أعلنت لجنة التحقيق الخاصة في أحداث الساحل السوري، التي وقعت مطلع مارس الماضي، أنها تمكنت من التعرف على 298 شخصاً يشتبه بتورطهم في ارتكاب انتهاكات جسيمة، مشيرة إلى أنها وثقت سقوط 1426 شخصاً بينهم 90 امرأة، وقالت إن من وصفتهم بـ”فلول النظام السابق” قتلوا 238 من عناصر الأمن، حسبما نقلت وكالة الأنباء السورية (سانا).

ولفتت اللجنة، في مؤتمر صحافي، الثلاثاء، إلى أن تقريرها النهائي أشار إلى أن هذه الانتهاكات لم تكن منسقة تحت مرجعية موحدة، بل اتسمت بالاتساع العشوائي، مؤكداً أن الدوافع الطائفية كانت غالباً ثأرية لا أيديولوجية، موضحة أنها صنفت بعض الانتهاكات بأنها “جرائم قتل عمد ضد مدنيين، فضلاً عن حالات موثّقة من السلب، والحرق، والشتم، والتعذيب”.

وقال رئيس اللجنة الوطنية للتحقيق وتقصي الحقائق في أحداث الساحل القاضي جمعة العنزي إن اللجنة انتهت من تقريرها في نهاية المهلة المحددة وتم تسليمه لرئيس الجمهورية.

وشهدت مناطق الساحل السوري (غرب البلاد) في 6 مارس الماضي، مواجهات مسلحة بعد هجمات شنها مسلحون كانوا تابعين لنظام الأسد ضد دوريات الأمن العام، أودت بحياة نحو 200 عنصر، ما دفع السلطات لإرسال تعزيزات كبيرة من وزارة الدفاع والقوات الأمنية إلى اللاذقية وطرطوس لملاحقة المجموعات المسلحة، حيث استمرت العمليات لـ3 أيام على الأقل، إلا أنها شهدت وقوع تجاوزات بحق مدنيين. ووُجهت أصابع الاتهام فيها إلى “فلول النظام” ومجموعات غير منضبطة.

اللجنة: زرنا 33 موقعاً من أجل التقصي والتحقيق

من جانبه، أوضح المتحدث باسم اللجنة المحامي ياسر الفرحان أن اللجنة اعتمدت  اللجنة في أداء مهامها على الرصد العام والتقصي والتحقيق في الاعتداءات والانتهاكات المرتكبة ضمن إطار ولايتها مكانياً في محافظات اللاذقية وطرطوس وحماة، وزمانياً للنظر في أحداث مطلع مارس وما يليها، وموضوعياً للبحث في الظروف والملابسات التي أدت إلى وقوع الأحداث.

وذكر أن اللجنة “زارت 33 موقعاً وعاينت أماكن الوقائع وكشفت على المقابر وأماكن الدفن المتعددة، ووصفت مشاهداتها بحضور المخاتير ورجال الدين وعدد من ممثلي العائلات”.

وتابع: “على أرض الواقع عقدت اللجنة لقاءات عدة مع عشرات الشخصيات في كل من البلدات، واستمعت في جلسات منفصلة إلى الشهود من أفراد العائلات، ودونت عنهم 938 إفادة، منها 452 متعلقة بحوادث قتل و486 متعلقة بالسلب المسلح أو السرقة أو حرق البيوت والمحال التجارية أو التعذيب”.

وأضاف: “استمعت اللجنة كذلك إلى 23 إحاطة وإفادة من مسؤولين في الجهات الرسمية واستجوبت المشتبه بهم الموقوفين، واتخذت الإجراءات اللازمة لإحالتهم إلى القضاء”.

ونبه الفرحان أن اللجنة أجرت “مشاورات مركزة مع الجهات الدولية المعنية في الأمم المتحدة من خلال اجتماعات رفيعة المستوى مع كل من مساعدة الأمين العام للشؤون الإنسانية، ورئيس وأعضاء وفريق اللجنة الدولية للتحقيق في سوريا، ومكتب المفوض السامي لحقوق الإنسان، ومكتب المبعوث الدولي إلى سوريا، ومع هيومان رايتس ووتش ومنظمة العفو الدولية، وناقشت اللجنة في اجتماعاتها ومراسلاتها آليات اعتماد أفضل السبل والمعايير والإجراءات الممكنة في التحقيق”.

وذكر أن اللجنة بنت استنتاجاتها على الشبهة وليس على الدليل القاطع الذي يكون عادة في المحاكم، وأنها في سبيل عدم الإضرار لم تظهر أسماء المشتبه بهم، مشيراً إلى أنها تكتمت على أسماء بعض الشهود الذين يخشون من كشف أسمائهم الصريحة.

وواصل حديثه: “فحصت اللجنة المعلومات والوثائق والتقارير والإفادات والقرائن والأدلة الحسية والرقمية، وبنت استنتاجاتها على ما توصلت إليه من قناعات كوّنها أعضاؤها خلال فترة 4 شهور محددة بالنطاق الزمني لولايتها تتضمن فترة التمديد الصادر بقرار السيد رئيس الجمهورية”.

