تطرق ليبيا أبواب العام 2026 محملة بآمال كبيرة للخروج من أزمة استمرت لسنوات وأثقلت كاهلها، حيث ستكون أمام استحقاقات مهمة، أبرزها خطة لإجراء انتخابات، وتوحيد مؤسسات متوزعة بين شرقها وغربها، وهو مسار من المتوقع أن يواجه تعقيدات وسط الانقسامات السياسية الحادة.

ومنذ انهيار نظام الرئيس السابق معمر القذافي عام 2011، غرقت ليبيا في فوضى سياسية وأمنية فاقمتها التدخلات الخارجية، وحرمت الليبيين المنهكين من ثروات بلادهم الهائلة. كما لم تنجح البلاد في مغادرة حلقة مغلقة من العنف والانقسام، رغم كثافة المبادرات الإقليمية والدولية المتعاقبة.

وتتنازع على السلطة في ليبيا حكومتان، إحداهما “مقالة من البرلمان” في طرابلس (غرب) برئاسة عبد الحميد الدبيبة، والثانية مُكلفة من البرلمان وتدير مناطق الشرق وبعض مدن الجنوب، ويرأسها أسامة حمّاد.

مع ذلك، يبدو مستوى التفاؤل أكثر ارتفاعاً مما كان عليه في السنوات السابقة، وذلك في ظل استعدادات أكثر وضوحاً لتحقيق انفراجة سياسية، والذهاب نحو توافق يُنهي الأزمة ويُعيد بناء الدولة.

وما بين استحقاقات منتظرة وتحديات مستمرة، يمضي التفاؤل والحذر في خطّيَن متوازيين، ليرسما ملامح عامٍ، في عمر أزمة بلد، قد يتمكّن من أن يخطو خطوات عملية نحو انفراجة نسبية، شريطة أن ينجح أطرافه في حسم الخلافات التشريعية.

انتخابات وعقبات

عندما أكدت المفوضية الوطنية العليا للانتخابات في ليبيا جاهزيتها لمباشرة تنفيذ الانتخابات الرئاسية والنيابية في منتصف أبريل 2026، كان السؤال الأبرز حينها: هل يمكن فعلاً إجراء الاقتراع في هذا التاريخ؟

حيزٌ زمنيُّ يبدو ضيقاً، نظراً إلى حجم الخلافات والتحديات التي تتطلب، فعلياً، وقتاً أكبر لحلها بما يُهيئ قاعدة إجراء الاستحقاقات، وهذا ما أشارت إليه المفوضية نفسها ضمنياً حين أعلنت جاهزية مشروطة بتوفير متطلبات التمويل والتأمين.

وفي حديث لـ”الشرق”، رأى سلامة الغويل، وزير الدولة السابق للشؤون الاقتصادية في حكومة الوحدة (غرب)، أن الاستعدادات تبدو أكثر وضوحاً من مراحل سابقة، لكن “التجربة الليبية تؤكد أن المشكلة ليست في الإجراءات، بل في غياب البيئة السياسية والأمنية الضامنة”.

وقال الغويل إن ليبيا “لا تزال تعيش ازدواجية في السلطة ومؤسسات منقسمة، فيما يُطرح الاستحقاق الانتخابي بوصفه مخرجاً للأزمة رغم غياب توافق حقيقي على القواعد الدستورية وشكل النظام السياسي”.

وفي ظل هذا الواقع، يخشى الوزير السابق، وهو مرشح مستقل لرئاسة الحكومة الانتقالية المقبلة، أن “تتحول الانتخابات إلى أداة لإعادة إنتاج الانقسام بدلاً من تجاوزه”.

وفي رده على سؤال بشأن أبرز عقبات الداخل والخارج، أشار الغويل إلى الأوضاع الأمنية وما تشهده من تصاعد الحشود العسكرية في ليبيا، حيث “يُشكِّل انتشار السلاح وتعدُّد مراكز النفوذ، تحدياً مباشراً لأي اقتراع وطني شامل، رغم نجاح محدود لبعض الانتخابات المحلية”.

