تعددت القراءات لزيارة مسعد بولس، مستشار دونالد ترمب لشؤون العالم العربي وإفريقيا، إلى ليبيا، ولقائه مسؤولين  كباراً في طرابلس وبنغازي.

ويرى خبراء أن الزيارة تهدف إلى جس نبض الأطراف الليبية حول فرص التوصل إلى توافق، بينما يعتقد آخرون أنها قد تمثل مناسبة لإبلاغ القادة الليبيين بالخطوط العريضة لمبادرة أميركية محتملة، قد يُعلن عنها قريباً بناءً على نتائج هذه اللقاءات.

لكن إجمالاً، يتفق الجانبان على أن إدارة ترمب تدخل بثقلها في الملف الليبي عبر طرح ملامح الوضع النهائي الذي قد تطمح لتكريسه، من خلال حل سياسي يحرك القضايا العالقة والملفات الراكدة.

غير أن واشنطن تريد قبل كل ذلك التأكد من أنها قادرة على إقناع الفرقاء الليبيين، لتأمين ظروف تضمن تطبيق مشروعها على أرض الواقع وتحقق له النجاح، وفقاً لتحليلات خبراء تحدثوا إلى “الشرق”.

شراكة استراتيجية مع واشنطن

في مطار معيتيقة الدولي، وصل بولس في زيارة رسمية قادماً من تونس، تُعد الأولى لمسؤول أميركي رفيع منذ عودة دونالد ترمب للبيت الأبيض في يناير الماضي.

وفي زيارته للعاصمة الليبية، التقى بولس رئيس حكومة “الوحدة الوطنية” المقالة من قبل البرلمان عبدالحميد الدبيبة، ورئيس المجلس الرئاسي محمد المنفي، ومحافظ مصرف ليبيا المركزي ناجي عيسى ورئيسة البعثة الأممية هانا تيتيه.

وفي بيان اطلعت عليه “الشرق”، قال المكتب الإعلامي للدبيبة إن زيارة بولس لليبيا تأتي “في إطار تعزيز التعاون الثنائي ومتابعة آفاق الشراكة الاستراتيجية بين البلدين”.

وأوضح البيان أن اللقاء بين الدبيبة وبولس تناول آفاق الشراكة الاقتصادية وجهود الاستقرار، إذ ناقش الجانبان فرص التعاون في مجالات الطاقة والمعادن والبنية التحتية والصحة والاتصالات.

ونقل البيان عن الدبيبة حرص حكومته على بناء شراكات اقتصادية مع الولايات المتحدة، بما يفتح المجال أمام كبرى الشركات الأميركية للمشاركة في مشاريع التنمية والاستثمار.

وقدّم الفريق الحكومي عرضاً تفصيلياً لأوجه الشراكة الاستراتيجية الاقتصادية الليبية، والمقدرة بنحو 70 مليار دولار، شاملة مشاريع جاهزة في قطاعات الطاقة والمعادن والكهرباء والبنية التحتية والاتصالات، بما يتيح دخولاً منظماً ومباشراً للاستثمار الأميركي في السوق الليبي.

كما جرى التطرق إلى مستجدات قطاع النفط، خاصة ما يتعلق بالفرص المتاحة في القطع النفطية الجديدة، سواء البحرية أو البرية، والجهود المبذولة لتعزيز الشفافية وتحقيق عوائد مستدامة في إطار استقرار قطاع الطاقة.

من جهته، عبّر بولس عن دعم الإدارة الأميركية لجهود الاستقرار في ليبيا، مؤكداً اهتمام واشنطن بمواصلة التنسيق وتوسيع مجالات التعاون مع حكومة الوحدة الوطنية.

الجيش الليبي والتوازنات

في الشرق الليبي، وتحديداً في بنغازي، عقد مستشار ترمب لقاءً بارزاً مع القائد العام للجيش الليبي، المشير خليفة حفتر، في اجتماع تصدره موقف القيادة العامة من العملية السياسية في ليبيا بشكل عام، وعدد من الملفات العالقة على وجه الخصوص.

وخلال المباحثات، استعرض حفتر دور الجيش الليبي في محاربة الإرهاب وتأمين التوازنات الإقليمية.

