اخر الاخبار

لماذا يتحكم الدولار في أسعار السوق المصري؟.. الأسباب والحلول

كتب : يحيى محمد حسين

أصبح الدولار الأمريكي عاملا أساسيا في حياة المواطن المصري، حيث يتابع الجميع أخباره وتفاصيله اليومية. ولم يعد الحديث عنه مقتصرا على وسائل الإعلام فقط، وانتشر الحديث عنه في الشوارع أو المقاهي أو المواصلات، رسالة واضحة تعكس حجم القلق الشعبي تجاه تحركاته، خاصة بعد وصوله إلى أعلى مستوياته التاريخية مسجلًا 51.19 جنيهًا للبيع بالبنك المركزي المصري، نتيجة التوترات السياسية العالمية وسياسات إدارة ترامب التي ألقت بظلالها على الأسواق. 

فالقيمة اليومية للدولار، وأخبار الاقتصاد مثل قرارات البنك الفيدرالي برفع أو خفض أسعار الفائدة، أصبحت موضوع نقاش دائم. 

يعود هذا الاهتمام الشديد إلى تأثير الدولار وسعر صرفه على أسعار جميع السلع والخدمات، بما يزيد من أعباء المعيشة التي يواجهها المواطن المصري يوميًا.

لماذا يتحكم الدولار في أسعار السوق المصري؟

أوضح الدكتور علي الإدريسي، أستاذ الاقتصاد الدولي وعضو الجمعية المصرية للاقتصاد والتشريع، أن الدولار الأمريكي أصبح مؤثرًا رئيسيًا في حركة الأسعار داخل السوق المصري، نظرًا لاعتماد مصر على استيراد نسبة كبيرة من احتياجاتها من الخارج، سواء كانت سلعًا غذائية أو مواد خام تدخل في التصنيع المحلي.

 وعندما يرتفع سعر الدولار مقابل الجنيه، ترتفع تلقائيًا تكلفة شراء هذه السلع، مما يدفع المستوردين إلى تحميل المستهلك النهائي عبء هذه الزيادة عبر رفع الأسعار. ويزداد التأثير مع ضعف الإنتاج المحلي وعدم كفايته لتغطية احتياجات السوق، مما يجعل الأسعار في مصر أكثر حساسية لتحركات الدولار.

 وأضاف الإدريسي أن هذا الاعتماد على الاستيراد يجعل الاقتصاد المصري مكشوفًا أمام تقلبات سعر الصرف، فيظهر الأثر بشكل واضح في ارتفاع أسعار السلع الأساسية مثل الزيت، الأرز، السكر، والقمح، وكذلك في زيادة تكلفة التصنيع المحلي، بما يؤدي إلى مزيد من الضغوط على القوة الشرائية للمواطنين.

ارتفاع ألاسعار يفوق ارتفاع  الدولار

وأشار الدكتور علي الإدريسي، أستاذ الاقتصاد، إلى أن بعض السلع في السوق المصري ترتفع أكثر من غيرها بشكل ملحوظ مقارنةً بنسبة زيادة الدولار، مشيرًا إلى حالات محددة كارتفاع أسعار السلع المستوردة بشكل يفوق الزيادة الرسمية لسعر العملة الأمريكية. ومن الأمثلة الواضحة على ذلك قطع غيار السيارات.

وفي هذا السياق، كشف أحد تجار الجملة في سوق قطع غيار السيارات أن الارتفاع المستمر في سعر الدولار يؤثر بشكل كبير على الأسعار، خاصة أن معظم قطع الغيار في السوق المصري مستوردة من دول مثل اليابان والصين وكوريا. وأوضح أن أي ارتفاع في سعر الدولار ينعكس مباشرة على أسعار هذه القطع، وفي بعض الأحيان يتجاوز الارتفاع النسبة الرسمية لزيادة الدولار، بسبب قلة المعروض والشح في بعض الأصناف الحيوية.

