ليس حزنًا عابرًا.. ماذا نعرف عن مرض الاكتئاب
د. أكرم خولاني
يُعد الاكتئاب أحد أكثر الأمراض المنتشرة في العالم، وغالبًا لا يستطيع الأشخاص المصابون به الاستمرار بممارسة حياتهم اليومية كالمعتاد، لذلك فهم يحتاجون إلى العلاج، ومع أن بعض المصابين بمرض الاكتئاب يتعرضون لفترة واحدة من الاكتئاب فقط، فإن غالبية المرضى تتكرر لديهم أعراض الاكتئاب وتستمر مدى الحياة، لذا يجب التعامل معه كمرض مزمن يتطلب علاجًا طويل المدى، تمامًا كما يتم التعامل مع الأمراض المزمنة كمرض السكري أو ارتفاع ضغط الدم.
ما مرض الاكتئاب
الاكتئاب (Depression) هو اضطراب المزاج الذي يسبب شعورًا متواصلًا بالحزن وفقدان المتعة والاهتمام بالأمور المعتادة ونقص التركيز، وقد يكون مصحوبًا بالشعور بالذنب وعدم الأهمية ونقص تقدير الذات، ويؤثر المرض على المشاعر والتفكير والتصرفات، ما يسبب الكثير من المشكلات العاطفية والجسدية، والتي بدورها تؤثر على أداء الأنشطة اليومية، وقد يسبب الشعور باليأس من الحياة والتفكير في الانتحار وربما الإقدام عليه في الحالات المتقدمة.
قد يصيب الاكتئاب جميع الفئات العمرية، فهو لا يقتصر على عمر أو جنس أو عرق أو فئة محددة، لكن تشير بعض الإحصائيات إلى أن النساء اللواتي تم تشخيص مرض السرطان لديهن يصبن أكثر من الرجال.
للاكتئاب نوعان رئيسان
اضطراب الاكتئاب الجزئي: ويعرف بالاضطراب الاكتئابي المستمر (Persistent Depressive Disorder or PDD)، أو الاكتئاب المزمن، أو عسر المزاج (Dysthymia)، هو حالة من سوء المزاج تستمر لفترات طويلة ولا تؤثر بشكل ملحوظ على أداء الشخص، ويعاني الفرد فيه من استمرار الأعراض مدة لا تقل عن عامين، ولكنها تكون خفيفة إلى متوسطة وليست شديدة.
ومن أعراض الاكتئاب المزمن فقدان الشخص الاهتمام بالأنشطة اليومية، وانخفاض احترام الذات عند الشخص، وقلة الإنتاجية لديه بشكل عام.
الاضطراب الاكتئابي الحاد: يعرف بالاضطراب الاكتئابي الكبيرMajor Depressive Disorder or MDD))، أو الاكتئاب السريري (Clinical depression)، وهو أحد أكثر أشكال الاكتئاب حدة، حيث يعاني الفرد فيه من استمرار الأعراض مدة لا تقل عن أسبوعين، ومن أعراضه فقدان الأمل، والحزن معظم الوقت، وفقدان تقدير الذات، كما قد يعاني من زيادة أو نقصان الوزن بشكل ملحوظ.
ويشمل الاكتئاب الحاد عدة أنواع، منها:
- الاكتئاب الذهاني Psychotic Depression)): هو إصابة الشخص باكتئاب شديد، بالإضافة إلى نوع من الاضطرابات العقلية (مثل الهلوسات والأوهام)، وتكون أعراضه مرتبطة بأوهام كئيبة مثل هلوسات الفقر والمرض وغيرهما.
- اكتئاب اضطراب ثنائي القطب Bipolar Disorder)): يواجه المصاب بثنائي القطب نوبات من الاكتئاب الشديد تتناوب مع نوبات ابتهاج عالية (هوس)
- اكتئاب ما بعد الولادة Postpartum Depression)): هو أشد خطورة من الكآبة النفاسية التي تصيب أغلب النساء لمدة أسبوعين بعد الولادة، والمرأة المصابة باكتئاب ما بعد الولادة تواجه اكتئابًا شديدًا في أثناء الحمل وبعد الولادة والذي من أعراضه: الحزن الشديد، والقلق، والإجهاد، ما يؤثر على أنشطتها اليومية وعنايتها بنفسها وطفلها.