أما دولياً، فقد أوضح أنه “رغم الخطاب الداعم، لكن يبدو المجتمع الدولي غير جاد بما يكفي لتمكين ليبيا من التعافي الكامل، إذ تُدار الأزمة بمنطق الاحتواء لا الحل، وتُقدَّم المصالح والتوازنات على بناء دولة مستقرة ذات سيادة فعلية”.

مؤشرات سلبية

من جانبه، ذهب الدكتور الكاتب والباحث السياسي الليبي محمد محفوظ إلى أبعد من ذلك، إذ استبعد إجراء انتخابات في 2026، وذلك بناء على المؤشرات المتوفرة، وفق رأيه.

يعود تشاؤم محفوظ إلى الصعوبات التي تعرقل تنفيذ خارطة الطريق الأممية، وهي واحدة من مسارات الحل في ليبيا، وسبق أن أعلنتها الممثلة الخاصة للأمين العام للمنظمة في ليبيا هانا تيتيه، أغسطس الماضي، ومن المفترض أن تقود نحو إجراء الانتخابات.

ركائز الخريطة السياسية للبعثة الأممية إلى ليبيا:

  • قيام مجلسي النواب والدولة بتعيين مجلس المفوضية العليا للانتخابات وإدخال تعديلات على القوانين الانتخابية.
  • توحيد المؤسسات عبر تشكيل حكومة موحدة.
  • “الحوار المُهيكل”، والذي يقتضي اختيار 120 ممثلاً وممثلة من البلديات، والأحزاب، والجامعات، والمؤسسات بما فيها الأمنية، ومن مكونات المجتمع الليبي.

وفي حديث لـ”الشرق”، قال الخبير، المنحدر من غرب ليبيا، إن “جميع المؤشرات سلبية ولا تدل على أن هناك انتخابات ستعقد العام المقبل، على الأقل بتقدير ما هو متاح أمامنا”.

وأضاف أنه “في الشهرين الأولين من عمر الخارطة، لم يتم الالتزام بما هو مطلوب. أي إقرار القوانين الانتخابية أو تعديلها، وأيضا ملء الشواغر في مفوضية الانتخابات. هذه كانت مسؤولية مجلس النواب والمجلس الأعلى للدولة (نيابي استشاري)، لكنهما لم ينجحا أو حتى لم يعملا في هذا الإطار، وبالتالي كان هذا تحدياً لم تستطع البلاد تجاوزه”.

وأشار محفوظ إلى استمرار الخلاف بين المجلسين حول آليات وشروط اختيار شاغلي المناصب السيادية، وعلى رأسها إدارة مفوضية الانتخابات التي تعتبر البوابة الوحيدة لإجراء الاستحقاقات المتعثرة منذ 2021.

خلافات “النواب” و”الدولة”

الخلافات بين مجلس النواب والمجلس الأعلى للدولة في ليبيا من الأسباب الرئيسية التي يعتقد خبراء أنها تجعل من الصعب إجراء الانتخابات في 2026، وهذا ما عكسته ضمنياً تصريحات أدلت بها المسؤولة الأممية خلال إحاطة قدمتها مؤخراً أمام مجلس الأمن الدولي.

وقالت تيتيه إن “غياب الثقة بين المجلسين يمنع إحراز أي تقدم في ملف إعادة تشكيل مجلس المفوضية”، مشيرة إلى أنه “لم يحدث تقدم حتى الآن في ملف إعادة تعيين مجلس إدارة المفوضية، ولم يستجب مجلسا النواب والدولة لمطلبنا بإعادة تشكيله”.

وأوضحت أن المجلسين عاجزين عن التغلب على خلافاتهما رغم الاتفاق المبرم بينهما في 28 سبتمبر الماضي لإعادة تشكيل مجلس إدارة مفوضية الانتخابات خلال 10 أيام، على أن يُنظر لاحقاً في باقي المناصب السيادية.

وخلافات المجلسين لا تلقي بظلالها فقط على ملف المناصب السيادية، بل أيضاً على الإطار الدستوري والقانوني للاقتراع نفسه، والذي يُشكل أحد الركائز الأساسية للخارطة الأممية في ليبيا.

وهذا ما أشارت إليه تيتيه بالقول إن المجلس الأعلى للدولة “حل وفده إلى لجنة 6+6 خلال عام 2023 في قرار شهد خلافات داخلية، ولم نتلقّ إلا في 18 ديسمبر رسالة من رئاسة المجلس تفيد بإعادة تشكيل وفده إلى اللجنة”.