وأضاف التاجر أن حتى قطع الغيار المصنعة محليًا تتأثر أيضًا، حيث أن عملية تصنيعها تعتمد على مواد خام مستوردة مثل المعادن والمواد الكيميائية والمكونات الإلكترونية، مما يجعل تكلفتها مرتبطة بشكل وثيق بتقلبات سعر الدولار. وأكد أن زيادة بسيطة في سعر الدولار تؤدي إلى ارتفاع كبير في التكلفة النهائية للمنتج، مما يعكس عبئًا إضافيًا على المستهلكين.

أسباب انخفاض الجنيه أمام الدولار

1. خروج الأموال الساخنة

أوضح الدكتور رشاد عبده، أستاذ الاقتصاد بجامعة القاهرة، أن هناك عدة عوامل تؤدي إلى انخفاض الجنيه المصري أمام الدولار، حيث أن من أبرز الأسباب هو خروج الأموال الساخنة من السوق المصري. 

كما يشير عبده، إلى أن “الأموال الساخنة” هي استثمارات قصيرة الأجل تسعى للحصول على عوائد مرتفعة نتيجة ارتفاع أسعار الفائدة، ولكنها تتحرك بسرعة إلى الخارج بمجرد حدوث أي اضطراب اقتصادي محلي أو عالمي. 

وهذا الانسحاب المفاجئ يؤدي إلى نقص حاد في السيولة الدولارية في السوق، مما يضغط على الجنيه ويؤدي إلى تراجعه أمام الدولار.

2. حجم الديون

وأضاف رشاد أن من العوامل الأخرى التي تؤثر في انخفاض الجنيه هو الديون الخارجية لمصر. 

ففي نهاية سبتمبر 2024، بلغ إجمالي الدين الخارجي لمصر نحو 155.2 مليار دولار، مقارنة بـ 152.9 مليار دولار في نهاية يونيو 2024، مما يعكس زيادة طفيفه في الدين خلال هذه الفترة. 

وأشار رشاد إلى أن مصر سددت خلال الربع الأول من العام المالي 2024/2025 نحو 7.952 مليار دولار كأقساط وفوائد للديون الخارجية، موزعة بين 5.608 مليار دولار كأقساط أصل الدين و 2.344 مليار دولار كفوائد مستحقة.

وفي نفس السياق، أوضح الخبير الاقتصادي، بأن الالتزامات الخارجية المستحقة على مصر في عام 2025 تصل إلى 22.4 مليار دولار، بزيادة قدرها 900 مليون دولار عن التقديرات السابقة. كما بلغت الالتزامات التي يجب سدادها حتى سبتمبر 2025 نحو 43.2 مليار دولار موزعة بين الحكومة المصرية (10.4 مليار دولار)، البنك المركزي (21.2 مليار دولار)، البنوك التجارية (8.1 مليار دولار)، والقطاعات الأخرى (3.5 مليار دولار).

 ولفت إلى أن إجمالي خدمة الدين الخارجي لمصر في العام المالي 2023/2024 بلغ نحو 32.9 مليار دولار، بزيادة قدرها 29.5% عن العام المالي السابق، مما يشير إلى أن عبء الديون الخارجية يزداد بشكل كبير، وهو ما يضغط على الاقتصاد المصري ويؤثر على استقرار سعر الجنيه.

3. العجز التجاري

من العوامل المؤثرة الأخرى في تراجع الجنيه المصري هو العجز التجاري المستمر. في عام 2023، بلغت قيمة الصادرات المصرية نحو 35.6 مليار دولار، بينما سجلت الواردات حوالي 72.5 مليار دولار، مما أدى إلى عجز في الميزان التجاري بلغ 36.9 مليار دولار.

 هذا العجز المستمر يعكس زيادة الطلب على الدولار لتمويل الفجوة بين الصادرات والواردات، مما يضغط على العملة المحلية ويؤدي إلى تراجع قيمتها أمام الدولار.

 وتشير هذه الأرقام إلى أن زيادة حجم الواردات مقارنةً بالصادرات تساهم في تفاقم الأوضاع الاقتصادية، حيث يصبح هناك طلب مستمر على الدولار لسداد قيمة الواردات، مما يؤدي إلى انخفاض قيمة الجنيه المصري.

