ارتفاع درجة الحرارة ليست السبب الوحيد الذي يجعل الناس يفضلون منتصف الصيف على أيام الشتاء المظلمة، فالكثيرون أيضًا يُبلغون عن تحسن مزاجهم خلال الأشهر الأكثر دفئًا.
ولكن لماذا يتغير مزاجنا كثيرًا مع مرور الفصول؟ في حين أن هناك العديد من الأسباب المعقدة التي تجعل الطقس يؤثر بشكل كبير على مزاجنا وصحتنا، إلا أن الإجابة الرئيسية تكمن في دماغنا والطريقة التي تستجيب بها جميع أجهزة أجسامنا تقريبًا لما يحدث من حولنا.
درجة حرارة الجسم الأساسية مُحددة عند 37 درجة مئوية، حيث تُنظم درجة الحرارة بواسطة منطقة في الدماغ تُعرف باسم الوطاء.
ويستقبل هذا المركز العصبي معلومات حول درجة الحرارة من جميع أنحاء الجسم، ويبدأ في اتخاذ إجراءات إما للتبريد أو للتدفئة وفقًا لذلك.
يمكن أن تؤثر درجة الحرارة الخارجية أيضًا على ساعتنا البيولوجية المعروفة أيضًا باسم إيقاعاتنا اليومية، وتتحكم هذه الإيقاعات، من بين وظائف أخرى، بدورات النوم والاستيقاظ.
ما وظيفة الوطاء؟
يُنظم الوطاء أيضًا إيقاعاتنا اليومية وبشكل أكثر تحديدًا، جزء منه يُسمى النواة فوق التصالبية. إن كون كل من التحكم في ارتفاع درجة الحرارة ودورات النوم والاستيقاظ يُداران من داخل نفس المنطقة من الدماغ يشير إلى ارتباطهما الوثيق.
يمكن أن يُساعد هذا الارتباط جزئيًا أيضًا في تفسير سبب تغير مزاجنا كثيرًا بين الشتاء والصيف. يُعتقد أن التفاعل بين هذه المسارات العصبية هو الذي يؤثر على المزاج من خلال تأثيره على النوم، والنواقل العصبية المؤثرة على المزاج، وغيرها.
على سبيل المثال، في الشتاء، يجد الكثير من الناس أن مزاجهم يتدهور خاصةً خلال أيام منتصف الشتاء الطويلة والمظلمة.
ويُصاب بعض الأشخاص بالاضطراب العاطفي الموسمي (SAD)، وهي حالة مرتبطة بنوبات اكتئاب تتقلب مع تغير الفصول على الرغم من أنها أكثر شيوعًا في فصل الشتاء بسبب الأيام المظلمة ودرجات الحرارة الباردة.
يمكن أن يُسبب الاكتئاب أيضًا اضطرابات في النوم، وخمولًا، وتغيرات في الشهية وخاصة الرغبة الشديدة في تناول الكربوهيدرات. مع حلول أشهر الصيف، عادةً ما يجد الأشخاص الذين يعانون من الاكتئاب الشتوي تحسنًا ملحوظًا في أعراضهم.
هناك بعض الأدلة على أن الاكتئاب مرتبط بإفراز هرمون يُسمى الميلاتونين وهو هرمون مرتبط أيضًا بإيقاعاتنا اليومية، حيث تُنتج الغدة الصنوبرية الميلاتونين، التي تشترك في اتصالات عصبية مع منطقة ما تحت المهاد وتعمل على التحكم في توقيت وجودة النوم.
عادةً ما تظل مستويات الميلاتونين منخفضة نسبيًا خلال النهار لكنها تبدأ في الارتفاع تدريجيًا في المساء، لتصل إلى أعلى مستوياتها في منتصف الليل. لكن انخفاض مستويات ضوء النهار في الشتاء يمكن أن يُسبب خللًا في مستويات الميلاتونين، مما يؤدي عادةً إلى زيادة إفرازه. ربما يُفسر هذا شعور الناس بالنعاس والإرهاق في الشتاء، مما قد يُسبب الاكتئاب.
حزن الصيف
مع حلول الصيف، يُحدث تأثير أشعة الشمس وارتفاع درجة الحرارة على النواقل العصبية المُعززة للطاقة (مثل السيروتونين) فرقًا ملحوظًا في المزاج.
وقد يُعزى ذلك جزئيًا إلى زيادة مستويات فيتامين د، الذي يُنتجه الجلد، ويتطلب التعرض لأشعة الشمس للوصول إلى مستويات أعلى، وقد ثبت أن فيتامين د يؤثر إيجابًا على مستويات السيروتونين.
ولكن لا يُسعد الجميع بارتفاع درجات الحرارة وطول أيام الصيف، قد يشعر البعض بالمزيد من البؤس هذا الموسم.
هناك نوع آخر من الحزن، وإن كان نادرًا (يصيب أقل من 10% من مرضى الحزن)، يزداد سوءًا في الصيف.