في ظل التصعيد العسكري غير المسبوق بين إيران وإسرائيل، برزت محاولة أوروبية لفتح نافذة دبلوماسية جديدة قد تحد من الانزلاق إلى حرب إقليمية شاملة، فقد عرضت الترويكا الأوروبية، المتمثلة ببريطانيا وفرنسا وألمانيا، مقترحاً جديداً على طهران يتضمن ثلاث ملفات رئيسية: البرنامج النووي، والبرنامج الصاروخي، وملف الميليشيات الموالية لإيران في المنطقة، فهل ستقبل طهران التفاوض وتقديم تنازلات تحت وطأة الضربات الإسرائيلية.

 

الموقف الإيراني بعد الضربات الإسرائيلية

 

في هذا السياق، قال اللواء الدكتور وائل ربيع، المستشار في مركز الدراسات الاستراتيجية، خلال حديث لوكالة ستيب نيوز: “ما يقلق الغرب والدول الأوروبية ليس البرنامج النووي الإيراني من وجهة نظري وخاصة حالياً، لأن البرنامج النووي الإيراني، طبقاً لتقارير المخابرات الأمريكية، تأثر بشدة بالضربات الإسرائيلية. ولكن ما ثبت فاعليته لتقويض المصالح الغربية والأمريكية في المنطقة، وأصبح تهديداً لا خلاف عليه، هو البرنامج الصاروخي الإيراني الذي تنتجه وتطوره إيران بل وتصدره لجماعاتها وميليشياتها بالخارج”.

ويضيف: “يبقى هنا المليشيات والجماعات الشيعية في المنطقة، فهي أداة فاعلة في يد إيران يمكن تحريكها للتأثير على المصالح الغربية في المنطقة بسهولة”.

ويلفت اللواء ربيع إلى أن ما يدعم من هذا التقييم هو سحب واشنطن للطائرات والوحدات البحرية من قطر والبحرين وسحب بعض من موظفيها من السفارات، وتصريحات قاسم نعيم في لبنان، كلها تؤكد أن البرنامج الصاروخي والميليشيات لن تستغني عنهم إيران، وإلا فإنها تكون قد كتبت “شهادة وفاتها”.

 

رفض إيراني صريح للتنازلات

 

وحول احتمال تقديم إيران لتنازلات في هذه الملفات، يقول اللواء وائل ربيع: “عكست تصريحات المسؤولين الإيرانيين خلال الأربع وعشرين ساعة الماضية رؤيتهم لشكل المفاوضات مع الدول الأوروبية، والتي تمثلت في توجيه رسائل سياسية وعسكرية”.

حيث صرح الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان أن ‘السبيل الوحيد لإنهاء الحرب هو وقف غير مشروط للعدوان وتقديم ضمانات لإنهاء مغامرات الصهاينة’، كما صرح إبراهيم عزيزي، رئيس لجنة الأمن القومي في البرلمان الإيراني، أن ‘انخراط الولايات المتحدة في الحرب ضدنا سيسرع من وتيرة طردها عسكرياً وأمنياً من المنطقة’، أما وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي فقال: ‘لن نجري محادثات مع أميركا لأنها شريكة في الجريمة الإسرائيلية بحقنا’. وأشار إلى أن المفاوضات مع الدول الأوروبية في جنيف تقتصر على الملف النووي، وأكد أنه ‘لا تفاوض مع أي طرف بشأن قدراتنا الصاروخية، والجميع يعرف أنها للدفاع عن أراضينا’.”

 

هذه التصريحات، بحسب اللواء ربيع، تشير إلى أن إيران تعتبر الصواريخ والميليشيات مكونات استراتيجية لا يمكن التخلي عنها، وأن التنازل عنها يُعد بمثابة إعلان نهاية نفوذها الإقليمي.

 

جهود أوروبية حثيثة ومسار تفاوضي جديد

 

رغم التصريحات الإيرانية المتشددة، عقدت محادثات اليوم الجمعة 20 يونيو في جنيف بين وزير الخارجية الإيراني وممثلي الترويكا الأوروبية، وسط محاولات لتقليل منسوب التوتر.

وأفادت تقارير إعلامية من جنيف بأن الأوروبيين يسعون لإيجاد صيغة تضمن عودة إيران إلى المفاوضات النووية بدون شروط مسبقة والتوصل لحل في هذا الملف.