واعتبرت أن ذلك “يتيح الآن فرصة للانخراط في مناقشة هذه المسائل (القاعدة الدستورية للانتخابات) ونلاحظ أن هذه المسألة كانت محل خلاف داخل المجلس الأعلى للدولة”.

وتتولى لجنة 6″+6″ مهمة إعداد القوانين الانتخابية بتكليف من المجلسين، وتضم 6 ممثلين عن كل مجلس، لكن رغم إعلانها اكتمال مهمتها في يونيو 2023، ظلّ المجلسان في حالة خلاف حول نقاط عالقة، من بينها شروط ترشح العسكريين، وحَمَلة الجنسيات الأجنبية، وآلية إجراء الانتخابات بالتزامن أو على مراحل.

حرب اتهامات

وتنص خريطة الطريق الأممية لحل الأزمة الليبية على أن مراجعة القوانين الانتخابية تُشكل أحد أهم بنود المرحلة الأولى، إلا أن مجلسي النواب والدولة لم يبحثا حتى الآن تلك القوانين أو يُحرزا أي تقدم في هذا المسار.

ومطلع الشهر الجاري، رمى عبد الحميد الدبيبة، رئيس حكومة الوحدة الوطنية في طرابلس، الكرة بملعب المجلسين، معتبراً أن الخلاف حول القوانين الانتخابية بينهما هو “العائق الرئيسي” أمام إجراء الانتخابات.

وفي تعقيبه، أعرب عبد المنعم العرفي، عضو مجلس النواب (بنغازي/شرق) عن اعتقاده أن “ما تقوم به البعثة الأممية من إدارة الحوار المُهيكل (يهدف) للضغط (على المجلسين) ونتائجه غير ملزمة”، لكنه رأى في الوقت نفسه أن “هناك رؤى وحلولاً يمكن البناء عليها، خاصة ما يتعلق بالمسائل الجوهرية، سواء كانت قوانين الانتخابات أو شكل الدولة أو نظام الحكم، وكل هذه الرؤى ستخرج من الحوار المُهيكل”.

والحوار المهيكل (Structured Dialogue) هو مسار سياسي أطلقته بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا (UNSMIL) في ديسمبر 2025، ويضم 124 شخصية من مختلف أنحاء البلاد، ويُعد أحد الأركان الأساسية في خارطة الطريق الأممية.

وفي تصريح لـ”الشرق، قال العرفي إن المباحثات الجارية تُشكّل “وسيلة ضغط على المجلسين، بحكم أن مجلس الدولة أصبح استشارياً بموجب الاتفاق السياسي الذي جعل منه شريكاً لمجلس النواب، والأخير هو الجسم التشريعي الوحيد”.

واتهم النائب عن بنغازي (شرق) مجلس الدولة بـ”عرقلة” اتفاق سابق، حين شكل مجلس النواب لجنة لفرز ملفات شاغلي المناصب السيادية بالاتفاق مع مجلس الدولة ضمن اجتماعات تشاورية سابقة بين المجلسين في بوزنيقة المغربية.

وبحسب العرفي، فإن مجلس الدولة “لم يلتزم بهذا الاتفاق، بل ضرب به عرض الحائط وفتح باب الترشح”. ويرى بالتالي أن الحوار المُهيكل يشكل ضغطاً على المجلسين لتلافي الخلافات وحل الملفات العالقة، وفي مقدمتها تعيينات المناصب السيادية.

في المقابل، اتهمت أمينة محجوب، عضو المجلس الأعلى للدولة في ليبيا، مجلس النواب بأنه “سبب الانسداد السياسي”، وحمّلته مسؤولية “عدم التوافق على تعيين المناصب السيادية وإجراء الانتخابات الرئاسية والبرلمانية”.

ومع ذلك، لفتت محجوب إلى وجود “تواصل مع بعض أعضاء مجلس النواب ممن لديهم رغبة في تسمية مجلس مفوضية الانتخابات”، وقالت: “في حال اتفقنا، أرى أنه ينبغي أن نتخذ خطوة جريئة لتسمية رئيس المفوضية (الانتخابات). نحن نبحث عن إيجاد مخرج لإجراء انتخابات برلمانية ورئاسية”.