- الاكتئاب العاطفي الموسمي Seasonal Affective Disorder)): يتميز بحدوثه خلال موسم الشتاء، حيث تقل فيه أشعة الشمس، ويزول غالبًا بحلول فصل الربيع، ويكون مصحوبًا بالعزلة الاجتماعية، وكثرة النوم، وزيادة الوزن.
ما أسباب الإصابة بمرض الاكتئاب
ليس معروفًا حتى الآن السبب الدقيق الذي يؤدي إلى ظهور الاكتئاب، لكن كما هو الحال بالنسبة إلى الأمراض النفسية الأخرى، فإن العديد من العوامل البيوكيماوية والوراثية والبيئية يمكن أن تكون المسبّب لمرض الاكتئاب، من بينها:
- عوامل بيوكيماوية: توجد أدلة على حصول تغيرات فيزيائية في أدمغة الأشخاص المصابين بمرض الاكتئاب، ولكن ليس معروفًا ما هذه التغيرات تحديدًا ودرجة أهميتها.
ومن المحتمل أن المواد الكيماوية الموجودة في دماغ الإنسان بشكل طبيعي والتي تدعى الناقلات العصبية لها علاقة بالمزاج وتلعب دورًا بالتسبب بمرض الاكتئاب.
كما أن خللًا في التوازن الهرموني بالجسم من شأنه أن يكون سببًا في ظهور الاكتئاب.
- عوامل وراثية: إن ظهور الاكتئاب هو أكثر انتشارًا لدى الأشخاص الذين لديهم أقرباء بيولوجيون مصابون بمرض الاكتئاب، ولا يزال الباحثون يحاولون الكشف عن الجينات ذات العلاقة بالتسبب بمرض الاكتئاب.
- عوامل بيئيّة: قد يكون التعرض المستمر لصعوبات الحياة سببًا لظهور الاكتئاب، مثل فقدان شخص عزيز، والمشكلات الاقتصادية، والتوتر الحاد، والوحدة لفترة طويلة، والتعرض للعنف.
- أسباب أخرى: هناك بعض العوامل التي يبدو أنها تزيد من خطر الإصابة بمرض الاكتئاب أو تسبب تفاقمه، ومن بينها:
- حالات انتحار في العائلة.
- مزاج اكتئابي في فترة الصباح.
- الإصابة بأمراض مثل: السرطان، أو أمراض القلب، أو ألزهايمر، أو الإيدز
- تناول مستمر لفترة طويلة لأدوية معينة مثل: أدوية من نوع معين لمعالجة ارتفاع ضغط الدم، وحبوب منوّمة، وحبوب منع الحمل في بعض الحالات.
- الإدمان على المخدرات والكحول.
ما أعراض الإصابة بالاكتئاب
لا يواجه جميع المصابين بالاكتئاب كل الأعراض، حيث تختلف من شخص لآخر بحسب حدة المرض، ومدة الإصابة به، ومرحلة المرض، وكذلك بحسب عمر المريض، فقد تظهر أعراض الاكتئاب لدى طفل بشكل مختلف عن تلك التي تظهر عند شاب وكذلك عند مسن.
أعراض الاكتئاب عند البالغين:
- أعراض نفسية: الحزن المستمر، ضعف الثقة بالنفس والشعور بالدونية، الشعور باليأس والإحساس بالذنب، الشعور بالقلق والتوتر، نقص أو انعدام بالرغبة أو المتعة بالنشاطات التي كانت تثير الرغبة والمتعة، صعوبة بالتركيز أو اتخاذ القرارات، التفكير بالموت أو الانتحار.
- أعراض جسدية: صعوبة النوم ليلًا مع الاستيقاظ باكرًا، أو النوم الزائد، الشعور بالخمول وانعدام النشاط، انخفاض الشهية ونقصان الوزن، أو زيادة الشهية وزيادة الوزن، الصداع وآلام العضلات بلا سبب واضح، التحدث والتحرك ببطء، اضطراب الأمعاء (إمساك)، فقدان الرغبة الجنسية، تغيرات في الدورة الشهرية.
- أعراض اجتماعية: الميل للانعزالية، عدم الاهتمام بالواجبات بالعمل أو المدرسة، الابتعاد عن الأهل والأصدقاء المقربين، تعاطي المهدئات والكحول.
أعراض الاكتئاب لدى الأطفال والمراهقين:
تتشابه علامات الاكتئاب وأعراضه الشائعة لدى الأطفال والمراهقين مع تلك الشائعة لدى البالغين، ولكن قد تكون هناك بعض الاختلافات، فعند الأطفال الأصغر سنًا، يمكن أن تتضمن أعراض الاكتئاب الحزن، أو التهيج، أو التعلق العاطفي المفرط، أو القلق، أو الأوجاع والآلام، أو رفض الذهاب إلى المدرسة، أو النحافة.
أما لدى المراهقين، فيمكن أن تتضمن الأعراض الحزن، والتهيج، والشعور بالسلبية وانعدام القيمة، والغضب، وضعف الأداء المدرسي أو قلة الحضور الدراسي، والشعور بإساءة الفهم والحساسية المفرطة، وتعاطي المخدرات أو الكحول، والإفراط في الأكل والنوم، وإيذاء الذات، وفقدان الاهتمام بالأنشطة الطبيعية، وتجنب التفاعل الاجتماعي.
أعراض الاكتئاب لدى كبار السن:
لسوء الحظ عادة لا يتم تشخيص الاكتئاب وعلاجه لدى كبار السن، لأن أعراضه تكون أقل وضوحًا لديهم، وغالبًا ما يعتقد أنها جزء طبيعي من التقدم بالعمر، وتشمل مشكلات في الذاكرة، أو تغيرات الشخصية، الألم أو الوجع البدني أو التعب، فقدان الشهية، مشكلات في النوم، فقدان الرغبة في الجنس، الرغبة بالبقاء في المنزل بكثير من الأحيان بدلًا من الخروج للاندماج الجماعي مع الآخرين أو القيام بأمور جديدة، المشاعر أو التفكير الانتحاري.
ما الفرق بين الاكتئاب والحزن
من الطبيعي أن يصاب الإنسان بالحزن عند حدوث خسائر في الحياة يصعب عليه تحملها، مثل وفاة شخص عزيز، أو خسارة الوظيفة، أو انتهاء العلاقات، وما شابه، وقد يصف الشخص نفسه بأنه مكتئب، ولكن في الحقيقة الشعور بالحزن ليس كالاكتئاب، فالحزن أمر طبيعي ويختلف من شخص لآخر، ويشبه الاكتئاب في بعض خصائصه مثل العبوس والعزلة وغير ذلك، ولكنهما يختلفان من عدة نواحٍ:
الحزن: رد فعل طبيعي للخسائر، الشعور بالحزن قد يكون مؤقتًا، ولا يزال الشخص قادرًا على الاستمتاع بالأمور والتطلع للمستقبل، ولا يزال الشخص محتفظًا بثقته بنفسه.
الاكتئاب: حالة مرضية، يستمر الشعور بالحزن، ولا يستطيع الشخص الاستمتاع ولا التفكير في المستقبل بإيجابية، ويكون فيه الشعور بالدونية أمرًا شائعًا.
فالتفريق بين الحزن والاكتئاب ضروري، فهو يساعد في تجاوز الأمور الصعبة، ويساعد على إيجاد العلاج المناسب.
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية
أرسل/أرسلي تصحيحًا
مرتبط
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
المصدر: عنب بلدي