– موفق الخوجة

تستمر حالة الفتح والإغلاق المتكررة للمعابر بين الحكومة السورية و”قوات سوريا الديمقراطية” (قسد)، بعد تصعيد عسكري شهدته مناطق التماس بين الجانبين، ما أثر سلبًا على الجانب الاقتصادي المحلي، إلى جانب الأثر الاجتماعي والسياسي، بالرغم من الاتفاق المبرم في 10 من آذار الماضي، ووقف إطلاق النار، في 7 من تشرين الأول الحالي.

وترتبط مناطق “قسد” مع مناطق الحكومة بعدة معابر في ثلاث محافظات رئيسة، هي حلب في منطقة دير حافر شرقي المحافظة، وفي الرقة بالمنطقة الجنوبية من المحافظة، إضافة إلى محافظة دير الزور، التي يعتمد سكانها على معابر نهرية للتنقل بين ضفتي الفرات، ومعبر ترابي وحيد غير مهيّأ.

الإغلاق المفاجئ، قبل أكثر من أسبوعين، شكّل ضغطًا على الأهالي والتجار، خاصة الذين يعتمدون في تجارتهم على التنقل والتوزيع في كلتا المنطقتين.

تناقش، في هذا التقرير، الأثر على الاقتصاد السوري على المستوى الوطني، وعلى مستوى التجار المحليين في المنطقة.

لأغراض سياسية

المحلل الاقتصادي رضوان الدبس، يرى في حديث إلى، أن إغلاق المعابر بين مناطق الحكومة السورية ومناطق سيطرة “قسد” له أثر سلبي على الاقتصاد السوري، إلا أنه لا يصل إلى مرحلة الضرر، إذ يُستخدم الإغلاق لأغراض سياسية أكثر منها اقتصادية.

وقال إن منع السكان من التنقل بين الجانبين، وفرض الضرائب العالية، يشكلان ضغطًا غير مباشر على الأهالي، الذين يعانون من ضعف في القوة الشرائية، سواء في مناطق سيطرة الحكومة أو في مناطق “قسد”.

الإغلاق جاء من طرف الحكومة بعد توترات عسكرية مع “قسد” شهدتها مناطق التماس في الأسبوع الأول من تشرين الأول الحالي.

ولم يكن الإغلاق متزامنًا على كل المعابر، إذ أغلقت الحكومة الطريق الواصل إلى مناطق سيطرة “قسد” منذ أيلول الماضي، لأسباب عسكرية، بعد اشتباكات وقصف متبادل، بينما أغلقت معابر في محافظتي الرقة ودير الزور في وقت لاحق، دون ورود أنباء عن اشتباكات في تلك النقاط.

وبالرغم من اتفاق وقف إطلاق النار، الموقع في 7 من تشرين الأول الحالي، ما زالت حالة الإغلاق قائمة، وسط مطالبات شعبية بفتحه، لما يشكله الإغلاق من ضرر على الأهالي.

ممرات تجارية وإنسانية

تشكل المعابر بين الجانبين ممرات للتبادل التجاري بين التجار المحليين خاصة العاملين في المجالات الغذائية، إذ يستورد التجار المواد القادمة من العراق، عبر المعابر البرية التي تسيطر عليها “قسد”، بالإضافة إلى بعض المواد الغذائية والزراعية.

عبد الله خليل، تقني أطراف صناعية وتقويم عظام يمتلك مركزًا خاصًا للأطراف الصناعية بحي الحميدية بمدينة دير الزور، أكد أن المرضى في مناطق سيطرة “قسد” لا يستطيعون القدوم إلى مركزه في أحد أحياء مدينة دير الزور إلا بصعوبة بالغة، بسبب الإغلاق المتكرر للطريق.

بدوره، خالد الكدرو من مدينة دير الزور، وهو تاجر مواد غذائية، يصرّف بضاعته في المدينة والريف، إذ يملك مركزًا ثابتًا ويوزع على الأرياف، أكد تراجع تجارته بعد الإغلاق المتكرر للمعابر، فهو يعتمد على زبائنه الموجودين في مناطق سيطرة “قسد”.

ثلاثة تجار، اثنان منهم في الحسكة وآخر في الرقة، قابلتهم، أكدوا أن الأسعار ارتفعت بشكل كبير، نتيجة الإغلاق المتكرر للمعابر بين الحكومة و”قسد”.

أحد التجار الثلاثة الذين تحفظت على نشر أسمائهم لأسباب أمنية، قال إن أسعار الخضراوات ارتفعت في مدينة الرقة بشكل كبير بعد الإغلاق، وبعضها وصل إلى ثلاثة أضعاف.

وأضاف أن السكان تأثروا بشكل كبير بهذا الإغلاق، إذ أدى إلى نقص في المواد الغذائية الأساسية وارتفاع تكاليف المعيشة اليومية، داعيًا إلى تحييد المدنيين عن الخلافات السياسية والاقتصادية التي تزيد من معاناتهم.

أوضح تاجر آخر يملك مستودعًا للأدوية في حي المنصور بمدينة الرقة، أن إغلاق المعابر بين مناطق الحكومة السورية و”قسد” أثّر بشكل مباشر على قطاع الدواء، حيث توقفت حركة دخول العديد من الأصناف الأساسية التي تحتاج إليها الصيدليات والمراكز الطبية.

الأدوية كانت تصل إلى الرقة من الداخل السوري، وتحديدًا من محافظتي دمشق وحمص، إلا أن الإغلاق الحالي أوقف توريدها بشكل شبه كامل، ما أدى إلى نقص حاد في الأصناف الطبية وارتفاع الأسعار، بحسب التاجر.

وأضاف أن أسعار الأدوية ارتفعت بنسب كبيرة تجاوزت 50% في بعض الأصناف، لا سيما أدوية الأمراض المزمنة مثل الضغط والسكري والقلب، فيما اختفت أصناف أخرى من الأسواق تمامًا.

في قطاع آخر، قال تاجر أقمشة من مدينة القامشلي، إنه يستورد بضاعته من محافظة حلب بشكل أساسي، إذ كان يعتمد على توريدها بشكل منتظم لتلبية حاجة السوق المحلية.

وأضاف أنه يبيع القماش للسكان في القامشلي، وكان يحقق من خلال عمله ربحًا جيدًا ومستقرًا قبل إغلاق المعابر.

بعد إغلاق المعابر بين مناطق سيطرة الحكومة السورية و”قسد”، فرّغ التاجر محله من البضائع بشكل شبه كامل، بحسب قوله، ولم يعد قادرًا على تأمين أنواع الأقمشة المطلوبة.

وأشار إلى أن أسعار القماش المتبقي ارتفعت بنسبة كبيرة بسبب ندرة البضائع وصعوبة الاستيراد، مؤكدًا أن استمرار الإغلاق سيؤدي إلى توقف الكثير من الورشات ومحال الخياطة عن العمل في القامشلي.

أثر على الاقتصاد الاجتماعي

إغلاق المعابر ينعكس بالضرر على أسماه المحلل الاقتصادي رضوان الدبس الاقتصاد الاجتماعي، للتجار الذين يعتمدون في أنشطتهم على نقل البضائع والمواد بين طرفي السيطرة.

وقال إن المناطق التي هي تحت سيطرة “قسد” تعتمد على البضائع القادمة إما من مناطق الحكومة السورية، أو من أربيل في كردستان العراق.

وأضاف أن مناطق “قسد” ليست صناعية، لكنها تحتوي على مواد أولية، مثل النفط والقمح وبقية الزراعات، لكنها لا تحتوي على مصانع لتحويل المواد الأولية لمواد استهلاكية، مثل مصانع تكرير النفط، أو تحويل القمح إلى مواد غذائية للاستفادة منها، مثل المعكرونة وغيرها، أو تحويل الفواكه إلى مربيات أو صناعة المعلبات.