التمويل والتأمين

شرطان من بين 3 ربطت بهم مفوضية الانتخابات جاهزيتها لإجراء الاستحقاقات في 2026، وهذا ما يجعل الحيز الزمني الذي حددته (في أبريل المقبل)، أقل مما يمكن أن تتطلبه معالجة ملفات بالغة التعقيد.

وحول هذه الجزئية، قال الباحث السياسي الليبي عبد الله الغرياني، إن بيان المفوضية الذي حدد إجراء الانتخابات في أبريل المقبل هو نفسه الذي طرح 3 ملفات مهمة يجب معالجتها قبل حلول الموعد المقرر، أولها يتمثل في التمويل، والذي يتطلب “مؤسسة مالية موحدة”.

أما ثاني الملفات التي قد تُعيق إجراء الانتخابات فهي مسألة التوافق التي تبدو غائبة اليوم، ورأى الغرياني أن “المسار الأممي قد يستغرق بين 4 و6 أشهر”.

في حين يتمثل ثالث الملفات في مسألة تأمين الانتخابات، وحول ذلك أشار الغرياني إلى أنه “بينما جرت انتخابات البلدية في شرق ليبيا وجنوبها، تعثرت في مناطق أخرى حيث تواجه العملية تحديات أمنية بعد الاشتباكات والمواجهات التي حدثت إثر انتخابات المجالس المحلية”.

تشكيك في جدوى “الحوار المُهيكل”

ويعد “الحوار المهيكل” الذي أطلقته الأمم المتحدة التجربة الثالثة في عمر الأزمة الليبية (سبقه حوار في 2020 وآخر في 2015). ومن المنتظر أن يُفضي إلى نتائج في 2026، عادة ما تكون على شكل مخرجات أو توصيات غير ملزمة.

وترى الأمم المتحدة في هذا الحوار أحد ركائز خارطة الطريق السياسية في ليبيا، والتي تتألف إضافة للحوار، من مسارين آخرين، هما اعتماد إطار انتخابي فني متماسك وقابل للتنفيذ لإجراء الاقتراع الرئاسي والتشريعي، إلى جانب توحيد المؤسسات عبر تشكيل حكومة موحدة جديدة.

لكن بالنظر إلى صبغتها، يرى عضو المجلس الأعلى للدولة أحمد اهمومة، في تصريحه لـ”الشرق”، أن “هذا الحوار ليس له أي دور في تشكيل المشهد الليبي لأن نتائجه وتوصياته غير ملزمة للبعثة ولا لأطراف النزاع في ليبيا”.

بدوره، يتبنّى الباحث السياسي محمد محفوظ الطرح نفسه، حيث رأى أن “الكثير من المعطيات تدفع للتشكيك في قدرة مخرجات الحوار على أن تتبنى أو تضفي صيغة إلزامية إذا ما ذهبت إلى مجلس الأمن”.

والحوار الذي أطلقته الأمم المتحدة في 14 ديسمبر الحالي، “يحيط به الكثير من اللغط” ، وفقاً لمحفوظ، الذي لفت إلى أن “من بين المشاركين من لا يتوافق مع المعايير التي طرحتها البعثة الأممية في البداية، إضافة إلى عدم وجود تمثيل حقيقي للبلديات”.

وتابع الباحث الذي يُقيم غرب ليبيا: “كما أن مسألة الاختيارات كانت بناء على عنصر الخبرة، وهذا الأمر أيضاً يصطدم بالكثير من الأسماء المشاركة في الحوار”.

وفي ظل تفاؤل البعض وتشاؤم البعض الآخر، توقّع الباحث السياسي عبد الله الغرياني، أن يفضي الحوار، بالنظر إلى إطاره الواسع، إلى حلول تضع معالجات لبعض اللجان أو الخطوط الموجودة، لكنه أعرب في الوقت نفسه عن اعتقاده بأن “هذه المسألة تظل معقدة جداً، وتقود أيضاً إلى وضع غير معروف”.

سيناريوهات 2026

في قراءة استشرافية لما قد يكون الحال عليه في ليبيا العام المقبل، قال الوزير السابق سلامة الغويل إن “2026 قد يفتح الباب لـ3 سيناريوهات، إما انتخابات تُنتج شرعية موحدة، أو اقتراع منقوص يزيد الانقسام، أو تأجيل جديد تحت عناوين توافقية”.

