ماسك وميلوني علاقة مثيرة تفتح باب تأثيره على سياسة روما
أثارت العلاقة بين الملياردير الأميركي إيلون ماسك، ورئيسة وزراء إيطاليا جورجيا ميلوني، جدلاً واسعاً على الساحة السياسية في روما، وتزايدت التساؤلات بشأن تأثير هذه الصداقة على قرارات حكومة إيطاليا، لا سيما في ما يتعلق بصفقة محتملة مع شركة “سبيس إكس”، المملوكة لماسك، لتوفير خدمات اتصالات مشفرة للأمن الوطني.
وعلى الرغم من نفي ميلوني وجود صلة بين هذه المحادثات وصداقتها مع ماسك، إلا أن المنتقدين يرون أن هذه العلاقة ربما تضر بسيادة إيطاليا، وتفتح الباب أمام نفوذ اقتصادي وسياسي للملياردير الأميركي في أوروبا.
وأشارت صحيفة “واشنطن بوست” الأميركية إلى أن الصداقة بين ماسك وميلوني تُظهر مدى تأثير الصداقات بين الشخصيات ذوي النفوذ على زعزعة استقرار الدول.
وأوضحت الصحيفة، في تقرير نشرته السبت، أن هناك الكثير من الأسئلة المُثارة مؤخراً بشأن نفوذ ماسك على النقاشات السياسية في إيطاليا، مشيرة إلى أن نقطة الخلاف الرئيسية تتعلق بالأخبار التي تفيد بأن الحكومة الإيطالية في مرحلة متقدمة من مفاوضات مع “سبيس إكس” بشأن تقديم خدمة الاتصالات المشفرة للبيانات للجيش والسفارات، وغيرها من الخدمات الأمنية.
نفي إيطالي
من جانبها، نفت ميلوني أن تكون المحادثات لها أي علاقة بعلاقتها مع ماسك، أو بزيارتها إلى منتجع مار إيه لاجو بفلوريدا لمقابلة الرئيس الأميركي المُنتخَب دونالد ترمب، في نهاية الأسبوع الماضي، لكن هذا لم يوقف الانتقادات.
ونقلت الصحيفة عن زعيمة الحزب الديمقراطي الإيطالي المعارض، إيلي شلاين، قولها: “إذا كان دفع 1.5 مليار يورو من الأموال الإيطالية لإحضار أقمار الملياردير الأميركي (ماسك) إلى بلادنا هو الثمن الذي يتعين علينا دفعه مقابل صداقته، فهي تكلفة كبيرة للغاية”.
وأضافت: “إيطاليا لا تبيع نفسها”.
وذكرت الصحيفة أن “ماسك أثار جدلاً مشابهاً في ألمانيا وبريطانيا، حيث تعرض لانتقادات بسبب تدخله في السياسة الداخلية”، فضلاً عن ترويجه لشخصيات يمينية متطرفة، لكن الديناميكية في إيطاليا تبدو مختلفة، لأنه وجد حليفة قوية من أقصى اليمين في السُلطة بالفعل، وهي مرشحة لانطلاقة أكبر على المسرح العالمي، بحسب “واشنطن بوست”.
ووفقاً للصحيفة، فإن إيطاليا تُظهر أن تدخل ماسك في السياسة ربما يكون مربحاً للغاية لمصالحه التجارية، كما أن علاقته بميلوني ربما تكون مؤشراً على ما ينتظره الأميركيون، بالنظر إلى أنه سيتولى دوراً كبيراً في إدارة ترمب.
ولفتت الصحيفة إلى أن مواقف ميلوني الاجتماعية المحافظة للغاية جعلتها محبوبة لدى الجمهوريين المؤيدين لحركة “ماجا” (جعل أميركا عظيمة مرة أخرى)، كما أن مواقفها في السياسة الخارجية ساعدتها في كسب تأييد قادة أوروبيين آخرين، بالإضافة إلى الرئيس الأميركي جو بايدن، الذي استضافها في البيت الأبيض، وأشاد بـ “قيادتها القوية”.
وقال مراقبون، مستشهدين بالقيم المشتركة والتحالف المشترك مع ماسك، إن ميلوني أصبحت الآن أكثر استعداداً من أي شخص آخر لتصبح الأكثر تأثيراً على ترمب في أوروبا، إذ التقت ترمب وماسك معاً في باريس، الشهر الماضي، قبل رحلتها إلى فلوريدا، والتي أشاد بها الرئيس المُنتخَب خلالها ووصفها بأنها “امرأة رائعة”.
جسر للعلاقات
أشاد أندريا دي جوزيبي، وهو عضو في البرلمان الإيطالي من حزب ميلوني “إخوان إيطاليا”، بها باعتبارها “الجسر الذي تحتاجه أوروبا مع ترمب”.
وأضاف أنه “يجب على الإيطاليين أن يكونوا ممتنين أيضاً لعلاقتها بماسك”.
والتقى ماسك وميلوني لأول مرة في يوليو 2023، في اجتماع نظمه أندريا ستروبا، حليف ماسك في إيطاليا، ونيكولا بورو، الصحفي الإيطالي الذي يعرف ميلوني منذ فترة طويلة.
وقال ستروبا وبورو، في مقابلات مع الصحيفة، إنهما سعيا إلى جمع شخصين يعتبرانهما “متشابهين في التفكير”.
وأضاف ستروبا أن ماسك وميلوني ناقشا مجموعة من الموضوعات، بما في ذلك الذكاء الاصطناعي وإعجابهما المشترك بكتاب “سيد الخواتم” الذي استشهدت به رئيسة الوزراء الإيطالية وحزبها باعتباره تجسيداً لصراع اليمين ضد اليسار.
وأوضح أن “ماسك كان مفتوناً بإيطاليا، وقلقاً للغاية بشأن مدى تأثير الهجرة عليها”.
وتابع ستروبا: “هو ينظر إلى الهجرة غير الشرعية باعتبارها قضية خطيرة على بلد يعتقد أنه العمود الفقري للحضارة الغربية، وأعتقد أن معظم الإيطاليين يوافقونه هذا الرأي”.
محادثات وطنية
ونفت ميلوني، في حديث للصحافيين، الخميس الماضي، أنها ناقشت أي عقد مع “سبيس إكس” مع ماسك، موضحة أن المحادثات الجارية تأتي من خلال منظور “المصلحة الوطنية”، وليس “الصداقات أو الأفكار السياسية”.
ولم يرد ماسك أو “سبيس إكس” على طلب الصحيفة بالحصول على تعليق، فيما قال شخص مطلع على المحادثات، تحدث شريطة عدم الكشف عن هويته، إنه لا تزال هناك مواقف متضاربة داخل الحكومة الإيطالية بشأن الصفقة، مضيفاً أن ما يثير القلق بشكل خاص هو ما إذا كان الاتفاق الأولي بشأن الاستخدام الحكومي لخدمات شركة “سبيس إكس” سيفتح الباب أمام استخدام أقمار الشركة لتوفير خدمات الإنترنت للمستهلكين، إذ أنه يمكن لمثل هذه الصفقة أن تؤثر على شركات الاتصالات في البلاد، وتمنح ماسك الفرصة ليصبح محتكراً لهذا المجال في روما.
نائب رئيسة الوزراء الإيطالية، ماتيو سالفيني، أعرب عن تأييده لتوسيع نطاق الصفقة، قائلاً في منشور على حسابه على منصة “إكس” إن “ماسك شخصية رائدة في مجال الابتكار العالمي، ولذا فإن الاتفاق المحتمل معه ومع (سبيس إكس) لتوفير الاتصالات والتحديثات في جميع أنحاء إيطاليا لن يكون تهديداً بل فرصة”.
وأضاف: “أنا واثق من أن الحكومة ستمضي قدماً في هذا الاتجاه لأن توفير خدمات أفضل للمواطنين هو واجب”، وهو ما رد ماسك عليه قائلاً: “سيكون هذا رائعاً، وستطلب دول أخرى في أوروبا تنفيذ هذه الفكرة”.
قلق من أيديولوجيات ماسك
وأعرب المنتقدون عن قلقهم إزاء خطر حصول ملياردير ذو أيديولوجيات معينة، مثل ماسك، على بيانات إيطالية حساسة، بينما أعرب آخرون عن اعتراضهم على التكلفة المُعلنة للصفقة، التي تبلغ 1.5 مليار يورو، مقابل ما هو في الأساس عقد خدمات.
وقال السيناتور الإيطالي أنطونيو نيكيتا من الحزب الديمقراطي المعارض: “ما يحيرني هو التكلفة الاقتصادية لهذا العقد، فإذا كنا نتحدث عن 200 أو 300 مليون، فلن أعتبره شيئاً غير عادي، لكن هل سندفع 1.5 مليار يورو مقابل دفع إيجار لأقمار صناعية”.
ورفضت ميلوني الانتقادات القائلة بأن عقد صفقة مع “سبيس إكس” سيؤدي إلى تقويض جهود التعاون الأوروبية، التي لا تزال بعيدة عن التحقق، لبناء مجموعة متنافسة من الأقمار الصناعية للاتصالات.
وأشارت رئيسة الوزراء الإيطالية إلى أن الأوروبيين لم يتحركوا بالسرعة الكافية، وأن “سبيس إكس” يمكنها أن تلبي احتياجات روما بشكل أسرع، قائلة: “هذه مشكلة أوروبية، فالجهود الأوروبية لم تصل في الوقت المناسب”.
وعلى الرغم من أن بعض المراقبين يقولون إن تقرب ميلوني من ماسك يُعرِّض علاقاتها الداخلية والخارجية للخطر، إلا أنها تظل متمسكة بموقفها، إذ دافعت عن الملياردير الأميركي، هذا الأسبوع، عندما سُئلت عن خلافاته الأخيرة مع قادة ألمانيا وبريطانيا، قائلة: “عندما يخبرني الناس عن وجود تهديد للديمقراطية، فإنني أكون بحاجة إلى الإشارة إلى أنه ليس أول شخص مشهور وثري يعرب عن رأيه”، وتساءلت: “أين المشكلة في ذلك؟”.
وتابعت ميلوني: “أجد أنه من الطبيعي أن أتحدث معه، ومن المضحك أن أولئك الذين كانوا حتى الأمس يشيدون بماسك باعتباره عبقرياً، يرغبون اليوم في تصويره كوحش، وذلك فقط لأنه اختار المعسكر الخطأ”.
لكن تدخلات ماسك أثارت غضب بعض الإيطاليين رفيعي المستوى، بما في ذلك الرئيس الإيطالي سيرجيو ماتاريلا، ففي نوفمبر الماضي، هاجم ماسك القضاة الذين أصدروا حُكماً ضد خطة ميلوني بإرسال طالبي اللجوء الذين يتم انتشالهم من البحر إلى ألبانيا للتحقق منهم، بدلاً من إحضارهم إلى إيطاليا.
وكتب ماسك على منصة “إكس” في ذلك الوقت: “يجب على هؤلاء القضاة أن يرحلوا”، وهو ما رد عليه ماتاريلا من خلال إصدار بيان “نادر” قال فيه: “يجب على أي شخص، خاصةً إذا كان على وشك تولي دور حكومي مهم في دولة صديقة وحليفة، كما أُعلن، أن يحترم سيادة إيطاليا، وألا يتدخل في شؤونها لإعطاء الدروس”.