بعد حرب 12 يوماً بين إسرائيل وإيران، علقت طهران التعاون مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية، إلى أن سمح المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني بدخول أول فريق من الوكالة لبدء محادثات من أجل إيجاد حل لاستئناف عمليات التفتيش وسط مطالبات متبادلة من الجانبين.
وصدق البرلمان الإيراني، في يوليو، على تشريع يعلق التعاون مع الوكالة، وينص على أن أي عمليات تفتيش فيما بعد ستحتاج إلى موافقة المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني.
واتخذ البرلمان هذه الخطوة بعد أن اتهمت طهران الوكالة الدولية للطاقة الذرية بـ”تمهيد الطريق عملياً” للهجمات الإسرائيلية الأميركية من خلال تقرير أصدرته في 31 مايو، ما دفع مجلس محافظي الوكالة لإعلان أن إيران “تنتهك التزاماتها بموجب معاهدة الحد من الانتشار النووي”.
وبحسب وسائل إعلام إيرانية، اعتبر رئيس البرلمان الإيراني محمد باقر قاليباف أن “الوكالة التي لم تندد حتى شكلياً بالهجوم على منشآت إيران النووية، باعت مصداقيتها الدولية بثمن بخس”، موضحاً أنه لهذه الدواعي ستعلق منظمة الطاقة الذرية الإيرانية التعاون، حتى يتم ضمان أمن المنشآت النووية الإيرانية.
مطالبات متبادلة
وتطالب طهران الوكالة الدولية للطاقة الذرية بالعمل بشفافية كاملة، بالإضافة إلى رفض الرضوخ للضغوط السياسية، لا سيما من الولايات المتحدة وإسرائيل، واتخاذ موقف محايد، وعدم الاكتفاء بإصدار تقارير “مُسيّسة”.
فيما تطالب الوكالة الدولية من طهران توضيح ما يتعلق بوجود مواد نووية في مواقع معينة، والتحقيق في تداعيات الهجمات على المنشآت النووية، وتجنب تصعيد التوتر.
وبعد اجتماعين عقدا مع ممثلي الوكالة الدولية، وجه رئيس منظمة الطاقة الذرية الإيرانية محمد إسلامي، الاثنين، انتقادات إلى الوكالة؛ بسبب ما عده خضوعاً لتأثير القوى الغربية، مؤكداً في الوقت ذاته أن اثنين من المفتشين قدما إلى إيران.
وتتحجج طهران بالقول أن المخاطر الكيميائية والإشعاعية في المواقع، التي قصفتها إسرائيل والولايات المتحدة، تجعل من استئناف عمليات التفتيش “غير آمنة”.
وفي 11 أغسطس، أخبرت طهران رئيس إدارة الضمانات في الوكالة الدولية ماسيمو آبارو أن الزيارات قد تصبح ممكنة قريباً لبعض المواقع التي لم تتأثر بالضربات الإسرائيلية والأميركية، مثل مفاعل بوشهر النووي الإيراني الذي شُيد بمشاركة روسيا.
مطالب إيران من الوكالة
وشدد وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي، خلال لقائه المفوضة السامية للسياسة الخارجية بالاتحاد الأوروبي كايا كالاس، في الدوحة، الخميس، على ضرورة الالتزام بما جاء في “الاتفاق النووي”، والقرار 2231، بالإضافة إلى التأكيد على أهمية العودة إلى مسار الدبلوماسية والتفاوض، مع التصدي لأي محاولات تساهم في إفشال هذا المسار، بحسب وكالة “إرنا” الإيرانية.
كما أكد عراقجي على التزام بلاده بـ”مسار الدبلوماسية”، معتبراً أن إيران جادة في هذا الموقف، وستواصل البقاء عليه.
كما لفت إلى المسؤولية التي تقع على عاتق المفوضية السامية المعنية بالسياسة الخارجية للاتحاد الأوروبي EU، باعتبارها “منسقة اللجنة المشتركة للاتفاق النووي”.
ولا تزال طهران مستمرة في نفيها وجود أي مساع لامتلاك أسلحة نووية، وتؤكد مراراً على أن البرنامج النووي الإيراني يأتي في إطار الأغراض والاستخدامات السلمية.
وبحسب وكالة “مهر” الإيرانية، بحث أمين المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني علي لاريجاني، في اتصال هاتفي مع مستشار الأمن القومي البريطاني جوناثان باول، “ضرورة استئناف المفاوضات النووية”، وحل مشكلة قرار دول الترويكا الأوروبية (فرنسا وبريطانيا وألمانيا) بشأن تفعيل آلية “سناب باك” التي تتيح إعادة فرض العقوبات الأممية على إيران دون الحاجة إلى تصويت في مجلس الأمن.
كما ذكر لاريجاني في منشور على منصة “إكس” أن هناك من يعمل على تمهيد الطريق الذي يسمح بإلغاء أي محادثات قائلاً: “نسعى بالفعل إلى مفاوضات عقلانية، لكنهم يُمهدون طريقاً لإلغاء أي محادثات عبر إثارة قضايا غير قابلة للحل، مثل فرض قيود على البرنامج الصاروخي”.
مطالب الوكالة من إيران
وبشأن كيفية استئناف عمليات التفتيش في المواقع النووية الإيرانية، على أن تشمل التي قصفتها إسرائيل والولايات المتحدة، قال مدير الوكالة الدولية للطاقة الذرية رافائيل جروسي، الأربعاء، إن “المحادثات مع إيران يجب ألا تستمر لأشهر طويلة”، مشيراً في الوقت نفسه إلى تفاهم عام على أن اليورانيوم المخصب بدرجة عالية “لا يزال موجوداً إلى حد بعيد”.
ورأت الوكالة، بعد الضربات الإسرائيلية الأميركية على المواقع النووية، أن بعض المواقع لم تتعرض للقصف، ومن الضروري مناقشة نوع الآليات العملية التي يمكن تطبيقها لتسهيل استئناف عمل الوكالة هناك.
وتستعين الوكالة باتفاقيات الضمانات بموجب معاهد الانتشار النووي، وهي اتفاقية دولية أساسية تهدف إلى منع انتشار الأسلحة النووية، وأبرمتها الوكالة مع دول لا تملك هذه الأسلحة، وفقاً لـ”بيان موجه إلى مجلس محافظي الوكالة الدولية للطاقة الذرية”.
وكانت إيران، قبل الحرب مع إسرائيل، تسمح للوكالة بتفتيش المنشآت النووية بانتظام، بما في ذلك منشآت نطنز وفوردو وأصفهان، لضمان استخدام المواد النووية للأغراض السلمية فقط، وعدم استخدامها في صناعة الأسلحة النووية.
وفي 9 يونيو، أشار جروسي إلى العثور على جزيئات يورانيوم من صنع الإنسان في ثلاثة مواقع أخرى غير معلنة، وهي (فارامين، ومريوان، وتورقوز آباد)، مشيراً إلى أن طهران لم تُقدم “تفسيرات موثوقة تقنياً” لوجود هذه الجزيئات، على الرغم من سنوات من المشاورات.
وتداوم الوكالة على تقديم تقارير منتظمة إلى مجلس محافظيها حول الأنشطة النووية لإيران وغيرها من الدول، باستخدام أساليب مثل “عمليات التفتيش ومعدات الرصد، وأخذ العينات البيئية، وصور الأقمار الاصطناعية لجمع البيانات وإعداد التقارير الفنية”.
وفي حالة الدول التي تخضع إلى تدقيق خاص مثل إيران تصدر هذه التقارير عادة كل 3 أشهر، وعند رفض هذه الدول، أو أي دولة غير نووية طرف في المعاهدة، الامتثال إلى متطلبات الوكالة الدولية للطاقة الذرية من خلال تقييد الوصول أو عدم توضيح وجود جزيئات اليورانيوم، يمكن للوكالة إبلاغ مجلس الأمن الدولي، مما قد يؤدي إلى “ضغوط دبلوماسية أو عقوبات أو دعوات لمزيد من المفاوضات”.
وتدعو الوكالة الدولية للطاقة الذرية باستمرار إلى “حلول دبلوماسية”، وتؤكد على أهمية الحوار لتهدئة المخاوف بشأن نوايا إيران النووية، لتقييم حالة المنشآت المتضررة وتحديد الآثار الأوسع على السلامة والأمن النوويين.
كم أنها لم تهمل جانب الرقابة على السلامة، إذ يعد هذا جزءاً أساسياً من مهمة الوكالة الدولية للطاقة الذرية، والمتمثلة في منع الحوادث النووية، بالإضافة إلى ضمان استخدام الطاقة النووية للأغراض السلمية وحماية الناس والبيئة.
مخزون اليورانيوم
وكانت الوكالة تعمل مع السلطات الإيرانية على ضمان التشغيل الآمن للمنشآت النووية، مثل نطنز وفوردو وأصفهان، من خلال تقييم تصميم هذه المنشآت وتشغيلها، ومراقبة تدابير الحماية من الإشعاع، وتقييم الاستعداد للطوارئ.
وذكر جروسي، لوكالة “رويترز”، أن الوكالة التابعة للأمم المتحدة، لم تحصل على أي معلومات من إيران عن وضع مخزونها من اليورانيوم عالي التخصيب أو مكانه منذ أن شنت إسرائيل الهجمات الأولى على مواقع التخصيب في 13 يونيو.
وخلال اجتماع طارئ لمجلس محافظي الوكالة في يونيو، شدد على ضرورة عودة مفتشي الوكالة إلى المواقع النووية الإيرانية والتحقق من مخزوناتها، وسط مخاوف من أن طهران خصبت 400 كيلوجرام من اليورانيوم بنسبة 60%.