وأضاف: “السيناريو الأول، رغم كونه الأفضل، لأنه يرتبط بشرعية موحدة، لكنه يظل رهين بإرادة داخلية صلبة وضغط دولي مسؤول يذهب إلى جوهر الأزمة لا إلى إدارتها”.

ونبه الغويل في حديث لـ”الشرق”، أن ليبيا “لا تحتاج فقط إلى صناديق اقتراع، بل إلى تسوية سياسية شاملة تُوحِّد المؤسسات وتُعيد الاعتبار للقرار الوطني، ودون ذلك، ستظل الانتخابات موعداً مؤجلاً لحل لم يكتمل”.

من جانبه، قدّم المحلل السياسي الليبي كامل المرعاش رؤية أكثر تشاؤماً للمرحلة المقبلة، متوقعاً أن تراوح الأزمة مكانها في 2026، خصوصاً في ظل عدم تحقيق أي تقدم بملف المناصب السيادية بين المجلسين.

مع ذلك، يبقى الإشكال الأكبر المتعلق بتنظيم الانتخابات، وفقاً للمرعاش، في مدى القدرة على توحيد المؤسسة العسكرية بوجود المئات من التشكيلات المسلحة في شمال غرب ليبيا والتي تتحكم في أكثر من 26 مدينة.

وفي حديث لـ”الشرق”، تساءل الخبير المنحدر من شرق البلاد، عما إن كان من الممكن فعلاً “إجراء انتخابات شفافة ونزيهة في ظل وجود هذا الكم الهائل من التشكيلات التي تجذرت منذ أكثر من 10 سنوات وبات لها نفوذ؟”.

أما المحلل السياسي أحمد المهدوي، فقد حذّر من مخاطر إنتاج أزمات جديدة، إذ رأى أن “الاستحقاقات الليبية لم تعد مطالب مستقبلية بقدر ما أصبحت التزامات مؤجلة، بما في ذلك إجراء انتخابات رئاسية وتشريعية كان يفترض أن تُنجز منذ سنوات”.

وقال المهدوي: “تقف التحديات كجدار سميك أمام أي محاولة جدية للحل، فالمشهد الأمني في الغرب الليبي لا يزال هشاً، وسط انتشار المجموعات المسلحة، وتضارب الولاءات، بينما تستمر التدخلات الخارجية في تعميق الانقسام”.

وأشار إلى “تآكل ثقة المواطن في النخب السياسية التي أثبتت في كثير من المحطات عجزها عن تقديم حلول وطنية جامعة”.

توحيد السلطة.. المهمة الصعبة

الرهان على العام 2026 لتحقيق انفراجة سياسية في ليبيا، يعكس في جوهره، بحسب رأي المهدوي، حالة إرهاق سياسي عام، وذلك باعتباره “رهاناً على متغيرات خارجية أكثر منه على إرادة داخلية، وعلى إعادة ترتيب دولية قد تفرض تسوية ليست لأنها عادلة بالضرورة بل لأنها ممكنة”.

غير أن التجربة الليبية، وفقاً للمهدوي، أثبتت أن الحلول المفروضة زمنياً من دون معالجة حقيقية لجذور الأزمة “سرعان ما تنهار أو تتحول إلى أزمات جديدة”.

وفي طرح مشابه، يستبعد إجراء الانتخابات في 2026، توقع الغرياني أن النصف الأول من العام المقبل سيكون للبحث عن حلول، سواء في الإطار الأممي أو الإقليمي، وهو الخط الذي يرتكز على “التوجه نحو توحيد الحكومة، وبناء على هذا التوحيد يتم إجراء الانتخابات”.

ورأى الغرياني أن “توحيد السلطة أمر صعب جداً، وحتى هذا اليوم لا يزال مجلسا النواب والدولة في خلاف حول هذه المسألة، مع وجود سلطة انتهت شرعيتها في طرابلس وفشلت في إتمام الخارطة السياسية للحل السياسي الشامل”، بحسب قوله.

