتكلفة 1.5 مليار دولار خارج العاصمة هانوي، بعد أن قامت الحكومة الفيتنامية بتسريع إجراءات الموافقة على المشروع. 

وتشير البيانات المالية الصادرة في يونيو الماضي إلى أن ترمب لا يزال مستفيداً من العديد من أنشطة المجموعة، رغم أنها تُدار من قبل أبنائه.

كيف تعمل هذه الآلية؟

تعتمد الآلية على استخدام أرباح فيتنام من مشروع نفطي مشترك مع روسيا في سيبيريا، يُعرف باسم Rusvietpetro، لسداد القروض الخاصة بصفقات الأسلحة، دون الحاجة إلى تحويلات مالية دولية عبر نظام “سويفت”، الخاضع لمراقبة الولايات المتحدة ودول غربية أخرى، ما يحافظ على سرية التحويلات.

وذكرت “أسوشيتد برس” أن التفاصيل النهائية للاتفاق وردت في مذكرة أرسلتها Petrovietnam إلى وزارة الصناعة والتجارة الفيتنامية صيف عام 2024، قبل زيارة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى هانوي.

وبحسب الوثائق، تنفذ الخطة كالتالي: تُحوّل أرباح فيتنام من شركة Rusvietpetro المشتركة إلى موسكو لسداد ديون صفقات السلاح، ثم تُحوّل الأرباح المتبقية، بعد سداد الدين، إلى شركة Zarubezhneft الروسية المملوكة للدولة، وتقوم الأخيرة، عبر فرعها داخل فيتنام، بتحويل مبلغ مماثل إلى Petrovietnam، دون المرور بأي تحويلات دولية.

وفي وثيقة مؤرخة في 11 يونيو 2024، كتب المدير العام لشركة Petrovietnam، لي نجوك سون: “في ظل العقوبات المفروضة على روسيا واستبعادها من نظام سويفت، فإن هذه الآلية تُعد مناسبة وسرية نسبياً، نظراً لأن الأموال تُتداول فقط داخل روسيا وفيتنام، ولذا لا داعي من القلق من التعرّض للعقوبات الأميركية”.

وأشار دبلوماسيان غربيان في هانوي إلى أنهما كانا يشكّان منذ فترة في وجود “ترتيبات سرية” روسية-فيتنامية لتمويل صفقات السلاح، لكن تفاصيل الآلية كانت جديدة عليهما.

ورغم أن شركة Zarubezhneft لم تُدرج بشكل مباشر ضمن العقوبات المفروضة على روسيا عقب غزو أوكرانيا، فإن اثنين من أبرز قيادييها يخضعان لعقوبات أميركية، وهما المدير التنفيذي سيرجي كودرياشوف، الذي أُدرج على قائمة العقوبات في يناير الماضي. ورئيس مجلس الإدارة يفجيني موروف، وهو ضابط سابق في جهاز الاستخبارات السوفيتي (KGB)، الذي يخضع للعقوبات الأميركية منذ عام 2014، عندما كان يرأس جهاز الحماية الفيدرالية المسؤول عن تأمين الرئيس الروسي وكبار المسؤولين.

تجنّب أي عقوبات مستقبلية

وبحسب “أسوشيتد برس”، فإن الآلية التي كشفتها الوثائق، تبدو مصمّمة لتجنّب أي عقوبات مستقبلية محتملة، بما في ذلك ما يُعرف بـ”العقوبات الثانوية” التي قد تطال الجهات المتعاونة مع كيانات خاضعة للعقوبات.

وتُعد الولايات المتحدة أكبر سوق لصادرات فيتنام، ومنذ رفع الحظر الأميركي على تصدير السلاح إلى هانوي في 2016، أصبحت واشنطن مورّداً رئيسياً للأسلحة، كما تعتبرها الحكومة الأميركية شريكاً استراتيجياً مهماً في جهودها لمواجهة التوسع الصيني.

مع ذلك، لا تزال فيتنام تحتفظ بعلاقة عسكرية طويلة الأمد مع روسيا، تعتمد من خلالها على موسكو في توفير قطع الغيار والمعدات العسكرية، وهو ما يُرجّح استمرار هذا الاعتماد لسنوات مقبلة، وتشير العقود الدفاعية الأخيرة إلى أن هانوي لا تنوي التراجع عن دعمها لموسكو، حتى مع تنامي علاقاتها مع واشنطن.

ففي عام 2011، قدمت روسيا قرضاً لفيتنام بقيمة ملياري دولار لتمويل صفقة شملت فرقاطتين و64 دبابة من طراز T90S. وفي 2023، حصلت على قرض إضافي بقيمة 8 مليارات دولار لشراء مقاتلات SU-30 وفرقاطتين إضافيتين، لم تُسلّم بعد.

ضغوط أميركية على هانوي

وفي هذه الوثائق، حذرت وزارة المالية الفيتنامية من احتمال تعرض البلاد لعقوبات أميركية بسبب استمرارها في شراء الأسلحة من روسيا، مشيرة إلى أن “الولايات المتحدة تمارس ضغوطاً مستمرة على هانوي للتحول نحو شراء الأسلحة الأميركية”.

كما نبّهت إحدة الوثائق إلى أن واشنطن تلوّح بفرض عقوبات بموجب “قانون مكافحة أعداء أميركا”، في حال واصلت فيتنام شراء الأسلحة الروسية.

ورغم التحذيرات، اقترحت الوثيقة أن الولايات المتحدة قد تغضّ الطرف عن هذه الصفقات في ضوء أهمية فيتنام الاستراتيجية، ضمن جهودها لمواجهة النفوذ الصيني في المحيطين الهندي والهادئ.

وتشير الوثائق التي حصلت عليها “أسوشيتد برس” إلى أن الاتفاق دخل حيّز التنفيذ فعلياً، فخلال زيارة بوتين إلى هانوي في يونيو 2024، حصلت شركة Zarubezhneft الروسية على ترخيص لتطوير حقل الغاز المعروف باسم “Block 11-2” في الجرف القاري الفيتنامي، وهو الموقع ذاته الذي ورد في مذكرة Petrovietnam لعام 2024.

كما كشفت وثيقة داخلية تعود إلى أبريل 2024، حصلت عليها الوكالة من مصدر مستقل، أن Zarubezhneft بدأت بالفعل رسم خرائط ثلاثية الأبعاد للحقل، مما يؤكد بدء تنفيذ الاتفاق من الناحية الفنية.

وخلال زيارة إلى موسكو في مايو 2024، وقّع وفد فيتنامي رفيع المستوى، برئاسة الأمين العام للحزب الشيوعي تو لام، عدداً من الاتفاقيات المتعلقة باستكشاف النفط والغاز، بالإضافة إلى “خطة شراكة استراتيجية” للدفاع والتعاون في مجالات أخرى للفترة بين 2026 و2030، وفقاً لبيان مشترك صادر عن الجانبين.

شاركها.