شدّد الرئيس الفنزويلي نيكولاس مادورو ترتيباته الأمنية، في الوقت الذي يحرص فيه على الظهور المدروس بعناية خلال مناسبات عامة، لحشد الدعم الشعبي في مواجهة تهديدات أميركية بتحرّك عسكري محتمل، وفق صحيفة “فاينانشيال تايمز”.

أشارت الصحيفة البريطانية إلى أن ظهور مادورو في مناسبات عامة في الآونة الأخيرة، بما في ذلك حشد في كاراكاس في نهاية الأسبوع الماضي، وحديث تلفزيوني مع مؤيديه على مستوى القاعدة الشعبية، الأربعاء، أعلن عنها في اللحظات الأخيرة، مع ظهور مادورو إلى جانب أعضاء الحزب الأقل مرتبة وسط حشود مختارة من عمال القطاع العام، وأعضاء حزبه الاشتراكي.

ووفقاً للصحيفة، يمثل ذلك النهج تحوّلاً عما كان عليه الحال قبل أن تبدأ الولايات المتحدة في حشد عسكري بحري كبير في منطقة البحر الكاريبي، وتستهدف قوارب تقول إنها تُهرّب المخدرات.

وذكر محللون، أنه في وقت سابق، كانت خطابات مادورو العامة تتأخر غالباً عن الوقت المحدد، وكان يظهر إلى جانب كبار مسؤولي النظام وكبار الضباط العسكريين، الذين يغيبون الآن لتجنب استهداف الشخصيات المهمة بشكل جماعي.

ووصلت أكبر حاملة طائرات تابعة للبحرية الأميركية، وهي حاملة الطائرات “جيرالد آر فورد” Gerald R. Ford إلى منطقة البحر الكاريبي في 16 نوفمبر الجاري مع مجموعتها القتالية، لتنضم إلى 7 سفن حربية أخرى على الأقل، وغواصة نووية، وطائرات من طراز F-35، وآلاف الجنود في أكبر حشد بحري أميركي في منطقة البحر الكاريبي منذ أزمة الصواريخ الكوبية عام 1962. 

ونفذت القوات الأميركية منذ سبتمبر ما لا يقل عن 21 غارة على الأقل على قوارب، يشتبه أنها تنقل مخدرات، ما أودى بحياة 83 شخصاً على الأقل، معظمهم في منطقة البحر الكاريبي، على الرغم من استهداف سفن في المحيط الهادئ أيضاً.

في المقابل، اعتبر الرئيس الفنزويلي، الذي نجا من عقوبات أميركية “قصوى”، فُرضت عليه في ولاية الرئيس دونالد ترمب الأولى، أن الضربات مقدمة “لتغيير النظام”، ونفى أي صلة له بتجارة المخدرات.

“بروتوكولات أمنية كلاسيكية”

ونقلت الصحيفة عن خوسيه جارسيا، وهو محلل عسكري فنزويلي يرصد ترتيبات مادورو الأمنية، قوله: “مادورو يستخدم البروتوكولات الأمنية الكلاسيكية عندما يتعرّض الشخص للتهديد”.

وأضاف: “إذا نظم مناسبة عامة، فإنه يتأكد من وجود المئات من الأشخاص هناك، حتى لا تهاجم الولايات المتحدة دون الحاجة إلى اختراق عدة أشخاص أولاً”، مشيراً إلى أن الحراس الشخصيين لمادورو أصبحوا “كوبيين على نحو متزايد”، وسط مخاوف من أن يكون الحراس الفنزويليين “غير مخلصين”، في ظل انخفاض قيمة الأجور بسبب التضخم الكبير.

ولطالما زودت، هافانا، مادورو، الذي يتولى منصبه منذ عام 2013، وسلفه ومرشده الراحل هوجو شافيز، بالمساعدة الأمنية والاستخباراتية، بحسب الصحيفة.

ونقلت “فاينانشيال تايمز” عن اثنين من ضباط الاستخبارات الفنزويلية في الخدمة قولهما، إن “ثقافة جنون العظمة تنتشر في جميع أنحاء وكالات الاستخبارات، وسط توقعات متزايدة بضربات أميركية”.

وقال أحد الضابطين: “بالنظر إلى أن أي شخص هو خائن محتمل، فإن العملاء يتملقون الرؤساء حتى لا يجري اعتقالهم أو اعتقال أسرهم”، فيما قال الضابط الآخر: “الافتراض هو أن الجميع خائنون إلى أن يثبتوا عكس ذلك.. لا يمكن الوثوق بأحد”.

في هذا الإطار، افترض دانيال آرياس، وهو خبير علوم سياسية فنزويلي، أن مادورو كان لا بد أن يرصد بشكل دقيق الحرب التي شنتها إسرائيل على إيران في يونيو الماضي، والتي استمرت 12 يوماً وانتهت بعد أن دمرت قاذفات أميركية مواقع نووية إيرانية، لافتاً إلى أن دور واشنطن في ذلك الصراع أظهر لمادورو استعدادها للتدخل.

وأضاف آرياس: “من المنطقي تماماً إذن أن يفعل مادورو كل ما في وسعه لتعزيز أمنه، إنه وضع يتقدم بسرعة نحو مفاوضات نهائية، أو الانزلاق إلى دوامة العنف”.

المفاوضات.. “أسوأ سيناريو”

من جانبه،  اعتبر مشرع من حزب مادورو، أن المفاوضات مع الولايات المتحدة ستشكل “السيناريو الأسوأ” بالنسبة للمسؤولين، وأعضاء الحزب من خارج الدائرة المقربة من مادورو.

وأضاف المشرع: “مادورو ودائرته سيتفاوضون على خروجهم، بينما ستجري مطاردة الثوار وقادة المجتمع وسجنهم. السيناريو الأفضل هو إجراء انتخابات ذات مصداقية نخسر فيها نحن التشافيزيين (أنصار تشافيز)، لكننا سنصبح أقلية شرعية”.

ورجح أنه إذا هاجمت الولايات المتحدة، فسيتعين على الزعيم الفنزويلي “الرد لحفظ ماء الوجه”، وربما مداهمة السفارة (الأميركية) في كاراكاس، على الرغم من أن الدبلوماسيين الأميركيين غادروا في عام 2019، “وإلا سيغدو أضحوكة”.

وقال مادورو في برنامجه التلفزيوني، الاثنين: “من يريد في الولايات المتحدة أن يتحدث مع فنزويلا يمكنه أن يفعل ذلك، ولكن دعونا نفعل ذلك وجهاً لوجه”. مضيفاً: “ما لا يمكننا السماح به هو قصف شعب فنزويلا”.

وأفادت تقارير نشرتها وسائل إعلام أميركية، بأن مسؤولين فنزويليين أبلغوا واشنطن بأن مادورو ربما يكون مستعداً للاستقالة في غضون عامين إلى 3 أعوام، وأنه أبدى استعداده لمنح شركات نفط أميركية إمكانية إلى الوصول إلى ثروة بلاده النفطية، مقابل وقف التصعيد، لكن البيت الأبيض رفض الصفقة.

وفي كراكاس، نفى وزير الداخلية الفنزويلي ديوسدادو كابيلو، الأربعاء، صحة ما تردد بشأن عرض صفقة على مادورو لترك السلطة.

وأشارت “فاينانشيال تايمز”، إلى أنه على غرار ترمب، يعتبر مادورو نفسه “صانع صفقات ماهر”، فعلى مدى 12 عاماً في منصبه، عزز سيطرته على السلطة مستخدماً المفاوضات مع المعارضة الفنزويلية والولايات المتحدة وقوى إقليمية لكسب الوقت.