لكن، وبحسب مصادر دبلوماسية تحدثت لوسائل إعلام غربية، فإن النقاش سيشمل الحديث عن البرنامج الصاروخي، ودعم طهران الميليشيات في المنطقة.

 

هل ستطول الحرب الإسرائيلية الإيرانية؟

 

ورغم انطلاق المفاوضات، لم تتوقف الغارات الجوية الإسرائيلية والضربات الصاروخية الإيرانية، فقد أكدت مصادر عسكرية غربية أن إسرائيل استهدفت منشآت إيرانية مرتبطة بتطوير الصواريخ، وردّت طهران عبر هجمات صاروخية على أهداف في جنوب إسرائيل فجر اليوم، ليبقى السؤال، إلى متى ستطول هذه الحرب ويستمر الطرفان بتبادل الضربات؟

 

في هذا الصدد، يتساءل اللواء وائل ربيع قائلاً: “هل ستصمد إسرائيل؟ والحكومة الإسرائيلية المتطرفة أمام الضربات الصاروخية الإيرانية، والتي كان آخرها فجر اليوم 20 يونيو؟

ويقول: “أعتقد أن الموقف الداخلي في إسرائيل خلال الأيام القليلة القادمة سيكون له رأي آخر في حالة عدم الاستقرار ومكوثه في الملاجئ يومياً بالساعات. فهم مهاجرون جاءوا إلى واحة الديمقراطية والأمان، وهو ما لا يجدونه الآن بسبب الحكومة المتطرفة التي تجرهم إلى حالة من عدم الأمن والاستقرار”.

 

الموقف الأمريكي والضغوط الدولية

 

في واشنطن، أشار الرئيس دونالد ترامب إلى وجود “فرصة دبلوماسية حقيقية”، وطلب من فريقه إعطاء مهلة مدتها أسبوعين قبل اتخاذ قرار بشأن توجيه ضربة عسكرية لمنشآت نووية إيرانية مثل فوردو.

 

في المقابل، حذرت روسيا من أي استهداف لمفاعل بوشهر، واصفة ذلك بأنه قد يُسبب كارثة نووية على مستوى الإقليم.

 

سيناريوهات ما بعد فشل التفاوض

 

في حال فشل العرض الأوروبي، يرى اللواء ربيع أن خيار الحرب الشاملة ليس هو السيناريو المرجّح لدى الأوروبيين، خصوصاً في ظل انشغالهم بالحرب في أوكرانيا.

ويقول: “أعتقد أنهم سيبذلون أقصى جهد لإنجاح هذه المفاوضات وإيجاد حلول ومقاربات لحل هذه الأزمة، فالدول الغربية لا تريد الانخراط في حرب وهي مشتبكة مع حرب روسيا وأوكرانيا”.

ويضيف: “البديل أن المصالح الغربية ستتأثر بشكل كبير في المنطقة وخاصة المصالح الأمريكية، كما توعدت به إيران. فإيران ما زال في جعبتها الكثير لم تستخدمه، وعلى سبيل المثال غلق مضيق هرمز أحد هذه الأدوات المحتملة التي سيؤثر على العالم كله وليس الغرب فقط”.

 

 

خلاصة المشهد

 

المشهد الراهن يتموضع على حافة الهاوية، حيث يراهن الغرب على كبح التصعيد عبر الضغط الدبلوماسي، فيما تراهن إيران على قوة ردعها الصاروخية وشبكتها من الحلفاء المسلحين في المنطقة.

 

وتصريحات اللواء الدكتور وائل ربيع تؤكد أن إيران لن تتنازل عن عناصر قوتها الأساسية بسهولة، وأن أي اتفاق يتجاوز الملف النووي سيتطلب أثماناً استراتيجية هائلة لا يبدو أن طهران مستعدة لدفعها.

 

وفي ظل هذه المعطيات، فإن مصير المفاوضات الجارية في جنيف سيكون محكوماً ليس فقط بمرونة العروض الأوروبية، بل بمدى قدرة كل طرف على موازنة الكلفة بين التنازل والمواجهة.

ليس النووي فقط.. أوروبا تفاوض إيران على ملفين آخرين وخبير يوضّح ما ستفعله طهران

اقرأ أيضاً|| هل تدفع أوكرانيا ثمن الحرب بين إسرائيل وإيران؟.. خبير يكشف عن استراتيجية واشنطن ودور موسكو

المصدر: وكالة ستيب الاخبارية

شاركها.