اخر الاخبار

ما هي “وزارة الكفاءة الحكومية” التي سيقودها ماسك ورامسوامي؟

فكرة إنشاء “لجنة كفاءة حكومية” التي طرحها رجل الأعمال الأميركي إيلون ماسك في أغسطس الماضي خلال مقابلة ودية على منصة “إكس” مع الرئيس المنتخب دونالد ترمب، في طريقها لأن تصبح واقعاً قد يسفر عن تغييرات كبيرة في شكل الحكومة الأميركية كما عهدها الأميركيون في السنوات الماضية.

ترمب أعلن، الثلاثاء الماضي، عن نيته إنشاء وزارة “الكفاءة الحكومية” واختيار ماسك ورجل الأعمال فيفيك ورامسوامي لقيادتها، مشيراً إلى أن مهام هذه الهيئة تتمثل في “تمهيد الطريق” لإدارته من أجل “تفكيك البيروقراطية الحكومية”، و”تقليص الإجراءات التنظيمية المفرطة”، و”خفض الهدر في النفقات”، و”إعادة هيكلة الوكالات الفدرالية”.

غير أن إعلان ترمب أن هذه الهيئة ستعمل خارج الحكومة التنفيذية كهيئة استشارية أثار تساؤلات بشأن ما إذا كان ماسك ورامسوامي سيمتلكان السلطة لإجراء تغييرات فعلية في شكل الحكومة والنفقات الفيدرالية، نظراً لأن الكونجرس هو الذي ينظم ويصادق على الإنفاق الفيدرالي.

ما هي “وزارة الكفاءة الحكومية”؟

على الرغم من أن اسمها الرسمي هو “وزارة الكفاءة الحكومية”، إلا أن هذه الهيئة لن تكون وزارة فعلية تعمل ضمن السلطة التفيذية، إذ يحتاج خلق وزارة جديدة إلى موافقة الكونجرس.

وأوضح الرئيس المنتخب، أن هذه اللجنة ستعمل كـ”هيئة استشارية خارج الحكومة التنفيذية”، وستقدم تقارير وتوصيات بشأن التغييرات المقترحة لخفض الإنفاق الحكومي وزيادة الكفاءة الحكومية، دون أن يكشف عن تفاصيل آليات عملها وكيفية توظيفها أو تمويلها.

هذا يعني أن الهيئة الجديدة لن تكون لديها سلطة قانونية لاتخاذ قرارات بطرد موظفين فيدراليين أو خفض إنفاق بعض الوكالات الفيدرالية، بل سيقتصر دورها على تقديم توصيات إلى البيت الأبيض الذي قد يضعها في ميزانية الرئيس السنوية، التي تحدد رؤيته للإنفاق الحكومي.

ولكن الكونجرس ليس مطالباً باتباعها، أما سلطة اتخاذ القرار بشأن خفض الوظائف الحكومية فتعود للكونجرس كونه الجهة المسؤولة عن نفقات الحكومة.

وفيما لم يؤكد ترمب ما إذا كان العاملون ضمن هذه الهيئة سوف يتقاضون رواتب، أشار إيلون ماسك إلى أن موظفي الهيئة سيعملون بدون أجر، كمتطوعين.

قال ماكس ستاير، رئيس ومدير تنفيذي لشراكة الخدمة العامة، وهي مجموعة غير ربحية مكرسة لجعل الحكومة تعمل بشكل أكثر فعالية، إن “السلطة الحقيقية ستكون مع الوزراء ورؤساء الوكالات الذين يختارهم ترمب”.

وأضاف ستاير لشبكة NBC NEWS: “من الخارج، هل سيكون بمقدور ماسك ورامسوامي فعل الكثير؟ من الصعب رؤية كيف سيكون ذلك ممكناً”، لافتاً إلى أن “هناك 450 وكالة ضمن المكونات الرئيسية لحكومتنا. الأشخاص الذين يديرونها هم القادة الذين يتم تسميتهم الآن من قبل ترمب. يمكنك أن تقول ‘افعل هذا’ أو ‘افعل ذاك’ من الخارج، ولكن لإنجاز الأمر، تحتاج إلى أشخاص يعرفون حقاً كيفية تحقيق الأمور وتنفيذها بفعالية”.

ما القوانين التي ستنظم عملها؟

حتى الآن من غير المعروف بشكل رسمي كيف ستعمل هذه الهيئة، غير أن الخبراء يرجحون أن تكون خاضعة لقانون “اللجنة الاستشارية الفيدرالية Federal Advisory Committee Act، المعروف اختصاراً باسم FACA.

وينظم هذا القانون الذي تم سنه عام 1972 كيفية عمل اللجان الاستشارية الفيدرالية، ويفرض شروطاً للشفافية، من ضمنها عقد اجتماعات مفتوحة، وأن تضم اللجنة أفراداً بوجهات نظر مختلفة لضمان حيادها.

يتطلب القانون تفويضات صارمة للشفافية تقتضي، من بين أمور أخرى، إشعاراً مسبقاً بالاجتماعات، وأن تكون مخرجاتها متاحة للجمهور، وأن يكون للجمهور إطلاع على السجلات التي تستخدمها اللجنة لأداء عملها. كما يتطلب أن لا يمثل أعضاء اللجنة جميعاً وجهة نظر واحدة.

وتعهد ماسك، الثلاثاء الماضي، بـ”نشر جميع أعمال وزارة الكفاءة الحكومية على الإنترنت لتحقيق أقصى قدر من الشفافية”، مضيفاً على منصة “إكس”، أنه “في أي وقت يعتقد الجمهور أننا نقطع شيئاً مهماً أو لا نقلص نفقات مهدرة، فقط أخبرونا!”

وتابع: “سيكون لدينا أيضاً لوحة تصنيف لأكثر الإنفاق الحكومي غباءً بشكل جنوني من أموالكم الضريبية. سيكون هذا مأساوياً للغاية ومسلياً للغاية”.

ما هي مهامها وأهدافها؟

حين أعلن ترمب رسمياً عن إنشاء “وزارة الكفاءة الحكومية”، حدد مهامها في مساعدته على “تفكيك البيروقراطية الحكومية”، و”تقليص الإجراءات التنظيمية المفرطة”، و”خفض الهدر في النفقات”، و”إعادة هيكلة الوكالات الفيدرالية”.

وذكر الرئيس المنتخب في بيان، أن الوزارة “ستقدم المشورة والإرشاد من خارج الحكومة، وستتعاون مع البيت الأبيض ومكتب الإدارة والموازنة لدفع الإصلاح الهيكلي على نطاق واسع، وخلق نهج ريادي للحكومة لم يُرَ من قبل”.

وكان ترمب أعلن في خطاب أمام النادي الاقتصادي بنيويورك، أن ماسك ومن خلال هذه الهيئة سيعمل على “مراجعة كاملة للحسابات المالية والأداء للحكومة الفيدرالية بكاملها” في إدارته المقبلة.

وأعطى ترمب الوزارة مهلة تقل عن سنتين من أجل إنهاء مهمتها، وقال إن عمل هذه الوزارة سينتهي في الرابع من يوليو عام 2026.

وفي ظل غياب الأهداف المفصلة، تحدث إيلون ماسك في وقت سابق عن نيته خفض الإنفاق الحكومي الأميركي بـ2 تريلون دولار، وهو ما يمثل نحو 30% من مجموع إنفاق الحكومة الأميركية في السنة المالية الأخيرة، والذي بلغ  6.75 ترليون دولار.

هذا الرقم أثار تشكيكاً في مدى واقعيته من قبل الخبراء. فمن أجل الوصول إلى هذا الخفض، يحسب المحللون أنه سيتعين إغلاق وكالات حكومية بأكملها، من النقل، إلى الزراعة، إلى الأمن الداخلي، وهي وكالات بلغت نفقاتها التقديرية 1.7 تريليون دولار فقط عام 2023.

وكتب الباحث في معهد مانهاتن، اليميني، برايان ريدل، الذي عمل مع مرشحين رئاسيين جمهوريين، أن إجراءات خفض هدر الأموال الحكومية والاحتيال وسوء الاستخدام يمكن أن تؤدي إلى خفض في الإنفاق الحكومي بين 150 و 200 مليار دولار، مشيراً إلى أن “التخفيضات الإضافية التي قد تتجاوز ذلك قد تصبح أكثر من مشروع أيديولوجي يركز على قتل البرامج التي لا تعجبك بدلاً من جعلها أكثر كفاءة”.

ما هي الوكالات المستهدفة؟

لا توجد حتى الآن قائمة نهائية بالوكالات التي ستستهدفها “وزارة الكفاءة الحكومية”، لكن مبدئياً فإن هذه الهيئة ستكون لديها صلاحيات مراجعة حسابات وموازنات جميع الوكالات الحكومية، من أجل تحديد النفقات المهدرة في كل واحدة منها على حدة، وتقديم توصيات لمعالجة ذلك، بما يشمل توصيات إنهاء برامج أو خفض قواها العاملة، ووقف بعض النفقات الحكومية أو خفضها.

أما قائمة الوكالات والبرامج الحكومية، التي تحدث كل من ماسك ورامسوامي عن استهدافها، حتى الآن، فتشمل:

