عاد ملف سحب سلاح حزب الله إلى صدارة المشهد اللبناني والإقليمي، في ضوء التحركات الأمريكية الأخيرة، ومساعي الحكومة اللبنانية للرد على المطالب الدولية بضرورة نزع سلاح الحزب، الذي تراه واشنطن والخليج حجر عثرة أمام استقرار لبنان السياسي والاقتصادي، لكن وسط هذه الضغوط، تبرز تساؤلات أساسية: هل الحكومة اللبنانية جاهزة فعلًا لتنفيذ هذا الشرط؟ أم أن حزب الله يستثمر المفاوضات لكسب الوقت؟

 

الخطة الأمريكية الجديدة: نزع السلاح مقابل إعمار لبنان

طرحت الولايات المتحدة، وفق مصادر دبلوماسية، خطة تتضمن نزع سلاح حزب الله وفصائل أخرى بحلول نوفمبر المقبل، مقابل انسحاب إسرائيل من الجنوب وتجميد القصف، وتشمل الخطة أيضًا دعم إعادة إعمار لبنان، ونشر قوة مراقبة دولية لضمان الالتزام بالاتفاق.

 

لكن، وفق مكرم رباح، الباحث والمحلل السياسي اللبناني الذي يقول في حديث لوكالة ستيب نيوز: إن”الدولة اللبنانية لا تزال تحاول الالتفاف أو تدوير الزوايا فيما يتعلق بمطالب المبعوث الأمريكي توماس باراك”.

ويضيف: “هذا سيضع الحكومة في عزلة إضافية أمام المجتمع الدولي ودول الخليج تحديدًا. أجوبة الحكومة لا تزال متذبذبة، وهناك محاولة للالتفاف حول مسألة أساسية، وهي نزع سلاح حزب الله بشكل فوري ومن خلال جدول زمني واضح”.

 

ومنذ عقود، تعتمد واشنطن على استراتيجية “نزع السلاح مقابل التنمية” في لبنان، لكن التجارب السابقة أظهرت أن أي اتفاق لم ينفذ بسبب قوة حزب الله العسكرية وتحالفاته الداخلية والإقليمية.

 

حزب الله: استعداد للمفاوضة أم مناورة جديدة؟

في الوقت الذي يرسل فيه حزب الله إشارات إلى استعداده للمفاوضة، يرى رباح أن هذه الإشارات محاولات تضليل،

ويقول: “الاشارات التي يرسلها حزب الله بأنه جاهز للتفاوض هي محاولات للتضليل، فما يقوم به على أرض الواقع عكس ذلك تمامًا. سواء عبر استعراض السلاح الذي حصل أمس في زقاق البلاط، أو عبر الرسائل التي أطلقها أكثر من مرة الأمين العام نعيم قاسم”.

 

ويعتقد مراقبون أن حزب الله يحاول من خلال هذه العروض العسكرية إرسال رسائل داخلية وخارجية بأن سلاحه “فوق الدولة”، في ظل استمرار الضربات الإسرائيلية، وتصاعد التوترات الإقليمية عقب حرب غزة وحرب إيران.

 

معضلة الدمج مع الجيش: بين العقيدة القتالية والسياسة

تدور بعض المقترحات حول دمج قوات حزب الله ضمن المؤسسة العسكرية اللبنانية، إلا أن مكرم رباح والعديد من الخبراء يرون بذلك أمراً غير قابل للتحقيق.

ويقول: “لا نستطيع القول بوجود إمكانية لدمج حزب الله وسلاحه في الدولة. هذا التنظيم مصنف إرهابيًا دوليًا، والجيش اللبناني يتلقى مساعدات أمريكية، ما يمنع هذا الشيء. يضاف إلى ذلك أن العقيدة القتالية لحزب الله لا تنسجم إطلاقًا مع العقيدة الوطنية للجيش اللبناني”.

 

ويحصل الجيش اللبناني سنويًا على مساعدات عسكرية أمريكية تفوق 250 مليون دولار مخصصة للتدريب والدعم اللوجستي، بينما تصنف واشنطن ودول خليجية حزب الله كمنظمة إرهابية، بينما ترى فيه طهران ذراعها الإقليمي الأقوى.

 

عرض زقاق البلاط: رسائل القوة والسيطرة

وأمس أقام حزب الله استعراضًا عسكريًا في زقاق البلاط، اعتبره مراقبون تحديًا للحكومة والمجتمع الدولي، ورسالة بأن نزع السلاح ليس مطروحًا فعليًا.

يقول رباح: “رسالة حزب الله من العرض العسكري السخيف هي تأكيد أن سلاحه هو الذي يفصل ويربط ويحل. وعلى المجتمع اللبناني والرأي العام أن يدركوا أنهم لا يواجهون حزبًا سياسيًا تقليديًا، بل حزبًا امتهن القتل والقتال واغتيال معارضيه”.

ويعتمد حزب الله على سياسة “إظهار السلاح” كأداة ردع داخلي وخارجي، لضمان بقائه في المعادلة السياسية كلاعب لا يمكن تجاهله.

 

التيارات الداخلية: صراع على السلطة لا على السلاح

رغم الحديث عن خلافات داخل حزب الله بعد مقتل قادة الصف الأول والثاني خلال الحرب الأخيرة، يوضح رباح أنها لا تمس جوهر قوة الحزب.

ويقول: “الخلافات أو التيارات داخل الحزب هي اختلافات على المحاصصة وليس على السلاح. في حال تم تسليم سلاحه إلى الدولة اللبنانية فلن يكون حزب الله موجودًا أصلًا. وهذا ظاهر حتى في شعاره، فالبندقية الكلاشينكوف خير دليل”.

 

ويتكون حزب الله من أجنحة سياسية ودينية وأمنية، لكن السلاح هو الرابط الأساسي بينها، ويرى مراقبون أن أي مساس بهذا العنصر قد يؤدي إلى تفكك البنية التنظيمية للحزب.

 

موقف الدولة اللبنانية: ارتباك سياسي وخوف من المواجهة

حتى الآن، تبدو مواقف الحكومة اللبنانية مترددة، إذ تحاول تدوير الزوايا للحفاظ على علاقة جيدة مع واشنطن والخليج دون الصدام مع حزب الله، إلا أن هذا الموقف قد يعرض لبنان لمزيد من العزلة الدولية.

 

وأكد الرئيس اللبناني جوزيف عون على التزامه بحصر السلاح بيد الدولة بحلول نهاية 2025، لكن التنفيذ مرهون بالتوافق السياسي الذي لا يزال بعيد المنال، بينما تشترط القوى الدولية نزع السلاح كمدخل لأي دعم مالي أو إعادة إعمار بعد حرب 2024.

 

بين مناورة حزب الله وضغوط الخارج

يبقى سلاح حزب الله معضلة جوهرية في بنية الدولة اللبنانية، إذ يرى فيه أنصاره ضمانًا للحماية، بينما يعتبره خصومه مصدر هيمنة وعزلة دولية، ومع استمرار الضغوط الأمريكية والخليجية، تقترب بيروت من لحظة حاسمة، إما حسم ملف السلاح وفق توافق وطني شامل، أو مواجهة عزلة قد تقود لانهيار اقتصادي وأمني أعمق.

ما مصير سلاح حزب الله؟.. الملف المعضلة بين خطة أمريكية و”انفجار” يلوح بالأفق

المصدر: وكالة ستيب الاخبارية

شاركها.