من جهته، قال بولس عقب اللقاء: “ناقشنا دعم الولايات المتحدة للجهود الليبية الرامية إلى توحيد المؤسسات، وتعزيز السيادة، ورسم مسار نحو الاستقرار والازدهار، من خلال الحوار السياسي”.

وأشاد المسؤول الأميركي، في منشور عبر منصة “إكس”، بجهود القيادة العامة للجيش في تحقيق الأمن والاستقرار داخل ليبيا، مشدداً على أن “هذا الاستقرار يشكل ركيزة أساسية تساهم في حفظ أمن واستقرار دول المنطقة بأسرها”.

ويرى المحلل السياسي الليبي فرج فركاش، أنه من المبكر الحكم على نتائج التحرك الأميركي الأخير في ليبيا بقيادة بولس، معتبراً أنه يمكن النظر إلى هذه الزيارة على أنها جولة استطلاع واستماع، ويحاول من خلالها المبعوث تشكيل فكرة أعمق عما يحصل في ليبيا.

وقال فركاش إن “بولس أجرى لقاءات عدّة، لكنها لم تتضمن أي وعود قاطعة من الجانب الأميركي باستثناء تكرار التأكيد على وحدة ليبيا وتحقيق الاستقرار والازدهار، إضافة إلى تعزيز الصفقات التجارية ودفع العملية السياسية قدماً، دون توضيح الآليات والسبل للوصول إلى هذه الأهداف”.

إعادة تسويق الحكومة

وينتقد فركاش كثرة التصريحات “عن تعزيز الجهود من أجل توحيد المؤسسات بما فيها العسكرية والأمنية، وسط غياب الحديث عن أي دعم لجهود البعثة الأممية، كما كان يكرر المبعوث الخاص سابقاً ريتشارد نورلاند”.

وهو الرأي الذي اتفق معه الباحث السياسي الليبي، محمد امطيريد، في إشارة إلى أن زيارة بولس إلى طرابلس أثارت موجة من التساؤلات والانتقادات.

وربط امطيريد في حديثه لـ”الشرق”، الانتقادات بسياق يتسم بـ”ظرف داخلي بالغ التعقيد وتدهور أمني ملحوظ، واحتقان سياسي متصاعد، وتعثر واضح في المسار الانتخابي”.

ويرى امطيريد أن “الزيارة التي رافقتها تصريحات دعائية من مسؤولي حكومة طرابلس، بدت وكأنها محاولة لإعادة تسويق حكومة فقدت شرعيتها داخلياً، أمام الخارج، عبر تفاهمات غير واضحة المعالم”.

أما أستاذ العلوم السياسية أحمد المهدوي، فيعتبر أن زيارة بولس جاءت “في وقت حساس بالنسبة للملف الليبي”، موضحاً لـ”الشرق” أن “واشنطن تسعى إلى دعم العملية السياسية والانتخابات في ليبيا، وتعزيز التعاون مع مختلف الأطراف الليبية”.

وتوقّع أن تساهم هذه الزيارة في تعزيز العلاقات الثنائية بين الولايات المتحدة وليبيا، وأن تفتح آفاقاً جديدة للتعاون في مجالات متعددة بما في ذلك الاقتصاد والأمن والسياسة.

ويرى المهدوي أن زيارة بولس تسعى إلى تحقيق أهداف عدّة لواشنطن، من بينها تعزيز التعاون الاستثماري والاقتصادي، ودعم جهود توحيد المؤسسات السيادية، إضافة إلى تعزيز التعاون الأمني والعسكري.

ولكنّه لا يعتقد أن زيارة بولس سيصبح لها “أي انعكاس في مسار الانتخابات أو تشكيل الحكومة”، خاصة أن واشنطن “تدعم إجراءات ومسار البعثة الأممية في ليبيا والذي هو في الأساس متعثر”.

70 مليار دولار.. عرض يثير الجدل

أشعل العرض التفصيلي الذي قدمته حكومة الدبيبة، لأوجه الشراكة الاستراتيجية الاقتصادية الليبية مع واشنطن، والمقدرة بنحو 70 مليار دولار، جدلاً واسعاً.

واعتبر فركاش أن حكومة الدبيبة “حاولت استخدام زيارة بولس لتعزيز شرعيتها الدولية”، وألقت ما وصفه بـ”الطُعم” لاستمالة إدارة ترمب بعرض مشاريع قيمتها 70 مليار دولار”، ولكنه يرى أن عروضاً مماثلة “لن تتم إلّا في إطار حكومة موحدة تمثل كل الليبيين”.

وذكر أن كان هناك حديث عن عرض من حكومة الدبيبة في زيارة وفدها سابقاً إلى واشنطن، ومطالبتها بالإفراج عن 30 مليار من الأموال الليبية المجمدة، مقابل استثمار 10 مليارات في الولايات، وهو ما لم يتحقق حتى الآن، وفقاً لفركاش.

فيما لفت امطيريد إلى أن الشراكة الاقتصادية التي عرضها الدبيبة تأتي “في وقت تعجز فيه الحكومة نفسها عن تنفيذ مشاريع خدمية أساسية داخل البلاد، وتواجه اتهامات متكررة بإهدار المال العام والفساد المؤسسي”.

فرصة استثمارية أم ملف أمني؟

وحذر من “عدم وجود أي غطاء قانوني أو دستوري لهذه الالتزامات، ولا أي ضمانات بأن من يفاوض باسم ليبيا يفعل ذلك بإرادة وطنية حقيقية”.

وهو تحذير تبناه أيضاً رئيس الائتلاف الليبي- الأميركي فيصل الفيتوري، بقوله إن “المال وحده يشتري المواقف الدولية”.

ويوضح الفيتوري في منشور عبر فيسبوك، أن “الاعتقاد بأن تقديم التنازلات العشوائية سيُكافأ بدعم سياسي أو بقاء في السلطة هي حسابات لا تنطبق على محددات السياسة الأميركية التي تتحرك وفق قوانين مؤسسية لا تقبل المقايضة خارج إطار الانتخابات والشرعية والتوازن الميداني”.

وشدد على أن “الإدارة الأميركية سواء كانت جمهورية أو ديمقراطية لن تغامر بإعادة صياغة المشهد الليبي، بما يُهدد مصالحها الاستراتيجية في الشرق، أو يُزعزع ملفات الأمن والطاقة مقابل وعود مؤقتة أو عروض غير قابلة للتنفيذ”.

واعتبر الفيتوري أن “الدبيبة يعتقد أنه بعرض مشاريع بـ70 مليار دولار سيغري واشنطن ويجذب اهتمام إدارة ترمب، لكن الحقيقة أن من يفكر بهذه الطريقة يتجاهل أمرين جوهريين أولهما أن أميركا تنفق مئات المليارات كل شهر ولن تتأثر بعرض مالي من حكومة مؤقتة”.

وثانيهما، وفقاً للفيتوري، فإن “ليبيا ليست مطروحة كفرصة استثمارية، بل كملف سيادي أمني مدرج ضمن قانون الاستقرار وقانون الإدارة العشرية وهو ما يحدد التعامل الأميركي مع ليبيا بشكل صارم”.

والحل بالنسبة لواشنطن، كما يراه الفيتوري “لا يقوم على المال، بل على ترتيبات تشمل الانتخابات العادلة وتوازن المؤسسات وعدم المساس بالنفوذ القائم في الشرق الليبي”.

غير أن المهدوي يذهب لأبعد من ذلك، بقوله إن عرض 70 مليار دولار على بولس للاستثمار في ليبيا يشكل “محاولة لاستمالة أميركا من أجل دعم بقاء هذه الحكومة (الوحدة الوطنية)، أو ضمان خروج آمن لها دون محاسبة قضائية”.

رسالة متعددة الأبعاد

ويرى امطيريد، أنه لا يمكن عزل زيارة بولس عن الوضع المتوتر في العاصمة طرابلس والمنطقة الغربية عموماً، حيث تتصاعد التحركات المسلحة والاختراقات الأمنية بوتيرة مقلقة.

واعتبر أن “كل ما يروج لدعم أميركي أو وعود استثمارية لم ينعكس إيجاباً حتى على الحد الأدنى من الاستقرار الأمني، بل يبدو أنه يُستغل داخلياً من طرف الحكومة كغطاء سياسي لتصفية حساباتها مع الخصوم، وتحصين وجودها الهش”.