  • وزارة التعليم: اتخذ كل من ماسك ورامسوامي وزارة التعليم كواحدة من أهم الوكالات التي يودون استهدافها، وهو ما يتماشى أيضاً مع مواقف ترمب، الذي قال إن الوزارة تعلم الأطفال الدعاية اليسارية، وتطال برامجها إخفاقات كبيرة. وتحدث رامسوامي عن خطة لإغلاق وزارة التعليم، ونقل برامج التدريب العمالي التابعة لها إلى وزارة العمل.
  • وزارة الصحة: ترجح التقارير أن تكون بعض برامج وزارة الصحة من بين الأهداف الرئيسية لخفض الإنفاق الحكومي، إذ قالت منظمة Open the Books، وهي منظمة رقابية تقدم تقارير الإنفاق الحكومي، أن وزارة الصحة والخدمات الإنسانية تنفق ما يقرب من 40 مليون دولار سنوياً على 294 موظفاً مكلفين بالإشراف على مبادرات التنوع والإنصاف والشمول.
  • مكتب التحقيقات الفيدرالي FBI ووكالة الضرائب: سبق أن قال رامسوامي إنه ينوي التخلص من ما يصل إلى 75% من القوى العاملة الفيدرالية. وكان رامسوامي صرح بأن للرئيس السلطة لإلغاء وزارة التعليم، ومكتب التحقيقات الفيدرالي، ووكالة الإيرادات الداخلية (الضرائب الأميركية)، ومكتب الكحول والتبغ والأسلحة النارية والمتفجرات بموجب مرسوم رئاسي. كما دعت الخطة التي تحدث عنها رامسوامي إلى نقل 15 ألف عميل خاص بمكتب التحقيقات الفيدرالي إلى وكالات أخرى؛ وإغلاق لجنة التنظيم النووي ونقل واجباتها إلى أقسام أخرى.
  • برنامج Medicare وخفض المساهمات في الأمم المتحدة: القضاء على هدر الأموال عبر “الاحتيال” على برنامج الرعاية الصحية Medicare يمكن أن يؤدي إلى التوفير، وفقاً لمنظمة “مواطنون ضد إهدار الحكومة”، وهي مجموعة غير حزبية تنظر في الإنفاق الحكومي. وتشمل توصياتها أيضاً تقليص مساهمات الولايات المتحدة في الأمم المتحدة، وإنهاء الدعم لبعض المنتجات الزراعية مثل الألبان والسكر. وتقدر التوفيرات المتوقعة من خلال هذه الإجراءات بـ377 مليار دولار في السنة الأولى، أو حوالي 19% من 2 تريليون دولار التي يستهدفها ماسك. لكن يشار إلى أن ترمب كان قد تعهد بعدم المساس بنظام Medicare.
  • برنامج الضمان الاجتماعي “التقاعد”: تذهب نحو 1.46 مليار دولار، أي ما يعادل 22% من الانفاق الحكومي، إلى نظام “التقاعد” المعروف باسم social security، وهو ما جعل بعض التقارير ترجح أن يكون ضمن أهداف مراجعة “وزارة الكفاءة الحكومية”. غير أن ذلك يتعارض مع تعهدات الرئيس المنتخب خلال حملته الانتخابية، إذ تعهد بعدم قطع تمويل برنامج “التقاعد”، كما تعهد برفع قيمة “التقاعد” الذي يحصل عليه الأميركيون عن طريق إلغاء الضريبة على شيكات “التقاعد”.
  • مكاتب شاغرة: كما تحدثت صحيفة “ذا هيل” عن إمكانية استهداف الوزارة لمختلف الوكالات الحكومية لتقليص مساحاتها المكتبية، إذ كشفت أن الحكومة تنفق 7 مليارات دولار سنوياً على مساحات مكتبية فيدرالية، على الرغم من أن 88% من تلك المساحة غير مستخدمة.

هل هذه خطوة غير مسبوقة؟

هذه ليست خطوة غير مسبوقة، إذ حاول رؤساء ديمقراطيون وجمهوريون من قبل تقليص النفقات الحكومية عبر تعيين لجان استشارية مماثلة.

في عام 1982، أنشأ الرئيس رونالد ريجان “لجنة جريس”، بقيادة رجل الأعمال الثري جيه بيتر جريس، الرئيس التنفيذي لشركة “دبليو آر جريس”، وهي شركة كيماويات. وتطوع حوالي 150 رجل أعمال للعمل ضمن اللجنة، التي اقترحت في النهاية 2500 إصلاح، وفقاً لـمكتبة رونالد ريجان الرئاسية.

وبحسب المكتبة، “لم يتم تنفيذ معظم التوصيات، خاصة تلك التي تتطلب تشريعاً من الكونجرس. ومع ذلك، قدم عمل اللجنة نقطة انطلاق للعديد من الانتقادات المحافظة للحكومة الفيدرالية”.

ونجحت إدارة ريجان في خفض الإنفاق الحكومي بقيمة 100 مليار دولار عبر إجراءات تنفيذية، من مجموع 424 مليار دولار التي اقترحت “لجنة جريس” توفيرها من خلال توصيات يمكن أن تُنفذ على مدى 3 سنوات، بحسب شبكة NBC NEWS.

وفي التسعينيات، أنشأ الرئيس بيل كلينتون لجنة “مراجعة الأداء الوطني” بهدف إنشاء حكومة تعمل بشكل أفضل وتكلفة أقل. وقاد اللجنة موظفون مدنيون يفهمون البيروقراطية، وحانقون عليها في آن.

وحققت اللجنة بعض النجاحات في تبسيط العمليات وتقليص التكاليف، وقلصت في النهاية أكثر من 300 ألف وظيفة، وفقاً لدراسة من خدمة الأبحاث الكونجرسية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *