خالد المطلق

تشكل مسألة استقرار سوريا بعد سنوات من الصراع أحد أهم الملفات الشائكة في المنطقة، وتتداخل فيها مصالح دولية وإقليمية معقدة، ومن هنا يُطرح التساؤل حول ما إذا كانت الولايات المتحدة وإسرائيل تلعبان دورًا محوريًا في تحقيق هذا الاستقرار؟ أم أنهما عاملان يزيدان من تعقيد المشهد؟ إذ تشير التحليلات إلى أن لكلتا الدولتين رؤيتهما وأجندتهما الخاصة تجاه سوريا مما يخلق تباينات قد تؤثر على مسار أي جهود نحو الاستقرار.

الرؤية الأمريكية لاستقرار سوريا: دمج وتوازن المصالح

تسعى الولايات المتحدة خاصة في عهد إدارة ترامب إلى دمج سوريا في نظام إقليمي بقيادة واشنطن، وهذا التوجه يهدف إلى جعل سوريا جزءًا من جناحها وتعزيز نفوذها في المنطقة، وترى واشنطن أن تحقيق الاستقرار في سوريا يصب في مصلحتها خصوصًا إذا تمكنت من إبعاد دمشق عن المحور الإيراني.

ويتمثل أحد الجوانب الرئيسية لهذه الاستراتيجية في دعم الشخصيات الجديدة مثل أحمد الشرع الرئيس السوري المؤقت سياسيًا واقتصاديًا، باعتباره قائدًا قادرًا على إدارة البلاد بطريقة تسمح بالاستثمار الخارجي وتحافظ على استقرار النظام.

ويُعد رفع العقوبات عن سوريا أحد الأدوات التي تستخدمها واشنطن لتحقيق هذا الهدف وهو خلق ظروف أفضل لتدفق الدعم الاقتصادي الضروري.

ومع ذلك فإن هذه الجهود الأمريكية ليست دون شروط حيث تتضمن ملفات حساسة مثل تطبيع تدريجي مع إسرائيل وكبح التنظيمات المتشددة والقضاء على الوجود الإيراني بشكل كامل في سوريا وضبط الفصائل الفلسطينية المسلحة، وهذا ما يفسر التقارير التي تتحدث عن إمكانية توسيع الوجود العسكري الأمريكي في سوريا من خلال إنشاء قاعدة جوية قرب دمشق. هذا الوجود العسكري إن تحقق سيعزز من قدرة واشنطن على التأثير في المشهد السوري وقد يُنظر إليه كخطوة استراتيجية لضمان مصالحها الأمنية والاقتصادية في المنطقة، ومن المتوقع أن تواجه هذه الخطوة تحديات كبيرة خاصة من الجانب الإسرائيلي الذي قد يرى فيها تهديدًا لمصالحه في الحفاظ على سوريا ضعيفة ومجزأة.

الأجندة الإسرائيلية: أمن مقابل تجزئة

على النقيض من الرؤية الأمريكية تضغط إسرائيل على الولايات المتحدة لضمان بقاء سوريا “ضعيفة ومجزأة”، وهذا الموقف ينبع من مخاوف أمنية إسرائيلية عميقة وتاريخ طويل من الصراعات.

وترى إسرائيل أن استقرار سوريا القوية قد يشكل تهديدًا لأمنها القومي ولذلك تفضل استمرار حالة عدم اليقين والتجزئة، ولهذا تحاول إسرائيل إلزام دمشق بعدم الوجود الأمني والعسكري في الجنوب السوري كله وليس فقط في منطقة فض الاشتباك.

ويُظهر التدخل العسكري الإسرائيلي في سوريا الذي شمل مئات الغارات الجوية والسيطرة على أراضٍ في جنوب سوريا مدى تصميم تل أبيب على فرض رؤيتها، وقد أشار الشرع إلى أن التقدم الإسرائيلي داخل سوريا لا ينبع من مخاوف أمنية حقيقية بل من طموحات توسعية.

وفي هذا السياق تطمح إسرائيل إلى إقامة “منطقة نفوذ” تمتد 60 كيلومتراً داخل سوريا تحت سيطرة استخباراتية إسرائيلية للمراقبة ومنع التهديدات المحتملة.

الصدام المحتمل بين الحليفين

من الواضح أن السياسات الإسرائيلية في سوريا تتعارض جزئيًا مع الأهداف الأمريكية مما يخلق فجوة واضحة بين الحليفين، فبينما تسعى واشنطن لدعم استقرار النظام السوري الجديد بقيادة الشرع تعمل إسرائيل على تقويض هذا الاستقرار من خلال عملياتها العسكرية ومحاولاتها لإبقاء سوريا مجزأة، هذا التناقض قد يؤدي إلى صدام مباشر بين واشنطن وتل أبيب خاصة مع تزايد الوجود الأمريكي المحتمل قرب دمشق.

وحاليًا تجري مفاوضات بوساطة أمريكية بين سوريا وإسرائيل للتوصل إلى اتفاق أمني حيث صرح أحمد الشرع بأن هذه المفاوضات قد تُثمر عن اتفاق قريب يشبه اتفاق عام 1974، لكنه أكد أن ذلك لا يعني بأي حال تطبيع العلاقات مع تل أبيب، والهدف الأساسي من هذه المفاوضات هو استعادة الأراضي التي استولت عليها إسرائيل مؤخرًا وتحويل سوريا إلى عنصر استقرار يخدم مصالح جميع الأطراف.

ومع ذلك تواجه هذه المفاوضات تحديات جمة فإسرائيل تصر على شروط صارمة بينما تظل مسألة هضبة الجولان المحتلة معضلة لم يتم تناولها بشكل كامل، ومن المرجح أن تُترك “للمستقبل”، فالموقف الإسرائيلي الرافض للتفاوض حول وضع الجولان الذي ضمته رسميًا في عام 1981 يتعارض مع المطالب السورية وهذا التباين يجعل أي اتفاق محتمل هشًا وغير مستقر.

