لماذا يسعى ترمب إلى إلغاء وزارة التعليم؟

يضع الرئيس الأميركي دونالد ترمب اللمسات الأخيرة على أمر تنفيذي يتعلق بأحد أشهر وعوده الانتخابية وهو تفكيك وزارة التعليم.
وكان ترمب قد قطع هذا الوعد في بيان حملته الانتخابية في 13 سبتمبر 2023، وفي أولى خطوات تنفيذ تعهده الذي كرره مراراً وتكراراً، تم وضع العشرات من الموظفين في وزارة التعليم، التي يبلغ عدد موظفيها 4400، في إجازة إدارية مدفوعة الأجر، تمهيداً لعملية تقليص أوسع نطاقاً تمتد إلى الوظائف التدريسية في المدارس العامة، تحت مظلة تقليص الحكومة الفيدرالية وحجم الإنفاق.
هل يستطيع ترمب إغلاقها؟
وإذا تمكن ترمب من تفكيك وزارة التعليم، سيكون قد حقق الهدف الذي كان قد تعهد به سابقاً الرئيس الجمهوري رونالد ريجان خلال حملته الانتخابية عام 1980، عندما كانت الوزارة حديثة العهد.
وعلى مدار العقود الماضية، ظل الحزب الجمهوري يدعو باستمرار إلى إلغائها، حيث يعتبر العديد من أعضائه أن التعليم يجب أن يكون مسؤولية الولايات لا الحكومة الفيدرالية.
وفي سعيه لذلك، تحدث ترمب في 4 فبراير الجاري، عن خططه للوزارة والمرشحة التي اختارها لإدارتها، ليندا ماكماهون، المديرة السابقة لشركة المصارعة العالمية الترفيهية WWE، قائلاً إنه يريد أن “تطرد ليندا نفسها من وظيفتها”.
لكن أستاذ الأنثروبولوجيا والنظرية النقدية في جامعة راتجرز في نيوارك، أليكس هينتون، استبعد قدرة ترمب على إغلاق وزارة التعليم “لأنه سيواجه تحديات وعقبات قانونية”.
وأوضح هينتون في حديثه لـ “الشرق” أنه من الناحية القانونية يتعين على الكونجرس تفكيك الوزارة وليس الرئيس، لأنه هو من أنشأها.
ويعني إنشاء الكونجرس للوزارة، أن إلغاؤها لا يمكن أن يتم إلا من خلال تشريع يمرره الكونجرس. وبما أن التشريع لإلغاء الوزارة يتطلب أغلبية ساحقة من 60 صوتاً في مجلس الشيوخ، فإنه ترمب بحاجة إلى دعم 7 ديمقراطيين على الأقل لخطته، بعد تأمين الجمهوريين كافة، وهو الأمر المستبعد.
ومع ذلك، يسعى ترمب، عبر الأمر التنفيذي المُنتظر، إلى الحد من صلاحيات الوزارة من خلال منعها من أداء أي وظائف لا تستند بوضوح إلى تشريعات قائمة. كما أن المسؤولين في الإدارة يدرسون كيفية نقل بعض مهام الوزارة إلى وكالات حكومية أخرى، مما قد يساعد في تقليص دورها بشكل غير مباشر.
وفي الوقت نفسه يتضمن الأمر التنفيذي دعوة رسمية للكونجرس للموافقة على خطة تفكيك الوزارة.
ماذا تفعل الوزارة؟
في أحد خطابات ترمب، عن إلغاء وزارة التعليم، قال “سنعيد كل شيء إلى الولايات، حيث ينتمي”، بينما هذا هو الوضع في الولايات المتحدة بالفعل حيث تدير الولايات والمناطق التعليمية، وليس الحكومة الفيدرالية، المدارس العامة.
ولا يمنح الدستور الأميركي الحكومة الفيدرالية سلطة مباشرة على التعليم، حيث يعتبر من مسؤولية الولايات، التي تفوضها بدورها إلى المناطق التعليمية المحلية، وبالفعل، هناك أكثر من 13,000 منطقة مدرسية في الولايات المتحدة، ومعظمها صغير الحجم ومستقل في اتخاذ قراراته، وفق ما ذكر مدير المركز الوطني للسياسة التعليمية وأستاذ سياسة التعليم والقانون في جامعة كولورادو بولدر، كيفين ويلنر.
في حديثه مع “الشرق” أضاف ويلنر، أن دور الحكومة الفيدرالية توسع في التعليم بمرور الوقت.
ويتضمن جزء كبير من وظيفة وزارة التعليم إدارة البرامج، التي يتم تمويلها من خلال الميزانية الفيدرالية، لكن تأثير الحكومة الفيدرالية على تمويل المدارس محدود، حيث تشكل الأموال الفيدرالية أقل من 10% من ميزانيات التعليم، بينما يأتي معظم التمويل من الضرائب المحلية والولائية.
وعلى مستوى التعليم العالي، توفر وزارة التعليم منح Pell “وهي منح تعليمية فيدرالية في تُمنح للطلاب ذوي الدخل المنخفض لمساعدتهم على دفع تكاليف التعليم العالي، ولا تتطلب تسديدها على عكس القروض”، وتدعم الوزارة القروض الطلابية، مما يساعد الطلاب على تحمل تكاليف الدراسة الجامعية. كما أن الحكومة الفيدرالية مسؤولة عن اعتماد الكليات والجامعات لضمان معايير التعليم والجودة.
أما بالنسبة لمرحلة التعليم الأساسي والثانوي (K-12)، فإن الوزارة تلعب عدة أدوار، مثل جمع البيانات وإجراء الأبحاث وإنفاذ قوانين مكافحة التمييز، بالإضافة إلى إدارة برامج تمويلية أخرى.
أشار ويلنر إلى أن أكبر برنامجين من رياض الأطفال حتى الصف الثاني عشر هما قانون تعليم الأفراد ذوي الإعاقة (IDEA) وقانون التعليم الابتدائي والثانوي (ESEA) المعروف بالعنوان الأول، وهو الأكبر ويدعم المدارس التي تخدم الطلاب من الأسر ذات الدخل المنخفض.
ولفت ويلنر أن معظم هذه البرامج كانت موجودة قبل عام 1979، عندما تم إنشاء وزارة التعليم كهيئة مستقلة، إذ كانت هذه البرامج تُدار في السابق تحت مظلة وزارة الصحة والتعليم والرفاهية (HEW). وبعد فصل قطاع التعليم ليصبح وزارة مستقلة، تم تغيير اسم HEW إلى وزارة الصحة والخدمات الإنسانية (HHS)، والتي يتولاها روبرت إف. كينيدي الابن في الإدارة الجديدة.
وقال ويلنر إنه في حال تم إلغاء وزارة التعليم، فمن المحتمل أن يتم إعادة هذه البرامج إلى وزارة الصحة والخدمات الإنسانية، مما يعني أن بعض مهام الوزارة الحالية ستستمر، ولكن تحت إدارة مختلفة.
“غسيل دماغ”
وخلال حملته الانتخابية، سعى ترمب إلى تصوير المدارس العامة على أنها “مؤسسات تروج لأيديولوجيات تقدمية متطرفة”، خصوصاً فيما يتعلق بقضايا العرق والجنس.
روّج ترمب وأنصاره إلى أن المدارس العامة تُستخدم كأداة لـ”غرس أفكار تتعارض مع القيم التقليدية، زاعماً أن الأطفال يتعرضون لـ”غسيل دماغ” عبر مناهج تُركز على مسائل مثل المظالم العرقية أو التنوع الجنسي. واستغل هذا الطرح لإثارة القلق بين الأهالي المحافظين، مما ساعد في تعبئة الناخبين الذين يعارضون ما يعتبرونه “تلقيناً سياسياً” داخل الفصول الدراسية.
وأشار هينتون إلى أن ترمب وأنصاره من حركة MAGA يرون أن وزارة التعليم مؤسسة “غير ضرورية وغير فعالة”، ويعتبرونها جزءاً مما يسمونه “الدولة العميقة”، التي يرون أنها تروج لأجندات ليبرالية “مستيقظة” مثل التنوع والإنصاف والشمول (DEI) ونظرية العرق النقدي (CRT).
لكن هذا الخطاب ليس جديداً، بل يتماشى مع الجهود التي بذلها الجمهوريون في السنوات الأخيرة لانتقاد المناهج التعليمية، وحظر كتب معينة، في ولايات مثل فلوريدا وتكساس، ووضع قيود على كيفية مناقشة قضايا العرق والجنس في المدارس.
ويمتد هذا الخطاب إلى مطالبة ما يسميه أنصار ترمب بـ”استعادة حقوق الوالدين”، وتقرير ما يتعلمه أطفالهم، خاصة فيما يتعلق بقضايا الهوية الجنسية.
وفي هذا السياق يدعو مشروع 2025، الذي أعدته مؤسسة هيريتيج البحثية المحافظة، إلى منح الأسر حرية اختيار بيئات تعليمية متنوعة، بما في ذلك المدارس الدينية والتعليم المنزلي، مع دعم حكومي عبر القسائم التعليمية، وهي برامج تمويل حكومية تتيح للآباء استخدام أموال عامة لدفع تكاليف تعليم أطفالهم في المدارس الخاصة، بما في ذلك المدارس الدينية، بدلاً من المدارس العامة.
ورغم تحذير منتقدو “القسائم” من أنها ستضعف التعليم العام عبر تقليص تمويله، أصدر ترمب بالفعل في 29 يناير أمراً تنفيذياً بعنوان “توسيع الحرية التعليمية والفرص التعليمية للأسر”، والذي يفتح الباب أمام الاستخدام الموسع للقسائم العامة.
ما هي خطة ترمب؟
خلال الحملة الانتخابية، نأى ترمب بنفسه عن مشروع 2025، ولكن منذ توليه منصبه في 20 يناير، انعكس “مشروع 2025″، في العديد من أفعاله المبكرة، بما في ذلك كيفية تفكيك وزارة التعليم.
ويقترح المخطط، الذي يستهدف تقليص أكثر من 180 ألف وظيفة مدرس من أصل 3.2 مليون في المدارس الحكومية، إعادة توزيع مهام وزارة التعليم عبر وكالات فيدرالية أخرى، مثل وزارة الصحة والخدمات الإنسانية، تمهيداً لنقل تمويل المدارس العامة من رياض الأطفال حتى الصف الثاني عشر، المعروف باسم العنوان الأول، إلى الولايات. بالإضافة إلى إنشاء مؤسسة حكومية جديدة لإدارة القروض الطلابية الفيدرالية بدلاً من إبقائها تحت إشراف وزارة التعليم.
وأشار مايكل بيتريلي، عضو مجلس إدارة مؤسسة رابطة المعلمين الأميركيين ورئيس معهد توماس بي فوردهام لتعزيز التميز التعليمي، وهو مركز أبحاث محافظ، إلى أن إغلاق ترمب لوزارة التعليم هو في الغالب مجرد حديث سياسي، “لكنه سيسعد قاعدته الانتخابية، ويختبر حدود السلطة الرئاسية”.
وقال بيترلي في حديثه مع “الشرق” إن ما سيكون مثيراً للاهتمام أيضاً، هو ما إذا أمر بنقل أجزاء من الوزارة إلى وكالات أخرى “مما قد يشكل انتهاكاً للقوانين. وعندها سنرى كيف ستتطور الأمور في المحاكم”.
وأضاف بيترلي أنه، بسبب صعوبة إلغاء الوزارة، سيتعين على الإدارة إقناع الكونجرس بقطع التمويل المخصص للطلاب ذوي الإعاقة أو للأطفال المحرومين، “وهو أمر غير مرجح للغاية، نظراً لعدم شعبيته الكبيرة”. لافتاً إلى أن خطط ترمب تبدو متماشية مع النهج التقليدي للإدارات الجمهورية، والتي عادةً ما تحاول تقليص التوجيهات الفيدرالية، وإجراء تعديلات طفيفة على السياسات، وربما منح المزيد من الصلاحيات للولايات والمناطق التعليمية المحلية.
دعم جمهوري لتفكيك وزارة التعليم
خطة ترمب يدعمها بعض المشرعين الجمهوريين، حيث قدم النائب توماس ماسي، في يناير الماضي، مشروع قانون لهذا الهدف، وحصل على تأييد 30 مشرعاً جمهورياً.
ويستند هذا الدعم إلى الاعتقاد بأن القرارات التعليمية يجب أن تكون بيد الآباء، وليس الحكومة الفيدرالية.
وقال ماسي في بيان صحافي إن الولايات والمجتمعات المحلية هي الأقدر على صياغة المناهج الدراسية التي تلبي احتياجات طلابها، “وينبغي للمدارس أن تكون مسؤولة. وللآباء الحق في اختيار الفرصة التعليمية الأكثر ملاءمة لأطفالهم، بما في ذلك التعليم المنزلي، أو المدرسة العامة، أو المدرسة الخاصة”.
لكن وزارة التعليم لا تتحكم في المناهج الدراسية أو قوائم الكتب المدرسية، وإنما تتولى مسؤولية إنفاذ قوانين الحقوق المدنية التي تحظر التمييز في المدارس الممولة فيدرالياً على أساس العرق والجنس وعوامل أخرى.
ومنذ إنشائها عام 1979، كانت وزارة التعليم هدفاً متكرراً للجمهوريين، الذين قدموا أكثر من مشروع قانون في الكونجرس لتفكيكها.
وقال ويلنر إن هذه المشاريع استندت إلى فكرة تقليص التدخل الفيدرالي وإعادة السيطرة على التعليم إلى الولايات، و”تتبنى هذه القوانين أساليب مختلفة، فبعضها يحدد الجهات التي ستُنقل إليها برامج الوزارة، في حين أن البعض الآخر لا يوضح هذه التفاصيل، وهناك مشاريع تضمنت إلغاء بعض البرامج التعليمية إلى جانب إلغاء الوزارة نفسها”.
ورغم الجدل المالي المتعلق دائماً بالتعليم من الروضة إلى الصف الثاني عشر، فإن الجزء الأكبر من ميزانية وزارة التعليم يُنفق على التعليم العالي. إذ يذهب أكثر من 70% من ميزانيتها السنوية، التي تبلغ 224 مليار دولار، إلى برامج المساعدات الفيدرالية للطلاب، مثل القروض والمنح الدراسية.
وفي عهد بايدن، قامت الوزارة بإلغاء أكثر من 167 مليار دولار من ديون الطلاب لما يقرب من 4.75 مليون مقترض، وهو ما يمثل حوالي 10% من حاملي القروض الطلابية الفيدرالية.
أما التمويل الفيدرالي المحدود للمدارس من رياض الأطفال حتى الصف الثاني عشر، فيُستخدم عادةً لتغطية رواتب مساعدي التعليم الخاص، والعاملين الاجتماعيين، وبرامج التدريس الإضافي، وتوظيف معلمين إضافيين لتقليل أحجام الفصول الدراسية. كما تمتلك الوزارة وحدة بحثية تجمع بيانات حول أداء الطلاب، وتقترح أفضل الممارسات التعليمية، لكن اتباع توصياتها ليس إلزامياً، حيث تظل قرارات التعليم في النهاية بيد الولايات والمناطق التعليمية المحلية.
جهود الإدارة لتفكيك الوزارة
ويتعلم 90% من طلاب الولايات المتحدة و95% من الطلاب ذوي الإعاقة في المدارس العامة.
ومع صعوبة إلغاء وزارة التعليم قانونياً، ذكر هينتون أن ترمب يمكنه إعادة توجيه الأموال وخفض عدد الموظفين لتقليص وزارة التعليم بشكل جذري، “وربما حتى جعلها عديمة القيمة – على غرار ما فعله مع الوكالة الأميركية للتنمية الدولية”.
واعتبر ويلنر أنه ما لم تغيّر المحكمة العليا التفسيرات الحالية للدستور الأميركي، لا يمكن إلغاء وزارة التعليم إلا من قبل الكونجرس، مشيراً إلى أن المحاولات السابقة لتمرير مثل هذه القوانين قد فشلت، ويرجع ذلك جزئياً إلى أن عدداً كبيراً من الجمهوريين في الكونجرس لم يدعموا الفكرة.
وبافتراض أن الكونجرس سيتمسك بموقفه المعارض هذا المرة أيضاً، توقع ويلنر أن تستمر إدارة ترمب في تقليص عدد موظفي الوزارة، وتخفيض البرامج القائمة، وإبطاء عمل الوزارة وجعلها أقل فاعلية، “ومع ذلك، فإن الدستور يُلزم السلطة التنفيذية، ممثلة بوزارة التعليم في النظام الحالي، بإدارة البرامج التي أنشأها الكونجرس ومولها”.
واستطرد ويلنر “لكن إذا كان لدى الوزارة عدد أقل من الموظفين وذوي خبرة أقل، وإذا كانت قيادتها تعمل على إبطاء عملها وتقليص مهامها، فسيؤدي ذلك إلى تراجع مستوى الموارد والخدمات والحماية المقدمة للطلاب”.