وإجمالاً، يعتقد مراقبون أن تعقيدات الوضع الأمني والسياسي تجعل التحرك الأميركي، متمثلاً في زيارة بولس، يتخذ طابعاً استكشافياً وتنسيقياً، وهو ما يعد بمثابة رسالة متعددة الأبعاد تشير إلى دعم التوافق ولكن أيضاً تعد تحذيراً من اللجوء إلى الخيار العسكري.

وبحسب تصريحات سابقة لمسؤولين أميركيين، فإن واشنطن لا تخفي موقفها الداعم للمسار الانتخابي باعتباره المخرج الوحيد من الأزمة، ولذلك فهي ترى في تعثر الانتخابات تكريساً للانقسام ودفعاً نحو مزيد من التوتر، خصوصاً على الصعيد الأمني.

ولا تزال طرابلس تعيش على وقع توتر أمني متواصل، منذ اغتيال عبد الغني الككلي المعروف بـ”غنيوة”، الذي كان يتولى قيادة “جهاز دعم الاستقرار” ورئاسة جهاز الأمن التابع للمجلس الرئاسي، ما اعتبره الدبيبة “إنجازاً حقيقياً”.

وجاءت العملية في إطار تنفيذ ترتيبات أمنية وعسكرية أقرها المجلس الرئاسي تضمنت تفكيك التشكيلات المسلحة، ما أجج التوترات بالعاصمة وأشعل فتيل الاشتباكات من حين لآخر.

الحل الليبي من الداخل

وفي الجانب الأمني، يعتقد المحلل السياسي فرج فركاش أن “أبرز الملفات التي تهتم بها واشنطن، توحيد القوى العسكرية”، معرباً عن أمله أن يتجسد ذلك “من خلال الدفع نحو مؤسسة عسكرية موحدة”.

ويرى فركاش أن “واشنطن تنظر لهذا الهدف من زاوية مكافحة التمدد الروسي”. واعتبر أنه في حال نجحت الولايات المتحدة في تقريب وجهات النظر بين الأطراف المتناحرة وتحقيق اختراق في هذا الملف، فسيُسجل ذلك لصالحها.

أما على المستوى السياسي، فتترقب أنظار الليبيين مدى نجاح رئيسة البعثة الأممية هانا تيتيه عندما تعرض خطتها منتصف أغسطس، وسط تحديات عدّة.

ويصر امطيريد على أن “الحل (في ليبيا) لن يأتي من الخارج، بل من الداخل الليبي، من خلال توافق حقيقي، وانتخابات شفافة، ومؤسسات موحدة تعبر عن إرادة الناس”.

إدارة ترمب والملف الليبي

وفي ما يتعلق بدخول الملف الليبي لدائرة الاهتمام الأميركي، يقول النائب بالبرلمان الليبي خليفة الدغاي، إن “زيارة بولس تحمل عنوان إطلاق مبادرة لدعم التوافق الوطني في ليبيا”.

ويوضح الدغاري لـ”الشرق” أنه “بالتأكيد، لهذه الزيارة أبعاد أخرى سياسية واقتصادية، خاصة في ظل وجود تنافس بين  دول عدّة في التواجد بليبيا، وذلك رغم أن تواجد واشنطن بشكل غير مباشر من خلال البعثة الأممية وأيضاً عبر مبعوث خاص يتابع الملف الليبي على مدار الساعة”.

ولفت إلى الاهتمام الأميركي الخاص بليبيا، باعتبارها تقع بالمجال الحيوي لأوروبا وأميركا، إضافة إلى تاريخ سابق بوجود قاعدة “ويلس” الجوية (معيتيقة حالياً) التي كانت تعد إحدى أكبر القواعد العسكرية الأميركية خارج الولايات المتحدة آنذاك.

ورجّح النائب الليبي أن “تحرك هذه الزيارة المياه الراكدة”، معرباً عن أمله بأن “يحظى الملف الليبي باهتمام خاص لدى السلطات الأميركية وأن يكون تدّخل واشنطن إيجابياً، من خلال نفوذها سواء في مجلس الأمن أو على مستوى القوى الموجودة في شمال إفريقيا والشرق الأوسط”.

لكن امطيريد يرى أن “الدخول الأميركي، عبر واجهة بولس، يبدو وكأنه اختبار أوّلي لإعادة تدوير بعض الأدوات في المشهد الليبي، تمهيداً لمرحلة تفاوض جديدة قد تُفرض فرضاً، بعيداً عن إرادة الليبيين”.

واعتبر أن “تحركات رجال ترمب في المنطقة تُفهم في إطار رسائل انتخابية داخلية، ومحاولة لاستعادة النفوذ في ملفات جرى إهمالها خلال إدارة (سلفه جو) بايدن”.

وفي تقديره، فإن “زيارة بولس، في جوهرها، ليست ذات طابع اقتصادي صرف كما يحاول البعض تصويرها، بل هي خطوة سياسية بامتياز، تندرج ضمن محاولات خلق مظلة أميركية غير رسمية لحكومة طرابلس، بهدف تعزيز موقعها في مواجهة خصومها الداخليين، وكسب المزيد من الوقت على الساحة”.

لكن فركاش يعود ليؤكد أنه “من الواضح أن كل الأطراف تحاول أن تقدم نفسها كشريك استرتيجي مقابل الحصول على الدعم الأميركي”.

كبح التمدد الروسي

ويتفق الدغاري مع طرح يرى أن زيارة بولس تأتي في إطار سعي واشنطن لكبح التمدد الروسي في شرق ليبيا وجنوبها، قائلاً إن “أميركا تسعى أيضاً إلى تحجيم النفوذ الروسي وامتداده الذي ينطلق من ليبيا وصولا إلى (بقية) شمال إفريقيا ووسطها”.

ويرى أن “التمدد الروسي وصولاً إلى غرب إفريقيا يهدد الأمن القومي الأميركي”، لكنه يضيف أن التدخل الأميركي “سيضع حداً لتدخلات بعض الدول في الشأن الليبي والمستفيدة من حالة الانقسام”. ومع ذلك، يظل الدغاري على قناعة بأن “جميع الأطراف المتدخلة في الشأن الليبي، بما فيها واشنطن وموسكو، تسعى إلى تحقيق مصالحها وتستفيد من حالة الانقسام”.

ولا يتفق امطيريد مع الرأي السابق في هذه الاتجاه، إذ يرى أنه على الرغم من أن “بعض التحليلات التي تربط الزيارة برغبة واشنطن في مواجهة نفوذ بعض القوى الإقليمية والدولية داخل ليبيا، إلّا أن المؤشرات على الأرض لا تعزز هذا الادّعاء”.

ولفت إلى أن “الواقع يشير إلى أن الحكومة الحالية لا تزال عاجزة عن فرض سيطرة موحدة، بل تستمر في إدارة مشهد فوضوي تحركه المصالح الآنية والصفقات المرحلية”.

لكن المهدوي يؤكد قناعته بأن لهذه الزيارة “روابط بمجريات الأمور في المنطقه لاسيما في ظل بروز واضح للروس في إفريقيا”.

النفط مقابل الدعم

وفي الملف النفطي، أشعل لقاء بولس برئيس المؤسسة الوطنية للنفط مسعود سليمان الجدل مجدداً في ليبيا، إذ يتخوف البعض من أن الاجتماع قد يختزل محاولة من الدبيبة لتشبيك قطاع النفط مع واشنطن، مقابل الحصول على دعم سياسي، خاصة أن هذه المؤسسة تقع تحت سيطرة حكومة الدبيبة.

وفي منشور عبر “إكس”، قال بولس إنه أجرى “حواراً مثمراً مع سليمان بحثا خلاله سُبل تعزيز التعاون بين الولايات المتحدة وليبيا في قطاع الطاقة”، كما استعرض الجانبان “السبل التي يمكن للولايات المتحدة من خلالها دعم أهداف ليبيا في إنتاج النفط والغاز”.

وفي قراءته لهذا المشهد، يرى فركاش أن “الصفقات النفطية مستمرة منذ مدة بغض النظر عمن يحكم”، لافتاً إلى أن “تعزيز الشراكة الليبية الأميركية والتعاون في مجال النفط من خلال انخراط المزيد من الشركات الأميركية قد يعزز فرص عدم تكرار إغلاق (مصافي وحقول) النفط وعدم استخدامه كأداة سياسية كما كان يحدث في السابق”.

ويعتقد أن “هناك أيضاً عروضاً لم يُفصَح عنها من قبل المعسكر الشرقي بقيادة حفتر، وتشمل التعاون في مجال إعادة الإعمار وغيرها من المجالات”.

السجناء وتهجير الفلسطينيين

وجددت زيارة بولس الجدل حول جملة من المسائل العالقة بين ليبيا وأميركا، وفي مقدمتها الحديث عن نوايا إدارة ترمب نقل سجناء إلى الأراضي الليبية.

والجدل شمل أيضاً ما راج مؤخراً من دعوة إسرائيل واشنطن إلى التدخل لإقناع حكومة الدبيبة باستقبال فلسطينيين تخطط حكومة بنيامين نتنياهو لتهجيرهم من قطاع غزة.

ونقل موقع “أكسيوس” الأميركي، عن مصادر لم يسمِّها زعمها أن رئيس جهاز المخابرات الإسرائيلية، ديفيد برنياع أبلغ المبعوث الأميركي ستيف ويتكوف، خلال زيارة إلى واشنطن، بانفتاح إثيوبيا وإندونيسيا وليبيا على استقبال أعداد كبيرة من الفلسطينيين من غزة، واقترح رئيس الموساد أن تقدم الولايات المتحدة حوافز لتلك الدول، وأن تساعد إسرائيل على إقناعها.

وفي مايو الماضي، نقلت شبكة NBC News الأميركية عن 5 أشخاص مطلعين قولهم إن إدارة ترمب تعمل على خطة لنقل ما يصل إلى مليون فلسطيني من قطاع غزة إلى ليبيا بشكل دائم، وسط نفي أميركي.

وقالت الشبكة في تقريرها إن شخصين مطلعين ومسؤول أميركي سابق لم تكشف عن هوياتهم، ذكروا أن “الخطة تخضع لدراسة جادة بدرجة كافية، حتى أن الإدارة ناقشتها مع القيادة الليبية”.

ويرى النائب الليبي خليفة الدغاري أن “الرفض لهذا المقترح يأتي من الفلسطينيين أنفسهم، ومن المحيط العربي والإسلامي، رغم الضغط الأميركي لتهجيرهم”.

وأشار الدغاري إلى بيان السفارة الأميركية في ليبيا الذي أكدت فيه أن مسألة تهجير الفلسطينيين لم تُناقش إطلاقاً، ووصفت ما يُقال بهذا الشأن بأنه “غير صحيح”. كما أكد أن السفارة نفت أيضاً ما جرى تداوله حول نقل سجناء من خارج الولايات المتحدة إلى ليبيا.

واعتبر الدغاري أن هذا الأمر “مرفوض في ليبيا شكلاً ومضموناً، ومن جميع مؤسساتها، خاصةً مجلس النواب”، مضيفاً أنه حتى لو كان “المعنى في بطن الشاعر”، أي أن هناك أموراً لم تُعلن لوسائل الإعلام، فإن الموقف يظل ثابتاً ورافضاً.

فيما يؤيد فركاش هذا الموقف بقوله إن هناك “خطاً أحمر لا يمكن تجاوزه من أي طرف وهو موضوع تهجير الفلسطينيين إلى ليبيا”، معتبراً ذلك بمثابة “انتحار سياسي لأي طرف”.

وتابع: “رأينا الرفض الشعبي على المستوى المحلي والعربي والإسلامي بل والعالمي القاطع لمجرد التفكير بذلك، وأعتقد أن هذه الخطوة مستبعدة وستكون مرفوضة مهما كانت الضغوط الخارجية”.

ويؤكد امطيريد أنه “لا يمكن تجاهل التقارير الصادرة في مايو الماضي والتي تحدثت عن خطة أميركية تقترح توطين ما يصل إلى نصف مليون فلسطيني من غزة في ليبيا، مقابل الإفراج عن الأموال الليبية المجمدة”.

ورغم نفي بعض الأطراف لهذه المزاعم، إلّا أن امطيريد يعتقد أن “التوقيت المتزامن بين زيارة بولس وحديث الدبيبة عن مشاريع إسكانية وتنموية غامضة، يعيد فتح هذا الملف مجدداً”.

وشدد على وجود “قلق مشروع من أن يتم تمرير هذا النوع من المشاريع تحت شعارات اقتصادية وتنموية كاذبة، بينما الهدف الحقيقي هو تنفيذ سياسات توطين قسري على حساب الشعب الليبي ومستقبله الديموغرافي”.

شاركها.