ما تمارسه إسرائيل وتعنتها يثير الكثير من مخاوف تقسيم الجنوب السوري خاصة في ظل التقارير المتواترة حول مقترح لتقسيم المنطقة الجنوبية في سوريا في إطار الترتيبات الأمنية المستقبلية على الحدود مع إسرائيل، هذا المقترح الذي نشره المعهد الأمريكي لدراسات الحرب يعكس التوجهات الإسرائيلية لفرض منطقة نفوذ واسعة في الجنوب السوري مما قد يقوض جهود الشرع في الحفاظ على وحدة البلاد واستقرارها.

تحولات في العلاقات الأمريكية- السورية

شهدت العلاقات بين الولايات المتحدة وسوريا تحولات كبيرة خاصة مع سقوط نظام الأسد وصعود أحمد الشرع، وهذا التغيير أتاح لواشنطن فرصة لإعادة تقييم سياستها تجاه دمشق والسعي نحو علاقة أكثر ديناميكية وتعاون بين البلدين.

وتراهن الولايات المتحدة على تعاون سوري ضد تنظيمات مثل الحرس الثوري الإيراني وتنظيم الدولة الإسلامية مما يعكس رغبتها في استخدام سوريا كشريك في استراتيجيتها الإقليمية لمكافحة الإرهاب وتعزيز الأمن، حيث كانت زيارة الشرع للبيت الأبيض نقطة تحول مهمة حيث وضعت العلاقات الأمريكية- السورية تحت اختبار مباشر.

والسؤال المحوري هو ما إذا كانت واشنطن ستنجح في دمج سوريا الجديدة ضمن استراتيجيتها الإقليمية أم أن الضغط العسكري الإسرائيلي سيعرقل هذه “الرومانسية”.

مقارنة التوجهات الأمريكية والإسرائيلية تجاه سوريا

لتوضيح التباين في الأهداف والاستراتيجيات بين الولايات المتحدة وإسرائيل تجاه سوريا يمكننا مقارنة النقاط الرئيسية لكل طرف:

إن الهدف العام لأمريكا دمج سوريا في نظام إقليمي موالٍ لواشنطن وتحقيق الاستقرار الداخلي وإبعادها عن المحور الإيراني، أما إسرائيل فهدفها العام الحفاظ على سوريا “ضعيفة ومجزأة” لضمان أمنها القومي ومنع أي تهديد من أراضيها ومن ناحية النهج السياسي نرى الإدارة الأمريكية تدعم أحمد الشرع سياسيًا واقتصاديًا كما تدعم رفع العقوبات لتشجيع الاستقرار والإستثمار، أما إسرائيل فتقوم بالضغط لعدم وجود أمني وعسكري سوري في الجنوب وتوسيع مناطق النفوذ الاستخباراتي.

أما من جهة التدخل العسكري تقوم أمريكا بتوسيع الوجود العسكري المحتمل (قاعدة جوية قرب دمشق) لمكافحة الإرهاب وحماية المصالح، أما إسرائيل فتقوم بتنفيذ مئات الغارات الجوية والسيطرة على أراضٍ في الجنوب السوري بهدف منع التهديدات، أما من ناحية الموقف من الأراضي المحتلة تقوم أمريكا بالتوسط في اتفاقيات أمنية لاستعادة الأراضي التي استولت عليها إسرائيل مؤخرًا (وليس الجولان)، أما إسرائيل فهي ترفض التفاوض حول وضع هضبة الجولان واعتبارها جزءًا لا يتجزأ من إسرائيل، أما من ناحية العلاقة مع القيادة السورية المؤقتة تقوم أمريكا ببناء علاقة تعاونية مع القيادة المؤقت (أحمد الشرع) لتحقيق الأهداف المشتركة، أما إسرائيل فهي لا تثق بالقيادة السورية وتسعي لفرض شروط أمنية لمنع أي تهديدات مستقبلية. 

تحديات الاستقرار السوري ومستقبله

لا يزال مستقبل سوريا محفوفًا بالتحديات حتى مع وجود جهود دولية وإقليمية فالفجوة بين الأهداف الأمريكية والإسرائيلية بالإضافة إلى التعقيدات الداخلية في سوريا تجعل تحقيق الاستقرار الشامل أمرًا صعبًا.

وتتفاقم هذه التحديات مع استمرار التدخلات الخارجية ومحاولات الأطراف المختلفة لفرض أجنداتها، وتواجه القيادة الجديدة بقيادة الرئيس المؤقت أحمد الشرع مهمة صعبة في الموازنة بين متطلبات الاستقرار الداخلي والضغوط الخارجية.

وعليه أن يتعامل مع المطالب الإسرائيلية المتعلقة بالأمن في الجنوب، وفي نفس الوقت يسعى للحصول على الدعم الأمريكي لتعزيز موقفه وبناء دولة مستقرة.

التباين في الأهداف يمكن أن يعرقل أي جهود حقيقية نحو استقرار شامل، والمفاوضات الأمنية الجارية بوساطة أمريكية تمثل بصيص أمل لكنها تواجه عقبات كبيرة خاصة فيما يتعلق بمسألة هضبة الجولان والأراضي المحتلة.

إن مستقبل سوريا يعتمد بشكل كبير على قدرة الأطراف الفاعلة على التوفيق بين مصالحها المتضاربة والعمل نحو حلول مستدامة تخدم استقرار المنطقة ككل بدلًا من التركيز على المكاسب قصيرة المدى التي قد تزيد من تعقيد المشهد.

المصدر: عنب بلدي

شاركها.