وخلص إلى أن جميع هذه المعطيات تشير إلى أن “الوضع السياسي في ليبيا لن يخطو إلى الأمام في خط التوافق والانسجام”.

ما الحل؟

أما ما يتعلق بالحلول الممكنة للأزمة الليبية، قال المهدوي إنه “إذا كان لعام 2026 أن يحمل أملاً حقيقياً، فإن ذلك لن يتحقق بتكرار المسارات ذاتها، ولا بإعادة تدوير الوجوه نفسها، ولا بالارتهان لحوارات شكلية تفتقد الإرادة السياسية، بل يبدأ الحل من الاعتراف بأن الأزمة الليبية سياسية سيادية في جوهرها، وأن أي تسوية لا تضع مصلحة الدولة فوق الحسابات الضيقة محكوم عليها بالفشل”.

وخلص إلى أن السؤال سيبقى مفتوحاً: “هل سيكون 2026 عاماً لكسر الحلقة المفرغة أم محطة جديدة في مسلسل التأجيل؟”، معتبراً أن “الإجابة لا يحددها الزمن وحده، بل تحددها قدرة الليبيين على امتلاك قرارهم من جهة، وجرأتهم على إعادة تعريف مسار الحل بعيداً عن البعثة الأممية وحوارها المُهيكل الذي لا يبشر بأي حلول، من جهة أخرى”.

من جانبه يعود عضو المجلس الأعلى للدولة أحمد اهمومة ليتساءل عما إذا كانت “الانتخابات الرئاسية هي الحل لمشكلة ليبيا أم أنها تكرس الانقسام وزيادة التوتر ومقدمة لحرب تشمل كل ربوع ليبيا؟”.

وأوضح مقاربته السياسية قائلاً: “الجميع يعلم الكم الهائل من المرشحين في ظل عدم وجود معايير صارمة للترشح وفرص متساوية للفوز، لأن بينهم من يملك السلطة والنفوذ والقوة، ثم أن الفائز من الشرق هل سيتمكن من ممارسة سلطته على الغرب؟ وماذا لو حصل العكس؟ نحن إذن أمام معضلات وعوائق لا تسمح بإجراء انتخابات رئاسية”.

ورغم ذلك، رأى اهمومة أن “الحلول موجودة، لكن الإرادة غير متوفرة في من يتصدر المشهد السياسي”، معرباً عن أمله في أن تفك 2026 “شفرة الاستقرار السياسي في ليبيا”.

بدوره، اعتبر الباحث السياسي محمد محفوظ أن “هناك من يرى الحل في الانتخابات، وبين من يعتقد أنه بمجرد أن تتوافق السلطة على شيء ما، حتى لو كان على حساب الانتخابات، فإن السلطة تستمر بأطر موحدة”.

واستدرك محفوظ: “لكن الحل الحقيقي يكمن في الانتخابات من دون أدنى شك، لا سيما أن مسألة الصفقات بين الأطراف جُربت في الكثير من الأحوال ولم تنجح”.

الاستفتاء.. حل؟

يدعم رئيس الحكومة المقالة من البرلمان عبد الحميد الدبيبة سيناريو طرح مشروع الدستور للاستفتاء الشعبي، مؤكداً أن تمكين الليبيين من قول كلمتهم في الدستور “هو المدخل الحقيقي لإنهاء الانسداد السياسي، والانتقال إلى انتخابات رئاسية وبرلمانية مباشرة”.

وهذا الطرح يتبناه أيضاً اهمومة، معتبراً أن “الاستفتاء من الاستحقاقات التي تجاهلها الجميع، خصوصاً أن الدستور أعدته لجنة منتخبة منذ 2017، وهو الاستحقاق الذي تم انتخاب المجلسين من أجل إنجازه”.

واستنكر عضو المجلس الأعلى للدولة ما وصفه بـ”مراهنة المجتمع الدولي على حل فاشل قد يدُخل البلاد في فوضى جديدة عبر إجراء انتخابات رئاسية دون قاعدة دستورية”.

وعلى خلاف هذا الرأي، قالت عضو مجلس الدولة أمينة محجوب لـ”الشرق” إن “الهيئة التي أعدت الدستور منتخبة من الشعب وليست معينة، وبالتالي لا توجد حاجة لإجراء استفتاء عليه”.

شاركها.