الفرحان: “الفلول” قتلوا 238 من عناصر الأمن

وقال الفرحان إن من وصفهم بـ”الفلول” نفذوا في 6 مارس الماضي “سلسة عمليات عدائية واسعة، استهدفوا فيها بالأسلحة الثقيلة والمتوسطة والخفيفة مقرات الجيش والأمن العام، والحواجز والدوريات التابعة لها، وقطعوا الطرقات الرئيسية، وقتلوا حسبما توصلت له اللجنة 238 شاباً من عناصر الأمن والجيش في محافظات اللاذقية وطرطوس وحماة”.

وأردف الفرحان: “بعض عناصر الأمن قتلوا بعد أن ألقوا سلاحهم نتيجة لمفاوضات جرت بوساطة الوجهاء، وبعضهم قتلوا وهم جرحى يتلقون العلاج، وبعضهم قتلوا وهم أسرى، ودفن الفلول بعضهم في مقبرة جماعية”.

وذكر أن “الفلول” استهدفوا الطرق العامة والمستشفيات، وأخرجوا 6 منها عن الخدمة، وقتلوا عدداً من المدنيين السنّة وفقاً لمعلومات تبلغتها اللجنة ولم تتمكن من تدوين بياناتهم وفقاً لمعاييرها.

وأوضح أن اللجنة عرفت ما شاع تسميتهم بـ”الفلول” بأنهم بقايا مجموعات مسلحة منظمة مرتبطة بنظام الأسد السابق خارجة عن القانون وشرعية الدولة.

اللجنة تعلن التوصل إلى أسماء 265 متهماً

وقال المتحدث باسم اللجنة الوطنية للتحقيق وتقصي الحقائق في أحداث الساحل أن اللجنة توصلت إلى أسماء 265 من “المتهمين المحتملين المنضمين إلى مجموعات المسلحين المتمردين الخارجين عن القانون المرتبطين بنظام الأسد والشائع تسميتهم بالفلول، وممن توفرت لدى اللجنة أسباب معقولة للاشتباه بتورطهم في جرائم وانتهاكات جسيمة”، وذلك استناداً إلى إفادات الشهود من عائلات الضحايا وأهالي المنطقة والموظفين الحكوميين ومحاضر استجواب الموقوفين وبفحص الأدلة الرقمية وقرائن وأدلة أخرى.

“مخطط لفصل الساحل عن سوريا”

وتابع الفرحان: “خلال ذلك وبعده سيطر الفلول بشكل كامل أو جزئي على المدن والبلدات والقرى والطرقات وأطبقوا الحصار على باقي المقرات الحكومية، بهدف فصل الساحل عن سوريا، وإقامة دولة علوية بتخطيط وتمويل وإعداد وتنفيذ من قبل مجموعات مدربة مترابطة ضمن هيكلية شاقولية (تنظيم هرمي) وأخرى أفقية وفقاً لتحقيقات اللجنة”.

وواصل حديثه: “تحركت عقب ذلك القوات الحكومية والفصائل وقوات عسكرية أخرى، واندفعت بشكل عشوائي مجاميع الفزعات الشعبية ومجموعات أخرى، فازدحم الطريق الدولي بما يزيد على مئتي ألف مسلح يتحركون باتجاه مناطق سيطرة الفلول لاستعادتها”.

وذكر المتحدث باسم اللجنة أن “الفلول في فجر يوم الجمعة، 7 مارس الماضي، ومن بعض القرى المرتفعة والمطلة على الطريق، استهدفوا بأسلحتهم الرتل العسكري وقوافل الفزعات وسيارات المدنيين المارة، فقضى على إثر ذلك عدد من العسكريين والمدنيين، الأمر الذي تسبب في مزيد من العشوائية، فاضطرت القوات الحكومية إلى تشكيل مجموعة لفتح الطريق في محاولة للحد من العشوائية”.

عدد الضحايا في أحداث الساحل السوري

وأردف الفرحان: “في صباح يوم الجمعة، بدأت مجموعات مسلحة دخول أحياء عدد من القرى والبلدات وبيوتها، وتعرض الأهالي لحملات تفتيش متتالية منضبطة في بعضها، وعشوائية منفلتة في بعضها الآخر وفيما لاحظت اللجنة ارتياحاً غالباً لدى الأهالي تجاه سلوك عناصر الأمن العام، تحققت من انتهاكات جسيمة واسعة تعرض لها المدنيون أيام 7 -8 – 9 مارس”.

وأضاف أن اللجنة الوطنية للتحقيق وتقصي الحقائق في أحداث الساحل “تحققت من أسماء 1426 قتيلاً، منهم 90 امرأة والبقية معظمهم مدنيون، وبعضهم عسكريون سابقون أجروا تسويات مع السلطات المختصة”، ولفت إلى أنه “بالرغم من عدم استبعاد وجود عدد من عناصر الفلول بين القتلى، ترجح اللجنة أن معظم حوادث القتل وقعت خارج أو بعد انتهاء المعارك العسكرية”.