تأثير سياسات ترامب الاقتصادية على الاقتصاد المصري

حيث أوضح الدكتور رشاد عبده، أستاذ الاقتصاد في جامعة القاهرة، أن سياسات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الاقتصادية قد يكون لها تأثير غير مباشر على مصر، خاصة فيما يتعلق بالرسوم الجمركية والضرائب على السلع المستوردة. 

وأشار إلى أن فرض الولايات المتحدة رسومًا جمركية إضافية على السلع من دول أخرى يمكن أن يؤدي إلى تقلبات في الأسعار العالمية، ما قد ينعكس سلبًا على الأسواق المصرية.

 فعلى سبيل المثال، قد يواجه مستوردو السلع الأمريكية أو تلك التي تعبر من خلال الولايات المتحدة زيادات في التكلفة، مما يضغط على الاقتصاد المصري الذي يعتمد بشكل كبير على الواردات. 

وفي حال تبنى ترامب سياسات نقدية أكثر تشددًا أو رفع الفائدة الأمريكية، سيزداد الطلب على الدولار، مما يؤثر على قوة الجنيه المصري ويزيد من صعوبة الوضع الاقتصادي.

حلول للمواطنين في التعامل مع وضع الدولار

نصح الدكتور إسلام ،المواطنين بضرورة اتباع استراتيجية ترشيد الاستهلاك في مواجهة ارتفاع الدولار. وأكد على أهمية تقليل الإنفاق على السلع المستوردة والسلع الرفاهية غير الأساسية، والاستبدال بالمنتجات المحلية التي تساعد في دعم الاقتصاد الوطني.

 كما شدد على أهمية الادخار في الأصول الثابتة مثل الذهب والعقارات للحفاظ على قيمة الأموال في ظل التقلبات الاقتصادية. 

بالإضافة إلى ذلك، دعا إلى الاستثمار في المبادرات الحكومية التي تنشأ في مجالات مثل الزراعة والصناعة، مما يسهم في تعزيز الإنتاج المحلي ويخلق فرص عمل جديدة. 

هذه الإجراءات تساعد في تخفيف تأثيرات ارتفاع الدولار على الحياة اليومية وتساهم في تحقيق الاستقرار المالي.

الحلول المقترحة لتعديل الوضع الاقتصادي في مصر

اتفق الخبراء الاقتصاديون على ضرورة اتخاذ إجراءات عاجلة لمعالجة الضغوط التي يتعرض لها الاقتصاد المصري نتيجة لارتفاع سعر الدولار وتأثيراته المتتالية على الأسعار. 

في البداية، شددوا على أهمية زيادة الإنتاج المحلي وتقليل الاعتماد على الاستيراد، خاصة في السلع الاستراتيجية. 

كما أشاروا إلى أهمية تعزيز التصدير وجذب العملة الصعبة من خلال تحسين بيئة الأعمال وجذب الاستثمارات الأجنبية، وهو ما سيؤدي إلى زيادة عائدات الدولة من العملات الأجنبية، وبالتالي تقليل الضغط على الجنيه المصري.

وقد أكد الخبراء على أن الحكومة يجب أن تواصل جهودها في التوسع في المشروعات الزراعية والصناعية، والتي تسهم بشكل مباشر في تقليل الفجوة بين الواردات والصادرات.

 كما يجب أن تتمتع الأسواق المحلية برقابة صارمة لمنع الاحتكار والتلاعب بالأسعار، وتطبيق سياسات نقدية ذكية لزيادة الاستقرار في سعر الصرف.

 من جانب آخر، يجب تكثيف الجهود لتطوير البنية التحتية اللوجستية وتقليل تكلفة النقل، مما يقلل من تكلفة السلع المستوردة، وكذلك تبني التكنولوجيا بشكل واسع لتقليل تكاليف الإنتاج.

المصدر: بلدنا اليوم

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *