ما وراء إعادة هيكلة “مجلس دير الزور العسكري”
بعد أكثر من عام على حلّ “مجلس دير الزور المدني”، أعادت “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد) هيكلة “المجلس” التابع لها، وفق إعلان تصدّره القائد العام لـ”قسد”، مظلوم عبدي، الاثنين 21 من تشرين الأول.
وأعلنت “قسد” عن إعادة هيكلة “المجلس” الذي حلّته سابقًا بعد مواجهات نشبت معه، على خلفية خلاف مع قادته، في آب 2023، دون الإشارة إلى شكل الهيكلية بدقة، وتفرّع المجالس العسكرية فيها.
وقالت عبر موقعها الرسمي، إن “المجلس” أُعيدت هيكلته خلال اجتماعات مع المجالس العسكرية في دير الزور وهجين والبصيرة والصور والكسرة والشدادي والتروزية.
ورغم أن “قسد” لم تشر إلى التغييرات التي طرأت على “مجلس دير الزور”، فإنه جاء ضمن الهيكلية الجديدة منفصلًا عن المجالس العسكرية في المناطق الأخرى، إذ كان “مجلس دير الزور العسكري” سابقًا يضم تحته فروعًا تُعرف باسم “ساحات”، وكان يطلق عليها “ساحة الكسرة”، و”ساحة البصيرة” وغيرهما.
وذكرت “قسد” أن عايد تركي الخبيل (أبو علي فولاذ) صار قائدًا لـ”المجلس”، وهو ابن عم قائده السابق أحمد الخبيل (أبو خولة)، وانتخب “المجلس” أيضًا أعضاء جددًا في قيادته هم ليلوى العبد الله ونوري الخليل و”بيريتان قامشلو” و”سليم ديرك”.
ووفق “قسد”، انتُخب تركي الضاري (أبو الليث خشام) وفراس الداود لقيادة “مجلس الكسرة العسكري”، وعبد الكريم الفندي وماجد السندي لقيادة “مجلس الصور العسكري”، وإبراهيم جاسم العاصي وعز الدين أحمد عطا الله لقيادة “مجلس هجين العسكري”، وموسى الصلاح ووضاح المشرف لقيادة “مجلس البصيرة العسكري”.
معظم القادة الواردة أسماؤهم في قرار إعادة الهيكلة، اعتقلتهم “قسد” برفقة قائد الفصيل أحمد الخبيل (الذي لا يزال مختفيًا إلى جانب قادة آخرين حتى اليوم)، لكنها عاودت الإفراج عنهم لاحقًا.
عقب مفاوضات
أفادت مصادر قيادية في “مجلس دير الزور العسكري” سابقًا ل أن قادة في “المجلس” كانوا يحضرون اجتماعات مع قادة “قسد” بهدف إعادة الهيكلة.
وكانت حالة الضبابية حول مسار المفاوضات وعدم وضوح أهدافها سببًا يدفع القادة المحليين للاعتقاد أن “قسد” تهدف للحفاظ على “المجلس” صوريًا فقط، دون نفوذ حقيقي على الأرض.
وقالت المصادر حينها، إن ثقة الأطراف المحلية من جانب “المجلس” ليست عالية بالممثلين عن قادة الفصيل الأم (قسد)، لكن وجود منسق من التحالف الدولي مسؤول عن الوصول إلى نتائج ترضي الطرفين هو ما راهن عليه قادة “المجلس”.
وفي 27 من آب 2023، نشبت مواجهات بين “مجلس دير الزور” مدعومًا بعشائر المحافظة، و”قسد” واستمرت لنحو شهر، على خلفية اعتقال الأخيرة قائد “المجلس” أحمد الخبيل (أبو خولة).
عقب المواجهات بثلاثة أيام، أعلنت “قسد” عن عزل الخبيل عبر بيان نشرته في موقعها الرسمي، مشيرة إلى أن القرار اتخذ بعد “شكاوى قدمها الأهالي، وسكان دير الزور بحقه”.
وعقب شهر على نهاية المواجهات مع “المجلس العسكري” في دير الزور، أصدرت “الإدارة الذاتية” (المظلة السياسية لقسد)، في 22 من تشرين الأول 2023، قرارات تهدف للإصلاح مكونة من 42 بندًا، أبرزها إعادة هيكلة المجالس المحلية والتشريعية والتنفيذية والبلديات، وترتيب قوى “الأمن الداخلي” و”مجلس دير الزور العسكري” خلال ستة أشهر.
المهلة التي حددتها “الإدارة” انقضت، بينما لم تخرج “قسد” بهيكلة جديدة لـ”المجلس” إلا بعد مرور عام كامل، في حين لا تزال معالم إعادة الهيكلة غير واضحة حتى لحظة تحرير الخبر.