وذكر أن اللجنة “اطلعت من مصادر مفتوحة على أعداد إضافية من القتلى لم تتحقق من صحتها بسبب عدم ورود أسمائهم في كشوفات المقابر أو إفادات الشهود الذين استمعت إليهم”، لافتاً إلى أن معلومات تبلغت إلى اللجنة “حول 20 شخصاً من المفقودين بعضهم مدنيون وبعضهم من عناصر القوات الحكومية”.

وتابع الفرحان: “تتواتر في إفادات الشهود أقوال حول السلوك المتباين للمجموعات وللأفراد ضمن المجموعة الواحدة، ففيما ارتكب بعضهم فظاعات مروعة، تعامل بعضهم باحترام، الأمر الذي يدعو مع أسباب أخرى معقولة اللجنة للاعتقاد بأن الانتهاكات رغم أنها واسعة لم تكن منظمة”.

وزارة الدفاع السورية تتعرف على هوية 298 متهماً

ولفت إلى أن اللجنة ركزت في تحقيقاتها على “تقصي هوية الفاعلين وخلفيتهم بوسائل متعددة منها سؤال العائلات والاستماع لمئات الشهادات من ذوي الضحايا، وباستجابة وزارة الدفاع إلى طلب اللجنة في التعرف على الأشخاص في الصور والفيديوهات المحددة من قبلها، توصلت إلى معرفة 298 شخصاً بأسمائهم الصريحة من المشتبه بتورطهم في انتهاكات وهذا الرقم يبقى أولياً”.

وأوضح الفرحان: “من خلال فحص الأدلة الرقمية وبمساعدة مميزة من وزارة الدفاع، توصلت اللجنة إلى تحديد أفراد ومجموعات يرتبطون ببعض المجاميع والفصائل العسكرية من مجمل القوات المشاركة، وترجح اللجنة بأن هؤلاء الأفراد والمجموعات خالفوا الأوامر العسكرية ويشتبه بارتكابهم انتهاكات بحق المدنيين”.

اندماج الفصائل المسلحة في سوريا “لم ينظم بعد”

ولفت إلى أن “اللجنة لاحظت أن اندماج الفصائل تحت هيكلية وزارة الدفاع ما زال في بعضه شكلياً، واتسم بأنه لم ينظم ويستكمل بعد، وأنه جرى بهذه الصورة بوصفه حالة من الضرورة لتغطية الفراغ الذي أحدثه حل جيش نظام الأسد المتورط بإبادة المدنيين، وأن سيطرة الدولة الفعلية خلال الفترة المستهدفة بالتقرير كانت جزئية وأحياناً منعدمة، وأنها ما تزال في مرحلة إعادة بناء مؤسسات الأمن والجيش”، بحسب قوله.

توصيات لجنة التحقيق في أحداث الساحل السوري

من جانبه، قال رئيس اللجنة الوطنية للتحقيق وتقصي الحقائق في أحداث الساحل القاضي جمعة العنزي أن اللجنة توصي بمتابعة السلطات المختصة الإجراءات اللازمة للكشف عن الأفراد والمجموعات المشتبه بتورطهم بانتهاكات وفقاً لما توصلت إليه في تحقيقاتها.

وتابع أن اللجنة توصي أيضاً بالتعجيل في تنفيذ خطة وزارة الدفاع وإجراءاتها وتدابيرها في مشاريع ضبط السلاح، ودمج الفصائل بشكل فعلي، مع التنفيذ الصارم للائحة قواعد السلوك الصادرة عنها بتاريخ 30 مايو 2025 وإصدار باقي الأنظمة واللوائح والتعليمات بما في ذلك تنظيم الزي العسكري والشارات ومنع بيعها في الأسواق.

وأشار العنزي إلى اللجنة توصي بـ”إطلاق برامج جبر الضرر للضحايا وفق الأصول القانونية، وإيلاء الأولوية لمشاريع حوكمة مؤسسات الأمن والشرطة والجيش، واستقدام المعدات ووسائل التكنولوجيا الحديثة، وتعزيز السبل والمعايير لاحترام حقوق الإنسان، وحقوق موظفي الدولة وسلامتهم، وإنشاء هيئة وطنية مستقلة لحقوق الإنسان”.

وتابع: “توصي اللجنة بإيلاء مشاريع الحوار والسلم الأهلي أولوية في خطط الدولة وبرامجها في الساحل وكل المناطق السورية، واتخاذ تدابير تشريعية وتنفيذية وتعليمية لمنع التحريض على العنف أو الفتنة أو إثارة النعرات الطائفية وكفالة رقابة ذلك في وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي”.

ونبه العنزي أن اللجنة لم تقم بتقصّي المواقع وصفحات وسائل التواصل الاجتماعي التي قامت بتأجيج الفتنة والطائفيّة في المناطق التي حدثت فيها انتهاكات، مرجعاً السبب إلى أن “عملنا وهدفنا كانا منصبّين على التوثيق والتقصّي والتحقيق على الأرض”.

شاركها.