أكد المحلل الاقتصادي أن الحاجة متبادلة بين الطرفين، إذ تحتاج المناطق السورية إلى المواد الأولية التي تخرج من مناطق “قسد”، كذلك تحتاج الأخيرة إلى المواد الصناعية والغذائية التي تصنع في بقية المناطق.

وأشار إلى أنه وبالرغم من الإغلاق، والضغط السياسي والاقتصادي، ما زال الجانبان يتبادلان السلع والمواد، خاصة النفط والقمح، من جانب الحكومة السورية.

ونوه إلى أن السكان في الجانبين يرتبطون عشائريًا وعائليًا، كما أنهم بحاجة إلى التنقل لأجل العلاج والتعليم، وفي تنقلهم ينفقون الأموال وينقلون البضائع، وهو ما يسهم بالاقتصاد المحلي للأهالي.

واعتبر أن الخاسر الأكبر من الإغلاق هم شريحة الطلاب والمرضى، الذين يضطرون للتنقل بين الجانبين، ويدفعون ثمن التجاذبات السياسية، ومحاولة تحصيل المكاسب الاقتصادية أو الإعلامية.

وتعتبر مناطق شمال شرقي سوريا السلة الغذائية للبلاد، فهي تتضمن أهم المحاصيل الزراعية وعلى رأسها القمح والقطن، إذ تنتج منطقة الجزيرة أكثر من مليوني طن من القمح سنويًا، وهو ما يعادل 55% من إنتاج سوريا، وكذلك تنتج أكثر من 500 ألف طن من القطن، وهو ما يعادل 78% من إنتاج البلاد.

الحكومة تشتري النفط من “قسد”

المحلل الاقتصادي رضوان الدبس، أشار إلى أن الضرر الذي يحدثه إغلاق المعابر، يصل أثره إلى تجارات داخلية على مدى واسع، أبرزها المشتقات النفطية، لافتًا إلى أن الحكومة السورية تستورد النفط من مناطق سيطرة “قسد”، وفق آلية معتمدة بينهما للدفع.

وتتأثر بقية القطاعات نتيجة توقف الإمدادات النفطية القادمة من مناطق “قسد”، في حين أن الأثر يبقى بمستوى أقل لتوقف استيراد بقية المواد، بحسب ما أشار إليه المحلل الدبس.

وتسطير “قسد” على نحو ثلث سوريا، في الجزء الشمالي الشرقي من البلاد، تحديدًا في محافظات الرقة والحسكة، وأجزاء من ريف حلب الشرقي، والضفة الشرقية من نهر الفرات، التي تقسم محافظة دير الزور.

وتشير التقارير إلى أن مناطق شرق الفرات التي تسيطر عليها “قسد” تضم حوالي 90% من الثروة النفطية و45% من الغاز الطبيعي في سوريا، إذ تسيطر على 43 من أصل 78 حقلًا نفطيًا، كذلك فهي تسيطر على أهم حقول النفط في سوريا مثل “الرميلان” و”السويدية” و”العمر” و”التنك”.

ومنذ شباط الماضي، تشتري الحكومة النفط من “قسد” عبر عقود مؤقتة، بأسعار لا تعلنها الحكومة، لكنها تقول إنها أرخص من الاستيراد الخارجي.

رياض جوباسي، معاون مدير الإدارة العامة لشؤون النفط في وزارة الطاقة، قال لشبكة “رووداو” (مقرها أربيل)، إنه لا يوجد اتفاق مباشر بين الحكومة و”قسد”، مشيرًا إلى وجود مقاولين من الجانبين.

وأضاف للشبكة، في 2 من تموز الماضي، أن المفاوضات بين الوسطاء تضمن أسعارًا تفضيلية للحكومة السورية، و”مريحة”، بحسب توصيفه.

وأشار إلى أن الكمية المشتراة من “قسد” تبلغ نحو 15 ألف برميل، وفق حاجة المصافي.

المصدر: عنب بلدي

شاركها.