اقرأ أيضًا: تجربة “مجلس دير الزور العسكري” تهدد مركزية “قسد”
ما الهدف
لم تتغير وجوه القادة في الهيكلة الجديدة لـ”مجلس دير الزور العسكري”، إذ كان “أبو علي فولاذ” قائدًا عسكريًا لـ”المجلس”، كما كان تركي الضاري متحدثًا رسميًا له، وهو ما ينطبق على القادة الآخرين.
المعيّنون حديثًا ظهروا خلال المعارك التي نشبت بين “المجلس” والمجموعات العشائرية الداعمة له ضد “قسد”، إذ أصيب تركي الضاري بالمواجهات في ذراعه برصاص “قسد” قبل أن ينضم للأخيرة لاحقًا، في حين ظهر فولاذ إلى جانب “قسد” في الحملة الأمنية نفسها، رغم أنه سبق واعتُقل إلى جانب قائد “المجلس” السابق “أبو خولة”.
يعتبر “أبو علي فولاذ” من رجالات “أبو خولة”، كما أن تعيينه جاء منافيًا لما أعلنت عنه “الإدارة الذاتية” سابقًا، حول أن تعييناتها في دير الزور ستعتمد على الكفاءات لا على الولاء، وفق ما قاله الباحث المتخصص بشؤون شمال شرقي سوريا بمركز “جسور للدراسات” أنس شواخ.
الباحث أضاف ل أن فولاذ “شخص أمّي” لا يجيد القراءة والكتابة، كما أنه من الأشخاص “الضعيفي الحضور”، ويبدو اختياره لمنصب قيادة “المجلس” جاء بدافع سهولة التحكم به من قبل كوادر “قسد”، وفق الباحث.
الباحث في شؤون فواعل ما دون الدولة بمركز “عمران للدراسات الاستراتيجية، أسامة شيخ علي، قال ل، إن اختيار “أبو علي فولاذ” لقيادة “المجلس” هو محاولة لإصلاح الواقع الاجتماعي في دير الزور، خصوصًا أن سابقه (أبو خولة) عمل على مدى سنوات على تقوية عشيرة “البكير” التي ينحدر منها على حساب عشائر أخرى في المنطقة.
وتطلبت التركيبة الاجتماعية في المحافظة التي تسيطر “قسد” على جزء منها اختيار أحد أفراد عائلة “أبو خولة” (ابن عمه) لقيادة “المجلس” لمحاولة ضبط الأوضاع الأمنية مجددًا.
وتحاول “قسد” إيصال رسالة لأبناء المنطقة، أن لا مشكلة لها مع التركيبة العشائرية في دير الزور، عبر إقصاء “أبو خولة” واستبدال ابن عمه به الذي ينحدر من البيئة نفسها.
واعتقلت “قسد” أحمد الخبيل، في 27 من آب 2023، بعد أن دعته مع قادة “المجلس العسكري” لاجتماع في محافظة الحسكة، ووضعت القادة الآخرين تحت إقامة جبرية ريثما تتخلص من ارتدادات الاعتقال في محافظة دير الزور، ثم أفرجت عن جزء منهم لاحقًا.
وحتى لحظة تحرير هذا التقرير، لم يعرف مصير أحمد الخبيل، أو مكان وجوده.
هل تعلّمت “قسد” من التجربة
ما تبع اعتقال أحمد الخبيل من انتفاضة عشائرية ضد “قسد” لا تزال المنطقة تعاني آثاره حتى اليوم، إذ نشأ تكتل عشائري عسكري، مجهول القوام وغير معلن التبعية، يهاجم مقار ونقاطًا عسكرية لـ”قسد” بشكل يومي، وتتهمه الأخيرة بتلقي الدعم من النظام السوري وإيران.
وشهدت دير الزور تطورات متسارعة عقب اعتقال “أبو خولة”، إذ تفاقمت الأوضاع الأمنية، لكن “قسد” لم تعد تشكيل “المجلس العسكري” الذي كان يعتبره سكان المنطقة ذات الطبيعة القبلية مظلة تؤمّن بعض حقوقهم، رغم الانتهاكات التي تنسب للخبيل بحق أبناء المنطقة.
ولا يزال بعض سكان المنطقة، ممن تواصلت معهم، يعتقدون أن غياب “المجلس العسكري” فتح الباب أمام “تسلط سلطات المنطقة على أبنائها”.
يعتقد الباحث أسامة شيخ علي أنه رغم تحقيق إعادة الهيكلة، فإن من الواضح أن “قسد” لم تستفد من تجربتها بالقدر الكافي، إذ لا تزال تحاول اللعب على التوازنات، بدلًا من أن تمنح مكونات المنطقة حقوقها.
وأضاف ل أن الوقت سيثبت ما إذا كانت “قسد” تتجه نحو الإصلاح فعلًا، أم أنها تجامل عبر قرارات واجتماعات، وإعادة هيكلة “المجلس” واحد منها.