وفي عام 2023، حصل على تخفيف محدود للعقوبات من إدارة الرئيس الأميركي السابق جو بايدن مقابل السماح بإجراء انتخابات رئاسية “حرة ونزيهة” في العام التالي، ثم حظرت حكومته بعد ذلك مرشح المعارضة الرئيسي، وأعلنت فوز مادورو دون تقديم نتائج مفصلة، وسارع إلى قمع الاحتجاجات، ودفع بعض كبار المعارضين إلى الاختفاء، أو أرسلهم إلى المنفى.

مرحلة جديدة من العمليات

أفادت وكالة “رويترز” نقلاً عن 4 مسؤولين أميركيين، بأن الولايات المتحدة تستعد لإطلاق مرحلة جديدة من العمليات المتعلقة بفنزويلا خلال الأيام المقبلة، في الوقت الذي تصعد فيه الإدارة الأميركية من ضغوطها على حكومة الرئيس مادورو.

ولم يتسن لوكالة “رويترز” تحديد توقيت العمليات الجديدة أو نطاقها بدقة، ولا ما إذا كان الرئيس الأميركي دونالد ترمب اتخذ قراراً نهائياً بالتحرّك.

وانتشرت تقارير عن تحرّك يلوح في الأفق خلال الأسابيع القليلة الماضية مع نشر الجيش الأميركي قوات في منطقة البحر الكاريبي، وسط تدهور للعلاقات مع فنزويلا.

وقال اثنان من المسؤولين الأميركيين، طلبا عدم كشف هويتهما، بسبب حساسية العمليات الأميركية الوشيكة، إن هذه العمليات ستكون على الأرجح الجزء الأول من تحرّك جديد يستهدف مادورو.

ولم يستبعد مسؤول كبير في الإدارة الأميركية، السبت، أي شيء فيما يتعلق بفنزويلا، قائلاً: “ترمب مستعد لاستخدام كل عنصر من عناصر القوة الأميركية، لوقف تدفق المخدرات إلى بلادنا، وتقديم المسؤولين عنه إلى العدالة”.

وقال مسؤولان أميركيان لوكالة “رويترز”، إن الخيارات قيد الدراسة تشمل محاولة الإطاحة بمادورو.

عمليات استخباراتية

وقبل أيام، أفادت صحيفة “نيويورك تايمز” نقلاً عن مسؤولين مطلعين، بأن ترمب وافق على تنفيذ “عمليات استخباراتية” محتملة في فنزويلا، لكنه أعاد في الوقت نفسه فتح قنوات اتصال “غير مباشرة” مع حكومة الرئيس نيكولاس مادورو.

وأضاف المسؤولون، وفق الصحيفة، أن خطط وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية CIA، تتضمن “عمليات سرية” في فنزويلا، و”قد تُستخدم لتهيئة ساحة المعركة لأي تحرك عسكري لاحق”.

وأعد المخططون العسكريون ووكالة الاستخبارات المركزية الأميركية، خيارات متعددة لسيناريوهات محتملة، ولكن لا يُعرف حتى الآن، طبيعة العمليات السرية أو موعد تنفيذها، كما لم يُصدر ترمب أمراً بعد بنشر قوات قتالية على الأراضي الفنزويلية، وفق “نيويورك تايمز”.

لكن الصحيفة الأميركية، توقعت أن تتضمن المرحلة التالية من حملة الضغط المتصاعدة على حكومة مادورو “أعمال تخريب، أو عمليات إلكترونية، أو نفسية أو إعلامية”.

ولم يحسم الرئيس الأميركي بعد، المسار الأشمل الذي قد يتبعه في فنزويلا، كما لم يحدد علناً “الهدف النهائي”، باستثناء الحديث عن وقف تدفق المخدرات من المنطقة، ولكنه في الوقت نفسه، وافق على إجراء جولة جديدة من المفاوضات غير المباشرة.

كما أعدّ المخططون العسكريون الأميركيون، وفق ما ذكره المسؤولون لـ”نيويورك تايمز”، قوائم بمنشآت محتملة لإنتاج المخدرات يمكن استهدافها. كما تضع البنتاجون خططاً لضرب وحدات عسكرية موالية لمادورو.

شاركها.