شيخ علي اعتبر أن غياب الوجوه الجديدة عن هيكلية “المجلس” تعود أسبابه إلى أن “قسد” تعرف هؤلاء الأشخاص، وسبق أن تعاملت معهم، وهم من الأفراد الذين لا يحملون عداء لـ”قسد”، حتى مع اتهامات الفساد التي يواجهونها.
من جانبه، يرى أنس شواخ أن “قسد” عيّنت شخصيات لا تملك ثقلًا عشائريًا، أو تاريخًا عسكريًا، وهو ما يمكن اعتباره “إضعافًا للقوة العسكرية المحلية في دير الزور لمصلحة وحدات حماية الشعب، ووحدات حماية المرأة (وهي مجموعات كردية)”.
الخبيل متهم بانتهاكات
لم يحظَ أحمد الخبيل بشعبية بسبب سمعته الإيجابية بين سكان المنطقة، بل استفاد من بعض الروابط العشائرية لتعزيز نفوذه بالمناطق التي تسيطر عليها “قسد” من محافظة دير الزور.
وتنسب العديد من الانتهاكات للخبيل (أبو خولة)، أبرزها كان قضية اغتصاب شابتين في كانون الأول 2022، وهما زوجة وشقيقة أحد عناصر “المجلس”، وأجبرت الشابتان لاحقًا على نفي الاتهامات التي وجهت للخبيل باغتصابهما تحت التهديد، وفق ما قاله أحد أقاربهما ل.
حينها أصدرت “الإدارة الذاتية” بيانًا قالت فيه إن جريمتي قتل حدثتا بـ”ظروف غاية في الوحشية” بحق فتاتين، مشيرة إلى أن قوى “الأمن الداخلي” (أسايش) باشرت بالتحقيقات التحري لكشف ملابسات هذه الجريمة.
التحقيقات لم تفضِ إلى نتيجة حتى اليوم، رغم مرور نحو عامين على وقوعها.
الباحث أسامة شيخ علي، أضاف خلال حديثه ل أن حالة العداء التي خرجت من “قسد” ضد قائد “المجلس” أحمد الخبيل لم تكن نابعة من حالة الفساد التي يعيشها، أو الاتهامات بانتهاكات مسؤول عنها، إنما كانت تهدف لتنظيم المنطقة بشكل يناسبها.
وأضاف أن فساد الخبيل لم يكن حالة جديدة، إنما محاولته إنشاء “إمارة” في المنطقة عبر تعزيز نفوذ عشيرة “البكير” التي تنتمي لقبيلة “العقيدات الزبيديّة”، وإعلان نفسه أميرًا عليها، إلى جانب تواصله مع جهات تعتبرها “قسد” مشبوهة.
ما اتهامات “قسد” ضد “أبو خولة”
بعد مرور ثلاثة أيام على المواجهات المسلحة التي شهدتها محافظة دير الزور، أعلنت “قسد” عزل أحمد الخبيل (أبو خولة)، عبر بيان نشرته بموقعها الرسمي، في 30 من آب 2023.
قرار عزل الخبيل جاء بعد “شكاوى قدمها الأهالي، وسكان دير الزور بحقه”، دون الإشارة إلى قيادة الصف الأول في “المجلس العسكري” المحتجزين لديها في الحسكة.
وأضاف البيان أن قرار العزل جاء بناء على أمر اعتقال صادر عن النيابة العامة في شمال شرقي سوريا، بسبب ارتكابه “العديد من الجرائم والتجاوزات المتعلقة بتواصله والتنسيق مع جهات خارجية معادية للثورة”.
وإلى جانب ما سبق، قالت “قسد” إن أحمد الخبيل ارتكب “جرائم جنائية بحق الأهالي وتاجر بالمخدرات”.
ووجه البيان اتهامات للخبيل تضمنت سوء إدارة الوضع الأمني في دير الزور، ودوره السلبي في زيادة نشاط خلايا تنظيم “الدولة الإسلامية”، واستغلال منصبه في “مصالحه الخاصة والعائلية بما يخالف النظام الداخلي لقوات سوريا الديمقراطية”.
وقرر المجلس العسكري لـ”مجلس دير الزور” وبموافقة من المجلس العسكري لـ”قسد” عزل أحمد الخبيل من مهامه، وإنهاء مهام أربعة أشخاص آخرين ضمن المجلس على علاقة مباشرة بتلك الجرائم والتجاوزات، دون الإشارة إلى أسمائهم.
ولم يتطرق البيان إلى المواجهات العسكرية التي دارت حينها في أرياف دير الزور الشمالية والشرقية بعد اعتقال الخبيل في 27 من آب.
مرتبط
المصدر: عنب بلدي